الطائفية السياسية.. مقاربة أولية للحالة اليمنية
مرسل: الجمعة أكتوبر 05, 2012 12:02 pm
معهد العربية للدراسات والتدريب
لا شك أن المراقب للمشهد السياسي العربي الراهن في هذه المرحلة التاريخية المفصلية من تاريخ المنطقة والعالم، لا يمكنه أن يغفل الارتدادات العكسية الخطيرة، التي نتجت عن تطورات الثورة السورية المعقدة والمتداخلة، وهي حالة الاحتقان الطائفي الملبدة لسماء بعض البلدان العربية، خاصة تلك التي تتواجد فيها أقليات شيعية، والتي تطورت بفعل عوامل عدة داخلية وخارجية إلى حالة هي أقرب للتوصيف بـ"الطائفية السياسية" الجديدة.
يحاول الكاتب والباحث اليمني نبيل البكيري تعريف الطائفية السياسية كمصطلح جديد نسبياً في القاموس السياسي العربي، إذ يعود تاريخيًّا، بحسب الكاتب والمفكر السوري برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون الفرنسية، إلى فترة الاستعمار الغربي للعالم العربي، خلال القرنيين الماضيين.
لكن لا يغفل الباحث المدقق في مسار تطورات الأفكار والأحداث على الساحة العربية منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت، أن أولى تباشير الطائفية السياسية حديثاً، في العالم العربي ابتدأت مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، ورفعها لشعار تصدير الثورة الإسلامية، حيث في تلك الأثناء كانت الأحداث في الساحة اللبنانية على أشدها، من اقتتال طائفي مرير مزق النسيج الوطني اللبناني، الذي لم تهدأ حتى اللحظه كارتدادات عكسية وربما قد تكون مفتعلة للوضع السوري.
الطائفية وتعقيدات الحالة اليمنية
ولا شك أن أهم مراحل تبلور فكرة الطائفية السياسية بشكل كبير وواضح في الوقت القريب، كان بعد سقوط بغداد في يد الأمريكان 2003م، و لعبهم بعد ذلك بشكل كبير على ما سمّاه الحاكم العسكري الأمريكي الأول للعراق بول بريمر استراتيجية "حرب الأفكار" تلك الحرب الطائفية، التي بعدها بعام انفجرت أولى حروب صعدة اليمنية بين قوات الحكومة اليمنية ومجاميع متمردة من أتباع السيد حسين بدر الدين الحوثي، في يونيو 2004م، والذي قتل في نهاية تلك الحرب الأولى في أغسطس من نفس العام 2004م، وتولى أخوه عبد الملك الحوثي قيادة الجماعة حتى الآن.
والحوثية كجماعة طائفية تنسب إلى مؤسسها الأول حسين بدر الدين الحوثي، تقول بانتمائها إلى المذهب الزيدي،الذي تُعد الإمامة السياسية ، أي الحكم من أهم أصوله العقائدية، وتتفق الزيدية، نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، مع الإثنى عشرية في الفكرة أي " الإمامة" وتخلتف معها في التفاصيل، أي الكيفية.
وتقول الزيدية إن الإمامة هي أصل من أصولها، وهي قائمةً في أل البيت ، من يطلقون عليهم زيدياً بـ"ـالبطنيين" أي ذرية الحسن والحسين إبني علي بن أبي طالب، وما تناسل من ذريتهم إلى قيام الساعة، شريطة خروج الإمام شاهراً سيفه مطالباً بالإمامة،بينما تقول الإثنى عشرية أن الإمامة، محصورة بإثني عشر إماماً إبتداءاً بالإمام علي بن أبي طالب، و إنتهاءاً بأخرهم محمد بن الحسن العسكري، الذين يؤمنون بوجوده داخل سرداب في مدينة سامراء العراقية حتى اللحظه.
وبتالي تُعد الزيدية بفعل نظريتي "الإمامة" و "البطنيين"، اللتين جاء بهما الإمام الهادي يحيي بن الحسين، ولا وجود لهما في تراث الإمام زيد بن علي، ولم يقل بهما أحدُ من تلامذته وأتباعه ، بمثابة نظرية سياسية في الحكم، أقرب من كونها مذهباً فقهياً، كغيره من المذاهب، و لذا لم يُعد المذهب زيدياً سوى بالنسبة للإمام زيد إسماً فقط، فيما هو نظرية سياسية خالصة، سميت بــ"الهادوية"، رغم من جاء بعد ذلك، لتوصيفها بأنها زيدية الأصول، هادوية الفروع.
ظل أئمة الهادوية ممن يطلق عليهم اليمنيون بـ"ـالهاشميين"، نسبةً إلى هاشم بن عبد المطلب، يحكمون الهضبة الشمالية من اليمن ما يقارب ألف ومئتي عام، كان يمتد لبعض الأجزاء في فترات متقطعة وبسيطة، حتى قيام ثورة سبتمبر اليمنية ضد حكم آل حميد الدين أخر الأئمة الزيدية حكما لليمن ، في عام 1962م، و لم تستقر أوضاع اليمن حينها إلا عام 1970م، بعد حرب أهلية طاحنة استمرت ما يقارب سبع سنوات، بين الثوار الجمهوريين المدعومين مصرياً والإماميين المدعومين سعوددياً، حيث أنهيت تلك الحرب بعقد إتفاقية المصالحة، التي عاد بموجبها معظم الملكيين كشركاء في الحكم الجمهوري، بإستثناء أسرة بيت حميد الدين.
فمنذ ثورة سبتمبر 1962م مايو 1990م تعاقب على حكم اليمن الشمالي، ما عُرف بالجمهورية العربية اليمنية، خمسة من الرؤساء، الذين كان أخرهم هو الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي حكم شمال اليمن 11 عاماً، وحكم الجمهورية اليمنية، وليدة وحدتي الشمال والجنوب في مايو 1990م، 22 وعشرين عاماً، وطوال كل تلك الفترة وفترات الرؤساء السابقين، التي تقارب خمسين عماً، و زعماء الهاشميين الزيدية في صعدة خصوصاً، التي يطلق عليها بمعقل الزيدية، وكرسي حكم الهادوية، لم يعترفوا بالنظام الجمهوري، وبقائهم طوال كل تلك الفترة، أشبه بحالة من الترقب، لإغتنام الفرصة واستعادة الإمامة.
فمن الشواهد الكثيرة على ذلك، أي بقاء فكرة " أحقية الحكم" هاجساً لدى متعصبي الهاشمية الإمامية ، فتوى عام 1991م الشهيرة، التي وقع عليها كل مراجع الزيدية، بإستثناء مرجعي صعدة الكبيرين ، وهما السيد بدر الدين الحوثي، والسيد مجد الدين المؤيدي، في دلالة واضحة لعدم إيمانهم بالنظام الجمهوري القائم، حيث كان فحوى تلك الفتوى ينص على أن مسألتي الإمامة والبطنيين، لم تكونا سوى مسألتين تأريخيتين ولم يعد لها مبرر الوجود، في حال وجد القوي القادر على تحمل مسؤلياته في إدارة البلاد، أي كان نسبه.
