- الاثنين نوفمبر 05, 2012 3:13 pm
#54723
إن التضحيات التي قدمتها مملكة بيمونتي ـ سردينية، جعلت الجماهير الوحدوية تلتف حولها، ولقد وجدت في مليكها الشاب فكتور عمانوئيل ضالتها المنشودة لتحقيق الوحدة، إذ كان معروفاً بأفكاره التحررية وعطفه على الجمعيات والأحزاب الوحدوية، ولقد قيض له شخصية ممتازة وهي كاميلو كا?ور (1810-1861) Camillo Cavour، فقد حاول كافور أن يجد حليفاً له للتخلص من سيطرة النمسة، فانضم إلى التحالف الفرنسي ـ الإنكليزي عند نشوب حرب القرم وأرسل نحو خمسة عشر ألف جندي للقتال. وفي مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس سنة 1856 تمكن كافور من تدويل القضية الإيطالية وكسب عطف نابليون الثالث. وعلى هذا النحو مر تحقيق الوحدة الإيطالية بعدة مراحل وهي:
أـ مرحلة الحرب مع النمسة وضم لومباردية: في 5 مارس 1859 أصدرت حكومة كافور مرسوماً بالتعبئة العامة، مما أثار النمسة فأرسلت إنذاراً تطلب فيه من حكومة بيمونتي نزع السلاح فوراً، وفي مدة أقصاها ثلاثة أيام. تجاهل كافور الإنذار إذ وجد فيه الفرصة السانحة لجر فرنسة لدخول الحرب معه، وسارع الامبراطور الفرنسي على رأس جيشه إلى إيطالية، وهزم مع قوات بيمونتي الجيش النمسوي في عدة معارك وبدأ المفاوضات مع النمسة، واتفق الطرفان على أن يتنازل امبراطور النمسة عن لومباردية إلى فرنسة التي تتنازل عنها بدورها إلى مملكة سردينية، وأن تبقى البندقية والمناطق الجبلية في شمال شرقي إيطالية تحت السيادة النمسوية على أن تكون جزءاً من الاتحاد الإيطالي الذي يجب أن يرأسه البابا. واتفق كافور مع نابليون على إجراء استفتاء في ولايات الوسط، التي انضمت إلى سردينية في حين انضمت نيس وسافوا إلى فرنسة. وبادر الوطنيون في صقلية إلى إشعال الثورة في بالرمو (1860).
ب ـ گاريبالدي وتحرير صقلية: جمع گاريبالدي 1080 متطوعاً من جنوة وألبسهم قمصاناً حمراء وعبر بهم إلى صقلية حيث هزم جيش نابولي، ثم غزا نابولي ودخلها وحرر مع جيش الملك فكتور عمانوئيل الحصون الشمالية، في حين توجه كافور بجيش لقتال جيش البابا وانتصر عليه واحتل الأملاك البابوية عدا رومة، وفي 18 شباط 1861 اجتمع المجلس النيابي الجديد ونودي بفكتور عمانوئيل ملكاً على إيطالية.
ج ـ ضم البندقية ورومة: تم ضم البندقية إلى إيطالية الموحدة إثر مساعدة إيطالية لروسية في حربها مع النمسة (1866). في حين ضمت رومة إثر الحرب بين فرنسة وبروسية عام 1870، إذ اضطرت فرنسة إلى سحب حاميتها من رومة، فسارع الإيطاليون إلى دخولها في 20 أيلول 1870 مما أغضب البابا الذي لم يقبل بالتنازل عن سلطته المدنية واعتبر نفسه سجين الفاتيكان، وطلب من الكاثوليك مقاطعة الحكومة الإيطالية.
