الكويت والاخوان المسلمين
مرسل: الاثنين نوفمبر 26, 2012 8:50 pm
عقدة الحل وحل العقدة
تحتفل الكويت خلال نوفمبر القادم بمرور خمسين عاما لإقرار دستورها الذي ينظم العلاقة بين سلطاتها وتدار البلاد بموجبه ويكفل لمواطنيها حقوقهم ويخلق توازنا بين جميع السلطات والقوى الفاعلة بالمجتمع.
المعارضة الكويتية تصعد وتنقل مطالبها السياسية إلى الشارع
وعلى مدى النصف قرن الماضية تغيرت خريطة الكويت السياسية أكثر من مرة، كما تقاطعت العلاقة بين البرلمان والحكومة عند أكثر من نقطة فاصلة تسببت بحدوث صدام أدى إلى إيقاف العمل بالدستور وتعليق البرلمان مرتين استمرتا في مجموعهما مدة عشر سنوات، في الفترة التي سبقت غزو العراق للكويت عام 1990، ثم عودة العمل بالدستور 1991 ليتعطل البرلمان منذ ذلك الوقت 4 مرات كان يدعى فيها لانتخابات نيابية مبكرة.
وعبّر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد لمواطنيه عن استيائه مما شهدته البلاد على مدى الأسابيع الماضية من ارتفاع سقف الانتقادات وما قال إنه “إسفاف مقيت في لغة الخطاب وانحدار مشين في أخلاقيات التعامل والعمل العام وخروج صارخ على القيم الموروثة والآداب المعهودة وفجور في الخصومة ورفض لحق الاختلاف وعدم احترام الرأي الآخر وتشنج في المواقف وغلو في التطرف واستمراء لنهج الفوضى والشغب من أناس يفترض أن يكونوا قدوة حسنة لمن سواهم”.
وكانت الكويت قد شهدت خلال شهر أكتوبر تجمعات نظمتها قوى المعارضة التي تتكون من خليط يغلب عليه الإخوان المسلمون والنواب القبليون، انتهت برفع سقف الانتقادات السياسية لتطال مقام الأمير في مساس للمرة الأولى على مدى الخمسين عاما الماضية، ما دفع الحكومة لملاحقة المسيئين قضائيا والتحقيق معهم، كما شهدت التجمعات مواجهات أمنية دفعت قوات مكافحة الشغب للتدخل ومنع مظاهرة خرجت من الساحة المقابلة لمجلس الأمة إلى داخل العاصمة التجارية في وقت كانت فيه الكويت تستضيف الوفود المشاركة بقمة حوار التعاون الآسيوي الذي يرعاه الشيخ صباح الأحمد ليضع لبلاده موطئ قدم في نادي الدول المؤثرة على القرار العالمي.
أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد: ما يجري إسفاف مقيت في لغة الخطاب وانحدار مشين في أخلاقيات التعامل والعمل العام وخروج صارخ على القيم الموروثة والآداب المعهودة وفجور في الخصومة ورفض لحق الاختلاف وعدم احترام الرأي الآخر وتشنج في المواقف وغلو في التطرف واستمراء لنهج الفوضى والشغب من أناس يفترض أن يكونوا قدوة حسنة لمن سواهم
وكان لافتا انه في الوقت الذي يحاول فيه أمير الكويت ان يدفع ببلاده إلى مصاف الدول المؤثرة إقليما، ظهرت فيه التصعيدات السياسية لتنال منه وكأنها موجهة لإحراجه أمام ضيوفه، وأحدها عبارة “لن نسمح لك” التي رددها النائب المعارض مسلم البراك وتسببت بوضعه على قوائم المطلوبين أمنيا بتهم المساس بالذات الأميرية، إضافة إلى تهم أخرى يواجهها من بينها تحريض رجال الأمن على عصيان الأوامر والمشاركة في مسيرات غير مرخصة، وجميعها تهم مضافة ضمن ملف اقتحام مبنى مجلس الأمة المنظور حاليا أمام القضاء.
صلاحيات دستورية
ورغم استمرار التصعيد السياسي وجه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الحكومة وفقا لصلاحياته الدستورية بموجب خطاب متلفز لمواطنيه يوم الجمعة 19/10/2012 لإجراء تعديل جزئي لازم على نظام التصويت ليقصر عدد الأصوات لكل ناخب إلى صوت واحد بدلا من أربعة أصوات وفقا لصلاحياته الدستورية لتجنب ما قد يؤدي إلى فوضى قانونية وإرهاق سياسي ولحماية الوحدة الوطنية وتعزيز الممارسة الديمقراطية ويحقق تكافؤ الفرص والتمثيل المناسب لشرائح المجتمع، ومتيحا المجال في الوقت ذاته لمجلس الأمة المقبل لأن يتناول مراجعة هذا القانون، فإما أن يقره أو ينقض قراره وفقا للدستور.
