صفحة 1 من 1

اسقاط الجنسية فى البحرين بين المشروعية السياسية والقانونية

مرسل: السبت نوفمبر 17, 2012 10:21 pm
بواسطة دعاءمحمد
اسقاط الجنسية فى البحرين بين المشروعية السياسية والقانونية
---
جاء قرار السلطات البحرينية باسقاط الجنسية عن 31 بحرينيا خلال الايام الماضية ليفتح الباب على مصراعيه امام الجميع ليفتى فيما لا يعلم، بل وفيما قد يعلم بسوء نية. فهناك من يرى ان القرار سياسى فى المقام الاول ويتعلق بموقف تتخذه السلطة البحرينية حيال بعض المواطنين، وهو الامر الذى يجد ردا عليه فى ان الواقع المجتمعى يؤكد على أمرين مهمين: الاول، ان ادارة الدول لا تكون عن طريق مواقف شخصية تتخذها الحكومة او من هم فى السلطة حيال مواطنين شرفاء يخدمون وطنهم ويذودن عنه ضد المخاطر والتهديدات. اما الامر الثانى، فإن الحكومة البحرينية لم يثبت الماضى انتهاجها لاسلوب تصفية الحسابات مع اشد المنتقدين لها او المعارضين لسياساتها، بل كان نهجها دائما قائما على الحوار والنقاش وتبادل الاراء والوصول الى الحلول التى تحقق المصلحة الوطنية وتعلو من قدر الوطن وقيمة المواطن البحرينى.
وعلى هذا، يصبح الحديث فى قضية اسقاط الجنسية من هذا المنطق حديث البلهاء الذين يفتقدون الى الحجة القوية والردود المنطقية. ولكن مناقشة قضية اسقاط الجنسية يجب ان يتم فى ضوء نقطتين اساسيتين:
الاولي، السند القانونى او الحجة القانونية التى استندت اليها السلطة البحرينية فى قرارها الخاص باسقاط جنسية بعض المواطنين البحرينين، حيث نجد الحجة جلية للجميع بمقتضى ما ورد فى دستور بعد تعديلاته الأولى في 2002 في الباب الثالث "الحقوق والواجبات العامة - المادة 17 أن الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون"، وهى الحالات التى لم تتغير منذ صدور قانون الجنسية البحرينية عام 1963، والذى حددها القانون على وجه القصر وليس المثال، اى بصورة قطعية، وهى ثلاث حالات:
- إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقى فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها.
- إذا ساعد أو انخرط في خدمة دولة معادية.
- إذا تسبب في الأضرار بأمن الدولة.
فاذا كان مفهوما فى الحالات الاولى والثانية بصورة محددة لا لبس فيها، فإنه فى الحالة الثالثة قد يثير لدى البعض لبسًا حول الاضرار بأمن الدولة، فالامن اليوم لم يعد قاصرا على الامن العسكرى فحسب، بل اتسع مفهوم الامن ليشمل ابعادا اخرى اقتصادية وسياسية واجتماعية واعلامية وثقافية، ولا يعنى ما سبق التوسع فى تعريف المفهوم من اجل التضييق على حريات المواطنين، بقدر شمولية النظرة والتحليل. فعلى سبيل المثال الاضرار بأمن الدولة يشمل التحريض على الإرهاب، أو القيام بأعمال عنف وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وتشكيل تنظيمات شبه عسكرية وغيرها، فكلها من مظاهر الإضرار بأمن الدولة. يعنى ما سبق أن السلطات البحرينية لم تخرج عما رسمه القانون البحرينى من ضوابط وما حدده من اجراءات وما وضعه من قواعد لتنظيم ادارة الدولة وحماية امنها والحفاظ على استقرارها والذود عن ابناءها، وهو ما تتفق فيه المملكة بكل وضوح مع معظم حالات إسقاط الجنسية هي نفسها الموجودة في القوانين الوطنية للعديد من بلدان العالم، وإن اختلفت في دول أخرى حسب ظروف كل مجتمع. فقد نصت تشريعات العديد من الدول على حالة إسقاط الجنسية من أجل حفظ أمن واستقرار الدولة من إمكانية محاولة عدد من المواطنين الإضرار بالأمن الوطني والاستقرار والسلم الأهلي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك قرارات المملكة المتحدة بشأن إسقاط الجنسية عن عدد من المواطنين البريطانيين بعد تورطهم في أعمال إرهاب وتحريض على الإخلال بالأمن والاستقرار في المجتمع البريطاني.
الثانية، اسقاط الجنسية لا يعنى الانتقاص من حقوق المواطن وحرياته، ولا يخالف الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بقضايا حقوق الانسان والتى وقعتها الدولة فى هذا الخصوص، فصحيح ان الاتفاقيات الدولية جاءت من أجل حفظ الحقوق الأساسية للإنسان شريطة حماية حقوق بقية المواطنين، فلا يعنى حماية حق لفرد فى مجتمع اهدار حقوق بقية المواطنين، وبالتالى فإن لجوء الدول إلى قرار إسقاط الجنسية لا يتعارض مع حقوق الإنسان باعتبار أن من أسقطت جنسيته تمت بمبررات كافية لإسقاطها، وهي مبررات تتعلق بحق الإنسان في الأمن الذي هو حق أصيل من حقوق الإنسان. ولطالما هناك فئة من المواطنين تسعى إلى سلب هذا الحق من المجتمع والدولة، فإنه يحق للدولة محاسبة هذه الفئة لحفظ بقية الحقوق التي لا تتم إلا بعد تحقيق حق الأمن.
خلاصة القول أن ما تشهده المملكة من اعمال ارهابية وتخريبية تهدد كيان الدولة واستقرارها، وأمن الوطن وامان مواطنيه، لتتطلب سرعة القيام باتخاذ الاجراءات الحاسمة من اجل مواجهة كل ادوات الافساد والارهاب التى ترعى فى جنبات الدولة وتعمل بكل قوتها وطاقاتها حتى لا تتحول مع مرور الزمن وكثير من الأمور إن فات وقتها استحال وصعب تداركها. فانقاذ البلاد والعباد من براثن الارهاب والتخريب يتطلب استراتيجية جامعة لحزم من السياسات والقرارات والخيارات والآليات والإجراءات والمؤسسات والتشريعات، لأن التعامل بالقطعة مع هذا الوضع أمر خطير، والتعامل بالتأجيل مع هذه الأمور إثم كبير، فهل يفيق الجميع قبل ان يضيع الوطن فى زحام امثال هؤلاء؟