إيطالية حتى الحرب العالمية الأولى
واجهت إيطالية بعد توحدها بعض المشكلات التي نجمت عن الوضع الجديد للبلاد، كتعديل قانون الانتخابات وتوحيد الأنظمة الإدارية للبلاد في محاولة للتقريب بين ولايات الشمال الصناعية الأكثر تقدماً ورقياً، وولايات الجنوب الزراعية الأكثر تخلفاً ثقافياً واجتماعياً. وحاولت حلَّ المشكلة البابوية، كما واجهت مشكلة النمو السكاني وخاصة في الجنوب مما أدى إلى هجرة كبيرة من البلاد وخاصة إلى الولايات المتحدة الأميركية. إضافة إلى مواجهة ازدياد نشاط العصابات المنشقة وخاصة في نابولي وصقلية. كما عملت الحكومة على تشجيع الصناعة والزراعة وبناء أسطول تجاري ضخم، وأممت بعض القطاعات كالسكك الحديدية وشركات التأمين على الحياة، وعملت على تخفيف الأزمات الاقتصادية ورفع سوية المواطنين مادياً ومعنوياً، كما انطلقت تفتش عن مستعمرات لها أسوة بباقي الدول الأوربية، فبسطت نفوذها على ميناء عصب على البحر الأحمر، وأخذت تتوسع في إريترية Eritria، ثم استولت عام 1889 على مستعمرة أخرى في الساحل الشرقي لإفريقية سميت بالصومال الإيطالي، وبذلك أحاطت إيطالية بالحبشة (إثيوبية) من الشمال والشرق، وراحت تدعي أن الحبشة محمية لها، مما أدى إلى قيام الحرب بين الطرفين وهزيمة الطليان في معركة عدوة (1896) واعترافها باستقلال الحبشة، وقد توجهت إيطالية بأنظارها نحو الشمال الإفريقي منتهزة فرصة انشغال الدولة العثمانية بحروب البلقان فاحتلت طرابلس الغرب (1911-1912)، بعد أن مهدت دولياً لذلك.
الحرب العالمية الأولى
الحملة الإيطالية (الحرب العالمية الأولى)
إيطالية والحرب العالمية الأولى عندما بدأت سحب الحرب تتلبد في سماء أوربة، كان الرأي العام الإيطالي يحبذ الوقوف على الحياد، في حين كانت الحكومة الإيطالية تخضع لضغوط سياسية وإغراءات من المعسكرين لجرها إلى الحرب، ولكنها في 3آب1914 أعلنت حيادها، وانقسم ساستها بين مؤيد ومعارض فأخذت الحكومة تساوم المعسكرين. وأخيراً وقّعت في 26نيسان1915 مع فرنسة وإنكلترة وروسية معاهدة لندن السرية التي تحصل بموجبها على إقليم ترنتينو والتيرول الجنوبي بالإضافة إلى تريستة ومعظم جزر دلماسية، وفي حالة تقسيم تركة تركية فسيكون من نصيبها أضالية، كما يسمح لها بالتوسع في مستعمراتها في ليبية وإريترية والصومال عند اقتسام فرنسة وإنكلترة المستعمرات الألمانية. وفي 23أيار1915 أعلنت إيطالية الحرب على النمسة وبدأت القتال في منطقة جبال الألب من دون تنسيق مع حلفائها، فكبدها ذلك خسائر كبيرة في الأرواح، ومنيت إيطالية بنتيجة الحرب بخسائر بلغت 615.000 قتيل، وانهار اقتصادها ورزحت تحت ديون طائلة.
وفي 10 أيلول 1919 وقَّعت إيطالية معاهدة سان جرمان مع النمسة وأخذت بمقتضاها تريستة وايستري وترنتينو. وأسفرت انتخابات 1919 عن أكثرية للاشتراكيين والكاثوليك، ولم يستطع الحزبان التفاهم على برنامج مشترك، فانفصل المتطرفون ومن بينهم موسوليني[ر] مع جماعته من المحاربين القدامى ليشكلوا حزباً جديداً في ميلانو في 23مارس1919 باسم الحزب الفاشي مستغلين أوضاع مابعد الحرب من ضائقة اقتصادية وبطالة.
