صفحة 1 من 1

مجرد خلافٍ

مرسل: الخميس مارس 12, 2009 1:12 pm
بواسطة ناجي العييد80
أثناء زيارة الأستاذ خالد القشطيني – الكاتب في جريدة الشرق الأوسط - لجامعة سسكس بجنوب إنجلترا، اطلع - كما ذكر في مقالةٍ له – على شذراتٍ منتقاةٍ بعنايةٍ من الأدب الغرافيتي ! وهو أدب قديم جديد يعنى بالأفكار والقيم والخزعبلات التي يكتبها البعض على الجدران والصخور بواسطة الأزميل والطلاء والأقلام، كنوعٍ من التنفيس الروحي، أو الاعتراض السياسي، أو التعبير عن حرية الرأي شبه الموءودة هذه الأيام ! وكنت قد كتبت عن هذا الأدب مقالةً مطولةً ألحقتها ببعض الصور والنماذج قبل ثلاثة أعوامٍ تقريباً .
وكان من ضمن تلك الشذرات التي انتقاها الأستاذ خالد ما كتبه أحدهم : لقد استشهدت في الامتحان النهائي بكارل ماركس ورسبت في الامتحان .

جاء تلميذ آخر وكتب تحت ذلك : أنا استشهدت بآدم سميث ورسبت في الامتحان أيضا .
جاء تلميذ ثالث، وكتب بقلم عريض: أنا أوردت اقتباساً من الإنجيل ورسبت في الامتحان النهائي .

وقال رابعهم: أنا استشهدت بما قرأته مكتوبا على الحيطان ونجحت!

ثم استطرد الكاتب بقوله : الروعة في أدبيات الحيطان أنها غالبا ما تقوم على الحوار الحر. تكتب أنت شيئاً ويأتي رجل آخر لا يعرفك ولا تعرفه فيعلق على ما كتبت. ثم يقرأ شخص ثالث ما كتبتما، فيوحي له بشيء جديد يضيفه إلى ما سبق. يأتي أخيراً شخص عابر سبيل، الداعي كاتب هذه السطور، فيقرأ ما كتبوا ويهتز بما قرأ فيسجل كل ذلك، ويصيغ منه مقالة صحافية يقرأها القارئ الكريم على بعد ألوف الأميال.

كان منها ما قرأته في منطقة همرسمث في لندن على حائط بيت مهجور:

« المجد لصدام حسين! »

شطبوا على كلمة المجد وكتبوا «الموت». جاء شخص آخر وشطب على كامل العبارة وكتب تحتها «يعيش بطل العروبة صدام حسين». وضعوا خطا عليها بقلم فحم وكتبوا تحتها: «يسقط المجرم صدام حسين جزار حلبجة».

تحت كل هذا الكلام المشطوب ، قرأت هذه العبارة: «أنتم أيها العرب ... ألا تستطيعون الاتفاق على شيء؟».

قرأت هذه العبارة وقلت لنفسي يا سبحان الله حتى الإنجليز أصبحوا يضحكون علينا. وما أشبه الليلة بالبارحة ونحن نواجه هذه المأساة في غزة !

أثناء تقليبي لبعض المطبوعات في رحلةٍ مملةٍ من المنطقة الشرقية لمدينة الرياض بواسطة قطارنا العتيق الذي أكل عليه الدهر وشرب ونام، وقع بصري على مقالةٍ نشرتها مجلة البيان نقلاً عن صحيفةٍ فرنسيةٍ ساخرةٍ اسمها ( البطة المربوطة ! ) قال فيها كاتبها ما يلي : إن قضية الشرق الأوسط من القضايا المزمنة التي لا حل لها، ولذلك فهي متنقلة عبر العصور، ولهذا السبب رأت الصحيفة أنها يمكن أن تكون حالةً سياسيةً ودولية تصلح نموذجاً يتعلم فيه سياسيو العالم ويتدربون بلقاء أطرافٍ هذه القضية وكأنها من حالات الأمراض المستعصية التي يتدرب عليها الأطباء الصغار قبل تخرجهم من الجامعة، وذكرت الصحيفة أنه من حسن حظ السياسيين الصغار أن رموز هذه القضية وقياداتها يظلون في مواقعهم أحقاباً زمنيةً متباعدة دون تبديل، قلت : وتسري هذه العدوى على كثيرٍ من دينصورات صحافتنا المحلية !

