منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By ابراهيم بن دخيل
#54110
اعتذر الناطق في البيت الأبيض عن كلمة بوش في وصف حربه بالحرب الصليبية، وأبقت البي بي سي الخبر يوما ثم غيرته واعتذرت عنه، ومن العدل ألا نهيج لمعنى قيل لعله لم يقصده، ولكن مالنا وللألفاظ وترك الحقائق والمعاني، فإن المدارس الإسلامية في الغرب أغلقت، والجامعات، والمساجد عطلت فيها الصلوات وحل الخوف وتركت نساء الحجاب، وقل رواد صلاة الجمعة، وأرهقت المؤسسات الإسلامية، وأصبح الراكب المسلم يخرج من الطائرة، ويوقف القطار بسبب وجود معمم سيخي فيه، ويضيق الأمر على المسلمين، واعتقلت أعداد كبيرة، وقد أصبحت الضجة سببا للمطاردة. ولم يأبه صاحب متجر أن يكتب لوحة على بابه تقول اقتلوهم جميعا –يعني المسلمين- ثم الله يميز بينهم فيما بعد.
وقد كان نداء الحكومة الأمريكية ومسؤليها مشجعا، وتعاطف عدد كبير من عامة الناس طيبا، وبعضهم أعلن إسلامه، غير أننا نراقب حال الإسلام عموما ، وليس في بلد محدد بل في كل مكان، فالاعتقالات ومواجهة البنية المؤسسية والدعوية الإسلامية في خطر كبير في كل مكان، وتصرف الحكومة الأمريكية مع الدين ومؤسساته في الغرب وفي المناطق الإسلامية هو الذي يحدد هل هي حملة صليبية تجتث الإرهاب أم تهدف لحرب الإسلام، وشل قوته، ومحاصرته بالنشاط الكنسي والمليارات الكريمة المتدفقة على التبشير، يقابل ذلك أن الحكومات في العالم الإسلامي ليس لها وجود رسالي دعوي.
لقد غاب عن أمريكا المريعة والتي تُشَهِّر بالإرهاب أن النصارى في البلاد العربية عبر القرون لم يمروا بهذا الرعب الذي يمر به المسلمون في بلادها، وهم ضحية العنصرية، والتطرف الديني فيها، والتي ذهب ضحيته مسلمون وأقباط مصريون وسيخ في أمريكا غير الذين تعرضوا للأذى. ومن التناقض أن ترهب أمريكا الحكومة المصرية، وحكومات أخرى بتهمة التضييق على النصارى، بينما هي تبعد المسلمين عن الدين شعوبا وحكومات فإنها تنشئ ملاحق دينية في سفاراتها وهي دولة علمانية، وتختلف بشدة مع الصين من أجل مناصرتها للمتنصرين الصينيين! ويقوم مبشروها وعلى رأسهم الرئيس القسيس كارتر الذي يجيد العبرية ويرأس كنيسة يصلي بهم ويرعى التبشير في دول عديدة.
أما المسلمون اليوم فهم مضطهدون مطاردون في أرض أمريكا، ولا تدافع عنهم دولة، ولا تطالب لهم بحق –لأن الدول العربية تقدمية- والمؤسسات الإسلامية في أمريكا ومساجدها وقياداتها خائفون من الإعلام أومن الحكومة، أو من المتطرفين من الشعب!
أمريكا الظالمة لن تقف أمام هذه الحقيقة ولكن سيخطب بوش ويسترضي بعض الناس، ثم تخالف قوته المرعبة لبيوت الأبرياء في العالم، مطاردة وترويعا لإجراء حملة تفتيش وإرهاب على الأفراد والحكومات في العالم الإسلامي، وستستغل هذه الحادثة إلى أقصى الحدود لتعيير الحكومات العربية وهجائها، وانتقاص سيادتها، وإضعاف مكانتها ومطالبتها بتنفيذ حملة الإرهاب والتفتيش في كل مدينة، والحكومات الخائفة سوف تتطرف في الاستجابة وإلا سيكون مصيرها مصير طالبان، وهي لن تقف أمام الحلف الصليبي المقدس الذي أسقط الدولة العثمانية و أقاموا مكانها عملاءهم في اسطنبول، وهو المثال الوحيد المرضي عنه. والذي يبدو أنه سيتشكل الآن حلفا مقدسا جديدا يتخذ من هذه المشكلات وقودا سياسيا وشعبيا لمحاصرة الإسلام.
إننا ضد الفساد والتدمير وقتل الأبرياء نقولها دائما، والآن نؤكد، وضد قيام حملة صليبية مرعبة حول العالم، تستخدم الدول العربية والإسلامية طواعية أو قسرا، وسوف يحرمون الأوصاف الصحيحة لما يجري، ويمنعون الناس من ترديد هذا اللفظ الذي اختاره بوش، ولن يسمحوا لنا أن نستخدم كلامه العفوي مستقبلا، وسيقولن نحن متعصبون ومتهورون ومتطرفون، لأننا صدقنا قوله، وكان علينا أن لا نصدق أنه قيل. إن لغة وثقافة جديدة يجب أن تسود، وسلوك المكارثية الجديدة ستكون أشنع من مجرد المحاسبة على الأفكار، وسوف يحاسب على ذكر هذه الكلمة علماء ودعاة ومفكرون وسياسيون في العالم الإسلامي، ونقول بهذه المناسبة إن له ولقيادة بلده الحق في أن نسكت عن ترديد هذه المصطلحات ذات الجذور الدينية التاريخية حتى نتبين هل قصد فعلا حربا صليبية على الإسلام أم حربا على الإرهاب، وأنه لا يسر حسوا في ارتغاء. وليس من العدل أن نجور ونحن نطالب بالعدل.