الفاشية والحرب العالمية الثانية
طرحت الفاشية مبادئ وشعارات جعلت منها عقيدة استقطبت حماسة الشباب فكانت تدعو إلى تمجيد القوة والعمل، ومركزية الدولة، ومعاداة النظام البرلماني ومحاربة الشيوعية، ولاقى موسوليني تأييداً من رجال الصناعة والمال، وجعل من فرق «القمصان السوداء» أداة للبطش والتخلص من خصومه السياسيين، وأصدر أوامره إلى تلك الفرق في 28تشرين الأول1921 بالزحف على رومة، فاضطر الملك إلى استدعائه من ميلانو وتكليفه تشكيل الوزارة بالاشتراك مع الوطنيين.
ظهر موسوليني مدة حكمه (1922-1945) بمظهر المعتدل والراغب في الإصلاح مما طمأن الحياديين وجعلهم يتعاطفون معه. وكان مؤمناً بأن الدولة هي التي تصنع الأمة، وليس العكس، وذلك بأن يكون على رأسها زعيم قوي يجمع بيده السلطات ليصنع الأمة التي يريد، وقد أعطى لنفسه هذا الحق فأوجد في عام 1923 المليشيا الفاشية، كما عمل على صهر الحزب الوطني في حزبه. وفي انتخابات 1924 حصل موسوليني مع الوطنيين على 64,9% من أصوات الناخبين وأصبح رئيساً للحكومة، وبدأ يجمع السلطات في يده، فحل النقابات الكاثوليكية والشيوعية وجميع الأحزاب غير الفاشية، وأخذ بإبعاد المناوئين له من أجهزة الدولة، ونفى الكثير من خصومه أو أرسلهم إلى مراكز الاعتقال، وسخر الصحافة لمآربه، كما عمل فيلسوف الفاشية غيوفاني غانتيله Giovanni Gentile على إصلاح النظام المدرسي والجامعي، ونظم الشباب في تشكيلات ذات صفة عسكرية لتأهيلهم رياضياً وتثقيفهم بعقيدة الحزب السياسية.
وفي 11 شباط 1929 تم توقيع اتفاقية لاتران Lattran التي أنهت الخلاف مع الكرسي البابوي. كما عملت إيطالية على استصلاح الأراضي الزراعية وزيادة الإنتاج (معركة القمح) واستغلت مساقط المياه وعملت على زيادة الإنتاج الصناعي وتخفيض التكاليف وشجعت النمو السكاني ووضعت حداً للهجرة الخارجية.
أما على الصعيد الخارجي فقد غزت القوات الإيطالية إثيوبية (الحبشة) في 3تشرين الأول1935 ودخلت العاصمة أديس أبابا، وحصل الملك الإيطالي على لقب امبراطور إثيوبية إضافة إلى لقبه، كما قام موسوليني في 16آذار1937 بزيارة ليبية متقرباً من سكانها ومعلناً ميله وصداقته للمسلمين. وفي تشرين الثاني1937 انضمت إيطالية إلى التحالف المعادي للشيوعية والمكون من ألمانية واليابان، ثم انسحبت من عصبة الأمم، وعندما قامت الحرب الأهلية في إسبانية، ساعدت إيطالية فرانكو، وبعد أن احتلت ألمانية تشيكوسلوفاكية سارعت إيطالية إلى توقيع تحالف عسكري مع ألمانية. وفي 10 حزيران 1940 أعلنت إيطالية الحرب على فرنسة وبريطانية ثم على روسية وأخيراً على الولايات المتحدة الأميركية في 11 كانون الأول 1940.