ثم يقول الكاتب : لقد تذكرت هذه المقالة التي نشرتها ( البطة المربوطة ) عندما قرأت أن اليابان أوفدت مبعوثاً خاصاً لها إلى الشرق الأوسط، وأنه هبط برعاية الله إلى المنطقة فعلاً ! ومعه أجندة وبضعة أسماءٍ لزعماء ورؤساء ومدراء إدارة داخل فلسطين وخارجها ! وكدت أضرب كفاً بكفٍ فتوقعات الصحيفة الفرنسية تكاد تتحقق، خصوصاً وأن الصين سبقت اليابان بإيفاد مبعوثها، وكذا الحال بالنسبة لروسيا القيصرية النائحة على ثرى إمبراطوريتها الغابرة، ولم يكن من قبيل الطرافة أو المصادفة أن تقوم القارة السمراء – مستقبلاً - بإيفاد مندوبيها إلى المنطقة أيضاً، والتي بدا والحالة هذه أشبه بمركز تدريبٍ سياسيٍ لدول العالم .

حينما أقوم بتأمل بعض الأخبار السياسية أو المحلية أو الاجتماعية على مختلف المواقع الإخبارية الإليكترونية، ولنقل مثلاً موقعاً يتحدث عن جريمةٍ ما وقعت على ثرى الكنانة أو المملكة أو أي دولةٍ عربيةٍ أخرى، أجد أثناء تأملي في الردود والتعليقات المنشورة على الخبر الذي أورده الموقع، خروجاً عن الإطار العام الذي جاء في ثناياه الخبر، إلى سب رعايا الدولة التي حفلت بالباقعة أو الفاجعة محل النظر والقراءة !
قل هذا عن التعليقات المصاحبة للمقاطع المرفوعة إلى موقعٍ ضخمٍ كاليوتيوب مثلاً، لم تكن أزماتنا السياسية والنفسية أزمات قيادةٍ، بل هي أزمات شعوبٍ وقادة رأيٍ ومفكرين، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر موقف مفتي مصر - علي جمعة – من الوهابية مثلاً وتشنيعه على فتاواهم ومؤلفاتهم، وتأليب العامة والدهماء عليهم، وحينما أقول عليهم : ينصرف هذا الكلام إلى سكان المملكة، مع أن لحم كتافه من خيرهم كما يقال، حيث عمل في المملكة ردحاً من الزمن، بل الأغرب من هذا أنه حل ضيفاً أكثر من مرةٍ على منزل سماحة الشيخ العلامة حمود التويجري يرحمه الله أكثر من مرةٍ ! والذي يصنفه خصومه بأنه وهابي متطرف ! وفي المقابل تناقضه الصارخ المتمثل في مهادنته للرافضة بفتواه الغريبة جداً، والتي يرى فيها جواز التعبد بالمذهب الرافضي المجوسي !

وحتى لا أخرج عن السياق العام الذي اختطته لنفسي في هذه المقالة، ما شجر بين إيران المجوسية وتصريحاتها مؤخراً بأحقيتها في مملكة البحرين، وبين تصريحات وزير الخارجية البحرينية في طهران : بأن ما قيل لا يعكس التوجه الحقيقي للقيادة الإيرانية ! ولم يكن هذا التصريح الإيراني الأول ولن يكون الأخير .

يقال إن اتفاقاً أبرم في القاهرة بين فتحٍ وحماس برعايةٍ مصريةٍ ! وقد سبق هذا الاتفاق محاولاتٍ لرأب الصدع بين الفصيلين في المملكة - بمكة - واليمن وبرعاية أكثر من دولةٍ عربيةٍ دون إحراز أي تقدمٍ يذكر، قبل أن يكشف الستار عن هذا الاتفاق مؤخراً – لن أكون متشائماً فأقول إن هذا الاتفاق لن يصمد وأن هناك أيدٍ خفية تعمل تحت جنح الظلام لإذكاء الجذوة بين أبناء الشعب الواحد المتربص به عدوه الصهيوني، ليعود الطرفين إلى نقطة البداية، ويحرز العدو نقطة تقدمٍ أخرى يضرب من خلالها العزل من الأبرياء المسلمين في فلسطين، ليصدق فيهم ما سطرته يد عابث « أنتم أيها العرب ... ألا تستطيعون الاتفاق على شيء؟ ».



حسن مفتي
كاتب سعودي

الرابط / http://www.sabq.org/?action=showAuthorMaqal&id=248