- الاثنين نوفمبر 12, 2012 9:21 pm
#54971
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }
العقيدة الإسلامية هي أساس العمل السياسي
لتحرير الأمة الإسلامية وإنهاضها
السياسية من الإسلام ، والعقيدة الإسلامية فكرة سياسية إلى جانب كونها عقيدة روحية ، بل هي أساس الفكر السياسي عنـد المسلمين ، والإسلام يحتِّم على معتنقيه أن تُرعى شؤونهم بالعقيدة الإسلامية وبما يَنبثق عنها من أحكام . والأعمال السياسية ، هي الأعمال التي يُقام بها من أجل رعاية شؤون الناس ، والقيام بالأعمال السياسية من أهم واجبات الأمة الإسلامية ، ومن ألزم ما يَلزم أن تقوم به . وهذا يقتضي أولاً وقبل كل شيء محاربة فكرة الابتعاد عن السياسة وعن العمل السياسي التي يُروَّج لها بين المسلمين بما يؤدي لتنفيرهم وإبعادهم فعلاً عن السياسة وعن العمل السياسي على أساس الإسلام . هذه الفكرة يجب أن تُحارَب لأنَّ البعد عن السياسة وعن العمل السياسي فوق كونه مخالفاً لواقع الإسلام ـ بوصف عقيدته عقيدة سياسية ـ ومخالفاً لما فرضه الله على المسلمين من وجوب رعاية شؤونهم وشؤون الناس بأحكام الإسلام ، فإن المقصود من إبعاد المخلصين عن التدخل في السياسة لتخلوَ الساحة في العالم الإسلامي للغرب الكافر وخططه السياسية ، ولعملاء هذا الغرب الكافر ليَفرضوا على المسلمين أفكارهم السياسية ويسوسونهم بها بما يحقق أهداف هؤلاء الكفار الأعداء ويؤمِّن لهم مصالحهم .
والعالم الإسلامي وقد بدأ يتحسس النهضة منذ أواسط القرن الثامن عشر الميلادي من خلال محاولة المسلمين اقتباس الأفكار التي كانوا يظنون أنها سبب نهضة أوروبا ، ثمّ لمّا أخذت الأمة الإسلامية ـ في الخمسينات من هذا القرن ـ تتحسس طريقها للنهوض على أساس الإسلام بفهمٍ صحيحٍ وعميق ، وبدأت تتحرك لبناء حياتها على أساسه ، متطلعةً لإنقاذ العالم به وُجدت في الأمة الإسلامية الأعمال السياسية التي من شأنها أن تؤدي إلى إنهاض المسلمين وتغيير أوضاعهم .
وإلى جانب هذا العمل الصحيح المنتج لإنهاض الأمة الإسلامية بالعقيدة الإسلامية قامت في العالـم الإسلامي ـ ومنذ بدأ يتحسس النهضة ـ أعمال أُطلق عليها أنها أعمال سياسية ، وهي في حقيقتها أعمال تضليل سياسي تعتمد على تزييف الحقائق والمغالطة ومؤداها هو التنفيس عن الناس واستفراغ مخزون حماسهم وتخديرهم بالحلول الجزئية أحياناً ، وبحلول بديلة أحياناً أخرى ، كانت نتائجها استمرار حالة الانحطاط والانحلال في العالم الإسلامي ولكن بأشكال أخرى . وقامت على أساس هذه الأعمال التضليلية منظمات من الجناية على الحقيقة أن توصف بأنها منظمات سياسية إذا قصدنا السياسة بمعناها الصحيح وهو رعاية شؤون الناس .
فقامت في الأمة الإسلامية المنظمات والأحزاب القومية والوطنية وأعمال المقاومة المادية للاستعمار ، وجرى التنفيس عن الناس بالخطب والمهرجانات والمؤتمرات والمظاهرات من أجل قضايا جزئية ، وتم استنزاف بعض الجهود في النشاط النقابي وأعمال الجمعيات الخيرية . وعلى صعيد الحركات الإسلامية وُجدت حركات تعمل على إنهاض الأمة بالأخلاق وعلى قاعدة مغلوطة بل معكوسة هي قاعدة (( أصلح الفرد يَصلُح المجتمع )) ، وعكف البعض الآخر على فرع من فروع المعارف الإسلامية بحثاً وتنقيباً ، كما انشغل غيرهم بالدعوة للعبادات وجرّ الناس للمساجد .
