هل غرر برئيس..؟
مرسل: الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 10:10 pm
فجر يوم الخميس في 28 أيلول 1961 قامت مجموعة من الجيش بالتحرك من معسكر قطنة باتجاه دمشق واستطاعت السيطرة على الإذاعة ومحاصرة مقر القيادة، لتعلن فك عرى الوحدة بين مصر وسوريا والقضاء على الجمهورية العربية المتحدة
منذ تلك اللحظة أثارت حركة الانفصال الكثير من اللغط حول مراميها وأهدافها وتداعياتها والقوى المحركة لها. وأحدثت صدمة كبيرة في الشارع العربي لكونها ضربت هدفاً سامياً من أهدافه، وأحدثت نوعاً من الشرخ وأزمة الثقة بين أهم الأطراف التي ساهمت في تحقيق الوحدة وتجسيدها(حزب البعث العربي الاشتراكي، وجمال عبد الناصر)، وتراشقت الأطراف السياسية بالتهم المتبادلة تجاه ما حدث، ومسؤولية كل طرف فيه، ما فتح الباب على مصراعيه لولوج الأمة مرحلة جديدة من التنابذ والخلاف والتباعد، فما هي الملامح الرئيسية لموقف الرئيس جمال عبد الناصر من الانفصال؟ وهل استطاعت الأمة العربية تجاوز هذا الحدث بعد أكثر من نصف قرن على وقوعه؟
الموقف السياسي
يمكن تلمس الخطوط الأساسية لموقف عبد الناصر من الخطابين اللذين ألقاهما من مقر الإذاعة في القاهرة (كانت هذه المرة الأولى التي ينتقل فيها الرئيس إلى الإذاعة للتحدث إلى الشعب)، يوم وقوع الانفصال (صباح ومساء يوم الخميس).ا
ومن مجموعة الأحاديث والخطب التي ألقاها في الأيام والأسابيع التي أعقبت يوم الانفصال يمكن تحديد موقفه السياسي على النحو الآتي :ا
ـ حدث استثنائي : اعتبر ان حركة الانفصال أخطر من العدوان الثلاثي على مصر العام 1956 .
ـ ضد التوجه الاشتراكي : أكد ان حركة الانفصال جاءت رداً على قرارات التأميم التي أصدرتها الجمهورية العربية المتحدة .
ـ الوحدة غير عسكرية : وضح ان الوحدة تعبير عن إرادة شعبية. وبالتالي لا يمكن ان تتحول إلى «عملية عسكرية»، كما لا يجوز حمايتها بقوة العسكر . لهذا ألغى العمليات العسكرية التي أمر بتنفيذها، وأمر قوة المظليين التي وصلت إلى اللاذقية (120 مظلياً) بعدم إطلاق النار وتسليم نفسها إلى قائد المنطقة البحرية، متسائلاً لمصلحة من يمكن سفك الدماء؟ وكيف نحارب بعضنا البعض والأعداء تتربص بالأمة؟
ـ الدعم الخارجي : بيّن ان حركة الانفصال جاءت نتيجة لدعم رجعي ـاستعماري . وبالتالي فإن «الاتحاد العربي» الذي جمع العراق والأردن وعلاقاته الإقليمية والدولية هو المحرك والداعم.
ـ رفض حصار سوريا : أعلن انه لا يريد ان يقيم حصاراً سياسياً أو دبلوماسياً حول سوريا. لذلك فإنه لا يقف في وجه طلب قبول سوريا عضواً في الأمم المتحدة، أو جامعة الدول العربية. وطلب من جامعة الدول العربية تكليف لجنة للتحقق من احتياطي الذهب وغطاء العملة السورية، وما قدمته مصر وطبيعة الأعمال التي كان يقوم بها أبناء الإقليم المصري في سوريا، إضافة إلى موضوع المعتقلين.
ـ الأخطاء الذاتية : اعترف بأن الأخطاء أوصلتنا إلى الانفصال . فأولى هذه الأخطاء الاطمئنان إلى الرجعية والاعتقاد ان الرجعين «تابوا» ويتجهون لهدنة عربية. وثانيها الغرور الذي طال الجميع والتوهم بأن الأمور «استتبت لنا» فبدأت الخلافات بين القوى الوطنية، والاعتقاد أن «الكفاح من أجل القومية العربية انتهى وبدأ الكفاح من أجل الحكم، أو من أجل السلطة ومن أجل السلطان، وهذا أكبر غلط وكلنا غلطنا في هذا ».ا
ـ التمسك بالهوية : أكد أن الوحدة العربية ترتبط بآمال الناس وأهدافهم ومشاعرهم. وبالتالي فإن حركة الانفصال لن تزعزع الإيمان بالأفكار التي قامت عليها الوحدة. فرغم الأسى والألم فإن التمسك بالعروبة أقوى . كما ان الشعور بالمرارة لن يغلب العقل والحكمة.