كما شدد الأمير في خطابه على عدم القبول “أبدا” بتهديد أمن الكويت وإرهاب أهلها وتعطيل مسيرتها، وعدم قبوله كذلك بفوضى الشارع ولشغب الغوغاء بشل حركة الحياة والعمل في البلاد، وانتشار ثقافة العنف والفوضى بين صفوف الكويتيين، وعدم قبوله بتضليل الشباب المخلصين بالأوهام والافتراءات واختطاف إرادة الأمة بالأصوات الجوفاء والبطولات الزائفة.
وتلقت المعارضة توجه الأمير بالرفض وأعلنت مقاطعتها للانتخابات المقبلة، وحركت مناصريها للخروج في تظاهرة احتجاجية عبر ثلاث مسيرات تمر داخل العاصمة الكويت منعتها قوى الأمن بحزم بعد تأكيد وزارة الداخلية بعدم سماحها للخروج بمسيرات يجرمها القانون مع التزامها بحق التجمع الذي كفله الدستور في الساحة المقابلة لمجلس الأمة من دون أي مسيرات أو تظاهرات، وهو ما رفضته قوى المعارضة فحدثت مواجهات استخدمت قوى الأمن فيها الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين وانتهت باعتقال حوالي 68 شخصا بينهم نواب سابقون وسياسيون وشباب شاركوا بالتحريض على كسر القانون.
وعلى مدى الأسبوع السابق لعيد الأضحى كان جدول أمير الكويت مزدحما بلقاءات مختلفة لشخصيات المجتمع المؤثرة والقيادية من سياسيين ورجال دين وشيوخ قبائل ورجال أعمال كويتيين حرصوا على تأكيد امتثالهم لتوجهاته ورفضهم لما يدور بالشارع السياسي من قبل المعارضة، كما التقى أيضا عميد الأسرة الحاكمة الشيخ سالم العلي وشيوخ الأسرة الحاكمة الذين أكدوا ولاءهم له ووقوفهم بصفه، بعدما حاولت المعارضة اللعب على صراع بعض أبناء الأسرة الحاكمة وزجت باسم اكثر من قطب منهم في محاولة للتلميح بأنها تحظى بدعمه بمواجهة قرار الأمير.
وتشهد الكويت منذ عام ونيّف مرحلة جديدة في تاريخها السياسي تخللتها صدامات حادة بين الحكومة ونواب المعارضة الذين يتألفون من خليط يغلب عليه الإخوان المسلمون والقبليون الذين غيروا قواعد اللعبة ونقلوا معركتهم من قبة البرلمان إلى الشارع، مستفيدين من حماس الشباب، وقلة الوعي السياسي، ومدعومين بتداعيات الربيع العربي، لتمرير أجنداتهم التي كانت تتمحور حول زيادة هيمنتهم على القرار مقابل تراخي الحكومة في تطبيق القانون.
وكان من نتائج ما جرى أن حل أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد البرلمان في ديسمبر الماضي ودعا لانتخابات جديدة في فبراير من العام الجاري، أتت بمجلس سيطرت عليه قوى أصولية وقبلية على حساب المرأة والتيار الليبرالي الذي انحسر بشكل ملحوظ أمام ما شهدته البلاد من احتقانات طائفية وقبلية، التي سرعان ما بدأت تنفيذ أجندتها القائمة على الإقصاء وفرض هيمنتها وإقرار قوانين مقيدة للحريات كإعدام المسيء للذات الإلهية والسعي لتعديل مواد بالدستور تقلص من مدنية الدولة وتحولها إلى دولة دينية أبرزها المادة الثانية والمادة 79 من الدستور.
ويتألف الدستور الكويتي الصادر في 11/11/1962 من 183 مادة تنظم العمل بين السلطات الثلاث التشريعية الممثلة بمجلس الأمة (البرلمان) والتنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء (الحكومة) والقضائية الممثلة بأنواع المحاكم ودرجات التقاضي، وتقوم فلسفة الدستور الكويتي على إعطاء ثقل متوازن لكل سلطة على حدة، ويعد بموجبها أمير البلاد شريكا بالسلطات الثلاث ليكون هو الضامن الأخير لاستقرار المعادلة السياسية، فهو من يعيّن رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وهو من يدعو البرلمان للانعقاد ويفض أعماله ويعتمد إصدار التشريعات الصادرة منه إلى جانب أن الأحكام القضائية تصدر باسمه، وهو الفيصل في حال اي خلاف ينشب بين أي من السلطات الثلاث.
كما يقوم الدستور الكويتي على مرتكزات ليبرالية تكفل حرية التعبير والاعتقاد ويرعى الثقافة والفنون، إلى جانب اتخاذه الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسا للتشريع إلى جانب مصادر أخرى.
