مصر
مرسل: الجمعة أكتوبر 05, 2012 7:32 pm
مصر
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
منذ التغيرات الدرامية التي شهدتها مصر بعد انتفاضة يناير من العام الماضي، ضمن ما يسمى بالربيع العربي، والكل شاخص ببصره إلى هذا القطر العربي العزيز على القلوب، فمصر بعمقها التاريخي والثقافي وحضارتها التي تضرب جذورها بعيداً إلى عصر الفراعنة كانت ولا تزال تحتل مكانة متميزة ضمن محيطها الجغرافي، ولهذا فإن الجميع يريد أن يعرف إلى أين هي ذاهبة مصر، وذلك لأن هذا ال "أين "سوف تحدد أمورا كثيرة ليس في مصر وحدها بل في عموم منطقة الشرق الاوسط.
وبادئ ذي بدء فإن التمنيات كل التمنيات لمصر بالنجاح في تذليل العقبات التي تعترضها وأن تشق طريقها لتحقيق الآمال التي يطمح فيها الشعب المصري أولاً والعربي ثانياً. وفي هذا المجال أمامنا أمرين. فمن ناحية هناك تجربة سياسية جديدة، فالمصريون لأول مرة ينتخبوا رئيسهم بنسبة تقل كثيراً عن 85%، فالتنافس بين مرشحي الرئاسة كان أشبه ما يكون عليه في الديمقراطيات الناضجة.
ورغم ذلك فإن الشق الاقتصادي هو الأهم كما يبدو لي. فالشعب المصري المعروف عنه الصبر قد انفجر عندما حلت الضائقة المعيشية بغالبيته، فكما تشير بعض التقديرات فإن نسبة الذين كانوا يحصلون على مداخيل منخفضة في مصر، قبل التغيرات التي حدثت، كانت تتخطى80% من إجمالي السكان، وهذا عائد إلى أسلوب التنمية الخاطئ الذي كان متبعاً في السابق. فبدلاً من تعزيز الادخار وتراكم رأس المال انحرفت التنمية نحو التوسع في الانفاق الاستهلاكي غير المغطى، وهذا أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتدهور الاوضاع الاقتصادية للناس.
إذاً فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه مصر الديمقراطية هو التنمية كما يبدو لي، فإن تمكنت السلطات المنتخبة البرهنة على أن الخيار الديمقراطي هو الأكثر كفاءة والأقدر على بناء الاقتصاد فإن بقية الصعوبات سوف تحل بالتدريج. فمهما كان تعطش المصرين للديمقراطية فإن صبرهم سوف ينفذ إذا لم تتمكن السلطات الجديدة إن تبرهن بأنها الأجدر في إدارة دفة الاقتصاد.
وعلى أية حال فإن الخيارات في مصر كلها صعبة. فالرئيس الجديد أمامه من التحديات التي لا يحسد عليها، فخصومه في الداخل والخارج يتربصون به، وهذا بدوره سوف يكون له أثره على المعونات والدعم المالي من الخارج. ففي هذا الزمن الصعب، الذي تشتد فيه الأزمة الاقتصادية العالمية، ليس بمقدور أحد أن يساعد الآخر بالمجان، وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء فسوف نلاحظ أن عبد الناصر قد رفض المعونات الخارجية عندما رأى الشروط التي يفترض عليه أن يلتزم بها، ولا أعتقد أن شيئا تغير منذ ذلك الوقت وحتى الآن. بل أن الوضع حينها كان أريح في ظل تعدد الأقطاب الذي كان قائم آنذاك.
وهكذا فإن الأمور في مصر تعتمد، إلى درجة كبيرة، على قدرة الأخوان على المساومة، وأعتقد أن باعهم طويل في هذا المجال. ففي خلال حياتهم السياسية قد تعودوا على المرونة والمساومة من أجل البقاء.
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
منذ التغيرات الدرامية التي شهدتها مصر بعد انتفاضة يناير من العام الماضي، ضمن ما يسمى بالربيع العربي، والكل شاخص ببصره إلى هذا القطر العربي العزيز على القلوب، فمصر بعمقها التاريخي والثقافي وحضارتها التي تضرب جذورها بعيداً إلى عصر الفراعنة كانت ولا تزال تحتل مكانة متميزة ضمن محيطها الجغرافي، ولهذا فإن الجميع يريد أن يعرف إلى أين هي ذاهبة مصر، وذلك لأن هذا ال "أين "سوف تحدد أمورا كثيرة ليس في مصر وحدها بل في عموم منطقة الشرق الاوسط.
وبادئ ذي بدء فإن التمنيات كل التمنيات لمصر بالنجاح في تذليل العقبات التي تعترضها وأن تشق طريقها لتحقيق الآمال التي يطمح فيها الشعب المصري أولاً والعربي ثانياً. وفي هذا المجال أمامنا أمرين. فمن ناحية هناك تجربة سياسية جديدة، فالمصريون لأول مرة ينتخبوا رئيسهم بنسبة تقل كثيراً عن 85%، فالتنافس بين مرشحي الرئاسة كان أشبه ما يكون عليه في الديمقراطيات الناضجة.
ورغم ذلك فإن الشق الاقتصادي هو الأهم كما يبدو لي. فالشعب المصري المعروف عنه الصبر قد انفجر عندما حلت الضائقة المعيشية بغالبيته، فكما تشير بعض التقديرات فإن نسبة الذين كانوا يحصلون على مداخيل منخفضة في مصر، قبل التغيرات التي حدثت، كانت تتخطى80% من إجمالي السكان، وهذا عائد إلى أسلوب التنمية الخاطئ الذي كان متبعاً في السابق. فبدلاً من تعزيز الادخار وتراكم رأس المال انحرفت التنمية نحو التوسع في الانفاق الاستهلاكي غير المغطى، وهذا أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتدهور الاوضاع الاقتصادية للناس.
إذاً فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه مصر الديمقراطية هو التنمية كما يبدو لي، فإن تمكنت السلطات المنتخبة البرهنة على أن الخيار الديمقراطي هو الأكثر كفاءة والأقدر على بناء الاقتصاد فإن بقية الصعوبات سوف تحل بالتدريج. فمهما كان تعطش المصرين للديمقراطية فإن صبرهم سوف ينفذ إذا لم تتمكن السلطات الجديدة إن تبرهن بأنها الأجدر في إدارة دفة الاقتصاد.
وعلى أية حال فإن الخيارات في مصر كلها صعبة. فالرئيس الجديد أمامه من التحديات التي لا يحسد عليها، فخصومه في الداخل والخارج يتربصون به، وهذا بدوره سوف يكون له أثره على المعونات والدعم المالي من الخارج. ففي هذا الزمن الصعب، الذي تشتد فيه الأزمة الاقتصادية العالمية، ليس بمقدور أحد أن يساعد الآخر بالمجان، وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء فسوف نلاحظ أن عبد الناصر قد رفض المعونات الخارجية عندما رأى الشروط التي يفترض عليه أن يلتزم بها، ولا أعتقد أن شيئا تغير منذ ذلك الوقت وحتى الآن. بل أن الوضع حينها كان أريح في ظل تعدد الأقطاب الذي كان قائم آنذاك.
وهكذا فإن الأمور في مصر تعتمد، إلى درجة كبيرة، على قدرة الأخوان على المساومة، وأعتقد أن باعهم طويل في هذا المجال. ففي خلال حياتهم السياسية قد تعودوا على المرونة والمساومة من أجل البقاء.