ثم طُرحت فكرة التغيير من خلال المشاركة النيابية في البرلمانات ، والدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية من على منابر المجالس النيابية ، بل خادعت بعض الحركات الإسلامية المسلمين بفكرة التدرّج في تطبيق أحكام الإسلام ، واتخذت من ذلك مسوغاً لدخول الوزارات والمشاركة فيها وفي تطبيق أحكام الكفر على المسلمين .
وسَعَت الأحزاب والمنظمات المتناقضة الأفكار والأهداف إلى تكوين تحالفات وجبهات تجعل محصلة جهودهم واتفاقهم صفراً في أحسن الأحوال . هذا فضلاً عن سعي هذه الأحزاب لأخذ تراخيص لتعمل تحت إشراف الدولة وتحت مظلّة دستورها الذي كان من المفترض أن هذه الأحزاب والمنظمات تعمل لتغييره .
ويصاحب كل هذه الأعمال في الوقت الحاضر إنشاء جمعيات لمقاومة التطبيع مع كيان اليهود في فلسطين . والقائمين على هذه الجمعيات يغفلون أو يتغافلون عن حقيقة أن مثل هذا الدور لم ينطلِ على المسلمين حين كانت الدول العربية تتبنى مقاطعة البضائع الإسرائيلية .
هذه صورة عن كثير من الأعمال التي قامت في العالم الإسلامي باعتبارها أعمالاً سياسية يمكن أن تؤدي إلى إنهاض المسلمين وتغيير أوضاعهم أو على الأقل تحقيق غاياتها الجزئية التي قامت هذه الأعمال من أجلها تحديداً ، فما كانت نتيجة هذه الأعمال إلا كسباً للوقت من قِبَل مَنْ يتآمرون على هذه الأمة ، وإلهاءً للمسلمين بها وصرف أنظارهم عن قضيتهم المصيرية وعن العمل الصحيح لإحـداث النهضة .
وظلَّ الغرب الكافر وحكامه العملاء في العالم الإسلامي ينتقلون من أسلوب إلى آخر لإحكام الهيمنة والسيطرة على بلاد المسلمين . فمن الاستعمار العسكري في بدايات هذا القرن إلى أيامنا هذه حيث تُرفع شعارات وتُتخذ لها أعمال من أجل فرض الهيمنة الأمريكية على العالم بأسره لا على العالم الإسلامي فحسب . ومن أمثلة هذه الأفكار والشعارات والأعمال : العولمة ، والدعوة للديموقراطية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق والتعددية السياسية وما يصاحب ذلك من أعمال مثل مؤتمرات السكان والمرأة والبيئة ، واتفاقيات التعرفة الجمركية ، والشركات المتعددة الجنسيات متخذين من ثورة الاتصالات ركيزة لتسويق هذه الأفكار في بلاد المـسلمين وفي غيرها ، إلى جانب ما يُتخذ من أعمال لمحاربة ما يسمونه الإرهاب والتطرف والأصولية ، كل ذلك يجري اليوم والمسلمون ينتقلون من معركة لأخرى تُستنزف فيها جهودهم وطاقاتهم ويستمر حالهم على ما هو عليه أو ينتقلون من سيئٍ إلى أسوأ .