وفي السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية نجح الحلفاء في إنهاء الوجود الإيطالي في شرقي إفريقية وإريترية، وأخذت القوات الإيطالية تتراجع ثم استسلمت في 12آذار1943. وفي شهر حزيران نزلت قوات الحلفاء في جزيرة صقلية وسقطت بالرمو (بالرم). وفي 3أيلول1943 أعلنت إيطالية أنها استسلمت دون قيد أو شرط، وتم عزل موسوليني، وعين الملك المارشال بيترو بادوليو Pietro Badoglio بدلاً عنه فدخل في مفاوضات مع الحلفاء ووقع الهدنة معهم في 29أيلول1943، ولقد تمكن الألمان من إنقاذ موسوليني وطلبوا منه تأليف حكومة جديدة، في حين أعلنت حكومة بادوليو الحرب على النازيين، وتابعت جيوش الحلفاء تقدمها فاحتلت رومة في 4حزيران1944، وتجمعت الأحزاب المعارضة للفاشية في منظمة التحرير الوطني وبدأت تنظم حرب العصابات. حاول موسوليني الهرب إلى سويسرة، لكن «الأنصار» اعتقلوه ونُفذ فيه حكم الإعدام مع خليلته وخمسة عشر من قادة حزبه في 28نيسان1945. وفي 9أيار 1946 تخلى الملك فكتور عمانوئيل الثالث عن العرش وجاءت نتائج الاستفتاء في 2حزيران1946 مؤيدةً للجمهورية.
بعد الحرب العالمية الثانية
خرجت إيطالية من الحرب محطمة القوى، منهارة الاقتصاد، تسودها البطالة وتعج ساحاتها بالمشردين ممن هدمت الحرب بيوتهم، وكان على حكومة مابعد الحرب التي تألفت من ممثلي الأحزاب التي قاومت الفاشية (الحزب الشيوعي، الديمقراطي المسيحي، الحزب الاشتراكي) أن تعالج هذا الوضع السيء وأن تجري انتخابات لمجلس تأسيسي. في 2حزيران1946 أسفرت الانتخابات عن فوز الحزب الديمقراطي المسيحي ونص الدستور الجديد على وجود مجلسين أحدهما للنواب والآخر للشيوخ، وأن يجتمع المجلسان لانتخاب رئيس الجمهورية ولمدة سبع سنوات. وفي انتخابات المجلس التشريعي عام 1948 فازت الكتلة المحافظة تحت شعار معاداة الشيوعية، وبمساندة الولايات المتحدة الأمريكية. وما لبثت إيطالية أن انضمت إلى حلف شمالي الأطلسي في ربيع 1949 ثم أخذت تلتفت إلى حل بعض المشكلات المعلقة، فوقعت اتفاقاً مع يوغسلافية عام 1953 بشأن الحدود بينهما وأصبحت تريستة ميناءً حراً.
وتتالت إبان العقدين الأخيرين من القرن العشرين الأزمات الوزارية وبرز إلى الوجود حزب جديد هو الحزب الاشتراكي الإيطالي، كما برز تنظيم سري يساري يحمل اسم الألوية الحمراء عُدّ مسؤولاً عن التعديات على الأمن والانتهاكات للنظام والتي ذهب ضحيتها مايزيد على خمسمئة قتيل.
وقد عانت إيطالية مابعد الحرب مشكلات عدم الاستقرار لشدة تنازع التيارات السياسية فيها تلك التي راوحت مابين الشيوعية والاشتراكية بأجنحتها المتعددة، والديمقراطية المسيحية والليبرالية، بالإضافة إلى الحركات المتطرفة اليمينية الملكية من جهة، والحركات الثورية اليسارية من جهة أخرى.
ونظام الحكم الحاضر في إيطالية جمهوري منذ عام 1946، يعتمد على دستور عام 1948، وبرلمانها مؤلف من مجلس للنواب عدد أعضائه 630عضواً، ومجلس شيوخ عدد أعضائه 325عضواً، منهم عشرة أعضاء دائمي العضوية مدى الحياة. والانتخابات للبرلمان تجري كل خمس سنوات، وسبع سنوات لانتخاب رئيس البلاد وهو كارلو أزيغليو كيامبي Ciampi منذ عام 1999. وتقسم إيطالية إدارياً إلى 20 محافظة منها خمس محافظات تتمتع بإدارة خاصة.