و اللافت في الأمر أن تلك الفتوى جاءت استجابة للجو السياسي العام حينها، جو قيام الوحدة وإطلاق حرية التعددية الفكرية والسياسية، وهو ما تجلى بعد ذلك بتأسيس عدد من الأحزاب السياسية اليمنية، بجانب الحزبين الحاكمين قبل ذلك للشمال والجنوب، المؤتمر الشعبي العام شمالاً، والحزب الإشتراكي اليمني جنوباً، فقد تأسس بجانبهما عدد من الأحزاب التي تتخذ من الإسلام مرجعية لها، كحزب التجمع اليمني للإصلاح ، وحزب الحق ، الذي جعل من المذهب الزيدي مرجعية له، بل والأهم من ذلك هو أن معظم مراجع الزيدية الكبار بما فيهم من رفض التوقيع على فتوى تأريخية الإمامة والبطنيين، كانوا على قمة الحزب الجديد ، حزب الحق، حيث المؤيدي رئيسا وبدر الدين الحوثي نائباً.
خاضت أحزاب تلك المرحلة انتخابات أبريل 1993م كأولى ثمار الوحدة في الديموقراطية، وفازت الأحزاب الثلاثة الكبيرة المؤتمر والإصلاح و الاشتراكي على الترتيب ، بالمقاعد الأكثر، فيما لم يفز حزب الحق سوى بمقعدين يتيمين ، فاز بهما الحزب في معقل الزيدية مدينة صعدة، حيث فاز بأحدهما مؤسس جماعة الحوثي لاحقاً السيد حسين بدر الدين الحوثي، وأحد رفاقه.
وعقب تلك النتيجة التي ربما كان مراجعا الزيدية الكبيران بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي يدركان حجم شعبيتهما الجماهرية منذ البداية، ولذا قرر العضوان البرلمانيان حسين الحوثي وعبد الله الرزامي، الإستقالة من عضوية حزب الحق، والعودة إلى صعدة، حيث كان هنالك حينها، ما يسمى بجماعة منتدى الشباب المؤمن التي أسسها مجموعة من شباب الزيدية، كالاستاذ محمد سالم عزان وأحمد الرازحي وعبد الكريم جدبان، وغيرهم، وإن كان نشاط المنتدى هو علمي تجديدي تربوي بالدرجة الأساسية.
وبعودة حسين الحوثي وانضمامه إلى مؤسسي المنتدى ، بدأت أولى نتائج التجربة الديموقراطية العكسية، تظهر على توجه حسين بدر الدين الحوثي، حيث بدأ بقوة يعمل على حرف مسار المنتدى العلمي الثقافي التربوي، و الإختلاف مع مؤسسيه، الذين كانوا قد بدأوا مسيرةً تنويرية حول كثير من إشكاليات الزيدية السياسية، فيما يتعلق بالإمامة والبطنين والصحابة وغيرها من الإشكاليات، وهو ما عارضه حسين الحوثي بقوة مستعيناً بدعم أبيه بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي.
ويرى بعض المراقبين أن ذلك وهو ما أدى إلى انقسام جماعة المنتدى إلى فريقين، جماعة تابعة لحسين الحوثي وهي التي أصبحت لاحقاً تسمى بالحوثية، وجماعة المنتدى التي جمدت نشاطها وتوقفت حتى اللحظه، ولم يكن من سبب لذلك سوى أن الجماعة المجمدة لنشاطها يقودها عدد من المفكرين الشباب الذين، لا يمتون بصلة نسب أو قرابة عرقية للمراجع الهادوية الهاشمية، سوى قرابة الفكرة فحسب، وهي قرابة لا تغني عن القرابة الأسرية السلالية التي تؤمن بها الزيدية الهادوية، ومن هنا بدأت الحوثية تبرز كفكرة طائفية سياسية.
الحالة الطائفية من التنظير إلى الواقع
ولا شك أن حالة التعبئة الطائفية، بحسب البعض هي التي دفعت بالجماعة الحوثية سته حروب طاحنة مع القوات اليمنية، على مدى الفترة الممتدة من يونيو 2004م مرحلة الحرب الأولى وحتى أغسطس 2011م، مرحلة الحرب السادسة، والتي تخللتها مواجهات بين جماعة الحوثي والقوات السعودية لم تستمر أكثر من شهر، ولم يحقق في هذه الحرب السادسة أي من الطرفين الحوثي والحكومي تقدماً يذكر، بحيث توقفت الحرب، و فرضت تلك الجماعة سلطتها على محافظة صعدة اليمنية وعينت عليها محافظاً، لإدارتها هو تاجر سلاح الشهير فارس مناع الذي لا يزال حتى اللحظه محافظاً لها، و تعتبر هذه الخطوة من قبل الجماعة، إشارة منها لأهدافها السياسية التي ظلت تخفيها و تراوغ حولها مراراً.
فمنذ اندلاع الحرب الأولى وما تلاها من حروب ، كانت الجماعة تقول أنها تدافع عن نفسها ضد ما تتعرض له من قمع و ظلم من قبل القوات اليمنية الحكومية، وكان الإعلام الحكومي اليمني، يفتقد إلى سياسة أعلامية واضحة وعلمية، للتعامل مع مثل هذه الجماعة، التي ظلت تقدم نفسها على أنها جماعة مذهبية دينية علمية لا دخل لها بالسياسة من قريب أو بعيد، وهو ما جعل التناول الإعلامي للظاهرة يبدو مشوشاً مرتبكاً، مرة يتهمها بالإثنى عشرية، والتبعية لإيران وتارة بالمهداوية ، وهي كلها توصيفات بعيدة عن حقيقة هذه الجماعة، الأخطر من كل هذه التوصيفات.
فكما ذكرنا سابقا أن الزيدية كفكرة سياسية هي أخطر بكثير من الإثنى عشرية، التي ترى مسألة الإمامة محصورة بإثني عشر إماماً، قبل أن يأتي إليها الإمام الخميني بفكرة " ولاية الفقية" هروباً من مأزق التيه الذي عاناه الشيعة الإثنا عشرية قروناً طوالاً، وهي الفكرة التي ربما عملت على تجسير الهوة كثيراً بين الزيدية و الإثنى عشرية في مسألة الإمامة السياسية، مع بعض الفوارق التفصيلية هنا أو هناك، لكنها أعادت كثيراً جريان العلاقة بين الفرقتين، اللتين يكفر بعضهما بعضاً، على إمتداد تاريخيهما، فقد كفر الإمام الهادي الإثنى عشرية بفتوى شهيرة له.
ما يهمنا هنا هو أن الحروب السته التي خاضتها الحوثية مع الحكومة اليمنية ، كانت معظمها، في ظل إنعدام الإرادة السياسية الصادقة، في التعامل مع هذه المشكلة، تصب كلها في صالح بقاء هذه الفكرة الحوثية الطائفية وتمددها وإنتشارها في مناطق أخرى، ومع قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية، إنضمت هذه الجماعة إلى الثورة، ونزل نشطاؤها لأول مرة دون سلاح إلى ساحات التغيير وميادين الحرية، وقد رحب بهم الثوار ترحيباً كبيراً، لتخليهم عن سلاحهم و إنضمامهم لهذه الثورة السلمية.