فأعمال مقاومة التطبيع ـ على سبيل المثال ـ ومثالها الجمعية التي يرأسها ليث شبيلات في الأردن والذي صرّح في مطلع التسعينات في إحدى مقابلاته الصحفية أنه شخص مبرمج على الطريقة الأمريكية . فإنه قد يشتبه على الناس أن هذا العمل من الأعمال السياسية التي تسير في الاتجاه الصحيح . مع أن مثل هذا العمل ينسجم انسجاماً كاملاً مع أهداف مَنْ باشروا عقد اتفاقيات الصلح مع اليهود مع حكام المسلمين مثل الملك حسين وحكام مصر وقيادة منظمة التحرير . لأن مقاومة التطبيع تحمل نفس المعنى والمضمون وهو إسقاط خيار الحرب والتسليم سياسياً بوجود دولة إسرائيل ، وأن على الشعوب التي كافحت من أجل إزالة إسرائيل أن تتناسى إيمانها بوجوب إزالتها وأن تستعد للصمود الثقافي ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والمشاريع الاقتصاديـة التطبيعية . هذا فضلاً عن أن أعمال مقاومة التطبيع تتخذها أمريكا أحياناً سلاحاً في الضغط على اليهود لاستكمال عملية السلام التي من غاياتها تثبيت إسرائيل كدولة مقبولة وطبيعية في المنطقة .
وكان الأصل لو كان هناك إخلاص عند المؤسسين من مقاومي التطبيع أن لا تُبحث قضية فلسطين في كل الظروف والأحوال إلا على صعيدها الأصلي ، وهو استرداد فلسطين وإزالة كيان اليهود منها ، وكل بحث على غير هذا التصعيد هو تلاعب بالمسلمين وبقضاياهم وتثبيت لركائز الكفار في بلاد المسلمين ، وخيانة فظيعة يَطالُ كل مشارك فيها .
هذا مثال على عملٍ من أعمال التضليل السياسي التي تُمارَس في الأمة الإسلامية ، أما المثال الثاني : فهو ما يجري من محاولة إيجاد تفاهم وتشكيلٍ لجبهات من تنظيمات متناقضة في الأهداف والأفكار مثل الجبهة القومية الإسلامية التي يرأسها عميل لأمريكا هو حسن الترابي ، وجبهة العمل الإسلامي في الأردن . إن محصلة الجهود التي تُبذل في مثل هذه الجبهات لا بدّ وأن تكون rـفراً أو أقلّ من الصفر ، لأن الهدف أو الغاية التي قامت من أجلها المنظمات المنضوية في هذه الجبهات سيتحول إلى مجرد محاولة إبقاء التفاهم فيما بينها ، والغرق في بحث نقاط الالتقاء فيما بينهم ، والاستمرار في عقد المؤتمرات لإيجاد هذا التفاهم وهذا الالتقاء وهيهات أن يلتقي النقيضان . وعلى أرض الواقع ستسعى هذه الجبهات لإقامة المهرجانات وطلب الإذن للتظاهر السلمي وأخذ دور المعارضة الرخيص في اللعبة الديموقراطية القذرة . مثلها مثل بقيّة الأحزاب المرخّصة .
أما المثال الثالث فهو الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، والمطالبات التي تحصل في المجالس النيابية من بعض الحركات الإسلامية وفقط في الدولة التي يعيشون فيها لتغيير مواد في دستور هذه الدولة الكافر لتتفق هذه المواد مع الشريعة الإسلامية . فهذه المطالبات حتى لو نجحت فإنها ستحقق تطبيقاً لبعض الأحكام الشرعية بوصفها قانوناً فقط وضمن دستورٍ هو دستور كفرٍ من ألفِه إلى يائه وفي حدود قطر من أقطار المسلمين تمّ ترسيم حدوده وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو . هذا فضلاً عن أن مجرد تطبيق الأنظمة والقوانين لا يؤدي إلى النهضة بل النهضة تحصل من جرّاء إقامة الحكم على الفكرة المنهِضة .