ومن مظاهر السياسة الإيطالية كثرة الأحزاب والمنافسات الحادة بينها في العصر الحديث ومايتبعها من قصر مدة بقاء الوزارات لتكرار حجب الثقة عنها ومن ثم استقالتها. وكذلك وجود حركة «جامعة الشمال» التي تنادي بانفصال الشمال عن إيطالية على غرار ماحصل في تشيكوسلوفاكية عام 1993، الأمر الذي لم يتحقق.
أـ مرحلة الحرب مع النمسة وضم لومباردية: في 5 مارس 1859 أصدرت حكومة كافور مرسوماً بالتعبئة العامة، مما أثار النمسة فأرسلت إنذاراً تطلب فيه من حكومة بيمونتي نزع السلاح فوراً، وفي مدة أقصاها ثلاثة أيام. تجاهل كافور الإنذار إذ وجد فيه الفرصة السانحة لجر فرنسة لدخول الحرب معه، وسارع الامبراطور الفرنسي على رأس جيشه إلى إيطالية، وهزم مع قوات بيمونتي الجيش النمسوي في عدة معارك وبدأ المفاوضات مع النمسة، واتفق الطرفان على أن يتنازل امبراطور النمسة عن لومباردية إلى فرنسة التي تتنازل عنها بدورها إلى مملكة سردينية، وأن تبقى البندقية والمناطق الجبلية في شمال شرقي إيطالية تحت السيادة النمسوية على أن تكون جزءاً من الاتحاد الإيطالي الذي يجب أن يرأسه البابا. واتفق كافور مع نابليون على إجراء استفتاء في ولايات الوسط، التي انضمت إلى سردينية في حين انضمت نيس وسافوا إلى فرنسة. وبادر الوطنيون في صقلية إلى إشعال الثورة في بالرمو (1860).
ب ـ گاريبالدي وتحرير صقلية: جمع گاريبالدي 1080 متطوعاً من جنوة وألبسهم قمصاناً حمراء وعبر بهم إلى صقلية حيث هزم جيش نابولي، ثم غزا نابولي ودخلها وحرر مع جيش الملك فكتور عمانوئيل الحصون الشمالية، في حين توجه كافور بجيش لقتال جيش البابا وانتصر عليه واحتل الأملاك البابوية عدا رومة، وفي 18 شباط 1861 اجتمع المجلس النيابي الجديد ونودي بفكتور عمانوئيل ملكاً على إيطالية.
ج ـ ضم البندقية ورومة: تم ضم البندقية إلى إيطالية الموحدة إثر مساعدة إيطالية لروسية في حربها مع النمسة (1866). في حين ضمت رومة إثر الحرب بين فرنسة وبروسية عام 1870، إذ اضطرت فرنسة إلى سحب حاميتها من رومة، فسارع الإيطاليون إلى دخولها في 20 أيلول 1870 مما أغضب البابا الذي لم يقبل بالتنازل عن سلطته المدنية واعتبر نفسه سجين الفاتيكان، وطلب من الكاثوليك مقاطعة الحكومة الإيطالية.