لكن الذي حصل لاحقاً، وتحديداً عقب، أحداث جمعة الكرامة الدامية في 18 مارس 2011م، وما ترتب عنها من إنشقاقات كبيرة في صفوف الجيش اليمني، وخاصة بخروج وإعلان اللواء علي محسن الاحمر إنضمامه للثورة الشبابية الشعبية، وهو القائد العسكري الذي يتهمه الحوثيون بأنه الذي قاد كل الحروب الست ضدهم في صعدة، حينها بدأ موقف الحوثيين من الثورة يأخذ منحى أكثر ضبابية و أبعد وضوحا.
فظلوا بهذه الضبابية حتى توقيع المبادرة الخليجية التي قضت بحلحلت الحالة اليمنية، بالانتقال السلمي للسلطة من الرئيس إلى نائبه، الذي أصبح رئيسا بالانتخاب، الذي رفضه الحوثيون تماماً، وقاطعوا الإقتراع أيضا، وهو ما فسر بعد ذلك ضبابية الموقف لدى هذه الجماعة، حيث أنها رأت أن إنتقال الحكم من المركز الحاكم لليمن على مدى قرون من الزمن، وهي جغرافية المذهب الزيدي، الذي ظل يحكم اليمن حتى بعد إعلان قيام الجمهورية، إذ لم يتسنى لرئيس من خارج إطار هذا المركز الجغرافي المذهب الطائفي أن يحكم حتى قيام هذه الثورة وإتيانها بالرئيس عبد ربه منصور هادي من خارج ما يطلق عليه بعض سياسيو اليمن بـ"المركز المقدس".
لم يكن هناك من سبب كافي لرفض المبادرة الخليجية - بغض النظر عن التحفظات الوجيهة لديهم - سوى أنها قضت بانتقال السلطة من الرئيس صالح المحسوب جغرافيا ومذهبياً على الزيدية، إلى الرئيس هادي المحسوب مذهبياً وجغرافيا على المذهب الشافعي، وبتالي كرس الحوثيون جهودهم بإتجاه إعادة ترتيب أوراق تحالفاتهم حتى مع خصومهم القدماء، وانجلى المشهد عن أبشع صور الطائفية السياسية في اليمن التي ما فتئ اليمنيون يتخلصون منها حتى عادت من جديد.
إيران والطائفية وإعادة رسم الخارطة اليمنية
لم يجد الإيرانيون مناسبة - كقوى تريد أن تظهر دورها كقوى إقليمية كبيرة، في المنطقة - للتمدد والتأثير على مجريات السياسة في اليمن ، مثلما سنحت لهم الفرصة الراهنة بذلك، فعملوا بكل طاقتهم من أجل أن لا تفوتهم هذه الفرصة الثمينة التي مكنهم منها إنعدام بل وغياب وجود استراتيجية واضحة المعالم لدى خصومهم في المملكة والخليج، وربما تواطؤ الأمريكان في الأمر مثلما حصل في الحالة العراقية، التي سلمت فيها للإيرانيين على طبق من ذهب.
ومثلما وجد الإيرانيون فرصة ثمينة لتحقيق مصالحهم الإستراتيجية فقط وجدها الحوثيون أيضا فرصةً أثمن كمخرج لحالة الطائفية التي يحملونها لإعادة ترتيب أوراقهم من خلال البحث عن حلفاء لهم و هو ما كشف عن سعيهم الحثيث بالتحالف مع الرئيس صالح وبقايا أسرته وخاصة القادة الذين لا يزالون على رأس المؤسسات العسكرية كالحرس الجمهوري والأمن المركزي، بحجة أن معادلة التوازن السياسي في اليمن اختلت لغير صالحهم، أي لغير صالح الطائفه الزيدية التي يدعون احتكارهم تمثيلها.
ولا يخفى على كثير من الباحثين، أن سبب هذا النشاط الكبير والمحموم لدى هذه الجماعة الطائفية، في إعادة الانتشار والتمدد بالقوة والسياسة، هو دخول العامل الخارجي الإيراني بقوة في هذه المرحلة بذات، و هو الدور الذي لا يخفى وجوده على كثير من المراقبين، من خلال حالة الانفتاح والدعم الكبير الذي تتمتع به هذه الجماعة، على أكثر من صعيد، وهي الجماعة الوليدة قريباً، وظهرت بكل هذا التكتيك السياسي والنجاح الإعلامي الكبير، رغم حداثة تكوينها، وقلة كوادرها المؤهلة أيضا.
ومما ساعد في خدمة مشروعهم هذا هو أنهم استفادوا من حالة الصراع الإقليمي المحتدم، بين محوري إيران والمملكة العربية السعودية، فكان رفضهم للمبادرة التي ترعاها رسميا المملكة هو بإيعاز إيراني، الذي تبدى بشكل كبير من خلال ازدياد نشاطها الكبير على الساحة اليمنية وخاصة مع إقالة صالح و صعود هادي للرئاسة، حيث عملت إيران على إعادة تأهيل كثير من كوادر الحوثيين وكل الذين يلتقون عند هدفهم ، ممن يسمون بالهاشميين، وهو بقائهم على قمة الهرم السياسي للبلاد.
وهكذا قدمت لهم إيران الكثير من التسهيلات في كثير من المجالات، الإعلامية واللوجستية وربما العسكرية، من خلال سفرياتها الدائمة والمستمرة لعدد من الناشطين المحسوبين على هذا التيار، والجماعة، أو ممن يبحث له عن دور ولو كان من خارج إطار الإيمان بهذه الأفكار الطائفية، وهو ما لا يمانع منه كثيراً الإيرانيون بقدر تشجيعهم على ذلك، بل واعتبارهم ذلك جزءا مهما من مشروعهم في اليمن، وهو ما اتضح بقوة من خلال حالة الانفتاح الكبير من قبل هذه الجماعة الطائفية على عدد من تيارات السياسة اليمنية من يساريين وقوميين، و الذين جمع البعض منهم، مع هذه الجماعة الطائفية، هو هدف العداء لحزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي الحزب الأكبر والأكثر تأثيراً في المشهد السياسي اليمني على مدى عقدين من الزمن وحتى اللحظة فضلا عن حضوره الكبير أثناء الثورة السلمية.
فلم تكتف إيران بدعم هذه الجماعة فحسب، بل تعد خطورة الإيرانيين سياسياً، هو أنهم لا يعدون هذه الجماعة الطائفية سوى واحد من مشاريعهم الكثيرة في اليمن، لذا تجدهم وسعوا من دائرة استقطاباتهم السياسية على مدى خارطة المشهد السياسي اليمني، وهو ما حذر منه وبشكل صريح وواضح الرئيس عبد ربه منصور هادي في إحدى خطاباته أمام ضباط الكلية الحربية، بقوله " على إخوتنا في إيران أن يرفعوا أيديهم عن اليمن" وهو ما يعني خطورة تمدد وتوسع المشروع الإيراني في اليمن، والذي لم يكتف بالنفوذ والسيطرة في المناطق الشيعية الزيدية، بل تمدد حتى في المناطق الشافعية بل و في أكثرها مدنيةً كتعز وعدن أيضا.