والمراد بإقامة الحكم على الفكرة هو إفهام الأمة المراد إنهاضها الفكرة التي يراد تطبيقها عليها ، وجعلها تبني حياتها عليها ، وتتجه في معترك الحياة على أساسها وحينئذٍ يقوم الحكم عن طريق الأمة على هذه الفكرة وبذلك تحصل النهضة قطعاً . فالأصل في النهضة هو جمع الأمة على الفكرة ، وجعلها تتجه في حياتها على أساس هذه الفكرة ثم إقامة الحكم على تلك الفكرة . فأوروبا حين نهضت إنما نهضت على فكرة فصل الدين عن الدولة وفكرة الحريات وكذلك أمريكا . والفكرة الإسلامية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله هي التي أوجدت النهضة عند من اعتنقوها وأقاموا الحكم عليها . وهذا دليل على أن الذي يُحدِث النهضة هو إقامة الحكم على فكرة ، والدليل على أن إقامة الحكم على أنظمة وقوانين لا يوجِد نهضة ما فعله مصطفى كمال أتاتورك حين أخذ القوانين والأنظمة الغربية وأقام الحكم عليها وأخذ يطبقها واستطاع أن يطبقها بالفعل ولكنه لم يوجِد نهضة فلم تنهض تركيا بل انحطت عما كانت عليه ، وهاهي ذي تركيا من أحط البلدان ، في حين أن لينين جاء في نفس الوقت الذي جاء فيه مصطفى كمال واستطاع لينين حين أقام الحكم على الفكرة الشيوعية أن يُنهض روسيا نهضة قوية .
أيتها الأمة الكريمة
إن العقيدة الإسلامية بوصفها عقيدة سياسية هي وحدها الكفيلة بتحرير الأمة الإسلامية وإنهاضها . وهي وحدها الكفيلة بتحرير العالم كله من الظلم الذي يرزح تحته ، ومن السيطرة والاستغلال والنفوذ الذي يتحكـم فيه .
والفكرة الإسلامية إذا أُخذت وحُملت وجرى احتضان الأمة الإسلامية لها ، ومن ثم إقامة الحكم في بلاد المسلمين على أساسها فإنها ستؤدي إلى تغيير حال المجتمع والأوضاع في العالم الإسلامي تغييراً جذرياً ، فكان لا بد من معالجة الأمة الإسلامية بالفكرة الإسلامية بوصفها فكرة سياسية حتى توجَد كفكرة سياسية في الأمة يُراد إقامة الحكم عليها ، وهذا كان وما زال يقتضي تهيئة الأمة الإسلامية للعمل السياسي على أساس الإسلام لتهيئتها لحمل الدعوة الإسلامية .
والأعمال السياسية التي تؤدي إلى احتضان الأمة لهذه الفكرة لا تكون بمجرد إثارة مشاعر الناس ، وتحريكهم من أجل المطالب الجزئية ، بل لا بد أن يبرز في هذه الأعمال كشفُ خطط الكفار وعملائهم وفضحهم ، والتعرض للعلاقات القائمة بين الأمة والسلطة ، وتنبيه الأمة للواقع السيئ الذي تعيش فيه وللخطر المحدق بها من الأعداء ، وحثها على العمل الجدي الذي ينقذها من هذا الخطر ويحررها من هذا الواقع ، ومباشرة ضرب أعمال الحكام وتصرفاتهم كافّة على أن يبرز في هذا رعاية شؤون الناس حين يجري إنزال الفكر على الواقع وربطه بأعمال الدولة .
أيتها الأمة الكريمة
إن الله فرض على الأمة الإسلامية أن تأخذ على عاتقها لا إنقاذ نفسها فحسب بل إنقاذ العالم كله وإخراجه من الظلمات إلى النور ولذلك وجب على الأمة أن تفكر في إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها وأن تضطلع بمهمة تحرير العالم لا بتحرير نفسها وحدها ، فهي جزء من هذا العالم وهي وُجِدت من أجل هدى البشر وبعد أن اعتنقت عقيدة الإسلام صار فرضاً عليها أن تنقذ بني الإنسان من الشقاء وأن تخلّص البشر من الظلم والتعاسة ، ومن الإذلال والاستعباد .
وما لم ينعتق العالم الإسلامي ويتحرر من استعباد الفكرة الرأسمالية وسيطرة الدولة الطامعة فإنه لا أمل لأحد في هذا العالم بالتحرر والانعتاق ، وأنه لا عذر لأحد من المسلمين القعود عن العمل لإنهاض المسلمين وحمل الدعوة وتحرير الأمة الإسلامية ومعها العالم بأسره من هيمنة الكفر والكافرين .
