الضرورات الخمس وأثرها على تقدم المجتمعات المسلمة
الضرورات الخمس وأثرها على تقدم المجتمعات المسلمة
بقلم : عبد العزيز ناصر الصويغ
الحمد لله , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين ,,, أما بعد
دائما ما نرى أن المجتمعات لديها طموح إلى أن تكون مجتمعات حضارية ومتقدمة في شتى المجالات لذلك نجدها تسعى جاهدة لمعرفة الطرق والوسائل التي تصل بالمجتمع إلى الحضارة والتقدم ، وفي خضم هذا الطموح الكبير وهذا السعي للكمال نجد أن المجتمعات المسلمة تتملك مقومات هذا الطموح الذي يصلها بالحضارة والتقدم وذلك بتطبيقها أحكام الدين الإسلامي الذي يعطيها السبيل الموصل إلى الهدف المنشود ، فعندما نرى مجتمع يدعي الإسلام ولا يوجد أدنى تطبيق للشريعة فيه لا يمكنه البته أن يصل إلى الهدف التي تبتغيه المجتمعات من التقدم والحضارة ، وكذلك المجتمعات التي تطبق ما تهوى نفسها من الشريعة وتترك مالا تهوى فهي معرضة إلى عدم التقدم والرقي وإن كان في الظاهر أنها متقدمة لكن تقدمها تقدم نسبي ومرهون بتمسكها بالشريعة الإسلامية أي أنها لن تصل إلى التقدم والرقي الكامل ، ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية جاءت لكي تحفظ الضرورات الخمس والتي هي مدار الحديث عن أثر المحافظة عليها لما لها من أثر عظيم في تقدم المجتمع ورقي أهله,قال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الأنعام .
هذه الآية جامعة لكل الضرورات التي يجب المحافظة عليها , ونرى أن أول ما جاءت به الشريعة الإسلامية هو حفظ الدين؛ وحفظ الدين هو المرتكز الأول إن تمت المحافظة عليه فسوف يكون هناك محافظة على سائر هذه الضرورات، والحفاظ على الدين معناه الحفاظ على العقيدة الصحيحة ، التي أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وها نحن نرى بعض المجتمعات قديما وحديثا التي لم تحافظ على الدين كم رأينا فيها انتشار الخرافات والبدع والمنكرات و الشركيات والذي أدى بها إلى عدم استتباب الأمن وانتشار الجهل فأين هي من ركب الحضارة والتقدم؟ ,فالمحافظة على الدين شيء أساسي ومقوم من مقومات التقدم ،قال تعالى(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )الأعراف. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ) أي: آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات، ( لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ) أي: قطر السماء ونبات الأرض. قال تعالى: ( وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أي: ولكن كذبوا رسلهم،فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم .ا.هـ
فتفسير ابن كثير لهذه الآية جاء ليؤكد أن الله سبحانه وتعالى جعل قانوناً فطرياً لتقدم الأمم والمجتمعات و هو الأيمان به سبحانه وطاعته فيما أمر و اجتناب ما نهى عنه وزجر, وجانب حفظ الدين اوسع ومن ذلك أن يتم تطبيق الشريعة الإسلامية بكل ما جاءت به من أوامر ونواهي ولا يقتطع منها ما تهواه النفس ويدع مالا تهواه ومن يفعل ذلك يكون قد فعل أفعال اليهود قال تعالى (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة
جاء في التفسير المسير معنى هذه الآية : (ثم أنتم يا هؤلاء يقتل بعضكم بعضًا, ويُخرج بعضكم بعضًا من ديارهم, ويَتَقَوَّى كل فريق منكم على إخوانه بالأعداء بغيًا وعدوانًا. وأن يأتوكم أسارى في يد الأعداء سعيتم في تحريرهم من الأسر, بدفع الفدية, مع أنه محرم عليكم إخراجهم من ديارهم. ما أقبح ما تفعلون حين تؤمنون ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعضها! فليس جزاء مَن يفعل ذلك منكم إلا ذُلا وفضيحة في الدنيا. ويوم القيامة يردُّهم الله إلى أفظع العذاب في النار. وما الله بغافل عما تعملون).ا.هـ
