تحولات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد الثورات
مرسل: الجمعة أكتوبر 12, 2012 8:14 pm
"الويلسونية الجديدة":
تحولات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد الثورات
مثلت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لقوات التحالف الدولية في حربها على نظام العقيد "معمر القذافي"، في عملية عسكرية عرفت بـ" فجر أوديسا"، تحولاً جذرياً في سياسة واشنطن، فهي تأتى بعد تسعة أشهر فقط من وصف الولايات المتحدة للنظام الليبي "بالحليف الاستراتيجي"؛ على خلفية تعاون ليبيا في مكافحة الإرهاب وقضايا منع الانتشار النووي، لتظهر المفارقة بين إعلان واشنطن تأييدها لخلق مجتمعات أكثر حرية في الشرق الأوسط وتأييدها للسلام "كفلسفة"، والحفاظ على مصالحها في المنطقة في ظل أنظمة موالية لها في المنطقة غير ديمقراطية.
هذه المفارقة دفعت نيكولاس جيفسديف وراى تاكيه لإثارة تساؤل رئيسي، مفاده "هل نحن بصدد تحول دقيق، في إطار تعامل الحكومات مع مواطنيها بعكس اتجاهاتهم الجيوسياسية، والذي هو العامل الأهم في سياسة الولايات المتحدة؟" في مقالتهما المنشورة في عدد شهر يناير/فبراير من دورية "المصلحة القومية The National Interest" والمعنونة بـ"انتصار الويلسونية الجديدة Triumph of the New Wilsonism".
وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل الرئيسي، استدعي الكاتبان التدخل الأمريكي العسكري في ليبيا كمؤشر على عودة الواقعية إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية؛ مشيرين إلى أنها على مشارف حقبة جديدة نستطيع أن نُطلق عليها "الويلسونية الجديدة"، وهى عبارة عن تطبيق القوة الأمريكية بشكل واسع باسم " المُثل الإنسانية" لتحقيق مصالحها الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط والحفاظ عليها.
السياسة الأمريكية بالمنطقة..الاستقرار أم المصلحة؟
أكد نيكولاس وراى في مقالتهما أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط اتسمت منذ سبعينيات القرن المنصرم بالاختلاف تجاه أنظمة المنطقة، فلم يكن هناك أي مجال للخطأ؛ وفى مقدمتها إيران، ووصول الإسلاميين لسدة الحكم في نوفمبر 1979 المعادين بشدة للولايات المتحدة، وهو ما تجلى أثناء الحرب الباردة، عندما صرح كارتر " بأن أي تهديد لحرية حركة النفط في الشرق الأوسط سوف يُرد عليه من قبل الولايات المتحدة بالوسائل العسكرية، إذا لزم الأمر"؛ خاصة في ظل اقتناع الإسلاميين بأن أمريكا هي (الشيطان الأكبر).
ومنذ الثمانينيات، اقتنعت الولايات المتحدة بأنه لابد من الحفاظ على الاستقرار الداخلي لأنظمة بعينها، بدءاً من المملكة العربية السعودية وبيت آل سعود كشركاء لها في المنطقة؛ وهو ما عبر عنه ريجان صراحة عام 1985 أثناء زيارة الملك فهد لواشنطن بتأكيده أن أفضل وسيلة لتعزيز الديمقراطية على المدى البعيد هى محاولة منع ذهاب دول المنطقة إلى الشيوعية أو الإسلامية على المدى القصير؛ حتى لا يؤدى ذلك إلى تقويض العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، تأسيساً على خبرة الولايات المتحدة، إبان سنوات ريجان في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، بأنه قد يكون من المفيد دعم الأنظمة القائمة، وتحقيق الانتقال التدريجي نحو الديمقراطية على دعم حركات الديمقراطية، والمطالبة بالإصلاح الفوري في بعض الأحيان.