إيطالية حتى الحرب العالمية الأولى
واجهت إيطالية بعد توحدها بعض المشكلات التي نجمت عن الوضع الجديد للبلاد، كتعديل قانون الانتخابات وتوحيد الأنظمة الإدارية للبلاد في محاولة للتقريب بين ولايات الشمال الصناعية الأكثر تقدماً ورقياً، وولايات الجنوب الزراعية الأكثر تخلفاً ثقافياً واجتماعياً. وحاولت حلَّ المشكلة البابوية، كما واجهت مشكلة النمو السكاني وخاصة في الجنوب مما أدى إلى هجرة كبيرة من البلاد وخاصة إلى الولايات المتحدة الأميركية. إضافة إلى مواجهة ازدياد نشاط العصابات المنشقة وخاصة في نابولي وصقلية. كما عملت الحكومة على تشجيع الصناعة والزراعة وبناء أسطول تجاري ضخم، وأممت بعض القطاعات كالسكك الحديدية وشركات التأمين على الحياة، وعملت على تخفيف الأزمات الاقتصادية ورفع سوية المواطنين مادياً ومعنوياً، كما انطلقت تفتش عن مستعمرات لها أسوة بباقي الدول الأوربية، فبسطت نفوذها على ميناء عصب على البحر الأحمر، وأخذت تتوسع في إريترية Eritria، ثم استولت عام 1889 على مستعمرة أخرى في الساحل الشرقي لإفريقية سميت بالصومال الإيطالي، وبذلك أحاطت إيطالية بالحبشة (إثيوبية) من الشمال والشرق، وراحت تدعي أن الحبشة محمية لها، مما أدى إلى قيام الحرب بين الطرفين وهزيمة الطليان في معركة عدوة (1896) واعترافها باستقلال الحبشة، وقد توجهت إيطالية بأنظارها نحو الشمال الإفريقي منتهزة فرصة انشغال الدولة العثمانية بحروب البلقان فاحتلت طرابلس الغرب (1911-1912)، بعد أن مهدت دولياً لذلك.
الحرب العالمية الأولى
الحملة الإيطالية (الحرب العالمية الأولى)
إيطالية والحرب العالمية الأولى عندما بدأت سحب الحرب تتلبد في سماء أوربة، كان الرأي العام الإيطالي يحبذ الوقوف على الحياد، في حين كانت الحكومة الإيطالية تخضع لضغوط سياسية وإغراءات من المعسكرين لجرها إلى الحرب، ولكنها في 3آب1914 أعلنت حيادها، وانقسم ساستها بين مؤيد ومعارض فأخذت الحكومة تساوم المعسكرين. وأخيراً وقّعت في 26نيسان1915 مع فرنسة وإنكلترة وروسية معاهدة لندن السرية التي تحصل بموجبها على إقليم ترنتينو والتيرول الجنوبي بالإضافة إلى تريستة ومعظم جزر دلماسية، وفي حالة تقسيم تركة تركية فسيكون من نصيبها أضالية، كما يسمح لها بالتوسع في مستعمراتها في ليبية وإريترية والصومال عند اقتسام فرنسة وإنكلترة المستعمرات الألمانية. وفي 23أيار1915 أعلنت إيطالية الحرب على النمسة وبدأت القتال في منطقة جبال الألب من دون تنسيق مع حلفائها، فكبدها ذلك خسائر كبيرة في الأرواح، ومنيت إيطالية بنتيجة الحرب بخسائر بلغت 615.000 قتيل، وانهار اقتصادها ورزحت تحت ديون طائلة.
وفي 10 أيلول 1919 وقَّعت إيطالية معاهدة سان جرمان مع النمسة وأخذت بمقتضاها تريستة وايستري وترنتينو. وأسفرت انتخابات 1919 عن أكثرية للاشتراكيين والكاثوليك، ولم يستطع الحزبان التفاهم على برنامج مشترك، فانفصل المتطرفون ومن بينهم موسوليني[ر] مع جماعته من المحاربين القدامى ليشكلوا حزباً جديداً في ميلانو في 23مارس1919 باسم الحزب الفاشي مستغلين أوضاع مابعد الحرب من ضائقة اقتصادية وبطالة.
الفاشية والحرب العالمية الثانية
طرحت الفاشية مبادئ وشعارات جعلت منها عقيدة استقطبت حماسة الشباب فكانت تدعو إلى تمجيد القوة والعمل، ومركزية الدولة، ومعاداة النظام البرلماني ومحاربة الشيوعية، ولاقى موسوليني تأييداً من رجال الصناعة والمال، وجعل من فرق «القمصان السوداء» أداة للبطش والتخلص من خصومه السياسيين، وأصدر أوامره إلى تلك الفرق في 28تشرين الأول1921 بالزحف على رومة، فاضطر الملك إلى استدعائه من ميلانو وتكليفه تشكيل الوزارة بالاشتراك مع الوطنيين.