فها هي إيران تدعم كل المناوئين لمشروع التسوية الخليجية، حتى أؤلئك الذين هم أعضاء في أحزاب المشترك، الموقع والموافق على التسوية، بل والأغرب أيضا هو دعمها لعدد من فصائل الحراك الجنوبي، التي تنادي بالانفصال، كفصيل نائب الرئيس السابق على سالم البيض، والذي مدته حتى بالفضائية التي تبث مع عدد من القنوات الفضائية الأخرى الموجهة لليمن، كقناة المسيرة التابعة للحوثيين والساحات التابعة للتيار الحداثي المتحالف مع جماعة الحوثي، وكذلك قناة عدن لايف التابعة أيضا للبيض.
وهكذا بدأت ملامح خارطة سياسية جديدة بالتشكل، لم يعد طرفيها هما أحزاب المعارضة في اللقاء المشترك، ممثلةً بالإصلاح الإسلامي والاشتراكي والناصري والبعث والحق وإتحاد القوى الشعبية، فيما الطرف الآخر حزب المؤتمر وحلفاؤه، بل بدأت ملامح خارطة سياسية أخرى هي أقرب في التوصيف إلى خارطة الطائفية السياسية الموجودة في لبنان والعراق اليوم، تلك التحالفات التي تبني علاقتها مع إيران ومشروعها في المنطقة العربية أو ضد إيران ومشروعها في المنطقة، فضلا عن تفريخها لعدد من الأحزاب الجديدة الموالية كحزب الأمة المقرب من الحوثيين، والحزب الديمقراطي اليمني ، ذي الصيغة الحداثوية الطائفي.
الطائفية الحوثية الحلول والمعالجات
تمثل الحالة الحوثية، واحدة من تلك الأمراض المستعصية، في واقعنا السياسي، كمثيلاتها في الساحتين اللبنانية كحزب الله وحركة أمل، والعراقية،كالجماعات والأحزاب الشيعية المتربعة على واجهة المشهد السياسي العراقي منذ الاحتلال الأمريكي وحتى اليوم، وتكمن خطورة الحالة الحوثية كونها حالة طائفية عنصرية عرقية، لا تقف عند مستوى الاصطفاف المذهبي فحسب ، بل تذهب أبعد من ذلك إلى خرافة الانتقائية العرقية لسلالة بعينها، وهو ما يؤدي إلى حالة من التمايز العرقي في المجتمع.
صحيح أن تستمد هذه الحالة شرعيتها من ستة حروب مضت، لكنها أيضا لا تكتفي بذلك بل تذهب إلى أبعد مدى في تقديم نفسها ممثلاً شرعياً ووحيداً للزيدية التأريخية كما في وثيقتها الفكرية التي نشرتها سابقا ، وتقدم نفسها للناس كونها الوريث الشرعي والوحيد للزيدية التي ظلت لأكثر من ألف عام متربعة على حكم هذه الهضبة الجبلية، من أرض اليمن،وتكمن خطورة هذه الحالة اليوم، في محاولة القائمين عليها البحث عن اصطفاف مذهبي مناطقي عرقي، يعود باليمن قروناً نحو الماضي السحيق.
وتكمن أيضا أهم منابع الخطر في طائفية الحالة الحوثية، هو حالة الغموض التي تتمتع بها هذه الجماعة ، وحالة التماهي مع المتغيرات السياسية أيضاً، وهو ما يولد حالة من الضبابية القاتمة حولها وأهدافها المخفية أيضا، أي أن الحركة بقدر انشدادها نحو حلمها المفرط باستعادة ملك الإمامة الغابر، بقدر هروبها عن الالتزام بكل شروط العمل السياسي الدستوري، من الاعتراف بالديموقراطية كخيار سياسي استراتيجي،و الاعتراف بالتعددية السياسية والثقافية والفكرية.
فمما يلاحظه المراقبون اليوم في هذه الجماعة هو أنها أصبحت، لا تستمد حضورها السياسي من خلال قوتها الثقافية والفكرية والتنظيمية، بقدر استمدادها لتلك القوة من تورطها في مستنقع العنف والسلاح، ومحاولة إكراه الناس وجبرهم على اعتناق فكرتها الماضوية ليس بقوة الحجة بل قوة السلاح، وهذا ما يشير على مستقبل هذا الجماعة التي حتى اللحظه لم تحدد موقفاً واضحاً من كثير من استحقاقات الثورة اليمنية السلمية، كخيارات مستقبل الدولة اليمنية، من المدنية والديموقراطية والفدرالية وغيرها.
فضلا عن كل ذلك، تبقى حالة الارتهان التي تبديه هذه الجماعة ، لقوى إقليمية كإيران، كردة فعل لحالة التبعية التي تتهم خصومها ووقوعهم بها، لتبرر لنفسها حالة التبعية تلك، هو الذي يثير كثيرا من المخاوف حول طائفية هذا الجماعة، كون إيران هي العامل الرئيسي غير المباشر في كل حالات الاحتقان الطائفي في المنطقة العربية في كل من البحرين و العراق ولبنان وسوريا اليوم، مما يعني أن الجماعة في طريقها لتصبح مجرد ورقة سياسية في يد إيران، تستخدمها متى ما تريد و توقفها متى ما تريد أيضا.
فالحالة الطائفية، لا تعني أنها مقتصرة على هذه الجماعة دون غيرها، بل هناك حالة مقابلة لها، وهي الحالة السلفية التي تغذيها هي الأخرى أطراف إقليمية، تسعى من خلالها للعب دور ما، في مسألة الإحماء الطائفي الذي يراد جعله بديلاً للثورات المضادة، لإدخال المنطقة برمتها في إتون صراع طائفي مشتعل، يستنفذ كل قوى التغيير في المنطقة، وإفراغها في صراعات طائفية جانبية، لا تخدم سوى أعداء هذه الأوطان، التي يراد جعلها حقول تجارب لتنظيرات النخبة الحاكمة في الغرب وإيران على حد سواء.
ولا سبيل بحسب كل مؤشرات اللحظة الراهنة، للخروج من هذا المستنقع الطائفي إلا بالبحث عن الحل والبديل الكامن في امتلاك هذه البلدان لإرادتها السياسية، التي من خلالها يحتم على أبنائها السعي لإيجاد المشروع الوطني البديل للتشظي الطائفي في هذه البلدان والمتمثل بإيجاد مشروع دولة المواطنة المتساوية، الدولة المدنية الحديثة التي تنظر للإنسان كإنسان فحسب مجرد من أي زيادات مذهبية أو طائفية ليس له فيها أي خيار، غير خيار ولادته غير المختارة منتمياً لهذه الأسرة أو تلك، لهذه الطائفة أو الأخرى.
لا حل بديل وحقيقي للخروج من مأزق التبعية التاريخية، للفرس والرومان، بثنائية الغساسنة والمناذرة ، وكذا ثنائية صفين الجمل،إلا بالحث عن مشروع دولة المواطنة، دولة الحقوق والحريات، دولة العدالة الاجتماعية، التي ترتكز على إنسانية الإنسان فحسب، ولا تنظر إلى لونه وعرقه ومذهبه وطائفيته، وإلا فإن البديل الطائفي هو الحل الجاهز في أجندة كثير من القوى الدولية والإقليمية لإبقاء المنطقة تحت رحمة هذه القوى، التي ما لم توحد أهدافها وتنسق جهودها بعيدا عن أي شكل من أشكال التحيزات الطائفية المقيتة، الي سيؤدي بالمنطقة إلى ما يشبه معارك الغساسنة والمناذرة وتكرار أيام ال
جاهلية الأولى لا أقل ولا أكثر.