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }
العقيدة الإسلامية هي أساس العمل السياسي
لتحرير الأمة الإسلامية وإنهاضها
السياسية من الإسلام ، والعقيدة الإسلامية فكرة سياسية إلى جانب كونها عقيدة روحية ، بل هي أساس الفكر السياسي عنـد المسلمين ، والإسلام يحتِّم على معتنقيه أن تُرعى شؤونهم بالعقيدة الإسلامية وبما يَنبثق عنها من أحكام . والأعمال السياسية ، هي الأعمال التي يُقام بها من أجل رعاية شؤون الناس ، والقيام بالأعمال السياسية من أهم واجبات الأمة الإسلامية ، ومن ألزم ما يَلزم أن تقوم به . وهذا يقتضي أولاً وقبل كل شيء محاربة فكرة الابتعاد عن السياسة وعن العمل السياسي التي يُروَّج لها بين المسلمين بما يؤدي لتنفيرهم وإبعادهم فعلاً عن السياسة وعن العمل السياسي على أساس الإسلام . هذه الفكرة يجب أن تُحارَب لأنَّ البعد عن السياسة وعن العمل السياسي فوق كونه مخالفاً لواقع الإسلام ـ بوصف عقيدته عقيدة سياسية ـ ومخالفاً لما فرضه الله على المسلمين من وجوب رعاية شؤونهم وشؤون الناس بأحكام الإسلام ، فإن المقصود من إبعاد المخلصين عن التدخل في السياسة لتخلوَ الساحة في العالم الإسلامي للغرب الكافر وخططه السياسية ، ولعملاء هذا الغرب الكافر ليَفرضوا على المسلمين أفكارهم السياسية ويسوسونهم بها بما يحقق أهداف هؤلاء الكفار الأعداء ويؤمِّن لهم مصالحهم .
والعالم الإسلامي وقد بدأ يتحسس النهضة منذ أواسط القرن الثامن عشر الميلادي من خلال محاولة المسلمين اقتباس الأفكار التي كانوا يظنون أنها سبب نهضة أوروبا ، ثمّ لمّا أخذت الأمة الإسلامية ـ في الخمسينات من هذا القرن ـ تتحسس طريقها للنهوض على أساس الإسلام بفهمٍ صحيحٍ وعميق ، وبدأت تتحرك لبناء حياتها على أساسه ، متطلعةً لإنقاذ العالم به وُجدت في الأمة الإسلامية الأعمال السياسية التي من شأنها أن تؤدي إلى إنهاض المسلمين وتغيير أوضاعهم .
وإلى جانب هذا العمل الصحيح المنتج لإنهاض الأمة الإسلامية بالعقيدة الإسلامية قامت في العالـم الإسلامي ـ ومنذ بدأ يتحسس النهضة ـ أعمال أُطلق عليها أنها أعمال سياسية ، وهي في حقيقتها أعمال تضليل سياسي تعتمد على تزييف الحقائق والمغالطة ومؤداها هو التنفيس عن الناس واستفراغ مخزون حماسهم وتخديرهم بالحلول الجزئية أحياناً ، وبحلول بديلة أحياناً أخرى ، كانت نتائجها استمرار حالة الانحطاط والانحلال في العالم الإسلامي ولكن بأشكال أخرى . وقامت على أساس هذه الأعمال التضليلية منظمات من الجناية على الحقيقة أن توصف بأنها منظمات سياسية إذا قصدنا السياسة بمعناها الصحيح وهو رعاية شؤون الناس .
فقامت في الأمة الإسلامية المنظمات والأحزاب القومية والوطنية وأعمال المقاومة المادية للاستعمار ، وجرى التنفيس عن الناس بالخطب والمهرجانات والمؤتمرات والمظاهرات من أجل قضايا جزئية ، وتم استنزاف بعض الجهود في النشاط النقابي وأعمال الجمعيات الخيرية . وعلى صعيد الحركات الإسلامية وُجدت حركات تعمل على إنهاض الأمة بالأخلاق وعلى قاعدة مغلوطة بل معكوسة هي قاعدة (( أصلح الفرد يَصلُح المجتمع )) ، وعكف البعض الآخر على فرع من فروع المعارف الإسلامية بحثاً وتنقيباً ، كما انشغل غيرهم بالدعوة للعبادات وجرّ الناس للمساجد .
