هل نحن أمة ضحكت من جهلها الأمم؟
مرسل: الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 10:16 pm
عنوان هذا المقال هو مقطع من بيت شعر من قصيدة لعظيم شُعراء العربية، المُلقب بـ«المُتنبى» فى هجائه لحاكم مصر، كافور الإخشيد(٩٦٦-٩٦٨م) حينما لم يكن كريماً فى العطاء له. ولم يقتصر غضب المُتنبى على «الحاكم » كافور، لكنه اتسع ليشمل «المحكومين»، أى كل المصريين، الذين ارتضوا «كافور»(وهو فى الأصل أحد العبيد)، حاكماً عليهم. فنال المصريون بعض ما ناله كافور من الهجاء. وكان ضمن ذلك، مقطع البيت الشعرى الذى اقتبسناه، أعلاه .
ورغم أننا لا نُشارك أى نهج، أو فلسفة تنعت مُجتمعاً، أو شعباً كاملاً «بالجهالة»، أو «الغباء»، أو «الجُبن»، أو حتى بصفات إيجابية، مثل الكرم، والشجاعة، والذكاء، فإن كثرة اقتباس ذلك البيت من المُتنبى، تطفو إلى سطح الذاكرة الجماعية، كُلما ارتكب غوغاء من المصريين سلوكاً جماعياً قبيحاً .
من ذلك التظاهر أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة، ومُحاولة اقتحامها، احتجاجاً على فيلم، بعنوان «براءة المسلمين»، تم إنتاجه وعرضه عرضاً محدوداً، فى الولايات المُتحدة، منذ عدة شهور، واعتبره من شاهدوه أنه يُسىء للنبى محمد «ص» وللإسلام. ولم يسمع عن هذا الفيلم القصير (١٣ دقيقة) إلا بضعة آلاف حين تم تداوله فى حينه. ويُقال إن عدم ذيوعه يرجع إلى رداءة مضمونه شكلاً وموضوعاً .
ولكن أحد الإسلاميين المصريين، اختار مُناسبة «١١سبتمبر» وهى ذكرى تفجير بُرجي مركز التجارة العالمى ليُعيد وضعه على شبكة الإنترنت، فتناقله مئات الآلاف من المُسلمين، فغضبوا مما رأوه، وتناقلوا مشاعر الاشمئزاز، وتنادى «السلفيون» منهم إلى «غضبة من أجل الرسول»، واستجاب لهم عدة آلاف من سلفيين مثلهم، وكذلك مسلمون وأقباط آخرون للتظاهر فى ميدان التحرير عصر يوم الجمعة ١٤/٩/٢٠١٢ .
ولأن التجمع والتظاهر فى ميدان التحرير أصبح سلوكاً جماعياً مُعتاداً بعد صلاة الجمعة، منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، فقد تجمّع الناس بالفعل، ولأن التحرير قريب من السفارة الأمريكية في گاردن سيتي، فقد أوحى السلفيون الذين دعوا للتظاهر بأن يتحرّكوا إلى مبنى السفارة .. ومع ارتفاع نبرة الهتاف، ارتفعت حدة الغضب، والتهبت المشاعر تدريجياً، إلى أن أصبح مُحتماً أن تبحث هذه المشاعر الهائجة عن هدف مادى أو إنسانى تصبّ عليه أو فيه جامّ غضبها .
ورغم أن الحكومة الأمريكية فى واشنطن، وسفارتها فى القاهرة، لا شأن لهما من قريب أو بعيد بإنتاج وعرض فيلم «براءة المسلمين»، المُسىء للرسول، فقد كان يكفى الغوغاء الباحثون عن هدف، أن يصيح فيهم كبيرهم «هيا بنا إلى السفارة الأمريكية للقصاص»، وحاول المئات اجتياز الحراسة حول مبنى السفارة، وحاولوا اختراق بواباتها الحديدية، وحين عجزوا عن ذلك تسلّق بعض الصبية أسوار المبنى، وأنزلوا علم الولايات المتحدة، وداسوه بالأقدام، ورفعوا علم تنظيم «القاعدة» الوهابى! ولولا عدة طلقات فى الهواء، لربما تدهور الأمر إلى ما هو أسوأ- مثلما حدث فى ليبيا، حيث أدى الاعتداء على مبنى القُنصلية الأمريكية فى بنغازى إلى مقتل السفير الأمريكى كريستوفر ستيفنز، وثلاثة من مُساعديه .