لا شك أن المراقب للمشهد السياسي العربي الراهن في هذه المرحلة التاريخية المفصلية من تاريخ المنطقة والعالم، لا يمكنه أن يغفل الارتدادات العكسية الخطيرة، التي نتجت عن تطورات الثورة السورية المعقدة والمتداخلة، وهي حالة الاحتقان الطائفي الملبدة لسماء بعض البلدان العربية، خاصة تلك التي تتواجد فيها أقليات شيعية، والتي تطورت بفعل عوامل عدة داخلية وخارجية إلى حالة هي أقرب للتوصيف بـ"الطائفية السياسية" الجديدة.
يحاول الكاتب والباحث اليمني نبيل البكيري تعريف الطائفية السياسية كمصطلح جديد نسبياً في القاموس السياسي العربي، إذ يعود تاريخيًّا، بحسب الكاتب والمفكر السوري برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون الفرنسية، إلى فترة الاستعمار الغربي للعالم العربي، خلال القرنيين الماضيين.
لكن لا يغفل الباحث المدقق في مسار تطورات الأفكار والأحداث على الساحة العربية منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت، أن أولى تباشير الطائفية السياسية حديثاً، في العالم العربي ابتدأت مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، ورفعها لشعار تصدير الثورة الإسلامية، حيث في تلك الأثناء كانت الأحداث في الساحة اللبنانية على أشدها، من اقتتال طائفي مرير مزق النسيج الوطني اللبناني، الذي لم تهدأ حتى اللحظه كارتدادات عكسية وربما قد تكون مفتعلة للوضع السوري.
الطائفية وتعقيدات الحالة اليمنية
ولا شك أن أهم مراحل تبلور فكرة الطائفية السياسية بشكل كبير وواضح في الوقت القريب، كان بعد سقوط بغداد في يد الأمريكان 2003م، و لعبهم بعد ذلك بشكل كبير على ما سمّاه الحاكم العسكري الأمريكي الأول للعراق بول بريمر استراتيجية "حرب الأفكار" تلك الحرب الطائفية، التي بعدها بعام انفجرت أولى حروب صعدة اليمنية بين قوات الحكومة اليمنية ومجاميع متمردة من أتباع السيد حسين بدر الدين الحوثي، في يونيو 2004م، والذي قتل في نهاية تلك الحرب الأولى في أغسطس من نفس العام 2004م، وتولى أخوه عبد الملك الحوثي قيادة الجماعة حتى الآن.
والحوثية كجماعة طائفية تنسب إلى مؤسسها الأول حسين بدر الدين الحوثي، تقول بانتمائها إلى المذهب الزيدي،الذي تُعد الإمامة السياسية ، أي الحكم من أهم أصوله العقائدية، وتتفق الزيدية، نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، مع الإثنى عشرية في الفكرة أي " الإمامة" وتخلتف معها في التفاصيل، أي الكيفية.
وتقول الزيدية إن الإمامة هي أصل من أصولها، وهي قائمةً في أل البيت ، من يطلقون عليهم زيدياً بـ"ـالبطنيين" أي ذرية الحسن والحسين إبني علي بن أبي طالب، وما تناسل من ذريتهم إلى قيام الساعة، شريطة خروج الإمام شاهراً سيفه مطالباً بالإمامة،بينما تقول الإثنى عشرية أن الإمامة، محصورة بإثني عشر إماماً إبتداءاً بالإمام علي بن أبي طالب، و إنتهاءاً بأخرهم محمد بن الحسن العسكري، الذين يؤمنون بوجوده داخل سرداب في مدينة سامراء العراقية حتى اللحظه.
وبتالي تُعد الزيدية بفعل نظريتي "الإمامة" و "البطنيين"، اللتين جاء بهما الإمام الهادي يحيي بن الحسين، ولا وجود لهما في تراث الإمام زيد بن علي، ولم يقل بهما أحدُ من تلامذته وأتباعه ، بمثابة نظرية سياسية في الحكم، أقرب من كونها مذهباً فقهياً، كغيره من المذاهب، و لذا لم يُعد المذهب زيدياً سوى بالنسبة للإمام زيد إسماً فقط، فيما هو نظرية سياسية خالصة، سميت بــ"الهادوية"، رغم من جاء بعد ذلك، لتوصيفها بأنها زيدية الأصول، هادوية الفروع.
ظل أئمة الهادوية ممن يطلق عليهم اليمنيون بـ"ـالهاشميين"، نسبةً إلى هاشم بن عبد المطلب، يحكمون الهضبة الشمالية من اليمن ما يقارب ألف ومئتي عام، كان يمتد لبعض الأجزاء في فترات متقطعة وبسيطة، حتى قيام ثورة سبتمبر اليمنية ضد حكم آل حميد الدين أخر الأئمة الزيدية حكما لليمن ، في عام 1962م، و لم تستقر أوضاع اليمن حينها إلا عام 1970م، بعد حرب أهلية طاحنة استمرت ما يقارب سبع سنوات، بين الثوار الجمهوريين المدعومين مصرياً والإماميين المدعومين سعوددياً، حيث أنهيت تلك الحرب بعقد إتفاقية المصالحة، التي عاد بموجبها معظم الملكيين كشركاء في الحكم الجمهوري، بإستثناء أسرة بيت حميد الدين.
فمنذ ثورة سبتمبر 1962م مايو 1990م تعاقب على حكم اليمن الشمالي، ما عُرف بالجمهورية العربية اليمنية، خمسة من الرؤساء، الذين كان أخرهم هو الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي حكم شمال اليمن 11 عاماً، وحكم الجمهورية اليمنية، وليدة وحدتي الشمال والجنوب في مايو 1990م، 22 وعشرين عاماً، وطوال كل تلك الفترة وفترات الرؤساء السابقين، التي تقارب خمسين عماً، و زعماء الهاشميين الزيدية في صعدة خصوصاً، التي يطلق عليها بمعقل الزيدية، وكرسي حكم الهادوية، لم يعترفوا بالنظام الجمهوري، وبقائهم طوال كل تلك الفترة، أشبه بحالة من الترقب، لإغتنام الفرصة واستعادة الإمامة.
فمن الشواهد الكثيرة على ذلك، أي بقاء فكرة " أحقية الحكم" هاجساً لدى متعصبي الهاشمية الإمامية ، فتوى عام 1991م الشهيرة، التي وقع عليها كل مراجع الزيدية، بإستثناء مرجعي صعدة الكبيرين ، وهما السيد بدر الدين الحوثي، والسيد مجد الدين المؤيدي، في دلالة واضحة لعدم إيمانهم بالنظام الجمهوري القائم، حيث كان فحوى تلك الفتوى ينص على أن مسألتي الإمامة والبطنيين، لم تكونا سوى مسألتين تأريخيتين ولم يعد لها مبرر الوجود، في حال وجد القوي القادر على تحمل مسؤلياته في إدارة البلاد، أي كان نسبه.