وهو ما حدا بالولايات المتحدة إلى دعم الأنظمة القائمة، وتضييق الخناق على المعارضة بها، بتبني السياسة الأمريكية تجاه دول المنطقة مبدأ عاما يغلف سياساتها، قوامه الضغط من أجل إرساء قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان كفلسفة ومبدأ عام، وباطنه تأمين حاجتها من النفط ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط. وبانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، لم يحدث تغير جوهري في مسار السياسات الخارجية الأمريكية.
دمقرطة المنطقة ...هل هي مصلحة أمريكية؟
أشار الكاتبان إلى أن المآسي التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر أدت إلى حدوث هزة في واشنطن، مفادها التشكيك في العلاقات طويلة الأمد مع حلفائها في المنطقة، والحُجة التي سيقت في هذا الإطار كانت عدم توافر مناخ ديمقراطي في دول المنطقة؛ وهو ما أدى إلى تغذية منظمات مثل تنظيم القاعدة، ومن ثم اتجهت الإدارة الأمريكية حينها برئاسة بوش الابن نحو رفض النهج الذي سبق أن تبنته الإدارات السابقة. وتمثل ذلك بتصريح لوزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، كونداليزا رايس، في القاهرة عام 2005 "بأن الولايات المتحدة حاولت لمدة ستين عاماً السعي لتحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ ولم نُحقق أياً منهما".
وتمثلت العقبة آنذاك في احتمال التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة لتشجيع التغيير الديمقراطي؛ وهو التصرف الذي كثيرا ما رفضته على أساس أنه ليست لها علاقة بالمصالح الوطنية. وكان الاستثناء على هذه القاعدة هو "الاندفاع إلى الحرب في العراق" كما وصفه مستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت؛ والذي أكد أنه كان هناك شبه إجماع في أروقة البيت الأبيض على أن صدام حسين مصدر خطر؛ وكان يُرهب شعبه بوحشيته، وأن العالم سيكون بحال أفضل عند رحيله.
وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي كان قطع رأس النظام ونزع أسلحة العراق؛ وإقامة حكومة ديمقراطية مُنتخبة في بغداد للتحالف مع المصالح الأمنية الأمريكية؛ فإنه بعد القضاء على صدام حسين تبين أن عملية تأمين السلام كانت الأكثر خطورة ومراوغة من حيث فقدان الكثير من القوات البشرية، بالإضافة إلى التكلفة المالية الضخمة التي قُدرت بنحو (تريليون دولار)؛ وكذا أدت الانتخابات إلى تمكن فئة مذهبية بعينها من الحكم، وهو ما عبر عنه أوباما مراراً بالإحاطات المتكررة من حكومة نورى المالكي.
ويستطرد نيكولاس وراى تحليلهما بالانتقال إلى صورة مماثلة متمثلة في ثورة الأرز في لبنان، التي انتهت بتعزيز سيطرة حزب الله على البلاد، وكذا الانتخابات الفلسطينية في 2006 ، ووصول حماس إلى تشكيل الحكومة والفوز بنحو 74 مقعدا في البرلمان من أصل 132. وهو ما دفع بالولايات المتحدة إلى التخلي عن سياستها بالضغط القسرى لتحقيق الإصلاحات في دول، منها مصر، والمملكة العربية السعودية.
ويشيران إلى أن النصف الثاني من إدارة بوش قام على إعادة تأهيل النظام في المنطقة، وليس تغيير الأنظمة بالقوة للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمنية، والذي من شأنه أن يُرسى في نهاية المطاف قيم الديمقراطية في دول المنطقة.
الولايات المتحدة الأمريكية والربيع العربي:
يؤكد راى ونيكولاس أنه على خلاف المتوقع من أن يحل ابنان في سدة الحكم مكان الأب، سيف الإسلام القذافي في ليبيا؛ وجمال مبارك في مصر لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؛ إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن، لتنتقل الثورات من نظام لآخر في الدول العربية، بدءاً بتونس، ومروراً بمصر، وليبيا.
