منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#55264
د. بدر حسن شافعي

وافقت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا " الإيكواس" في قمتها الاستثنائية التي عقدت في أبوجا 11 نوفمبر2012 وبصورة نهائية على إرسال قوات عسكرية تابعة لها إلى مالي من أجل الإسهام في تسوية الأزمة التي تشهدها البلاد منذ الانقلاب العسكري الذي حدث في 21 مارس 2012 . هذه القوات يبلغ قوامها 3300 جندي معظمهم من نيجيريا ، والنيجر ، وبوركينا فاسو ،فضلا عن قوات دول أخرى من أعضاء المنظمة البالغ عددها 15 دولة ، علاوة على إمكانية مشاركة دولتين أو ثلاث غير إفريقية في هذه القوات.

ومن المقرر أن تعمل هذه القوات لمدة عام واحد. كما صدقت الجماعة على خطة انتشارها بعد فترة جدل كبير بينها وبين حكومة مالي، برزت خلال اجتماعات الإيكواس على مستوى رؤساء الأركان في كل من أبيدجان وباماكو في أغسطس ، وهو ما تأكد في اجتماع 17 سبتمبر 2012 لوزراء خارجية ودفاع الإيكواس ومجلس الوساطة والأمن التابع لها في أبيدجان.

هذا التباين بين حكومة مالي وأعضاء الإيكواس تمثل في مناطق انتشار قوات جماعة الإيكواس. فقد رغبت الأولى في نشر هذه القوات في شمال البلاد فحسب، وهذا ما تضمنته الدعوة التي وجهها الرئيس المالي إلى المنظمة أوائل سبتمبر 2012 . وفي المقابل، فإن قادة الجماعة يرون أنه لكي يتم تنفيذ مثل هذه العملية ، فلا بد من إقامة قاعدة لوجيستية في العاصمة باماكو في الجنوب تشمل فريقا مدنيا وعسكريا أيضا. فتصور خطة الإيكواس يقوم على أساس التدخل عبر مجموعة من المراحل، تبدأ الأولى بإرسال قوات إلى العاصمة باماكو من أجل تقوية الحكومة الانتقالية ، ثم المساعدة في إعادة تنظيم وقيادة الجيش الوطني. أما المرحلة الثالثة، فتشمل إرسال قوات هجومية مشتركة بين الجانبين لاستعادة الشمال.

خطة تدخل متدرجة

ولقد انتصرت وجهة نظرالإيكواس في نهاية المطاف، لاسيما وأنها جاءت متطابقة مع الخطة الفرنسية التي كشفت عنها صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، نقلا عن وزير الدفاع الفرنسي"جون ييف لودريان"،الذي أشار إلى أن "الخطة الفرنسية" المعدة للتدخل العسكري شمال مالي، مبنية على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى تقضي باستقرار جنوب مالي وحماية باماكو مع نهاية شهر نوفمبر 2012، والمرحلة الثانية هي وضع القوات الإفريقية التي ستقاتل الجماعات المسلحة في أماكنها شهر يناير 2013 . أما المرحلة الثالثة، فهي بدء العمليات العسكرية شهر مارس كأقصى تقدير.

ويبدو أن هذا التدرج في الانتشار العسكري يستهدف عدة أمور، لعل أبرزها ما يلي:

- الرغبة في توطيد الأوضاع في الجنوب وتوطيد المؤسسات الانتقالية قبل بدء العمليات في الشمال ، لاسيما في ظل وجود مخاوف من إمكانية حدوث انقلاب ثان في الجنوب.

- الرغبة في تأسيس قاعدة لوجيستية خلفية لعملية الإمداد بسبب صعوبة المواجهة ، فضلا عن اتساع حجم ميدان العمليات العسكرية.

- الرغبة في التمييز بين الجماعات التي يمكن التفاوض معها ، وتلك التي سيتم خوض المعركة العسكرية ضدها، وهذه هي وجهة نظر الجزائر التي تعمل على التمييز بين جماعة أنصار الدين ذات الهوية الطوارقية ولها امتدادات في جنوب الجزائر، وجماعة التوحيد والجهاد التابعة لتنظيم القاعدة التي ترفض التفاوض معها.

- إعطاء مزيد من الوقت لإمكانية انتشار قوات أخرى، سواء من قبل باقي الدول الأعضاء ، أو حتى من قبل الجزائر التي تعد إحدى الدول المحورية في العمليات العسكرية بسبب قوة جيشها من ناحية ،وكونها دولة جوار مباشر من ناحية أخرى.

- إعطاء فرصة لتدريب هذه القوات، وهي المهمة التي ستقع على عاتق دول الاتحاد الأوربي بالأساس.

أسباب التدخل

من الواضح وجود اهتمام كبير لدى دول الجماعة بالأزمة منذ اندلاعها، هذا الاهتمام يرجع إلى مجموعة من الأسباب، لعل أبرزها ما يلي:

- الخشية من تقسيم مالي، هذا التقسيم إما أن يحدث بصورة سلمية ، أو بصورةعنيفة ، وعندئذ نكون أمام حرب أهلية انفصالية. وربما هذا الذي يميز الصراع في مالي عن الصراعات الأخرى في المنطقة، والتي تدخلت فيها الإيكواس مثل الصراع في ليبيريا ، وسيراليون ، وساحل العاج ، وغينيا بيساو ، حيث لم تكن هذه الصراعات - بالرغم من استخدام العنف المسلح بها –صراعات انفصالية.

- يرتبط بالنقطة السابقة الخوف من انتقال عدوى الانفصال إلى دول الجوار التي يوجد بها الطوارق، بداية من الصحراء الغربية في مصر، مرورا بليبيا، وتشاد ،ثم الجزائر ، وموريتانيا ، فضلا عن النيجر وبوركينا فاسو، وربما هذا يفسرأسباب اهتمام الجزائر تحديدا بالأزمة.