و الشاهد في هذا الموضوع ما فعلته اليهود بإيمانهم ببعض أحكام التوراة والكفر من البعض الآخر وهذا تحذير لنا لكي لا نفعل فعلهم لأنهم شعب يحب الخيانة والنفاق وهم عقبة في تقدم الشعوب والأمم ، ويقول الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية : (وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي، وأن المأمورات من الإيمان، قال تعالى: ( فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وقد وقع ذلك فأخزاهم الله, وسلط رسوله عليهم, فقتل من قتل, وسبى من سبى منهم, وأجلى من أجلى).ا.هـ
فلذلك يجب أن تتجنب المجتمعات المسلمة مثل هذه الأفعال التي تؤدي بها إلى الانحطاط وتأخرها عن ركب الحضارة والتقدم من تركها للدين وإباحتها لما يخالفه, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) رواه مسلم فالحديث يذكر جوانب من عدم حفظ بعض الضرورات ويبين أن من هذه السبع المهلكات الشرك بالله وها نحن نشاهد ما يوجد في بعض المجتمعات من قبور وأضرحة ومزارات وشرك علني فكيف تبيح ما نص أنه هلاك وتريد أن تتقدم !، ومن الضرورات التي تجعل كذلك المجتمعات في تقدم ورقي وحضارة هو حفظها للنفس وكما مر معنا في الحديث السابق أن أحد الموبقات هو قتل النفس لهذا جاءت الشريعة بحفظ النفس وعدم إزهاقها سواء بقتل أو انتحار وتحريم السبل المؤدية إلى إزهاقها وفي هذا المحور نجد أن بعض المجتمعات تبيح الإجهاض وبعضها تبيح أفعال تعبدية بدعية تؤدي إلى الهلاك وبعضها تبيح ما قد يؤدي إلى الهلاك البطيء وغيرها من الأمور المؤدية إلى هلاك النفس المباحة فيها والمؤدية إلى عدم المحافظة على النفس فكيف لمجتمع يبيح هلاك نفسه أن يتقدم ! ، ولهذا قد جاء الشارع بأمور توجب حفظ النفس ومن لذلك تحريمه للانتحار و للقتل وتحريمه المقدمات التي تفضي إليه وجعل هناك قصاص وديات قال تعالى (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) الإسراء
يقول الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: وهذا شامل لكل نفس ( حَرَّمَ اللَّهُ ) قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد ومسلم وكافر له عهــــد. ( إِلا بِالْحَقِّ ) كالنفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة والباغي في حال بغيه إذا لم يندفع إلا بالقتل. ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ) أي: بغير حق ( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ ) وهو أقرب عصباته وورثته إليه ( سُلْطَانًا ) أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل، وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك، وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص كالعمد العدوان والمكافأة. ( فَلا يُسْرِفْ ) الو إلا مع تطبيق الشريعةلي ( فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) والإسراف مجاوزة الحد إما أن يمثل بالقاتل أو يقتله بغير ما قتل به أو يقتل غير القاتل. وفي هذه الآية دليل إلى أن الحق في القتل للولي فلا يقتص إلا بإذنه وإن عفا سقط القصاص. وأن ولي المقتول يعينه الله على القاتل ومن أعانه حتى يتمكن من قتله. ا.هـ
وقال تعالى(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )البقرة. فأي مجتمعٍ يترك حداً من حدود الله ويبتغي غير ذلك سبيلا فإنه يسمح بذلك بتفشي القتل والدمار والإجرام الذي يهلك النفس فيه ، فلو تم تطبيق ما جاءت به الشريعة من الحفاظ على النفس في هذا المجتمع لكان ذلك يوجب أمنه و استقراره وهذا سبباً يجعل منه مجتمع فعال ومنتج، إذا لم يطبق ما أمر الله فهو معرض للتهلكة قال تعالى (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )البقرة. يقول الشيخ السعدي في تفسيره لهذه الآية: (والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: ترك ما أمر به العبد, إذا كان تركه موجبا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح, فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة، فمن ذلك, ترك الجهاد في سبيل الله, أو النفقة فيه, الموجب لتسلط الأعداء، ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة أو سفر مخوف, أو محل مسبعه أو حيات, أو يصعد شجرا أو بنيانا خطرا, أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك، فهذا ونحوه, ممن ألقى بيده إلى التهلكة)ا.