وهناك علامات استفهام حول دور حكومة الرئيس مُرسى وحركة الإخوان المسلمين فى إشعال المُظاهرات الاحتجاجية على فيلم «براءة المسلمين»، فمن ناحية كانوا هم ضمن من دعوا إلى التظاهر. ولكن حين تدهور هذا التظاهر إلى سلوكيات غوغائية قبيحة، فإنهم تراجعوا عن الدعوة للتظاهر، إلى دعوة أكثر احتشاماً، وهى وقفات احتجاجية رمزية، أمام المساجد بعد صلاة الجمعة (١٤/٩/٢٠١٢). وهذا فى رأينا سلوك وقور ومسؤول، ويعكس نُضج حركة تحوّلت من «المُعارضة» إلى «السُلطة ».
هذا فضلاً عن أن هناك زيارة مُرتقبة للرئيس المصرى محمد مُرسى إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، لمُقابلة نظيره الرئيس الأمريكى باراك أوباما، ولا ينبغى أن يكون هناك ما يُعكّر مياه العلاقات بين البلدين. ولا يخفى أن هناك قوى أخرى لها مصلحة فى ذلك- سواء من حكومات شرق أوسطية، أو قوى مصرية فى الداخل أو فى المهجر .
وفى النهاية على كل من يهمهم الأمر الوطنى أن يُدركوا أنه ستوجد دائماً العناصر الغوغائية، التى يمكن أن تُكرر تجربة استفزاز مشاعر المصريين، أو العرب، أو المسلمين. وقد شهدنا ذلك بالفعل طوال السنوات العشر الأخيرة ( ٢٠٠٢ - ٢٠١٢ ) من الرسوم الكاريكاتورية فى عام ٢٠٠٦ وكانت صحيفة شارلى إبدو الفرنسية قد نشرت الرسوم الدنمركية، ثم نشرت نفس الصحيفة رسوماً مُسيئة للرسول محمد «صلى الله عليه وسلم» فى عام ٢٠١١، وانتهاء بفيلم «براءة المسلمين». وإلى الآن، كان الذى يقوم بهذه السلوكيات الاستفزازية «أفراد»، وليس حكومات أو هيئات عامة فى الخارج. ولا تستطيع أى حكومة غربية أو رئيس هناك أن يُصادر على «حُرية التعبير» التى هى قيمة رئيسية فى كل الديمقراطيات الغربية. فإذا كان الدين، والأنبياء، والرُسل يُمثلون قيماً «مُقدسة» عند جمهور المسلمين والمسيحيين الشرقيين، فإن «حُرية التعبير» هى قيمة أكثر قداسة من الأديان عند الغربيين. وعلى كل الغيورين على دينهم وثقافاتهم ومُقدساتهم أن يتعلموا المُبادرة والفعل، بدلاً من الشكوى ورد الفعل .
من ذلك أن مُخرجاً أمريكياً من أصل سورى هو المرحوم مصطفى العقاد، أنتج فيلماً رائعاً عن ظهور الإسلام، عنوانه «الرسالة». ورغم أنه احترم فتوى أصدرها الأزهر، قبل خمسين سنة، تمنع تقمص شخصية الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم»، إلا أن الفيلم
حاز إعجاباً واسعاً، وحصل على العديد من الجوائز العالمية .
