- الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 1:50 pm
#54112
بصرف النطر عمَّن أشعلَ العالم العربي، وتسبَّب بهذه الثورات.... وبعيداً عن حكم الديمقراطية في الشرع والتفصيل في ذلك ... هناك ثابت أساسي حول ما جرى ويجري، أشار إليه الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومنسكي: وهو أنَّ أمريكا لن تسمح بقيام ديمقراطية حقيقية في العالم العربي ... أعتقد أننا لو بدأنا من هنا يمكننا أن نفهم وأن نعمل شيئاً قبل أن يغرق المركب أكثر من ذلك ...ولو بدأنا من هنا سنتجاوز نقاط خلاف كثيرة، لا أعتقد أن الوقوف عندها يساعدنا في الفهم أو تقديم الحلول، ليس لأن فهم البدايات غير نافع، بل إن فهم البدايات من أهم عوامل فهم أي تغير اجتماعي.
ولكن في كثير من الأحيان يكون الانطلاق من النقطة المتفق عليها، خاصة إذا كان البدء منها له نفس قوة معرفة البداية الحقيقية، وله نفس الثمرة، أفضل بكثير من إضاعة الوقت والجهد في الجدال حول البداية.
فما هي الأمور التي أتوقع أنَّها من قبيل المتـفق عليه عند المراقبين والمهتمين؟
قال أحد الإخوة صارخاً معترضاً على مجرد التفكير بأنَّ أمريكا والغرب لهما علاقة بانطلاق ما جرى ويجري: وهل الغرب وأمريكا آلهة لدرجة أنهم رسموا حركة الشعوب، وثورتها بهذه العفوية؟! هل تقولون إنهم يخططون وينفذون ليحركوا شعباً كاملاً؟! إنه شعب كامل وليس مجرد مجموعة مرتبطة بهم كي يحركوها بمثل هذه الدقة، وبمثل هذا الزخم!!!
وأكمل الصديق: إنكم أيها القائلون بمسئولية الغرب عن الثورات العربية مسكونون بنظرية المؤامرة، تظنون أنَّ وراء كل أكمة مؤامرة، وسبب أي أزمة سير مؤامرة، وأن اليهود خلف كل أزمة حتى لو كانت انقطاع البُن من الأسواق!! وأنتم أيها القائلون بهذا قانطون من وعي الجماهير العربية، آيسون من إمكانية تحركهم لدرجة أنكم تظنون أنهم لا يتحركون إلا إذا حركهم الغرب! نرجوكم شيئاً من الأمل، وقليلاً من الثقة بالله، ثم بهذه الأمة العطشى للتغيير!
فقال له صاحبه وهو يحاوره: نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فنقول إن تخطيطهم لا بدَّ متحقق، فهم ليسوا آلهة كما قلت ... ولسنا نقول إنهم مسؤولون عن بداية الثورات بالضرورة، فقد يمكن أن يكونوا قد تفاجؤوا كما تفاجأ العالم .. ولكن أي صاحبي أتنكر وأنت الحفيظ العليم:
1_ أنهم وإن تفاجأوا في البداية، فإنهم أسرع الناس أوبة وتماسكاً؟ ليس لأنهم غرب، بل لأنهم يتابعون ويدرسون، ولديهم في الدرج سيناريوهات بديلة وضعوها بعد دراسات ومتابعات، فهم لا يتحركون من فراغ.
2_ ولأنهم كما قلتُ في النقطة السابقة فإنهم وإن فاتتهم البدايات إلا أنهم يركبون المسيرة، ويوظفون في ذلك كل إمكانياتهم البشرية والمعلوماتية، ويحركون خلاياهم النائمة لتنفيذ السيناريو الذي يرونه مناسباً لطبيعة الفعل الذي يتعاملون معه.
3_ نحن نقول إن ظروف الثورة موجودة وهي الفساد والظلم وكبت الحريات والمحسوبية الخ ... والشعوب لذلك تجلس على برميل بارود، وهي جاهزة للتحرك إن وجدت من يحركها.
4_ بعد بداية الثورات نلاحظ ما يلي:
في تونس: رفع الجيش يده عن بن علي! أليس في هذا غرابة؟!
في مصر: رفع الجيش يده عن مبارك! أليس هذا غريباً؟!
في ليبيا: قاتل الناتو مع الثورة! وشارك استخباراتياً معها! وساهم في تعطيل بطاريات الصواريخ! أرجو ألا تقول لي يا صاحبي: تقاطع مصالح! أليس هذا غريباً؟!
