صفحة 1 من 1

ديكتاتوريّون عديمو الرحمة!

مرسل: السبت نوفمبر 10, 2012 5:07 pm
بواسطة ماجد مرزوق 81
لوري فاشو


"إن المختفين السبعة آلاف أو الثمانية آلاف ذهبوا ثمناً للنصر". هذه الكلمات، التي يُقصّد بها ضحايا الزمرة العسكرية الأرجنتينية التي حكمت من العام 1976 إلى العام 1983، صدرت عن سجينٍ هو اليوم في الـ86 من العمر: هو الديكتاتور يورغي رافائيل فيديلا، المحكوم اليوم بالسجن المؤبّد بتهم ارتكابه جرائم ضدّ الانسانية، وهو يؤكّد أنّه ينام جيّداً في كلّ لياليه".

ففي زنزانته الصغيرة في سجن كامبو دي مايو العسكريّ، بالقرب من بوينوس آيرس، تحت صليبٍ معلّق تماماً فوق "سرير متواضع ذي مخدّة نبيذيّة مرتّبة بدقة"، كان الرئيس السابق الفعلي (من 1976 إلى 1981) يستقبل الصحافي الأرجنتيني سيفيرينو رياتو في أيّام الأربعاء (على أساس أنّ سائر الأيام الأخرى مخصّصة لزوجته). هذه اللقاءات التسعة، والعشرون ساعة من الحوار نداً لندّ، قد جُمِعت في كتاب "Disposicion final" (الوضع النهائي) [1]. وفيه إضاءة آسرة على سيرورة الانقلاب العسكريّ الذي وقع في 24 آذار/مارس العام 1976 والصراعات على السلطة داخل الزمرة، لكن أيضاً على دعم شريحةٍ واسعة من أرباب العمل الأرجنتينيين للديكتاتوريّة، أو أيضاً على اعتقال إيزابيل، أرملة الجنرال خوان دومينغو بيرون التي أطاح بها الانقلاب. يوضح السيّد فيديلا أنّها "كانت تحمل اسم بيرون؛ ولو ظلّت حرّة لأمكنها تجييش الإرادات السياسيّة والنقابية ضد الحكومة العسكرية". والواقعة الجديدة هو ما يسمّيه رياتو "الشيطان الأكبر" الذي اعترف بالقضاء على آلاف المعارضين "غير القابلين للتغيّر"، والمقصود بذلك كلّ مناضلٍ يساريّ ونقابيّ وكاهن أو زعيم سياسي معارض لنظامه.

يعرض السيد فيديلا مأزقه. فهؤلاء الأشخاص الذين "كان يجب أن يموتوا لكي نتمكّن من كسب الحرب على التخريب (...)، ولم يكن بإمكانننا أن نعدمهم بالرصاص، ولا تحويلهم إلى القضاء". وفي الواقع أنّ صرخة استنكار دوليّة قد أعقبت الإعدامات، في أيلول/سبتمبر العام 1975، التي طالت مناضلين من منظمة إيتا (euskadi ta Askatasuna Eta-) والجبهة الثورية المناهضة للفاشيّة والوطنيّة (FRAP) في إسبانيا الفرنكويّة، في حين أن أعمال القمع المنظّمة على يد الديكتاتورية الشيليّة كانت تثير "استياءاً عالميّاً".

وعلى الأرجح أنّ العسكريين الأرجنتينيين الحريصين على صورتهم، قد اختاروا إذن طريقة أخرى: "الوضع النهائي"، وهما كلمتان عسكريتان جداً تعنيان تحويل شيءٍ ما إلى خارج الخدمة، لأنّه لم يعد صالحاً لها". وقد تغيَّرت التسمية، إلاّ أنّ الهدف بقي قائماً: رمي الجثث في البحر من الطائرة، وإخفاء أخرى [2]... أي باختصار التخلّص من المزعجين (وبعضهم كانت أسماؤهم تعطَى من رؤساء شركات في البلاد) لكن بأقصى ما يمكن من السرّية.

وعلى هذه الاعترافات، يضيف رياتو العديد من الشهادات من صحافيين وقدامى العسكريين. هذه الأحاديث الحصريّة أحياناً، والمأخوذة أحياناً أخرى من مقالات صحافية، أو من كتب سابقة له، تساهم في إجراء تحليل، بدقّة الصائغ، للسياق التاريخي الذي ساعد الزمرة العسكرية في الوصول إلى الحكم. وبعيداً من أي ثنائيّة، لكن من دون أن يجعله ذلك يتبنّى النظرية المساوية ما بين إرهاب الدولة وحرب الميليشيات الثورية، يتحدّث رياتو عن مسؤولية إيزابيل بيرون وميليشيا المونتينيروس: إنّ الهجوم علىى كتيبة من المشاة في 5 تشرين الأوّل/أكتوبر العام 1975، قد فتح المجال أمام إصدار سلسلة من القرارات، أباحت للجيش بما أسماه السيد فيديلا "الترخيص بالقتل"، الذي تباهى به لاحقاً.

وإذا كان الديكتاتور السابق قد أبدى أسفه "للجوء المفرط" إلى العنف، إلا أنّه "لا يندم على شيء" من هذا. وقد نفى وجود مخطّط مدروس لسرقة الأولاد، لكنّه أكّد أنّه "كثيراً ما علم أن بعضهم قد سرق وآخرين بيعوا". قبل أن يضيف: "عندما كانوا يعطون لعائلات لا يمكنها أن تحظى بأولاد، فهذا دائما نبع من نوايا طيّبة".

تذكّر شهادة السيد فيديلا بشهادة نظيره الشيلي، الذي لم يبدِ هو بدوره أيّ ندم. ففي كتاب "اليوم الحاسم el dia decisivo" الذي نُشِر في العام 1979 [3]، اعتبر أوغوستو بينوشيه، الذي توفّي في العام 2006، هو أيضاً أن انقلاب 11 أيلول/سبتمبر العام 1973 كان الوسيلة الوحيدة "للخروج من نظام الطاغية"، حامل "العقيدة المعدية" المستوحاة من "الأفيون الشيوعيّ": أي بعبارة أخرى من نظام الرئيس سالفادور ألليندي (1908-1973)، المنتخب ديموقراطياً، والذي ما تزال صورته ترافق حاليّاً مظاهرات الطلاب الشيليين. وقد عبّر بينوشيه عن فخره بأنّه كان "أوّل من أطاح بنظامٍ ذي طابعٍ ماركسيّ"، والذي ما كان للديموقراطية، في رأيه أن "تقف في وجهه"...


————

[1] Ceferino Reato, Disposición final, Sudamericana, Buenos Aires, 2012, 316 pages, 99 pesos argentins.

[2] بهذا الخصوص يمكن قراءة الرواية الموثّقة بشكل جيّد جدّاً لـــ:Philip Kerr, Une douce flamme, poche, Paris, 2012, 576 pages, 8,10 euros.

[3] Augusto Pinochet, el dia decisivo, editorialAndrés Bello, Santiago de Chili,1979.