ولا أرى، شخصياً، أى مُبرر قوى لاستمرار العمل بتلك الفتوى . فخير للغيورين على دينهم الإسلامى أن يُنتجوا أفلامهم، وأن يظهر فيها الرسول، وأن يتقمص شخصيته أحد نجومنا الذين تقترب أوصافهم من تلك التى أوردتها كُتب السيرة للرسول محمد «ص». وهذا أفضل ألف مرة من الاعتراض على غير المسلمين إن هم مارسوا حُريتهم المُقدسة فى التعبير، بما فى ذلك تقمص شخصية الرسول محمد «ص». وقديماً قالوا «بدلاً من أن تلعنوا الظلام ألف مرة، قوموا بإشعال شمعة واحدة ».
ورغم أننا لا نُشارك أى نهج، أو فلسفة تنعت مُجتمعاً، أو شعباً كاملاً «بالجهالة»، أو «الغباء»، أو «الجُبن»، أو حتى بصفات إيجابية، مثل الكرم، والشجاعة، والذكاء، فإن كثرة اقتباس ذلك البيت من المُتنبى، تطفو إلى سطح الذاكرة الجماعية، كُلما ارتكب غوغاء من المصريين سلوكاً جماعياً قبيحاً .
من ذلك التظاهر أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة، ومُحاولة اقتحامها، احتجاجاً على فيلم، بعنوان «براءة المسلمين»، تم إنتاجه وعرضه عرضاً محدوداً، فى الولايات المُتحدة، منذ عدة شهور، واعتبره من شاهدوه أنه يُسىء للنبى محمد «ص» وللإسلام. ولم يسمع عن هذا الفيلم القصير (١٣ دقيقة) إلا بضعة آلاف حين تم تداوله فى حينه. ويُقال إن عدم ذيوعه يرجع إلى رداءة مضمونه شكلاً وموضوعاً .
ولكن أحد الإسلاميين المصريين، اختار مُناسبة «١١سبتمبر» وهى ذكرى تفجير بُرجي مركز التجارة العالمى ليُعيد وضعه على شبكة الإنترنت، فتناقله مئات الآلاف من المُسلمين، فغضبوا مما رأوه، وتناقلوا مشاعر الاشمئزاز، وتنادى «السلفيون» منهم إلى «غضبة من أجل الرسول»، واستجاب لهم عدة آلاف من سلفيين مثلهم، وكذلك مسلمون وأقباط آخرون للتظاهر فى ميدان التحرير عصر يوم الجمعة ١٤/٩/٢٠١٢ .
ولأن التجمع والتظاهر فى ميدان التحرير أصبح سلوكاً جماعياً مُعتاداً بعد صلاة الجمعة، منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، فقد تجمّع الناس بالفعل، ولأن التحرير قريب من السفارة الأمريكية في گاردن سيتي، فقد أوحى السلفيون الذين دعوا للتظاهر بأن يتحرّكوا إلى مبنى السفارة .. ومع ارتفاع نبرة الهتاف، ارتفعت حدة الغضب، والتهبت المشاعر تدريجياً، إلى أن أصبح مُحتماً أن تبحث هذه المشاعر الهائجة عن هدف مادى أو إنسانى تصبّ عليه أو فيه جامّ غضبها .
ورغم أن الحكومة الأمريكية فى واشنطن، وسفارتها فى القاهرة، لا شأن لهما من قريب أو بعيد بإنتاج وعرض فيلم «براءة المسلمين»، المُسىء للرسول، فقد كان يكفى الغوغاء الباحثون عن هدف، أن يصيح فيهم كبيرهم «هيا بنا إلى السفارة الأمريكية للقصاص»، وحاول المئات اجتياز الحراسة حول مبنى السفارة، وحاولوا اختراق بواباتها الحديدية، وحين عجزوا عن ذلك تسلّق بعض الصبية أسوار المبنى، وأنزلوا علم الولايات المتحدة، وداسوه بالأقدام، ورفعوا علم تنظيم «القاعدة» الوهابى! ولولا عدة طلقات فى الهواء، لربما تدهور الأمر إلى ما هو أسوأ- مثلما حدث فى ليبيا، حيث أدى الاعتداء على مبنى القُنصلية الأمريكية فى بنغازى إلى مقتل السفير الأمريكى كريستوفر ستيفنز، وثلاثة من مُساعديه .
