منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمعاهدات والمواثيق الدولية
#54868
كثيرة هي المعطيات التاريخية الهامة التي قدمها اكتشاف أرشيف "إبلا" في موقع "تل مرديخ" قرب مدينة "سراقب" للعالم، فكل رقيم مسماري من ذلك الأرشيف كان له أهمية خاصة وبالغة نظراً لقيمة المعلومات التاريخية الهامة التي تضمنها، ومن تلك الوثائق المهمة جداً رقيم تضمن نص معاهدة دولية اعتبرها المؤرخون أول معاهدة سياسية واقتصادية حقيقية في التاريخ وقد عقدتها "إبلا" مع مدينة "أبرسال" فاصطلح على تسميتها معاهدة "أبرسال" أو معاهدة "إبلا".


ويعتبر المؤرخون هذه المعاهدة أنها رائدة في تاريخ المعاهدات السياسية الدولية في الشرق القديم، نظراً لم تمثله من درجة متطورة من الفكر السياسي الدولي لدى حكام أقدم مملكة "سورية"، ولذلك فهي تشكل واحدة من أهم وثائق التراث الكتابي الذي خلفه أسلافنا.

الأستاذ "فجر حاج محمد" أمين المتحف الوطني في "إدلب" تحدث لموقع eIdleb عن هذا الرقيم بالقول: «الرقيم المسماري الذي يتضمن معاهدة "أبارسال" هو من أبرز وثائق الأرشيف الملكي الذي تم اكتشافه في عام 1975 خلال عمليات التنقيب في القصر الملكي، وهذا الرقيم مربع الشكل تقريباً تهشم جزء بسيط من إحدى زواياه وهو سميك ومحدب في الوسط، كتبت المعاهدة على وجهي الرقيم حيث تضمنت ثلاثة عشر سطراً بالوجه الأمامي وأربعة عشر سطراً على الوجه الخلفي، كذلك عليه كتابة في جوانبه الثلاثة، طول الرقيم 24 سم وعرضه 22 سم وسماكته 5سم، ويعود تاريخ هذه المعاهدة إلى عام 2350 قبل الميلاد وهي فترة القوة والازدهار بالنسبة "لإبلا"، وقد تم

حفظ هذا الرقيم في أحد خزائن جناح "إبلا" في المتحف الوطني في "إدلب"، وتتحدث المعاهدة عن اتفاق بين دولتين مستقلتين هما دولة "أبرسال" التي لم يحدد مكانها حتى الآن ودولة "إبلا"، حيث تحدثت عن أصول التعامل السياسي والاقتصادي بين الدولتين من حيث تبادل السفراء واستخدام ميناء "مسكنة" (إيمار) على نهر "الفرات" والذي كان ميناء إبلاوياً، وتأتي أهمية هذه الوثيقة من كونها تعتبر أول معاهدة في التاريخ بالمعنى الحقيقي للمعاهدة، كما تعطينا فكرة عن طريقة تفكير الإنسان القديم في صياغته للمعاهدات، ونظراً لكون المعاهدة تضمنت ذكر للكثير من اللعنات التي تصبها الآلهة على كل من يخالف بنود هذه المعاهدة فإن ذلك يعطينا فكرة حول الحياة الدينية في "إبلا"».

الأستاذ "أحمد خربوطلي" ماجستير لغات قديمة والذي يتخصص حالياً بلغة "إبلا" تحدث عن الأحكام التي تضمنتها المعاهدة بالقول: «هناك أحكام يلتزم بها الفريقان منها: عدم محاولة احتلال المناطق المجاورة بينهما أي احترام سيادة كل دولة للأخرى، وعدم التشهير واللعن، والمحافظة

على سرية الحركة التجارية بينهما، وعدم السماح للأفراد بالسفر إلى الدولة الثانية دون الحصول على موافقة حاكمها، وحماية التجار وتسهيل عودتهم إلى بلادهم، وعدم ارتكاب فعل القتل خلال المبارزات التي تتم ضمن إطار الشعائر الدينية، وهناك أحكام مفروضة على "أبرسال" وحدها منها: لا يسمح لحكام "أبرسال" بالسفر إلى "إبلا" دون الحصول على موافقة حاكم "إبلا"، ويعاقب حاكم "أبرسال" إذا غدر أحد مواطنيه بحاكم تابع "لإبلا"، وإعلام "إبلا" بالأخبار المتعلقة بأعمال عدوانية موجهة ضدها، وامتناع "أبرسال" عن ممارسة التجارة ببضائع صادرة من "إبلا" مع مدن معينة أو أشخاص محددين، تحرص "أبرسال" على عدم إرسال زيت أو مشروب رديء إلى "إبلا"، وتنشر "أبرسال" قوات في الضواحي إذا ما أمر حاكم "إبلا" بذلك، ويلتزم سكان "أبرسال" بواجب استضافة الزوار الابلويين وحماية أغراضهم والتعويض عنها في حال سرقتها».

ويضيف "خربوطلي": «وهناك أحكام تلتزم بها "إبلا" منها: استضافة الوفود الرسمية القادمة من "أبرسال" لمدة عشرين يوماً، يحق "لإبلا" وحدها إعلان موعد بدء

الأعمال التجارية بين الدولتين، لا تتحمل "إبلا" المسؤولية عن أعمال قتل داخلية في "أبرسال" ولو عمد القاتل إلى إخفاء جريمته في مناطق "إبلا" الحدودية، والعقوبات المحددة بهذه المعاهدة جاءت على ثلاث أنواع: عقوبة غير محددة ترك تقديرها لحين حصول المخالفة وعبر عنها بجملة "لن ينجو من العقاب"، وعقوبة الموت، وعقوبة دفع الدية في هيئة مواش».