ومع تصاعد التخوف من صعود المتشددين، قامت الولايات المتحدة في بداية الثورات بالتخبط في السياسة التي يجب أن تتبناها مع الثورات الشعبية الجامحة في أنحاء الدول العربية، فقررت في بداية الأمر انتهاج نهج ذي مسارين، يقوم على أساس تقديم الدعم للزعيم المطلوب إسقاطه، واتخاذ كل الخطوات اللازمة لتأمينه وتأمين النظام واستعادته، مع الوعود بالبدء في الإصلاحات، تمهيداً لتحقيق عملية الانتقال الديمقراطي للسلطة، وهو ما لم يحدث، وتم إسقاط نظام مبارك في فبراير 2011.
ومع الغليان الثوري العالم العربي، حدث تحول في الموقف الأمريكي بإعلان أوباما أن "مصالح أمريكا ليست معادية لآمال الشعوب"، وهو ما يُمثل تحولا حقيقيا في المواقف الأمريكية، والاستعداد لتحمل بعض المخاطر من فقدان المزايا الأمنية على المدى القصير، لصالح تشجيعها وضمانها على المدى الطويل.
وبالنظر إلى أحداث العام المنصرم، يلاحظ وجود تغير في سياساتها الخارجية على أساس الاعتبارات الإنسانية، ومن ثم إتباع مبدأ "ويلسون". ولكن بنجاح عملية الولايات المتحدة في ليبيا في 2011، والإطاحة بنظام القذافي من دون خسائر في الأرواح؛ وكذا بدون أي تمزق خطير في علاقاتها مع غيرها من القوى، فإن السؤال المطروح هو: "هل إدارة أوباما تريد الدخول في حقبة ما بعد الواقعية والمُفاضلة بين اتباع المُثل الأمريكية، أو تأمين مصالحها؟".
ويقترح راى ونيكولاس أن تتبع الولايات المتحدة نموذجا جديدا لتدخلات محدودة في المستقبل لدعم القيم الأمريكية دون تكلفة الكثير في المقابل؛ ومن ثم تأمين مصالحها في المنطقة. ويقترحان تبنى نموذج قائم على الحوار من خلال المناقشات الدبلوماسية، وتقديم حوافز اقتصادية لتمكين البرجماتيين، وتقليل مكانة المتشددين
تحولات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد الثورات
مثلت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لقوات التحالف الدولية في حربها على نظام العقيد "معمر القذافي"، في عملية عسكرية عرفت بـ" فجر أوديسا"، تحولاً جذرياً في سياسة واشنطن، فهي تأتى بعد تسعة أشهر فقط من وصف الولايات المتحدة للنظام الليبي "بالحليف الاستراتيجي"؛ على خلفية تعاون ليبيا في مكافحة الإرهاب وقضايا منع الانتشار النووي، لتظهر المفارقة بين إعلان واشنطن تأييدها لخلق مجتمعات أكثر حرية في الشرق الأوسط وتأييدها للسلام "كفلسفة"، والحفاظ على مصالحها في المنطقة في ظل أنظمة موالية لها في المنطقة غير ديمقراطية.
هذه المفارقة دفعت نيكولاس جيفسديف وراى تاكيه لإثارة تساؤل رئيسي، مفاده "هل نحن بصدد تحول دقيق، في إطار تعامل الحكومات مع مواطنيها بعكس اتجاهاتهم الجيوسياسية، والذي هو العامل الأهم في سياسة الولايات المتحدة؟" في مقالتهما المنشورة في عدد شهر يناير/فبراير من دورية "المصلحة القومية The National Interest" والمعنونة بـ"انتصار الويلسونية الجديدة Triumph of the New Wilsonism".
وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل الرئيسي، استدعي الكاتبان التدخل الأمريكي العسكري في ليبيا كمؤشر على عودة الواقعية إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية؛ مشيرين إلى أنها على مشارف حقبة جديدة نستطيع أن نُطلق عليها "الويلسونية الجديدة"، وهى عبارة عن تطبيق القوة الأمريكية بشكل واسع باسم " المُثل الإنسانية" لتحقيق مصالحها الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط والحفاظ عليها.