ثم طُرحت فكرة التغيير من خلال المشاركة النيابية في البرلمانات ، والدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية من على منابر المجالس النيابية ، بل خادعت بعض الحركات الإسلامية المسلمين بفكرة التدرّج في تطبيق أحكام الإسلام ، واتخذت من ذلك مسوغاً لدخول الوزارات والمشاركة فيها وفي تطبيق أحكام الكفر على المسلمين .
وسَعَت الأحزاب والمنظمات المتناقضة الأفكار والأهداف إلى تكوين تحالفات وجبهات تجعل محصلة جهودهم واتفاقهم صفراً في أحسن الأحوال . هذا فضلاً عن سعي هذه الأحزاب لأخذ تراخيص لتعمل تحت إشراف الدولة وتحت مظلّة دستورها الذي كان من المفترض أن هذه الأحزاب والمنظمات تعمل لتغييره .
ويصاحب كل هذه الأعمال في الوقت الحاضر إنشاء جمعيات لمقاومة التطبيع مع كيان اليهود في فلسطين . والقائمين على هذه الجمعيات يغفلون أو يتغافلون عن حقيقة أن مثل هذا الدور لم ينطلِ على المسلمين حين كانت الدول العربية تتبنى مقاطعة البضائع الإسرائيلية .
هذه صورة عن كثير من الأعمال التي قامت في العالم الإسلامي باعتبارها أعمالاً سياسية يمكن أن تؤدي إلى إنهاض المسلمين وتغيير أوضاعهم أو على الأقل تحقيق غاياتها الجزئية التي قامت هذه الأعمال من أجلها تحديداً ، فما كانت نتيجة هذه الأعمال إلا كسباً للوقت من قِبَل مَنْ يتآمرون على هذه الأمة ، وإلهاءً للمسلمين بها وصرف أنظارهم عن قضيتهم المصيرية وعن العمل الصحيح لإحـداث النهضة .
وظلَّ الغرب الكافر وحكامه العملاء في العالم الإسلامي ينتقلون من أسلوب إلى آخر لإحكام الهيمنة والسيطرة على بلاد المسلمين . فمن الاستعمار العسكري في بدايات هذا القرن إلى أيامنا هذه حيث تُرفع شعارات وتُتخذ لها أعمال من أجل فرض الهيمنة الأمريكية على العالم بأسره لا على العالم الإسلامي فحسب . ومن أمثلة هذه الأفكار والشعارات والأعمال : العولمة ، والدعوة للديموقراطية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق والتعددية السياسية وما يصاحب ذلك من أعمال مثل مؤتمرات السكان والمرأة والبيئة ، واتفاقيات التعرفة الجمركية ، والشركات المتعددة الجنسيات متخذين من ثورة الاتصالات ركيزة لتسويق هذه الأفكار في بلاد المـسلمين وفي غيرها ، إلى جانب ما يُتخذ من أعمال لمحاربة ما يسمونه الإرهاب والتطرف والأصولية ، كل ذلك يجري اليوم والمسلمون ينتقلون من معركة لأخرى تُستنزف فيها جهودهم وطاقاتهم ويستمر حالهم على ما هو عليه أو ينتقلون من سيئٍ إلى أسوأ .