وهناك علامات استفهام حول دور حكومة الرئيس مُرسى وحركة الإخوان المسلمين فى إشعال المُظاهرات الاحتجاجية على فيلم «براءة المسلمين»، فمن ناحية كانوا هم ضمن من دعوا إلى التظاهر. ولكن حين تدهور هذا التظاهر إلى سلوكيات غوغائية قبيحة، فإنهم تراجعوا عن الدعوة للتظاهر، إلى دعوة أكثر احتشاماً، وهى وقفات احتجاجية رمزية، أمام المساجد بعد صلاة الجمعة (١٤/٩/٢٠١٢). وهذا فى رأينا سلوك وقور ومسؤول، ويعكس نُضج حركة تحوّلت من «المُعارضة» إلى «السُلطة ».
هذا فضلاً عن أن هناك زيارة مُرتقبة للرئيس المصرى محمد مُرسى إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، لمُقابلة نظيره الرئيس الأمريكى باراك أوباما، ولا ينبغى أن يكون هناك ما يُعكّر مياه العلاقات بين البلدين. ولا يخفى أن هناك قوى أخرى لها مصلحة فى ذلك- سواء من حكومات شرق أوسطية، أو قوى مصرية فى الداخل أو فى المهجر .
وفى النهاية على كل من يهمهم الأمر الوطنى أن يُدركوا أنه ستوجد دائماً العناصر الغوغائية، التى يمكن أن تُكرر تجربة استفزاز مشاعر المصريين، أو العرب، أو المسلمين. وقد شهدنا ذلك بالفعل طوال السنوات العشر الأخيرة ( ٢٠٠٢ - ٢٠١٢ ) من الرسوم الكاريكاتورية فى عام ٢٠٠٦ وكانت صحيفة شارلى إبدو الفرنسية قد نشرت الرسوم الدنمركية، ثم نشرت نفس الصحيفة رسوماً مُسيئة للرسول محمد «صلى الله عليه وسلم» فى عام ٢٠١١، وانتهاء بفيلم «براءة المسلمين». وإلى الآن، كان الذى يقوم بهذه السلوكيات الاستفزازية «أفراد»، وليس حكومات أو هيئات عامة فى الخارج. ولا تستطيع أى حكومة غربية أو رئيس هناك أن يُصادر على «حُرية التعبير» التى هى قيمة رئيسية فى كل الديمقراطيات الغربية. فإذا كان الدين، والأنبياء، والرُسل يُمثلون قيماً «مُقدسة» عند جمهور المسلمين والمسيحيين الشرقيين، فإن «حُرية التعبير» هى قيمة أكثر قداسة من الأديان عند الغربيين. وعلى كل الغيورين على دينهم وثقافاتهم ومُقدساتهم أن يتعلموا المُبادرة والفعل، بدلاً من الشكوى ورد الفعل .
من ذلك أن مُخرجاً أمريكياً من أصل سورى هو المرحوم مصطفى العقاد، أنتج فيلماً رائعاً عن ظهور الإسلام، عنوانه «الرسالة». ورغم أنه احترم فتوى أصدرها الأزهر، قبل خمسين سنة، تمنع تقمص شخصية الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم»، إلا أن الفيلم
حاز إعجاباً واسعاً، وحصل على العديد من الجوائز العالمية .
ولا أرى، شخصياً، أى مُبرر قوى لاستمرار العمل بتلك الفتوى . فخير للغيورين على دينهم الإسلامى أن يُنتجوا أفلامهم، وأن يظهر فيها الرسول، وأن يتقمص شخصيته أحد نجومنا الذين تقترب أوصافهم من تلك التى أوردتها كُتب السيرة للرسول محمد «ص». وهذا أفضل ألف مرة من الاعتراض على غير المسلمين إن هم مارسوا حُريتهم المُقدسة فى التعبير، بما فى ذلك تقمص شخصية الرسول محمد «ص». وقديماً قالوا «بدلاً من أن تلعنوا الظلام ألف مرة، قوموا بإشعال شمعة واحدة ».