- وجود قوى لها علاقة بتنظيم القاعدة في شمال مالي " حركة التوحيد والجهاد، وجماعة أنصار الدين"،وبالتالي فإن القضية ليست قضية وجود حركة مسلحة عادية تسعى للانفصال ،وإنما القضية تتمثل في وجود تنظيم إسلامي مسلح يسعى لإقامة إمارة إسلامية تُحكم بالشريعة، حتى وإن كانت هذه التنظيمات الإسلامية لا ترغب في الانفصال، وربما هذا هو الفارق بينها وبين حركة تحرير أزواد.

- المشكلات التي يمكن أن تلقي بظلالها على دول الجوار ، لاسيما تلك التي تتعلق بتدفق اللاجئين، حيث بلغ عدد هؤلاء في بداية الأزمة مائتي ألف لاجئ، موزعين على دول الجوار، لاسيما موريتانيا.

إشكاليات التدخل

لم تكن هناك أدنى مشكلة من الناحية القانونية بشأن تدخل الإيكواس في الصراع، على اعتبار أن النظام الشرعي هو الذي طلب هذا التدخل. فالرئيس الانتقالي ديونكوندا تراورى طلب فى الأول من سبتمبر 2012 من الإيكواس دعماً جوياً ولوجيستيا لتدمير قواعد المتمردين، كما طلب خمس كتائب لمساعدته فى استعادة السيطرة على شمال البلاد. ومعنى هذا أنه لا توجد عقبات قانونية بشأن هذا التدخل، لاسيما وأنه يحظى بدعم دولي بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2571 الصادر في 5 أكتوبر الماضي، والذي يمهد لنشر قوة دولية شمال مالى،ويمهل الإيكواس45 يوما لوضع خطتها فى هذا الشأن.

إن هذا التدخل من شأنه إثارة عدة إشكاليات، لاسيما فيما يتعلق بفاعلية الإيكواس في عملية التسوية. فهناك الصحراء الشاسعة في الشمال ، ووجود قرابةنصف مليون نسمة بها ، فضلا عن انتشار الجماعات المسلحة وسط هؤلاء ، الأمرالذي يجعل عملية التدخل العسكري صعبة جدا، لاسيما في ظل ضآلة عدد القوات منناحية ، فضلا عن كونها تتطلب وقتا طويلا لمحاولة السيطرة على هؤلاء من ناحية أخرى.

وبصفة عامة، يمكن القول إن الجهود العسكرية والتدخل العسكري وحده لا يكفي، وإنما لا بد أن يكون مسبوقا أو مصاحبا بجهود تسوية دبلوماسية أيضا، سواء على الصعيد الداخلي "إزالة الاحتقان الداخلي" أو على الصعيد الإقليمي الخاص بمفهوم الأمن الجماعي في إطار الساحل والصحراء. وهناك عدة إشكاليات في هذا الشأن، لعل أبرزها ما يلي:

- إن تدخل الإيكواس بمفرده لن يسهم في وقف تدفقات السلاح والمقاتلين الواردة إلى شمال مالي من ليبيا، مرورا بجنوب الجزائر، أو تلك القادمة عبر شمال النيجر،وبالتالي فإن أي استقرار في شمال مالي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تدخل الجزائر المباشر سياسيا وعسكريا.

- لا بد أن تدرك الإيكواس أن تدخلها بمفردها غير كاف ، أو بمعنى أدق محدودية جهودها في عملية الوساطة ،وبالتالي العمل بالتنسيق مع كل من الاتحاد الإفريقي ، والأمم المتحدة فيهذا الشأن، وهو ما تداركته بعد ذلك من خلال التنسيق مع هاتين المنظمتين.

- أن تكون مهمة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للساحل والصحراء،رومانو برودي ، تحقيق المصالحة وتقريب وجهات النظر والمواقف بين كل من أعضاء الإيكواس، والفاعلين الإقليميين الآخرين " الجزائر وموريتانيا" من ناحية ، والدول الغربية من ناحية أخرى.

- تعزيز وجود الأمم المتحدة في مالي لمساعدة الحكومة الانتقالية في حل المشكلات السياسية والاقتصادية،وكذلك في وضع خريطة طريق لاستعادة كامل السيادة الإقليمية على أراضيها منناحية ، وتنظيم العملية الانتخابية في اقرب وقت من ناحية أخرى.

- العمل بالتعاون مع الإيكواس والاتحاد الافريقي على تحقيق حالة من المصالحة داخل الجيش، حتى لا يتكرر سيناريو الانقلاب مرة أخرى.

أما بالنسبة لشركاء مالي الأجانب، خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فينبغي عليها ما يلي:

- دعم الجهود الخاصة بقوات الدفاع والأمن الوطنية في مالي من خلال تعزيزوحدتها ، ونظامها ، وكفاءتها ، بما يمكنها من تعزيز الأمن في الجنوب ،ومواجهة قوى التمرد في الشمال.

- دعم الاقتصاد المالي من خلال استئناف المساعدات الأجنبية للحيلولة دون حدوث عدم استقرار اجتماعي الذي هو أساس المشكلات السياسية والإنسانية. ومعنى هذا أن الإيكواس بمفردها لن تستطيع تسوية الأزمة، لاسيما في ظل قوة الطرف الآخر من ناحية، والطبيعة الجيوبوليتكية للمنطقة من ناحية أخرى.

تعريف الكاتب:
خبير في الشئون الإفريقية

http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2 ... D8%A9.aspx