فأعمال مقاومة التطبيع ـ على سبيل المثال ـ ومثالها الجمعية التي يرأسها ليث شبيلات في الأردن والذي صرّح في مطلع التسعينات في إحدى مقابلاته الصحفية أنه شخص مبرمج على الطريقة الأمريكية . فإنه قد يشتبه على الناس أن هذا العمل من الأعمال السياسية التي تسير في الاتجاه الصحيح . مع أن مثل هذا العمل ينسجم انسجاماً كاملاً مع أهداف مَنْ باشروا عقد اتفاقيات الصلح مع اليهود مع حكام المسلمين مثل الملك حسين وحكام مصر وقيادة منظمة التحرير . لأن مقاومة التطبيع تحمل نفس المعنى والمضمون وهو إسقاط خيار الحرب والتسليم سياسياً بوجود دولة إسرائيل ، وأن على الشعوب التي كافحت من أجل إزالة إسرائيل أن تتناسى إيمانها بوجوب إزالتها وأن تستعد للصمود الثقافي ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والمشاريع الاقتصاديـة التطبيعية . هذا فضلاً عن أن أعمال مقاومة التطبيع تتخذها أمريكا أحياناً سلاحاً في الضغط على اليهود لاستكمال عملية السلام التي من غاياتها تثبيت إسرائيل كدولة مقبولة وطبيعية في المنطقة .
وكان الأصل لو كان هناك إخلاص عند المؤسسين من مقاومي التطبيع أن لا تُبحث قضية فلسطين في كل الظروف والأحوال إلا على صعيدها الأصلي ، وهو استرداد فلسطين وإزالة كيان اليهود منها ، وكل بحث على غير هذا التصعيد هو تلاعب بالمسلمين وبقضاياهم وتثبيت لركائز الكفار في بلاد المسلمين ، وخيانة فظيعة يَطالُ كل مشارك فيها .
هذا مثال على عملٍ من أعمال التضليل السياسي التي تُمارَس في الأمة الإسلامية ، أما المثال الثاني : فهو ما يجري من محاولة إيجاد تفاهم وتشكيلٍ لجبهات من تنظيمات متناقضة في الأهداف والأفكار مثل الجبهة القومية الإسلامية التي يرأسها عميل لأمريكا هو حسن الترابي ، وجبهة العمل الإسلامي في الأردن . إن محصلة الجهود التي تُبذل في مثل هذه الجبهات لا بدّ وأن تكون rـفراً أو أقلّ من الصفر ، لأن الهدف أو الغاية التي قامت من أجلها المنظمات المنضوية في هذه الجبهات سيتحول إلى مجرد محاولة إبقاء التفاهم فيما بينها ، والغرق في بحث نقاط الالتقاء فيما بينهم ، والاستمرار في عقد المؤتمرات لإيجاد هذا التفاهم وهذا الالتقاء وهيهات أن يلتقي النقيضان . وعلى أرض الواقع ستسعى هذه الجبهات لإقامة المهرجانات وطلب الإذن للتظاهر السلمي وأخذ دور المعارضة الرخيص في اللعبة الديموقراطية القذرة . مثلها مثل بقيّة الأحزاب المرخّصة .
أما المثال الثالث فهو الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، والمطالبات التي تحصل في المجالس النيابية من بعض الحركات الإسلامية وفقط في الدولة التي يعيشون فيها لتغيير مواد في دستور هذه الدولة الكافر لتتفق هذه المواد مع الشريعة الإسلامية . فهذه المطالبات حتى لو نجحت فإنها ستحقق تطبيقاً لبعض الأحكام الشرعية بوصفها قانوناً فقط وضمن دستورٍ هو دستور كفرٍ من ألفِه إلى يائه وفي حدود قطر من أقطار المسلمين تمّ ترسيم حدوده وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو . هذا فضلاً عن أن مجرد تطبيق الأنظمة والقوانين لا يؤدي إلى النهضة بل النهضة تحصل من جرّاء إقامة الحكم على الفكرة المنهِضة .