في اليمن: الحل الذي حصل في اليمن غريب جداً، فنائب الرئيس تسلم مكانه! وكأن الثورة قامت من أجل صالح فقط! وليس من أجل نظام كامل، وكن نائب الرئيس خالي الطرف عن أي مسؤولية قامت الثورة من أجلها! في اليمن تدرك بأن الأمر قد تمت ( لففته) إن جاز التعبير! والأكثر غرابة أن الطاغية القاتل في نظر الغرب عولج في السعودية، وأكمل علاجه في أمريكا التي تقف مع الثورات على قدم وساق!! وأعلن من هناك أنه سيعود ويخوض الانتخابات!!!!!! أليس هذا غريباً؟!
ونحن إذ نسجل هذه الملاحظات لا يفوتنا أن نسجل موقفنا الرافض لكل الأنظمة التي أشرنا إليها، حتى لا يقول لنا قائل: أنتم ضد الثورة ومع الطغاة ؟ نعوذ بالله من الضلالة، ولكنها محاولة للفهم لتجنب المتوقع.
دليل المصطلحات: القوى الحقيقية: بمعنى أنها قوى فعلاً تعمل ضد المستعمر أو ضد الطغيان لكن لا يلزم من كونها قوى حقيقية أو صادقة أنها واعية، فالكلام عن صدقها لا عن وعيها.
الضدُّ النوعي الذي يستغلُّه الطاغيةُ أو المستعمر: ليس عميلاً، ولا يُدرك أنه يشتغل من خلال خطة العدو، بل يظنُّ في كثير من الأحيان أنه يسخر منه، وقد يسرح به الخيال إلى الظن بأنَّه فَرَض أجندته على الخصم .. كل هذا مع أنه لا يمتلك أدوات هذا الظن!
حركات التحرر أو حركات النهضة: مشكلة هذه الحركات ليست ـ على الغالب ـ في الإخلاص وإنما كانت في وعي الواقع، وإدراك سبيل المجرمين في الصراع الفكري! وحديثنا عنها كحركات تحرر ليس من باب تزكية تجربتها على الاطلاق، وإنما من باب إنصافها وإثبات ما تستحقه من مدح وهو مقتصر على جانب صدق التوجه في تحقيق التحرر النهضة.
إن مشكلة النهضة في العالم الإسلامي لم تكن مشكلة شجاعة ولا بذل ولا تضحية بقدر ما كانت مشكلة جهل وغفلة وغباء وسذاجة... الخ من قائمة منتجات التخلف ....
في علم المَـناعة: الضدُّ هو بروتين موجودٌ في الجسم السليم، يتم استخدامه من قبل جهاز المناعة السليم (المتابِع باستمرار لما يحدثُ في الجسم) للتعرف على الأجسام الأجنبية الضارة لتحييدها.
وفي علم السياسية وإدارة الصراع: الضدُّ هو جسم يُوظَّفُ من قِبل أحدِ طرفي الصراع لإجهاض وضرب جسم آخر يشبهه في الشكل ويضاده في النوع، وذلك لتحييده عن النشاط المنتج وسحب البساط من تحت أرجله أو لإفشاله أو لنزع شرعيته . وهذا الجسم الذي يوظفه جهاز المراقبة لدى قوة ما قد يكون يكون من إنتاجه، وقد يكون موجوداً أصلاً.
أما الذي يُنتجه فعلى الغالب يكون مكشوفاً، لذلك لا يمكنه أن ينفذ من خلاله مشروعه في تخريب خطة الخصم الحقيقي... وقد جرب الاستعمار الاعتماد على ضدٍّ نوعي من إنتاجه فلم ينجح، لأنَّ مكونات هذا الضد كانت محروقة أصلاً من قبل الجماهير، والتجربة الاستعمارية قبل ستين عاماً عندما حاول الاستعمار الاعتماد على قوى بديلة عن القوى الحقيقية فباءت تجربته بالفشل، لأنَّ هذه القوى البديلة كانت ذات تاريخ مكشوفٍ في التعامل مع الاستعمار، وهي وإن كانت تاريخياً تُمثــل القيادات التاريخية المحلية للشعوب العربية أيام العثمانيين، ولأنها لا تستطيع أن تبقى بلا غطاء سلطوي، ولا تستطيع أن تفقد نفوذها التاريخي الذي اعتادت عليه، فقد ارتمت في حضن المستعمر، بطريقة أو أخرى، بمجرد دخوله إلى المنطقة ...
وعندما احتاجها الاستعمار لتـشكل الضدَّ النوعي لإجهاض حركات التحرر كانت الفرصة قد ضاعت لأن الجماهير صنفتها في خانة المستعمر، ولذلك لم تستطع هذه القوى أن تشكل ضدَّاً نوعياً قوياً للقوى الأخرى.