ظهر موسوليني مدة حكمه (1922-1945) بمظهر المعتدل والراغب في الإصلاح مما طمأن الحياديين وجعلهم يتعاطفون معه. وكان مؤمناً بأن الدولة هي التي تصنع الأمة، وليس العكس، وذلك بأن يكون على رأسها زعيم قوي يجمع بيده السلطات ليصنع الأمة التي يريد، وقد أعطى لنفسه هذا الحق فأوجد في عام 1923 المليشيا الفاشية، كما عمل على صهر الحزب الوطني في حزبه. وفي انتخابات 1924 حصل موسوليني مع الوطنيين على 64,9% من أصوات الناخبين وأصبح رئيساً للحكومة، وبدأ يجمع السلطات في يده، فحل النقابات الكاثوليكية والشيوعية وجميع الأحزاب غير الفاشية، وأخذ بإبعاد المناوئين له من أجهزة الدولة، ونفى الكثير من خصومه أو أرسلهم إلى مراكز الاعتقال، وسخر الصحافة لمآربه، كما عمل فيلسوف الفاشية غيوفاني غانتيله Giovanni Gentile على إصلاح النظام المدرسي والجامعي، ونظم الشباب في تشكيلات ذات صفة عسكرية لتأهيلهم رياضياً وتثقيفهم بعقيدة الحزب السياسية.
وفي 11 شباط 1929 تم توقيع اتفاقية لاتران Lattran التي أنهت الخلاف مع الكرسي البابوي. كما عملت إيطالية على استصلاح الأراضي الزراعية وزيادة الإنتاج (معركة القمح) واستغلت مساقط المياه وعملت على زيادة الإنتاج الصناعي وتخفيض التكاليف وشجعت النمو السكاني ووضعت حداً للهجرة الخارجية.
أما على الصعيد الخارجي فقد غزت القوات الإيطالية إثيوبية (الحبشة) في 3تشرين الأول1935 ودخلت العاصمة أديس أبابا، وحصل الملك الإيطالي على لقب امبراطور إثيوبية إضافة إلى لقبه، كما قام موسوليني في 16آذار1937 بزيارة ليبية متقرباً من سكانها ومعلناً ميله وصداقته للمسلمين. وفي تشرين الثاني1937 انضمت إيطالية إلى التحالف المعادي للشيوعية والمكون من ألمانية واليابان، ثم انسحبت من عصبة الأمم، وعندما قامت الحرب الأهلية في إسبانية، ساعدت إيطالية فرانكو، وبعد أن احتلت ألمانية تشيكوسلوفاكية سارعت إيطالية إلى توقيع تحالف عسكري مع ألمانية. وفي 10 حزيران 1940 أعلنت إيطالية الحرب على فرنسة وبريطانية ثم على روسية وأخيراً على الولايات المتحدة الأميركية في 11 كانون الأول 1940.
وفي السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية نجح الحلفاء في إنهاء الوجود الإيطالي في شرقي إفريقية وإريترية، وأخذت القوات الإيطالية تتراجع ثم استسلمت في 12آذار1943. وفي شهر حزيران نزلت قوات الحلفاء في جزيرة صقلية وسقطت بالرمو (بالرم). وفي 3أيلول1943 أعلنت إيطالية أنها استسلمت دون قيد أو شرط، وتم عزل موسوليني، وعين الملك المارشال بيترو بادوليو Pietro Badoglio بدلاً عنه فدخل في مفاوضات مع الحلفاء ووقع الهدنة معهم في 29أيلول1943، ولقد تمكن الألمان من إنقاذ موسوليني وطلبوا منه تأليف حكومة جديدة، في حين أعلنت حكومة بادوليو الحرب على النازيين، وتابعت جيوش الحلفاء تقدمها فاحتلت رومة في 4حزيران1944، وتجمعت الأحزاب المعارضة للفاشية في منظمة التحرير الوطني وبدأت تنظم حرب العصابات. حاول موسوليني الهرب إلى سويسرة، لكن «الأنصار» اعتقلوه ونُفذ فيه حكم الإعدام مع خليلته وخمسة عشر من قادة حزبه في 28نيسان1945. وفي 9أيار 1946 تخلى الملك فكتور عمانوئيل الثالث عن العرش وجاءت نتائج الاستفتاء في 2حزيران1946 مؤيدةً للجمهورية.