هـ. وقال تعالى(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) الإسراء يقول الشيخ السعدي في تفسيره : وهذا من رحمته بعباده حيث كان أرحم بهم من والديهم، فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم خوفا من الفقر والإملاق وتكفل برزق الجميع. وأخبر أن قتلهم كان خطأ كبيرا أي: من أعظم كبائر الذنوب لزوال الرحمة من القلب والعقوق العظيم والتجرؤ على قتل الأطفال الذين لم يجر منهم ذنب ولا معصية. ا.هـ
فحرمة النفس مصانة لدى الشريعة الإسلامية فأين من يطبق هذه الشريعة حق التطبيق؟. وكذلك من الضرورات التي تسمو بالمجتمعات إلى الرقي والتقدم حفظ العقل من كل ما يشوبه ويعطله، ولذلك أباحة الشريعة كل ما يكفل سلامته وحرمة ما يفسده ويذهبه , ولو نظرنا للأسف في بعض المجتمعات نجدها تبيح ما يفسد هذا العقل من السماح ببيع المسكرات التي تجعل من الكائن البشري كائن بهيمي لا يعقل ولا يفقه و قد تؤدي كذلك إلى جريمة القتل وغيرها من الجرائم , ولو تأملنا في نعمة العقل لوجدناها من النعم العظيمة التي إن زالت توقف البدن عن العمل والإنتــاج وهو ما قد يؤدي إلى ما قبل وأعني بذلك الهلاك وضياع النفس والدين قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة . وهذا دليل على حفظ العقل من الوقوع في شرب الخمر وفعل المعاصي فأي مجتمع يبيح ما حرم الله كيف يأتيه الفلاح ! ، إن حفظ عقول أفراد المجتمع هو المحرك الأساسي للتقدم وتعمد إتلافه معناه دمار هذا المجتمع وانحطاطه , والذي معناه أنه لا وجود لبرامج تجعل من هذا المجتمع مجتمع متقدم وذلك لغياب الابتكارات والاختراعات والاستثمارات وهذا ما يؤدي في النهاية إلى تعليم سيء ينتج عنه جيل فاسد لا هم له في هذه الدنيا إلى العيش بكفاف وكل ذلك بسبب ضياع العقول أو بمعنى أصح تضييع العقول وعدم حفظها .
وبعد حفظ العقل ننتقل إلى حفظ النسل وهو جانب من جوانب حفظ النفس وحفظ النسل في بعض المجتمعات للأسف يكاد يكون مفقود وذلك مما نرى ونسمع عن إباحة ما يغري بالوقوع في الزنا ومقدماته قال تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا )الإسراء يقول الشيخ السعدي في تفسيره : والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن:" من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه.
ووصف الله الزنا وقبحه بأنه ( كَانَ فَاحِشَةً ) أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله: ( وَسَاءَ سَبِيلا ) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
والأشد أن البعض منها متجه إلى أبعد من ذلك إلى ما يفعله الغرب من الشذوذ الذي يهدم النسل سواء من فعل الشذوذ نفسه أو مما ينتج عنه من أمراض فتاكة وضياع للأنساب، وقبل ذلك ما نشاهد من بعض الدول من تحديدها للنسل ظناً منها وجهلا أن ذلك يكبح جماح الفقر ويساعد على التقدم والغنى والازدهار ولا يعلم هؤلاء الجهال أن الله متكفل بالأرزاق , عن عبد الله بن مسعود قال (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ) رواه البخاري والشاهد هنا أن الإنسان يكتب له رزقه يوم أن ينفخ فيه الروح وكما ذكرنا أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل برزق الجميع ولذا حرم قتل الأبناء خشية الفقر , وإذا عرفنا وتيقنا بأن الله رازقنا فلما الخشية من الفقر وجعل خطوة تحديد النسل من خطوات مكافحة الفقر كل ذلك أعمال شيطانية يراد بها إضعاف مكانة الأمة المتمثلة في هذه المجتمعات المسلمة والآن نذكر الضرورة الخامسة وهي ضرورة حفظ المال , ولقد جاءت الشريعة السمحة بما يوجب حفظه وشرعت نظم للمعاملات وحرمة الغش والتغرير والربا وكل ما فيه أكل أموال الناس بالباطل ولنا هنا وقفة في قضية الربا قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) البقرة وقال تعالى (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة .
قال السيخ السعدي : لما ذكر أكلة الربا وكان من المعلوم أنهم لو كانوا مؤمنين إيمانا ينفعهم لم يصدر منهم ما صدر ذكر حالة المؤمنين وأجرهم، وخاطبهم بالإيمان، ونهاهم عن أكل الربا إن كانوا مؤمنين، وهؤلاء هم الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لأمره، وأمرهم أن يتقوه، ومن جملة تقواه أن يذروا ما بقي من الربا أي: المعاملات الحاضرة الموجودة، وأما ما سلف، فمن اتعظ عفا الله عنه ما سلف، وأما من لم ينزجر بموعظة الله ولم يقبل نصيحته فإنه مشاق لربه محارب له، وهو عاجز ضعيف ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم الذي يمهل للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه، أخذه أخذ عزيز مقتدر ( وإن تبتم ) عن الربا ( فلكم رءوس أموالكم ) أي: أنزلوا عليها ( لا تظلمون ) من عاملتموه بأخذ الزيادة التي هي الربا ( ولا تظلمون ) بنقص رءوس أموالكم. أ.هـ
وجاء في التفسير الميسر : فإن لم ترتدعوا عما نهاكم الله عنه فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله, وإن رجعتم إلى ربكم وتركتم أَكْلَ الربا فلكم أَخْذُ ما لكم من ديون دون زيادة, لا تَظْلمون أحدًا بأخذ ما زاد على رؤوس أموالكم, ولا يظلمكم أحد بنقص ما أقرضتم.
وفي الحديث السابق الذي ذكرناه عن السبع الموبقات التي منها أكل الربا , لهذا يجب أن تعلم المجتمعات أن الربا أو ما يسمى بالفوائد أمره خطير جداً وهو من أهم الأسباب التي تدهور المجتمعات من الناحية الاقتصادية والتي عليها مدار النمو والتقدم فلو أن كل مجتمع طبق ما أمرت به الشريعة من حفظ للأموال من أوامر ونواهي لكان له السبق في النمو والازدهار ولكن الحال مع الأسف الشديد أن البعض يرى أن الربا أمر لابد منه لمسايرة الاقتصاد العالمي ولا يعلمون أن هذا هو الدمار لأن تغذية الشعب بأموال محرمة مؤداه إلى الانحلال والضياع .فأي مجتمع يريد لنفسه الدمار؟
وبعدما استعرضنا لكم الضرورات الخمس وآثارها في رقي المجتمعات المسلمة نتحدث بعدها عن كيفية تطبيقها وعن الأمور التي تقف عائقاً دون تطبيقها ولهذا كان الكلام عن هذه الضرورات في المجتمعات ونعني بكيفية تعامل هذه الأنظمة مع الشريعة الإسلامية ومقاصدها , والمشاهدلواقع البعض من الأنظمة والدساتير في بعض الدول الاسلامية نجدها أنها تحاول أن تجعل من مجتمعاتها نموذج من المجتمعات الغربية فلهذا نجد أن نظام الحكم فيها لا يتطابق مع الشريعة الإسلامية، وبعض الدول يكون لديها انبهار بالديمقراطية التي هي حكم الشعب وهي تطبق عندهم بهذا المنظور المشوه وتنسف حكم الله في شؤونها فهذه الدول كيف لها أن تجمع تطبيق الشريعة الإسلامية ومقاصدها والذي أعني به حفظ الضرورات الخمس في ظل تطبيقها لحكم وضعي , فإذا تم التصويت على تحليل الربا فأجمع الشعب على تحليله يكون حلالاً هذه الدول التي تأخذ بمبدأ العلمانية دائما ما تكون من أحط الدول بل نجد أنها تكون من الدول المتخلفة لأنها تقف حجر عثرة في طريق تطبيق الشريعة الإسلامية, لأن البعد عن تطبيق الشريعة الإسلامية يكون له تأثير حتى على الشعب واعني بهم الأفرادالمحكومين فإذا ضاع المحكوم ضاع الحاكم والعكس صحيح وعندما نرى الدول التي تطبق الشريعة الإسلامية أو تحاول أن تطبق أكبر قدر منها هي التي تكون في المقدمة وينعم أفرادها بالسعادة الحقيقية ويكون لديها حضارة وتقدم ,فالحضارة كل الحضارة أن يعيش الإنسان معززا مكرما سعيداوهذه الحياة لا تتأتى إلا مع تطبيق الشريعة ؛ ولهذا كما بينا في السابق أن الله سبحانه وتعالى أوجب على من أطاعه أن يرزقه ويبارك له وأخيراً أقول بأننا نمتلك مقومات النصر والتمكين والرفعة في الدنيا والآخرة وذلك برجوع إلى ديننا واستنباط الأحكام الشرعية منه لكي نحقق مقاصد الدين ونعيش في نظام سياسي اقتصادي شامل لكل جوانب الحياة .وهذا وصلى الله على نبينا محمد .