و اللافت في الأمر أن تلك الفتوى جاءت استجابة للجو السياسي العام حينها، جو قيام الوحدة وإطلاق حرية التعددية الفكرية والسياسية، وهو ما تجلى بعد ذلك بتأسيس عدد من الأحزاب السياسية اليمنية، بجانب الحزبين الحاكمين قبل ذلك للشمال والجنوب، المؤتمر الشعبي العام شمالاً، والحزب الإشتراكي اليمني جنوباً، فقد تأسس بجانبهما عدد من الأحزاب التي تتخذ من الإسلام مرجعية لها، كحزب التجمع اليمني للإصلاح ، وحزب الحق ، الذي جعل من المذهب الزيدي مرجعية له، بل والأهم من ذلك هو أن معظم مراجع الزيدية الكبار بما فيهم من رفض التوقيع على فتوى تأريخية الإمامة والبطنيين، كانوا على قمة الحزب الجديد ، حزب الحق، حيث المؤيدي رئيسا وبدر الدين الحوثي نائباً.
خاضت أحزاب تلك المرحلة انتخابات أبريل 1993م كأولى ثمار الوحدة في الديموقراطية، وفازت الأحزاب الثلاثة الكبيرة المؤتمر والإصلاح و الاشتراكي على الترتيب ، بالمقاعد الأكثر، فيما لم يفز حزب الحق سوى بمقعدين يتيمين ، فاز بهما الحزب في معقل الزيدية مدينة صعدة، حيث فاز بأحدهما مؤسس جماعة الحوثي لاحقاً السيد حسين بدر الدين الحوثي، وأحد رفاقه.
وعقب تلك النتيجة التي ربما كان مراجعا الزيدية الكبيران بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي يدركان حجم شعبيتهما الجماهرية منذ البداية، ولذا قرر العضوان البرلمانيان حسين الحوثي وعبد الله الرزامي، الإستقالة من عضوية حزب الحق، والعودة إلى صعدة، حيث كان هنالك حينها، ما يسمى بجماعة منتدى الشباب المؤمن التي أسسها مجموعة من شباب الزيدية، كالاستاذ محمد سالم عزان وأحمد الرازحي وعبد الكريم جدبان، وغيرهم، وإن كان نشاط المنتدى هو علمي تجديدي تربوي بالدرجة الأساسية.
وبعودة حسين الحوثي وانضمامه إلى مؤسسي المنتدى ، بدأت أولى نتائج التجربة الديموقراطية العكسية، تظهر على توجه حسين بدر الدين الحوثي، حيث بدأ بقوة يعمل على حرف مسار المنتدى العلمي الثقافي التربوي، و الإختلاف مع مؤسسيه، الذين كانوا قد بدأوا مسيرةً تنويرية حول كثير من إشكاليات الزيدية السياسية، فيما يتعلق بالإمامة والبطنين والصحابة وغيرها من الإشكاليات، وهو ما عارضه حسين الحوثي بقوة مستعيناً بدعم أبيه بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي.
ويرى بعض المراقبين أن ذلك وهو ما أدى إلى انقسام جماعة المنتدى إلى فريقين، جماعة تابعة لحسين الحوثي وهي التي أصبحت لاحقاً تسمى بالحوثية، وجماعة المنتدى التي جمدت نشاطها وتوقفت حتى اللحظه، ولم يكن من سبب لذلك سوى أن الجماعة المجمدة لنشاطها يقودها عدد من المفكرين الشباب الذين، لا يمتون بصلة نسب أو قرابة عرقية للمراجع الهادوية الهاشمية، سوى قرابة الفكرة فحسب، وهي قرابة لا تغني عن القرابة الأسرية السلالية التي تؤمن بها الزيدية الهادوية، ومن هنا بدأت الحوثية تبرز كفكرة طائفية سياسية.
الحالة الطائفية من التنظير إلى الواقع
ولا شك أن حالة التعبئة الطائفية، بحسب البعض هي التي دفعت بالجماعة الحوثية سته حروب طاحنة مع القوات اليمنية، على مدى الفترة الممتدة من يونيو 2004م مرحلة الحرب الأولى وحتى أغسطس 2011م، مرحلة الحرب السادسة، والتي تخللتها مواجهات بين جماعة الحوثي والقوات السعودية لم تستمر أكثر من شهر، ولم يحقق في هذه الحرب السادسة أي من الطرفين الحوثي والحكومي تقدماً يذكر، بحيث توقفت الحرب، و فرضت تلك الجماعة سلطتها على محافظة صعدة اليمنية وعينت عليها محافظاً، لإدارتها هو تاجر سلاح الشهير فارس مناع الذي لا يزال حتى اللحظه محافظاً لها، و تعتبر هذه الخطوة من قبل الجماعة، إشارة منها لأهدافها السياسية التي ظلت تخفيها و تراوغ حولها مراراً.
فمنذ اندلاع الحرب الأولى وما تلاها من حروب ، كانت الجماعة تقول أنها تدافع عن نفسها ضد ما تتعرض له من قمع و ظلم من قبل القوات اليمنية الحكومية، وكان الإعلام الحكومي اليمني، يفتقد إلى سياسة أعلامية واضحة وعلمية، للتعامل مع مثل هذه الجماعة، التي ظلت تقدم نفسها على أنها جماعة مذهبية دينية علمية لا دخل لها بالسياسة من قريب أو بعيد، وهو ما جعل التناول الإعلامي للظاهرة يبدو مشوشاً مرتبكاً، مرة يتهمها بالإثنى عشرية، والتبعية لإيران وتارة بالمهداوية ، وهي كلها توصيفات بعيدة عن حقيقة هذه الجماعة، الأخطر من كل هذه التوصيفات.
فكما ذكرنا سابقا أن الزيدية كفكرة سياسية هي أخطر بكثير من الإثنى عشرية، التي ترى مسألة الإمامة محصورة بإثني عشر إماماً، قبل أن يأتي إليها الإمام الخميني بفكرة " ولاية الفقية" هروباً من مأزق التيه الذي عاناه الشيعة الإثنا عشرية قروناً طوالاً، وهي الفكرة التي ربما عملت على تجسير الهوة كثيراً بين الزيدية و الإثنى عشرية في مسألة الإمامة السياسية، مع بعض الفوارق التفصيلية هنا أو هناك، لكنها أعادت كثيراً جريان العلاقة بين الفرقتين، اللتين يكفر بعضهما بعضاً، على إمتداد تاريخيهما، فقد كفر الإمام الهادي الإثنى عشرية بفتوى شهيرة له.
ما يهمنا هنا هو أن الحروب السته التي خاضتها الحوثية مع الحكومة اليمنية ، كانت معظمها، في ظل إنعدام الإرادة السياسية الصادقة، في التعامل مع هذه المشكلة، تصب كلها في صالح بقاء هذه الفكرة الحوثية الطائفية وتمددها وإنتشارها في مناطق أخرى، ومع قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية، إنضمت هذه الجماعة إلى الثورة، ونزل نشطاؤها لأول مرة دون سلاح إلى ساحات التغيير وميادين الحرية، وقد رحب بهم الثوار ترحيباً كبيراً، لتخليهم عن سلاحهم و إنضمامهم لهذه الثورة السلمية.