بعد الحرب العالمية الثانية
خرجت إيطالية من الحرب محطمة القوى، منهارة الاقتصاد، تسودها البطالة وتعج ساحاتها بالمشردين ممن هدمت الحرب بيوتهم، وكان على حكومة مابعد الحرب التي تألفت من ممثلي الأحزاب التي قاومت الفاشية (الحزب الشيوعي، الديمقراطي المسيحي، الحزب الاشتراكي) أن تعالج هذا الوضع السيء وأن تجري انتخابات لمجلس تأسيسي. في 2حزيران1946 أسفرت الانتخابات عن فوز الحزب الديمقراطي المسيحي ونص الدستور الجديد على وجود مجلسين أحدهما للنواب والآخر للشيوخ، وأن يجتمع المجلسان لانتخاب رئيس الجمهورية ولمدة سبع سنوات. وفي انتخابات المجلس التشريعي عام 1948 فازت الكتلة المحافظة تحت شعار معاداة الشيوعية، وبمساندة الولايات المتحدة الأمريكية. وما لبثت إيطالية أن انضمت إلى حلف شمالي الأطلسي في ربيع 1949 ثم أخذت تلتفت إلى حل بعض المشكلات المعلقة، فوقعت اتفاقاً مع يوغسلافية عام 1953 بشأن الحدود بينهما وأصبحت تريستة ميناءً حراً.
وتتالت إبان العقدين الأخيرين من القرن العشرين الأزمات الوزارية وبرز إلى الوجود حزب جديد هو الحزب الاشتراكي الإيطالي، كما برز تنظيم سري يساري يحمل اسم الألوية الحمراء عُدّ مسؤولاً عن التعديات على الأمن والانتهاكات للنظام والتي ذهب ضحيتها مايزيد على خمسمئة قتيل.
وقد عانت إيطالية مابعد الحرب مشكلات عدم الاستقرار لشدة تنازع التيارات السياسية فيها تلك التي راوحت مابين الشيوعية والاشتراكية بأجنحتها المتعددة، والديمقراطية المسيحية والليبرالية، بالإضافة إلى الحركات المتطرفة اليمينية الملكية من جهة، والحركات الثورية اليسارية من جهة أخرى.
ونظام الحكم الحاضر في إيطالية جمهوري منذ عام 1946، يعتمد على دستور عام 1948، وبرلمانها مؤلف من مجلس للنواب عدد أعضائه 630عضواً، ومجلس شيوخ عدد أعضائه 325عضواً، منهم عشرة أعضاء دائمي العضوية مدى الحياة. والانتخابات للبرلمان تجري كل خمس سنوات، وسبع سنوات لانتخاب رئيس البلاد وهو كارلو أزيغليو كيامبي Ciampi منذ عام 1999. وتقسم إيطالية إدارياً إلى 20 محافظة منها خمس محافظات تتمتع بإدارة خاصة.
ومن مظاهر السياسة الإيطالية كثرة الأحزاب والمنافسات الحادة بينها في العصر الحديث ومايتبعها من قصر مدة بقاء الوزارات لتكرار حجب الثقة عنها ومن ثم استقالتها. وكذلك وجود حركة «جامعة الشمال» التي تنادي بانفصال الشمال عن إيطالية على غرار ماحصل في تشيكوسلوفاكية عام 1993، الأمر الذي لم يتحقق.