ـ الوحدة المدروسة : اعاد التذكير بما كان قد طرحه في محادثات الوحدة واقتراحه إنجاز الوحدة على مراحل(خمس سنوات). فيتم تحقيق الوحدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية ثم نتجه بعد ذلك إلى «الوحدة الدستورية».
قد يثار الكثير من النقاش حول موقف الرئيس عبد الناصر سواء لجهة إيقافه العمليات العسكرية وخضوعه للضغوط الدولية، أو لجهة عدم الإقرار بمستوى الخلل الذي أحدثته الأجهزة الأمنية من تسلط وإرهاب، وقمع، وتنكيل وانتهاك لكرامات الناس ... ، أو لجهة غياب التخطيط لإقامة الوحدة، أو لجهة طبيعة «القرارات الاشتراكية » بحد ذاتها الخ... رغم كل هذه المسائل، وغيرها، فإن عبد الناصر التقط جوهر حركة الانفصال ووضح عمق خطورتها على حاضر الأمة العربية ومستقبلها.
من هنا نلاحظ ان الرئيس عبد الناصر لم ينجح (لعدة اسباب ..) في إعادة تجديد الوحدة، وفشلت المحادثات التي جرت بينه وبين حزب «البعث العربي الاشتراكي» الذي وصل إلى حكم سوريا والعراق في العام 1963. وبهذا الفشل تكرس الشرخ بين القوتين الوحدويتين، وترسخت الحدود الكيانية رغم الضجيج القومي والصراخ العالي بالانتماء العربي . بدليل ان حزب «البعث» عجز عن إقامة الحد الأدنى من العلاقات الودية وليس الوحدوية بين سوريا والعراق، لدرجة غدت خلافات «الحزب الواحد» تطغى على كل ما عداها .ا
وعليه يمكن القول إن وصول «الأحزاب القومية» إلى الحكم سواء باسم البعث أو الناصرية مارست سياسات غير وحدوية، مما جعل ذهنية الانفصال واقعاً مجتمعياً، وسلوكاً سياسياً، أوقع الأمة العربية، ولم يزل، في أتون الصراعات الداخلية والتشظي المجتمعي، لذلك فإن أعداء الوحدة الذين نجحوا في ضربها العام 1961 استفادوا بطريقة أو بأخرى من «أنظمته الحكم الوحدوية» لإبقاء الانفصال راسخاً ومعششاً في ثنايا الواقع العربي.
ليس غريباً القول إن ما وصلت إليه الأوضاع العربية هي، من حيث المبدأ، من تداعيات حركة الانفصال وارتداداتها. فكيف يمكن إيقاف مسار التفتيت والتشظي؟ وهل يمكن أن يبقى توجه عبد الناصر(وغيره من القوى القومية) مدخلاً لمستقبل، واعد؟ وكيف؟
منذ تلك اللحظة أثارت حركة الانفصال الكثير من اللغط حول مراميها وأهدافها وتداعياتها والقوى المحركة لها. وأحدثت صدمة كبيرة في الشارع العربي لكونها ضربت هدفاً سامياً من أهدافه، وأحدثت نوعاً من الشرخ وأزمة الثقة بين أهم الأطراف التي ساهمت في تحقيق الوحدة وتجسيدها(حزب البعث العربي الاشتراكي، وجمال عبد الناصر)، وتراشقت الأطراف السياسية بالتهم المتبادلة تجاه ما حدث، ومسؤولية كل طرف فيه، ما فتح الباب على مصراعيه لولوج الأمة مرحلة جديدة من التنابذ والخلاف والتباعد، فما هي الملامح الرئيسية لموقف الرئيس جمال عبد الناصر من الانفصال؟ وهل استطاعت الأمة العربية تجاوز هذا الحدث بعد أكثر من نصف قرن على وقوعه؟
الموقف السياسي
يمكن تلمس الخطوط الأساسية لموقف عبد الناصر من الخطابين اللذين ألقاهما من مقر الإذاعة في القاهرة (كانت هذه المرة الأولى التي ينتقل فيها الرئيس إلى الإذاعة للتحدث إلى الشعب)، يوم وقوع الانفصال (صباح ومساء يوم الخميس).ا
ومن مجموعة الأحاديث والخطب التي ألقاها في الأيام والأسابيع التي أعقبت يوم الانفصال يمكن تحديد موقفه السياسي على النحو الآتي :ا
ـ حدث استثنائي : اعتبر ان حركة الانفصال أخطر من العدوان الثلاثي على مصر العام 1956 .
ـ ضد التوجه الاشتراكي : أكد ان حركة الانفصال جاءت رداً على قرارات التأميم التي أصدرتها الجمهورية العربية المتحدة .