في هذه الحالة يضطر الخصم إلى اللجوء إلى نموذج آخر ليقوم بدور الضد النوعي ... وهذا هو القسم الذي يكون موجوداً أصلاً! وهو مربط الفرس في بحثنا هذاـ لأنه يحتاج لعمق وحرص شديدين للتعامل معه، وكم وكم أفشل هذا الأسلوب من ثورات ومن حركات نهضة وحركات تحرر ومن كل خير كان يمكن أن يغير مجرى التاريخ في منطقة معينة
ولكن في كثير من الأحيان يكون الانطلاق من النقطة المتفق عليها، خاصة إذا كان البدء منها له نفس قوة معرفة البداية الحقيقية، وله نفس الثمرة، أفضل بكثير من إضاعة الوقت والجهد في الجدال حول البداية.
فما هي الأمور التي أتوقع أنَّها من قبيل المتـفق عليه عند المراقبين والمهتمين؟
قال أحد الإخوة صارخاً معترضاً على مجرد التفكير بأنَّ أمريكا والغرب لهما علاقة بانطلاق ما جرى ويجري: وهل الغرب وأمريكا آلهة لدرجة أنهم رسموا حركة الشعوب، وثورتها بهذه العفوية؟! هل تقولون إنهم يخططون وينفذون ليحركوا شعباً كاملاً؟! إنه شعب كامل وليس مجرد مجموعة مرتبطة بهم كي يحركوها بمثل هذه الدقة، وبمثل هذا الزخم!!!
وأكمل الصديق: إنكم أيها القائلون بمسئولية الغرب عن الثورات العربية مسكونون بنظرية المؤامرة، تظنون أنَّ وراء كل أكمة مؤامرة، وسبب أي أزمة سير مؤامرة، وأن اليهود خلف كل أزمة حتى لو كانت انقطاع البُن من الأسواق!! وأنتم أيها القائلون بهذا قانطون من وعي الجماهير العربية، آيسون من إمكانية تحركهم لدرجة أنكم تظنون أنهم لا يتحركون إلا إذا حركهم الغرب! نرجوكم شيئاً من الأمل، وقليلاً من الثقة بالله، ثم بهذه الأمة العطشى للتغيير!
فقال له صاحبه وهو يحاوره: نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فنقول إن تخطيطهم لا بدَّ متحقق، فهم ليسوا آلهة كما قلت ... ولسنا نقول إنهم مسؤولون عن بداية الثورات بالضرورة، فقد يمكن أن يكونوا قد تفاجؤوا كما تفاجأ العالم .. ولكن أي صاحبي أتنكر وأنت الحفيظ العليم:
1_ أنهم وإن تفاجأوا في البداية، فإنهم أسرع الناس أوبة وتماسكاً؟ ليس لأنهم غرب، بل لأنهم يتابعون ويدرسون، ولديهم في الدرج سيناريوهات بديلة وضعوها بعد دراسات ومتابعات، فهم لا يتحركون من فراغ.
2_ ولأنهم كما قلتُ في النقطة السابقة فإنهم وإن فاتتهم البدايات إلا أنهم يركبون المسيرة، ويوظفون في ذلك كل إمكانياتهم البشرية والمعلوماتية، ويحركون خلاياهم النائمة لتنفيذ السيناريو الذي يرونه مناسباً لطبيعة الفعل الذي يتعاملون معه.
3_ نحن نقول إن ظروف الثورة موجودة وهي الفساد والظلم وكبت الحريات والمحسوبية الخ ... والشعوب لذلك تجلس على برميل بارود، وهي جاهزة للتحرك إن وجدت من يحركها.
4_ بعد بداية الثورات نلاحظ ما يلي:
في تونس: رفع الجيش يده عن بن علي! أليس في هذا غرابة؟!
في مصر: رفع الجيش يده عن مبارك! أليس هذا غريباً؟!
في ليبيا: قاتل الناتو مع الثورة! وشارك استخباراتياً معها! وساهم في تعطيل بطاريات الصواريخ! أرجو ألا تقول لي يا صاحبي: تقاطع مصالح! أليس هذا غريباً؟!
في اليمن: الحل الذي حصل في اليمن غريب جداً، فنائب الرئيس تسلم مكانه! وكأن الثورة قامت من أجل صالح فقط! وليس من أجل نظام كامل، وكن نائب الرئيس خالي الطرف عن أي مسؤولية قامت الثورة من أجلها! في اليمن تدرك بأن الأمر قد تمت ( لففته) إن جاز التعبير! والأكثر غرابة أن الطاغية القاتل في نظر الغرب عولج في السعودية، وأكمل علاجه في أمريكا التي تقف مع الثورات على قدم وساق!! وأعلن من هناك أنه سيعود ويخوض الانتخابات!!!!!! أليس هذا غريباً؟!