لكن الذي حصل لاحقاً، وتحديداً عقب، أحداث جمعة الكرامة الدامية في 18 مارس 2011م، وما ترتب عنها من إنشقاقات كبيرة في صفوف الجيش اليمني، وخاصة بخروج وإعلان اللواء علي محسن الاحمر إنضمامه للثورة الشبابية الشعبية، وهو القائد العسكري الذي يتهمه الحوثيون بأنه الذي قاد كل الحروب الست ضدهم في صعدة، حينها بدأ موقف الحوثيين من الثورة يأخذ منحى أكثر ضبابية و أبعد وضوحا.
فظلوا بهذه الضبابية حتى توقيع المبادرة الخليجية التي قضت بحلحلت الحالة اليمنية، بالانتقال السلمي للسلطة من الرئيس إلى نائبه، الذي أصبح رئيسا بالانتخاب، الذي رفضه الحوثيون تماماً، وقاطعوا الإقتراع أيضا، وهو ما فسر بعد ذلك ضبابية الموقف لدى هذه الجماعة، حيث أنها رأت أن إنتقال الحكم من المركز الحاكم لليمن على مدى قرون من الزمن، وهي جغرافية المذهب الزيدي، الذي ظل يحكم اليمن حتى بعد إعلان قيام الجمهورية، إذ لم يتسنى لرئيس من خارج إطار هذا المركز الجغرافي المذهب الطائفي أن يحكم حتى قيام هذه الثورة وإتيانها بالرئيس عبد ربه منصور هادي من خارج ما يطلق عليه بعض سياسيو اليمن بـ"المركز المقدس".
لم يكن هناك من سبب كافي لرفض المبادرة الخليجية - بغض النظر عن التحفظات الوجيهة لديهم - سوى أنها قضت بانتقال السلطة من الرئيس صالح المحسوب جغرافيا ومذهبياً على الزيدية، إلى الرئيس هادي المحسوب مذهبياً وجغرافيا على المذهب الشافعي، وبتالي كرس الحوثيون جهودهم بإتجاه إعادة ترتيب أوراق تحالفاتهم حتى مع خصومهم القدماء، وانجلى المشهد عن أبشع صور الطائفية السياسية في اليمن التي ما فتئ اليمنيون يتخلصون منها حتى عادت من جديد.
إيران والطائفية وإعادة رسم الخارطة اليمنية
لم يجد الإيرانيون مناسبة - كقوى تريد أن تظهر دورها كقوى إقليمية كبيرة، في المنطقة - للتمدد والتأثير على مجريات السياسة في اليمن ، مثلما سنحت لهم الفرصة الراهنة بذلك، فعملوا بكل طاقتهم من أجل أن لا تفوتهم هذه الفرصة الثمينة التي مكنهم منها إنعدام بل وغياب وجود استراتيجية واضحة المعالم لدى خصومهم في المملكة والخليج، وربما تواطؤ الأمريكان في الأمر مثلما حصل في الحالة العراقية، التي سلمت فيها للإيرانيين على طبق من ذهب.
ومثلما وجد الإيرانيون فرصة ثمينة لتحقيق مصالحهم الإستراتيجية فقط وجدها الحوثيون أيضا فرصةً أثمن كمخرج لحالة الطائفية التي يحملونها لإعادة ترتيب أوراقهم من خلال البحث عن حلفاء لهم و هو ما كشف عن سعيهم الحثيث بالتحالف مع الرئيس صالح وبقايا أسرته وخاصة القادة الذين لا يزالون على رأس المؤسسات العسكرية كالحرس الجمهوري والأمن المركزي، بحجة أن معادلة التوازن السياسي في اليمن اختلت لغير صالحهم، أي لغير صالح الطائفه الزيدية التي يدعون احتكارهم تمثيلها.
ولا يخفى على كثير من الباحثين، أن سبب هذا النشاط الكبير والمحموم لدى هذه الجماعة الطائفية، في إعادة الانتشار والتمدد بالقوة والسياسة، هو دخول العامل الخارجي الإيراني بقوة في هذه المرحلة بذات، و هو الدور الذي لا يخفى وجوده على كثير من المراقبين، من خلال حالة الانفتاح والدعم الكبير الذي تتمتع به هذه الجماعة، على أكثر من صعيد، وهي الجماعة الوليدة قريباً، وظهرت بكل هذا التكتيك السياسي والنجاح الإعلامي الكبير، رغم حداثة تكوينها، وقلة كوادرها المؤهلة أيضا.
ومما ساعد في خدمة مشروعهم هذا هو أنهم استفادوا من حالة الصراع الإقليمي المحتدم، بين محوري إيران والمملكة العربية السعودية، فكان رفضهم للمبادرة التي ترعاها رسميا المملكة هو بإيعاز إيراني، الذي تبدى بشكل كبير من خلال ازدياد نشاطها الكبير على الساحة اليمنية وخاصة مع إقالة صالح و صعود هادي للرئاسة، حيث عملت إيران على إعادة تأهيل كثير من كوادر الحوثيين وكل الذين يلتقون عند هدفهم ، ممن يسمون بالهاشميين، وهو بقائهم على قمة الهرم السياسي للبلاد.
وهكذا قدمت لهم إيران الكثير من التسهيلات في كثير من المجالات، الإعلامية واللوجستية وربما العسكرية، من خلال سفرياتها الدائمة والمستمرة لعدد من الناشطين المحسوبين على هذا التيار، والجماعة، أو ممن يبحث له عن دور ولو كان من خارج إطار الإيمان بهذه الأفكار الطائفية، وهو ما لا يمانع منه كثيراً الإيرانيون بقدر تشجيعهم على ذلك، بل واعتبارهم ذلك جزءا مهما من مشروعهم في اليمن، وهو ما اتضح بقوة من خلال حالة الانفتاح الكبير من قبل هذه الجماعة الطائفية على عدد من تيارات السياسة اليمنية من يساريين وقوميين، و الذين جمع البعض منهم، مع هذه الجماعة الطائفية، هو هدف العداء لحزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي الحزب الأكبر والأكثر تأثيراً في المشهد السياسي اليمني على مدى عقدين من الزمن وحتى اللحظة فضلا عن حضوره الكبير أثناء الثورة السلمية.
فلم تكتف إيران بدعم هذه الجماعة فحسب، بل تعد خطورة الإيرانيين سياسياً، هو أنهم لا يعدون هذه الجماعة الطائفية سوى واحد من مشاريعهم الكثيرة في اليمن، لذا تجدهم وسعوا من دائرة استقطاباتهم السياسية على مدى خارطة المشهد السياسي اليمني، وهو ما حذر منه وبشكل صريح وواضح الرئيس عبد ربه منصور هادي في إحدى خطاباته أمام ضباط الكلية الحربية، بقوله " على إخوتنا في إيران أن يرفعوا أيديهم عن اليمن" وهو ما يعني خطورة تمدد وتوسع المشروع الإيراني في اليمن، والذي لم يكتف بالنفوذ والسيطرة في المناطق الشيعية الزيدية، بل تمدد حتى في المناطق الشافعية بل و في أكثرها مدنيةً كتعز وعدن أيضا.
فها هي إيران تدعم كل المناوئين لمشروع التسوية الخليجية، حتى أؤلئك الذين هم أعضاء في أحزاب المشترك، الموقع والموافق على التسوية، بل والأغرب أيضا هو دعمها لعدد من فصائل الحراك الجنوبي، التي تنادي بالانفصال، كفصيل نائب الرئيس السابق على سالم البيض، والذي مدته حتى بالفضائية التي تبث مع عدد من القنوات الفضائية الأخرى الموجهة لليمن، كقناة المسيرة التابعة للحوثيين والساحات التابعة للتيار الحداثي المتحالف مع جماعة الحوثي، وكذلك قناة عدن لايف التابعة أيضا للبيض.
