صفحة 1 من 1

وعد بلفور أسّس لمأساة القرن

مرسل: الاثنين نوفمبر 26, 2012 1:12 am
بواسطة بسام العقيل1
وعد بلفور أسّس لمأساة القرن


بهذه الكلمات بدأ د. داود عبد الله محاضرته التي تناولت الأبعاد التاريخيّة التي جعلت الحكومة البريطانيّة تصرّ على منح هذا الوعد للصهاينة بوطن لهم على أرض فلسطين. فالوعد رغم صغر حجمه شكلا إلا أنه كان سببا في معاناة عظيمة عاشها الفلسطينيّون ولا يزالون إلى يومنا هذا، وربّما يكون من آخر محصّلاته التهديد الأخير من الصهاينة بترحيل كلّ الفلسطينيّين من أرضهم مجدّدا مستغلّين أيّ حرب أمريكيّة جديدة ضدّ العراق.
وقد سعى د. داود خلال محاضرته إلى تقصّي الأبعاد الحقيقيّة التي تقف وراء إصدار بريطانيا لوعد بلفور رغم رفض رئيس الوزراء هربرت أسكويث لمقترحات الصهيوني "هربرت صامويل" بخصوص حماية بريطانيّة لفلسطين تسهّل عمليّا إقامة المشروع الصهيوني (وذلك قبل عامين فقط من صدور وعد بلفور). وقد عرض الباحث الأسباب الرئيسية التي قدّمت لتبرير هذه الخطوة البريطانيّة وأبرزها:
- تحقيق ما يعتقد أنّه تعاليم المسيحيّة: فتصاعد النزعة الصهيونيّة المسيحية جعل فكرة "عودة" اليهود إلى أرض فلسطين تبرز بقوّة كشرط لعودة المسيح عليه السلام ودخول اليهود في المسيحيّة وبالتالي نهاية العالم. وهو ما يعني أنّ تسهيل احتلال اليهود لأرض فلسطين كان عبارة عن نوع من العمل الديني المسيحي لدى الصهاينة الغربيّين. أي أنّ منشأه "لم يكن حبّا في اليهود ولكن تطبيقا لمعتقدات دينية متطرفة".
- التنافس الإمبريالي على السيادة والمصالح الإستراتيجيّة: ففي الوقت الذي كان لفرنسا موطأ قدم في فلسطين بعلاقتها مع المسيحيين الكاثوليك هناك وروسيا بعلاقتها بالأورثوذكس فإنّ بريطانيا لم يكن لها من بين السكّان الأصليّين حليف، وهو ما جعلها تسعى إلى أن تعقد تحالفا مع الصهاينة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنّ موقع فلسطين الاستراتيجي كنقطة التقاء لثلاث قارات وسعي ألمانيا وروسيا وفرنسا إلى تعزيز مواقعهم إما بمدّ شبكة القطار من برلين إلى بغداد أو بالسيطرة على البوسفور أو بمحاولة السيطرة على منطقة الشام ككلّ، كلّ ذلك جعل بريطانيا تفكّر بجدية في بسط النفوذ على فلسطين حتى تضمن عدم تحوّلها إلى أيادي أخرى بعد الحرب، وبالتالي تضمن مصالحها الإستراتيجيّة لفترة طويلة.
ويشير د. عبد الله إلى أن هذه هي الأسباب الرئيسيّة لهذا الوعد وليس أي شيء آخر. حيث إنّ "بلفور" لم يكن يفكّر في مأساة اليهود الإنسانيّة، بل على العكس من ذلك فإنّه رفض التدخّل لدى الروس لمنعهم من اضطهاد اليهود، كما أنّ مساهمة اليهود في دعم بريطانيا في الحرب كانت محدودة ومقتصرة على بعض اليهود غير الصهاينة كما تشير الأبحاث التاريخيّة.
واختتم د. عبد الله عرضه بالقول: إنّ وعد بلفور ليس مقدّسا، وأنّه يجب العودة إليه والتراجع عمّا ورد فيه والاعتذار للشعب الفلسطيني عمّا عاناه بسببه من كوارث. كما أنّه ليس على أصحاب الضمائر الحرّة الالتزام بما ورد فيه؛ فهو ليس أشدّ إلزاما من اتفاقيات كيوتو والصواريخ البالستيّة وغيرها التي رفضت أمريكا التوقيع عليها. وما دام قادة العالم والساسة يواصلون العودة إلى وعد بلفور كمرجع فإن النزاع والصراع سيظّلان رهينةَ مشكلٍ صنعه أشخاص ويمكن أن يحلّه الأشخاص.