والمراد بإقامة الحكم على الفكرة هو إفهام الأمة المراد إنهاضها الفكرة التي يراد تطبيقها عليها ، وجعلها تبني حياتها عليها ، وتتجه في معترك الحياة على أساسها وحينئذٍ يقوم الحكم عن طريق الأمة على هذه الفكرة وبذلك تحصل النهضة قطعاً . فالأصل في النهضة هو جمع الأمة على الفكرة ، وجعلها تتجه في حياتها على أساس هذه الفكرة ثم إقامة الحكم على تلك الفكرة . فأوروبا حين نهضت إنما نهضت على فكرة فصل الدين عن الدولة وفكرة الحريات وكذلك أمريكا . والفكرة الإسلامية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله هي التي أوجدت النهضة عند من اعتنقوها وأقاموا الحكم عليها . وهذا دليل على أن الذي يُحدِث النهضة هو إقامة الحكم على فكرة ، والدليل على أن إقامة الحكم على أنظمة وقوانين لا يوجِد نهضة ما فعله مصطفى كمال أتاتورك حين أخذ القوانين والأنظمة الغربية وأقام الحكم عليها وأخذ يطبقها واستطاع أن يطبقها بالفعل ولكنه لم يوجِد نهضة فلم تنهض تركيا بل انحطت عما كانت عليه ، وهاهي ذي تركيا من أحط البلدان ، في حين أن لينين جاء في نفس الوقت الذي جاء فيه مصطفى كمال واستطاع لينين حين أقام الحكم على الفكرة الشيوعية أن يُنهض روسيا نهضة قوية .
أيتها الأمة الكريمة
إن العقيدة الإسلامية بوصفها عقيدة سياسية هي وحدها الكفيلة بتحرير الأمة الإسلامية وإنهاضها . وهي وحدها الكفيلة بتحرير العالم كله من الظلم الذي يرزح تحته ، ومن السيطرة والاستغلال والنفوذ الذي يتحكـم فيه .
والفكرة الإسلامية إذا أُخذت وحُملت وجرى احتضان الأمة الإسلامية لها ، ومن ثم إقامة الحكم في بلاد المسلمين على أساسها فإنها ستؤدي إلى تغيير حال المجتمع والأوضاع في العالم الإسلامي تغييراً جذرياً ، فكان لا بد من معالجة الأمة الإسلامية بالفكرة الإسلامية بوصفها فكرة سياسية حتى توجَد كفكرة سياسية في الأمة يُراد إقامة الحكم عليها ، وهذا كان وما زال يقتضي تهيئة الأمة الإسلامية للعمل السياسي على أساس الإسلام لتهيئتها لحمل الدعوة الإسلامية .
والأعمال السياسية التي تؤدي إلى احتضان الأمة لهذه الفكرة لا تكون بمجرد إثارة مشاعر الناس ، وتحريكهم من أجل المطالب الجزئية ، بل لا بد أن يبرز في هذه الأعمال كشفُ خطط الكفار وعملائهم وفضحهم ، والتعرض للعلاقات القائمة بين الأمة والسلطة ، وتنبيه الأمة للواقع السيئ الذي تعيش فيه وللخطر المحدق بها من الأعداء ، وحثها على العمل الجدي الذي ينقذها من هذا الخطر ويحررها من هذا الواقع ، ومباشرة ضرب أعمال الحكام وتصرفاتهم كافّة على أن يبرز في هذا رعاية شؤون الناس حين يجري إنزال الفكر على الواقع وربطه بأعمال الدولة .
أيتها الأمة الكريمة
إن الله فرض على الأمة الإسلامية أن تأخذ على عاتقها لا إنقاذ نفسها فحسب بل إنقاذ العالم كله وإخراجه من الظلمات إلى النور ولذلك وجب على الأمة أن تفكر في إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها وأن تضطلع بمهمة تحرير العالم لا بتحرير نفسها وحدها ، فهي جزء من هذا العالم وهي وُجِدت من أجل هدى البشر وبعد أن اعتنقت عقيدة الإسلام صار فرضاً عليها أن تنقذ بني الإنسان من الشقاء وأن تخلّص البشر من الظلم والتعاسة ، ومن الإذلال والاستعباد .
وما لم ينعتق العالم الإسلامي ويتحرر من استعباد الفكرة الرأسمالية وسيطرة الدولة الطامعة فإنه لا أمل لأحد في هذا العالم بالتحرر والانعتاق ، وأنه لا عذر لأحد من المسلمين القعود عن العمل لإنهاض المسلمين وحمل الدعوة وتحرير الأمة الإسلامية ومعها العالم بأسره من هيمنة الكفر والكافرين .