وهكذا بدأت ملامح خارطة سياسية جديدة بالتشكل، لم يعد طرفيها هما أحزاب المعارضة في اللقاء المشترك، ممثلةً بالإصلاح الإسلامي والاشتراكي والناصري والبعث والحق وإتحاد القوى الشعبية، فيما الطرف الآخر حزب المؤتمر وحلفاؤه، بل بدأت ملامح خارطة سياسية أخرى هي أقرب في التوصيف إلى خارطة الطائفية السياسية الموجودة في لبنان والعراق اليوم، تلك التحالفات التي تبني علاقتها مع إيران ومشروعها في المنطقة العربية أو ضد إيران ومشروعها في المنطقة، فضلا عن تفريخها لعدد من الأحزاب الجديدة الموالية كحزب الأمة المقرب من الحوثيين، والحزب الديمقراطي اليمني ، ذي الصيغة الحداثوية الطائفي.
الطائفية الحوثية الحلول والمعالجات
تمثل الحالة الحوثية، واحدة من تلك الأمراض المستعصية، في واقعنا السياسي، كمثيلاتها في الساحتين اللبنانية كحزب الله وحركة أمل، والعراقية،كالجماعات والأحزاب الشيعية المتربعة على واجهة المشهد السياسي العراقي منذ الاحتلال الأمريكي وحتى اليوم، وتكمن خطورة الحالة الحوثية كونها حالة طائفية عنصرية عرقية، لا تقف عند مستوى الاصطفاف المذهبي فحسب ، بل تذهب أبعد من ذلك إلى خرافة الانتقائية العرقية لسلالة بعينها، وهو ما يؤدي إلى حالة من التمايز العرقي في المجتمع.
صحيح أن تستمد هذه الحالة شرعيتها من ستة حروب مضت، لكنها أيضا لا تكتفي بذلك بل تذهب إلى أبعد مدى في تقديم نفسها ممثلاً شرعياً ووحيداً للزيدية التأريخية كما في وثيقتها الفكرية التي نشرتها سابقا ، وتقدم نفسها للناس كونها الوريث الشرعي والوحيد للزيدية التي ظلت لأكثر من ألف عام متربعة على حكم هذه الهضبة الجبلية، من أرض اليمن،وتكمن خطورة هذه الحالة اليوم، في محاولة القائمين عليها البحث عن اصطفاف مذهبي مناطقي عرقي، يعود باليمن قروناً نحو الماضي السحيق.
وتكمن أيضا أهم منابع الخطر في طائفية الحالة الحوثية، هو حالة الغموض التي تتمتع بها هذه الجماعة ، وحالة التماهي مع المتغيرات السياسية أيضاً، وهو ما يولد حالة من الضبابية القاتمة حولها وأهدافها المخفية أيضا، أي أن الحركة بقدر انشدادها نحو حلمها المفرط باستعادة ملك الإمامة الغابر، بقدر هروبها عن الالتزام بكل شروط العمل السياسي الدستوري، من الاعتراف بالديموقراطية كخيار سياسي استراتيجي،و الاعتراف بالتعددية السياسية والثقافية والفكرية.
فمما يلاحظه المراقبون اليوم في هذه الجماعة هو أنها أصبحت، لا تستمد حضورها السياسي من خلال قوتها الثقافية والفكرية والتنظيمية، بقدر استمدادها لتلك القوة من تورطها في مستنقع العنف والسلاح، ومحاولة إكراه الناس وجبرهم على اعتناق فكرتها الماضوية ليس بقوة الحجة بل قوة السلاح، وهذا ما يشير على مستقبل هذا الجماعة التي حتى اللحظه لم تحدد موقفاً واضحاً من كثير من استحقاقات الثورة اليمنية السلمية، كخيارات مستقبل الدولة اليمنية، من المدنية والديموقراطية والفدرالية وغيرها.
فضلا عن كل ذلك، تبقى حالة الارتهان التي تبديه هذه الجماعة ، لقوى إقليمية كإيران، كردة فعل لحالة التبعية التي تتهم خصومها ووقوعهم بها، لتبرر لنفسها حالة التبعية تلك، هو الذي يثير كثيرا من المخاوف حول طائفية هذا الجماعة، كون إيران هي العامل الرئيسي غير المباشر في كل حالات الاحتقان الطائفي في المنطقة العربية في كل من البحرين و العراق ولبنان وسوريا اليوم، مما يعني أن الجماعة في طريقها لتصبح مجرد ورقة سياسية في يد إيران، تستخدمها متى ما تريد و توقفها متى ما تريد أيضا.
فالحالة الطائفية، لا تعني أنها مقتصرة على هذه الجماعة دون غيرها، بل هناك حالة مقابلة لها، وهي الحالة السلفية التي تغذيها هي الأخرى أطراف إقليمية، تسعى من خلالها للعب دور ما، في مسألة الإحماء الطائفي الذي يراد جعله بديلاً للثورات المضادة، لإدخال المنطقة برمتها في إتون صراع طائفي مشتعل، يستنفذ كل قوى التغيير في المنطقة، وإفراغها في صراعات طائفية جانبية، لا تخدم سوى أعداء هذه الأوطان، التي يراد جعلها حقول تجارب لتنظيرات النخبة الحاكمة في الغرب وإيران على حد سواء.
ولا سبيل بحسب كل مؤشرات اللحظة الراهنة، للخروج من هذا المستنقع الطائفي إلا بالبحث عن الحل والبديل الكامن في امتلاك هذه البلدان لإرادتها السياسية، التي من خلالها يحتم على أبنائها السعي لإيجاد المشروع الوطني البديل للتشظي الطائفي في هذه البلدان والمتمثل بإيجاد مشروع دولة المواطنة المتساوية، الدولة المدنية الحديثة التي تنظر للإنسان كإنسان فحسب مجرد من أي زيادات مذهبية أو طائفية ليس له فيها أي خيار، غير خيار ولادته غير المختارة منتمياً لهذه الأسرة أو تلك، لهذه الطائفة أو الأخرى.
لا حل بديل وحقيقي للخروج من مأزق التبعية التاريخية، للفرس والرومان، بثنائية الغساسنة والمناذرة ، وكذا ثنائية صفين الجمل،إلا بالحث عن مشروع دولة المواطنة، دولة الحقوق والحريات، دولة العدالة الاجتماعية، التي ترتكز على إنسانية الإنسان فحسب، ولا تنظر إلى لونه وعرقه ومذهبه وطائفيته، وإلا فإن البديل الطائفي هو الحل الجاهز في أجندة كثير من القوى الدولية والإقليمية لإبقاء المنطقة تحت رحمة هذه القوى، التي ما لم توحد أهدافها وتنسق جهودها بعيدا عن أي شكل من أشكال التحيزات الطائفية المقيتة، الي سيؤدي بالمنطقة إلى ما يشبه معارك الغساسنة والمناذرة وتكرار أيام ال
جاهلية الأولى لا أقل ولا أكثر.