السياسة الأمريكية بالمنطقة..الاستقرار أم المصلحة؟
أكد نيكولاس وراى في مقالتهما أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط اتسمت منذ سبعينيات القرن المنصرم بالاختلاف تجاه أنظمة المنطقة، فلم يكن هناك أي مجال للخطأ؛ وفى مقدمتها إيران، ووصول الإسلاميين لسدة الحكم في نوفمبر 1979 المعادين بشدة للولايات المتحدة، وهو ما تجلى أثناء الحرب الباردة، عندما صرح كارتر " بأن أي تهديد لحرية حركة النفط في الشرق الأوسط سوف يُرد عليه من قبل الولايات المتحدة بالوسائل العسكرية، إذا لزم الأمر"؛ خاصة في ظل اقتناع الإسلاميين بأن أمريكا هي (الشيطان الأكبر).
ومنذ الثمانينيات، اقتنعت الولايات المتحدة بأنه لابد من الحفاظ على الاستقرار الداخلي لأنظمة بعينها، بدءاً من المملكة العربية السعودية وبيت آل سعود كشركاء لها في المنطقة؛ وهو ما عبر عنه ريجان صراحة عام 1985 أثناء زيارة الملك فهد لواشنطن بتأكيده أن أفضل وسيلة لتعزيز الديمقراطية على المدى البعيد هى محاولة منع ذهاب دول المنطقة إلى الشيوعية أو الإسلامية على المدى القصير؛ حتى لا يؤدى ذلك إلى تقويض العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، تأسيساً على خبرة الولايات المتحدة، إبان سنوات ريجان في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، بأنه قد يكون من المفيد دعم الأنظمة القائمة، وتحقيق الانتقال التدريجي نحو الديمقراطية على دعم حركات الديمقراطية، والمطالبة بالإصلاح الفوري في بعض الأحيان.
وهو ما حدا بالولايات المتحدة إلى دعم الأنظمة القائمة، وتضييق الخناق على المعارضة بها، بتبني السياسة الأمريكية تجاه دول المنطقة مبدأ عاما يغلف سياساتها، قوامه الضغط من أجل إرساء قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان كفلسفة ومبدأ عام، وباطنه تأمين حاجتها من النفط ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط. وبانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، لم يحدث تغير جوهري في مسار السياسات الخارجية الأمريكية.
دمقرطة المنطقة ...هل هي مصلحة أمريكية؟
أشار الكاتبان إلى أن المآسي التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر أدت إلى حدوث هزة في واشنطن، مفادها التشكيك في العلاقات طويلة الأمد مع حلفائها في المنطقة، والحُجة التي سيقت في هذا الإطار كانت عدم توافر مناخ ديمقراطي في دول المنطقة؛ وهو ما أدى إلى تغذية منظمات مثل تنظيم القاعدة، ومن ثم اتجهت الإدارة الأمريكية حينها برئاسة بوش الابن نحو رفض النهج الذي سبق أن تبنته الإدارات السابقة. وتمثل ذلك بتصريح لوزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، كونداليزا رايس، في القاهرة عام 2005 "بأن الولايات المتحدة حاولت لمدة ستين عاماً السعي لتحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ ولم نُحقق أياً منهما".
وتمثلت العقبة آنذاك في احتمال التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة لتشجيع التغيير الديمقراطي؛ وهو التصرف الذي كثيرا ما رفضته على أساس أنه ليست لها علاقة بالمصالح الوطنية. وكان الاستثناء على هذه القاعدة هو "الاندفاع إلى الحرب في العراق" كما وصفه مستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت؛ والذي أكد أنه كان هناك شبه إجماع في أروقة البيت الأبيض على أن صدام حسين مصدر خطر؛ وكان يُرهب شعبه بوحشيته، وأن العالم سيكون بحال أفضل عند رحيله.
وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي كان قطع رأس النظام ونزع أسلحة العراق؛ وإقامة حكومة ديمقراطية مُنتخبة في بغداد للتحالف مع المصالح الأمنية الأمريكية؛ فإنه بعد القضاء على صدام حسين تبين أن عملية تأمين السلام كانت الأكثر خطورة ومراوغة من حيث فقدان الكثير من القوات البشرية، بالإضافة إلى التكلفة المالية الضخمة التي قُدرت بنحو (تريليون دولار)؛ وكذا أدت الانتخابات إلى تمكن فئة مذهبية بعينها من الحكم، وهو ما عبر عنه أوباما مراراً بالإحاطات المتكررة من حكومة نورى المالكي.
ويستطرد نيكولاس وراى تحليلهما بالانتقال إلى صورة مماثلة متمثلة في ثورة الأرز في لبنان، التي انتهت بتعزيز سيطرة حزب الله على البلاد، وكذا الانتخابات الفلسطينية في 2006 ، ووصول حماس إلى تشكيل الحكومة والفوز بنحو 74 مقعدا في البرلمان من أصل 132. وهو ما دفع بالولايات المتحدة إلى التخلي عن سياستها بالضغط القسرى لتحقيق الإصلاحات في دول، منها مصر، والمملكة العربية السعودية.
ويشيران إلى أن النصف الثاني من إدارة بوش قام على إعادة تأهيل النظام في المنطقة، وليس تغيير الأنظمة بالقوة للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمنية، والذي من شأنه أن يُرسى في نهاية المطاف قيم الديمقراطية في دول المنطقة.
الولايات المتحدة الأمريكية والربيع العربي:
يؤكد راى ونيكولاس أنه على خلاف المتوقع من أن يحل ابنان في سدة الحكم مكان الأب، سيف الإسلام القذافي في ليبيا؛ وجمال مبارك في مصر لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؛ إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن، لتنتقل الثورات من نظام لآخر في الدول العربية، بدءاً بتونس، ومروراً بمصر، وليبيا.
ومع تصاعد التخوف من صعود المتشددين، قامت الولايات المتحدة في بداية الثورات بالتخبط في السياسة التي يجب أن تتبناها مع الثورات الشعبية الجامحة في أنحاء الدول العربية، فقررت في بداية الأمر انتهاج نهج ذي مسارين، يقوم على أساس تقديم الدعم للزعيم المطلوب إسقاطه، واتخاذ كل الخطوات اللازمة لتأمينه وتأمين النظام واستعادته، مع الوعود بالبدء في الإصلاحات، تمهيداً لتحقيق عملية الانتقال الديمقراطي للسلطة، وهو ما لم يحدث، وتم إسقاط نظام مبارك في فبراير 2011.
ومع الغليان الثوري العالم العربي، حدث تحول في الموقف الأمريكي بإعلان أوباما أن "مصالح أمريكا ليست معادية لآمال الشعوب"، وهو ما يُمثل تحولا حقيقيا في المواقف الأمريكية، والاستعداد لتحمل بعض المخاطر من فقدان المزايا الأمنية على المدى القصير، لصالح تشجيعها وضمانها على المدى الطويل.
وبالنظر إلى أحداث العام المنصرم، يلاحظ وجود تغير في سياساتها الخارجية على أساس الاعتبارات الإنسانية، ومن ثم إتباع مبدأ "ويلسون". ولكن بنجاح عملية الولايات المتحدة في ليبيا في 2011، والإطاحة بنظام القذافي من دون خسائر في الأرواح؛ وكذا بدون أي تمزق خطير في علاقاتها مع غيرها من القوى، فإن السؤال المطروح هو: "هل إدارة أوباما تريد الدخول في حقبة ما بعد الواقعية والمُفاضلة بين اتباع المُثل الأمريكية، أو تأمين مصالحها؟".
ويقترح راى ونيكولاس أن تتبع الولايات المتحدة نموذجا جديدا لتدخلات محدودة في المستقبل لدعم القيم الأمريكية دون تكلفة الكثير في المقابل؛ ومن ثم تأمين مصالحها في المنطقة. ويقترحان تبنى نموذج قائم على الحوار من خلال المناقشات الدبلوماسية، وتقديم حوافز اقتصادية لتمكين البرجماتيين، وتقليل مكانة المتشددين