صفحة 1 من 1

السياسة الخارجية المصرية (جمال عبد الناصر)

مرسل: السبت نوفمبر 24, 2012 11:35 pm
بواسطة فيصل الناصر٨١
كانت سياسة مصر الخارجية تجاه بيئتها الإقليمية والدولية دائما نتاج عوامل موضوعية كامنة في أوضعها التاريخية والجغرافية والثقافية والديموجرافية ، غير أن مثل هذه العوامل الموضوعية لا تستبعد الطابع والتأثير الشخصي لقادتها في تشكيل سياساتها الخارجية وبشكل خاص خلال تاريخها الحديث منذ عهد محمد علي . وسوف يتم استعراض الاتجاهات الرئيسية لسياسة مصر الخارجية منذ 1952 حتى الوقت الحاضر وعبر عهود قادة ثلاثة: جمال عبد الناصر، أنور السادات، وحسني مبارك وذلك في سياق البيئة الإقليمية والدولية والواقع المصري الذي جرت فيه وأديرت هذه السياسة.

جمال عبد الناصر: الهوية العربية:-

على الرغم من أن خلفية جمال عبد الناصر وتكوينه الوطني والثقافي منذ شبابه توحي بأنه كان يحمل مشاعر العداء للاستعمار وارتباطه بالغرب، إلا أننا سنجد أن توجهاته الأولى لتلبية مطلبين رئيسيين للعهد الثوري الجديد كانت نحو الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. فقد كانت من المهام الأولى على جدول أعمال النظام الجديد: التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وبناء جيش قوي. وقد تبلور الهدف الأول في مشروع السد العالي، وجاءت الغارة الإسرائيلية على غزة عام 1955 لكي تفصح عن انكشاف الجيش المصري. ولكي تؤكد الهدف الثاني وتزيده إلحاحا. وحول هاتين القضيتين الرئيسيتين قوبلت التوقعات من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بالإحباط بل وبالرفض. فبعد مفوضات طويلة سحب البنك الدولي والولايات المتحدة عرضهما لتمويل السد العالي، ومن ناحية أخرى عاد الوفد المصري الذي توجه إلى الولايات المتحدة للتفاوض حول المطالب العسكرية خالي اليدين .

إزاء هذا ولشعوره بالمهانة، وبصورة النظام الثوري الجديد التي أصبحت مهددة تحول جمال عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي لتحقيق هدفيه الرئيسيين. وقد كان هذا التحول في السياسة سوف يأتي بنتائج بعيدة المدى. ليس فقط بالنسبة لسياسة مصر الخارجية وتوجهاتها وارتباطاتها الإقليمية والدولية المستقبلية، ولكن أيضا بالنسبة لمجرى الأحداث في الشرق الأوسط كله. وما دمنا نعطي قدرا من الاعتبار لتأثير شخصية الزعيم على صياغة السياسة الخارجية لمصر، فأن تأثير خصائص شخصية عبد الناصر يمكن فهمها من ملاحظات زملائه المصريين، مثلما لاحظ أنور السادات فجنبا إلى جنب مع خجله وهدوئه، فأنه يمثل شخصية الصعيدي، لقد كان رقيقا ومنطقيا ومليئا بالمشاعر ولكنه سرعان ما تحول إلى أسد غاضب في اللحظة التي يشعر فيها أن أي فرد يفكر في أهانته أو إيذائه .

وهكذا نستطيع أن تنفهم بشكل أدق معاني ومتضمنات تقارب مصر مع الاتحاد السوفيتي مع منتصف الخمسينات في سياق تصاعد الحرب الباردة الذي كان من أبرز علاماته صفقة الأسلحة المصرية التشيكية عام 1955، واستقدام الخبراء السوفيت سواء العسكريين منهم أو الفنيين لبناء السد العالي، وتزايد الأهمية الإستراتيجية والإيديولوجية للشرق الأوسط في الإطار الأوسع للمواجهة التي كانت قد تبلورت بين الشرق والغرب. في هذا السياق فإن توقعات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين للحصول على مباركة جمال عبد الناصر لترتيبات الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط، كانت تتشكل جزء من سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي العالمية. هذه التوقعات قوبلت برفض جمال عبد الناصر التعاون، بل وإلى العمل ضدها في كل المنطقة، وقد جاء تأميم قناة السويس عام 1956 كرد فعل مباشر للرفض الأمريكي والغربي لتمويل السد العالي، وهو التطور الذي بلغ قمته في الغزو البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على مصر عام 1956.

وقد دعم تراجع الغزو، والتأييد الشامل الذي تلقته مصر من العالم العربي وكل العالم الثالث دعم سلطة عبد الناصر داخليا وخارجيا، وعمقت سياسته حول القومية العربية، وزادت من تأييده لحركات التحرر القومي ووقوفه ضد سياسات الولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم. وقد أشار جمال عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة" إلى حتمية ومسئولية مصر كفاعل جوهري في نطاق ثلاثة دوائر هي: الدوائر العربية، الأفريقية، والإسلامية . وبفعل هذه السياسات أصبحت القاهرة مركزا للمؤتمرات الآسيوية والأفريقية ذات البرنامج واللغة المعادية للغرب، ومن ناحية أخرى تضمنت دعوة عبد الناصر للقومية العربية خصومة تجاه النظم المحافظة في العالم العربي والتي أدت إلى تأييد مصر للنظام الثوري في اليمن وانغماسها العسكري في هذا البلد من 1963 إلى 1967.

ويرجح عدد من المحللين سياسات عبد الناصر العربية الأفروآسيوية إلى فهمه، شأنه شأن محمد علي، للعوامل التاريخية والجغرافية لمصر والتي تحسم في النهاية مصائرها ووفقا لمحمد حسنين هيكل فقد أدرك جمال عبد الناصر أن أمن مصر يعتمد على شيئين "النيل"، والذي يضمن أن حاكم مصر يكون له سياسة أفريقية، وجسر أرضي إلى آسيا والذي يعني أن يكون له سياسة شرقية، وقد أدرك ناصر أيضا من قراءته التاريخ أن حكام مصر العظام من تحتمس الثالث حتى صلاح الدين ومحمد علي قد نظروا إلى حدود مصر الحقيقية باعتبارها أبعد بكثير إلى الشرق حتى سوريا .