ونحن إذ نسجل هذه الملاحظات لا يفوتنا أن نسجل موقفنا الرافض لكل الأنظمة التي أشرنا إليها، حتى لا يقول لنا قائل: أنتم ضد الثورة ومع الطغاة ؟ نعوذ بالله من الضلالة، ولكنها محاولة للفهم لتجنب المتوقع.
دليل المصطلحات: القوى الحقيقية: بمعنى أنها قوى فعلاً تعمل ضد المستعمر أو ضد الطغيان لكن لا يلزم من كونها قوى حقيقية أو صادقة أنها واعية، فالكلام عن صدقها لا عن وعيها.
الضدُّ النوعي الذي يستغلُّه الطاغيةُ أو المستعمر: ليس عميلاً، ولا يُدرك أنه يشتغل من خلال خطة العدو، بل يظنُّ في كثير من الأحيان أنه يسخر منه، وقد يسرح به الخيال إلى الظن بأنَّه فَرَض أجندته على الخصم .. كل هذا مع أنه لا يمتلك أدوات هذا الظن!
حركات التحرر أو حركات النهضة: مشكلة هذه الحركات ليست ـ على الغالب ـ في الإخلاص وإنما كانت في وعي الواقع، وإدراك سبيل المجرمين في الصراع الفكري! وحديثنا عنها كحركات تحرر ليس من باب تزكية تجربتها على الاطلاق، وإنما من باب إنصافها وإثبات ما تستحقه من مدح وهو مقتصر على جانب صدق التوجه في تحقيق التحرر النهضة.
إن مشكلة النهضة في العالم الإسلامي لم تكن مشكلة شجاعة ولا بذل ولا تضحية بقدر ما كانت مشكلة جهل وغفلة وغباء وسذاجة... الخ من قائمة منتجات التخلف ....
في علم المَـناعة: الضدُّ هو بروتين موجودٌ في الجسم السليم، يتم استخدامه من قبل جهاز المناعة السليم (المتابِع باستمرار لما يحدثُ في الجسم) للتعرف على الأجسام الأجنبية الضارة لتحييدها.
وفي علم السياسية وإدارة الصراع: الضدُّ هو جسم يُوظَّفُ من قِبل أحدِ طرفي الصراع لإجهاض وضرب جسم آخر يشبهه في الشكل ويضاده في النوع، وذلك لتحييده عن النشاط المنتج وسحب البساط من تحت أرجله أو لإفشاله أو لنزع شرعيته . وهذا الجسم الذي يوظفه جهاز المراقبة لدى قوة ما قد يكون يكون من إنتاجه، وقد يكون موجوداً أصلاً.
أما الذي يُنتجه فعلى الغالب يكون مكشوفاً، لذلك لا يمكنه أن ينفذ من خلاله مشروعه في تخريب خطة الخصم الحقيقي... وقد جرب الاستعمار الاعتماد على ضدٍّ نوعي من إنتاجه فلم ينجح، لأنَّ مكونات هذا الضد كانت محروقة أصلاً من قبل الجماهير، والتجربة الاستعمارية قبل ستين عاماً عندما حاول الاستعمار الاعتماد على قوى بديلة عن القوى الحقيقية فباءت تجربته بالفشل، لأنَّ هذه القوى البديلة كانت ذات تاريخ مكشوفٍ في التعامل مع الاستعمار، وهي وإن كانت تاريخياً تُمثــل القيادات التاريخية المحلية للشعوب العربية أيام العثمانيين، ولأنها لا تستطيع أن تبقى بلا غطاء سلطوي، ولا تستطيع أن تفقد نفوذها التاريخي الذي اعتادت عليه، فقد ارتمت في حضن المستعمر، بطريقة أو أخرى، بمجرد دخوله إلى المنطقة ...
وعندما احتاجها الاستعمار لتـشكل الضدَّ النوعي لإجهاض حركات التحرر كانت الفرصة قد ضاعت لأن الجماهير صنفتها في خانة المستعمر، ولذلك لم تستطع هذه القوى أن تشكل ضدَّاً نوعياً قوياً للقوى الأخرى.
في هذه الحالة يضطر الخصم إلى اللجوء إلى نموذج آخر ليقوم بدور الضد النوعي ... وهذا هو القسم الذي يكون موجوداً أصلاً! وهو مربط الفرس في بحثنا هذاـ لأنه يحتاج لعمق وحرص شديدين للتعامل معه، وكم وكم أفشل هذا الأسلوب من ثورات ومن حركات نهضة وحركات تحرر ومن كل خير كان يمكن أن يغير مجرى التاريخ في منطقة معينة