ـ الوحدة غير عسكرية : وضح ان الوحدة تعبير عن إرادة شعبية. وبالتالي لا يمكن ان تتحول إلى «عملية عسكرية»، كما لا يجوز حمايتها بقوة العسكر . لهذا ألغى العمليات العسكرية التي أمر بتنفيذها، وأمر قوة المظليين التي وصلت إلى اللاذقية (120 مظلياً) بعدم إطلاق النار وتسليم نفسها إلى قائد المنطقة البحرية، متسائلاً لمصلحة من يمكن سفك الدماء؟ وكيف نحارب بعضنا البعض والأعداء تتربص بالأمة؟
ـ الدعم الخارجي : بيّن ان حركة الانفصال جاءت نتيجة لدعم رجعي ـاستعماري . وبالتالي فإن «الاتحاد العربي» الذي جمع العراق والأردن وعلاقاته الإقليمية والدولية هو المحرك والداعم.
ـ رفض حصار سوريا : أعلن انه لا يريد ان يقيم حصاراً سياسياً أو دبلوماسياً حول سوريا. لذلك فإنه لا يقف في وجه طلب قبول سوريا عضواً في الأمم المتحدة، أو جامعة الدول العربية. وطلب من جامعة الدول العربية تكليف لجنة للتحقق من احتياطي الذهب وغطاء العملة السورية، وما قدمته مصر وطبيعة الأعمال التي كان يقوم بها أبناء الإقليم المصري في سوريا، إضافة إلى موضوع المعتقلين.
ـ الأخطاء الذاتية : اعترف بأن الأخطاء أوصلتنا إلى الانفصال . فأولى هذه الأخطاء الاطمئنان إلى الرجعية والاعتقاد ان الرجعين «تابوا» ويتجهون لهدنة عربية. وثانيها الغرور الذي طال الجميع والتوهم بأن الأمور «استتبت لنا» فبدأت الخلافات بين القوى الوطنية، والاعتقاد أن «الكفاح من أجل القومية العربية انتهى وبدأ الكفاح من أجل الحكم، أو من أجل السلطة ومن أجل السلطان، وهذا أكبر غلط وكلنا غلطنا في هذا ».ا
ـ التمسك بالهوية : أكد أن الوحدة العربية ترتبط بآمال الناس وأهدافهم ومشاعرهم. وبالتالي فإن حركة الانفصال لن تزعزع الإيمان بالأفكار التي قامت عليها الوحدة. فرغم الأسى والألم فإن التمسك بالعروبة أقوى . كما ان الشعور بالمرارة لن يغلب العقل والحكمة.
ـ الوحدة المدروسة : اعاد التذكير بما كان قد طرحه في محادثات الوحدة واقتراحه إنجاز الوحدة على مراحل(خمس سنوات). فيتم تحقيق الوحدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية ثم نتجه بعد ذلك إلى «الوحدة الدستورية».
قد يثار الكثير من النقاش حول موقف الرئيس عبد الناصر سواء لجهة إيقافه العمليات العسكرية وخضوعه للضغوط الدولية، أو لجهة عدم الإقرار بمستوى الخلل الذي أحدثته الأجهزة الأمنية من تسلط وإرهاب، وقمع، وتنكيل وانتهاك لكرامات الناس ... ، أو لجهة غياب التخطيط لإقامة الوحدة، أو لجهة طبيعة «القرارات الاشتراكية » بحد ذاتها الخ... رغم كل هذه المسائل، وغيرها، فإن عبد الناصر التقط جوهر حركة الانفصال ووضح عمق خطورتها على حاضر الأمة العربية ومستقبلها.
من هنا نلاحظ ان الرئيس عبد الناصر لم ينجح (لعدة اسباب ..) في إعادة تجديد الوحدة، وفشلت المحادثات التي جرت بينه وبين حزب «البعث العربي الاشتراكي» الذي وصل إلى حكم سوريا والعراق في العام 1963. وبهذا الفشل تكرس الشرخ بين القوتين الوحدويتين، وترسخت الحدود الكيانية رغم الضجيج القومي والصراخ العالي بالانتماء العربي . بدليل ان حزب «البعث» عجز عن إقامة الحد الأدنى من العلاقات الودية وليس الوحدوية بين سوريا والعراق، لدرجة غدت خلافات «الحزب الواحد» تطغى على كل ما عداها .ا
وعليه يمكن القول إن وصول «الأحزاب القومية» إلى الحكم سواء باسم البعث أو الناصرية مارست سياسات غير وحدوية، مما جعل ذهنية الانفصال واقعاً مجتمعياً، وسلوكاً سياسياً، أوقع الأمة العربية، ولم يزل، في أتون الصراعات الداخلية والتشظي المجتمعي، لذلك فإن أعداء الوحدة الذين نجحوا في ضربها العام 1961 استفادوا بطريقة أو بأخرى من «أنظمته الحكم الوحدوية» لإبقاء الانفصال راسخاً ومعششاً في ثنايا الواقع العربي.
ليس غريباً القول إن ما وصلت إليه الأوضاع العربية هي، من حيث المبدأ، من تداعيات حركة الانفصال وارتداداتها. فكيف يمكن إيقاف مسار التفتيت والتشظي؟ وهل يمكن أن يبقى توجه عبد الناصر(وغيره من القوى القومية) مدخلاً لمستقبل، واعد؟ وكيف؟