وجهات نظر
وبموجب مناقشات لجنة وضع الدستور التي تشكلت بالمجلس التأسيسي بعد استقلال الكويت من الحماية البريطانية في يونيو 1961 كان هناك أكثر من انقسام في وجهات النظر بين اعضاء اللجنة الخمسة الذين تم انتخابهم من اعضاء المجلس التأسيسي، وكان من بينهم رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف ثنيان الغانم ووزير الداخلية وقتها الشيخ سعد العبدالله، وكان الانقسام الأول على شكل الدولة حيث كان هناك ميل للنظام الرئاسي الذي يعطي صلاحيات موسعة لرئيس الدولة تبناه ممثل الحكومة مقابل دفع بالنظام البرلماني تبناه عضو لجنة وضع الدستور حمود زيد الخالد الذي اعتبر ان النظام البرلماني يساعد على التطور السليم وهو ما اتبع في معظم دول العالم ومنها انجلترا” كما ذكر محضر الجلسة الخامسة للجنة وضع الدستور التي انعقدت بتاريخ 21/4/1962، فتم الاتفاق لاحقا على ان يكون نظام الدولة وسطا بين النظامين الرئاسي والبرلماني، مع ميله ناحية النظام البرلماني.
وجاء في المذكرة التفسيرية لدستور الكويت “اقتضى الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم أن يتلمس الدستور في النظام الديمقراطي الذي تبناه طريقا وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما لما هو مقرر أصلا من أن النظام الرئاسي إنما يكون في الجمهوريات، وإن مناط قيامه كون رئيس الدولة منتخبا من الشعب لبضع سنوات ومسؤولا أمامه بل وأمام ممثليه على نحو خاص. كما أريد بهذا الانعطاف ألا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية أو يجافي تراثنا التقليدي في الشورى وفي التعقيب السريع على أسلوب الحكم”.
وعلى الرغم من أن نواب مجلس الأمة على الأرض يتعاملون بنمطية النظام البرلماني ويضخمون دورهم السياسي بالبلاد كونهم يعتبرون أعضاء للسلطة التشريعية وممثلين للأمة إلا أن المحكمة الدستورية انتهت في حكم لها أصدرته في سبتمبر الماضي إلى ان “الدستور رسم لكل سلطة من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية حدود اختصاصها ووظائفها وصلاحياتها، لم يجعل أي سلطة منها تعلو على الأخرى، فجميع هذه السلطات خاضعة للدستور، ولا يجوز لها بالتالي الخروج عن أحكامه، ولا صحة في القول بأن التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية محصنة وراء تعبيرها عن إرادة الأمة، ولا هي صاحبة السيادة في الدولة”، وهو ما رسخ مفهوم التوازن بين السلطات من قبل المحكمة الدستورية كونها أعلى جهة قضائية والحكم بين الحكومة والبرلمان.
وتغيرت توليفة المعارضة السياسية في الكويت إذ تغيرت تركيبتها من خليط التيار الوطني الذي يضم التيار الليبرالي وشخصيات وطنية وفعاليات تجارية، الى مزيج يضم اليوم بالدرجة الأولى الحركة الدستورية الإسلامية وهي الواجهة السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين ومجموعة نواب قبليين إلى جانب إسلاميين ومستقلين.
وعلى مدى العشرة اعوام الماضية تغيرت التركيبة السياسية بالكويت إذ تحولت القبيلة إلى رافد للمعارضة بعد ان كانت داعمة للسلطة، كما زاد تغلغل التيار الإسلامي داخل القبائل وأثر على مخرجاتها وممثليها بالبرلمان ليكونوا مزيجا من نواب قبليين يحملون فكرا إسلاميا متشددا.
ويلخص الباحث محمد البغيلي في كاتبه “القبيلة والسلطة” مسألة نفوذ التيار الديني داخل القبيلة إلى اعتبارين هما كون التيار اليساري كان بالسابق دائم الصدام مع السلطة بعكس الطبيعة الموالية للقبائل التي كانت تقف بصف الحكومة، وهو ما دفع الحكومة لتقديم التسهيلات لنواب القبائل، مشيرا إلى ان السلطة في ذلك الوقت أرادت أن تحد من نفوذ التكتلات الحضرية والأيدولوجية المعارضة من خلال استمالة شيوخ القبائل واتباع سياسة التجنيس وتعديل الدوائر لصالح التكوينات القبلية وتدعيم الموالاة، فتصاعد عدد النواب البدو من 18 عام 1963 إلى 27 عام 1981 بعدما تغيرت الدوائر الانتخابية بما يخدم مرشحيهم على حساب المرشحين الحضر وأصحاب الأيدولوجيات.
ويسند البغيلي أسباب التحول السياسي القبلي من الموالاة إلى المعارضة بما انتهى إليه الباحث ناصر الفضالة في بحث غير منشور وأوجزه بعدة عناصر وهي: تغير تركيبة السلطة العليا عام 2006 واستغناء السلطة عن عناصر كانت فاعلة في احتواء النواب القبليين، وتراجع الحكومة وترددها في أكثر من موقف ما جعل ظهر حلفائها مكشوفا للشارع أكثر من مرة، تغير المزاج الشعبي لدى قطاعات من البدو تجاه الحكومة وسريان روح التمرد والتذمر لديهم تجاه سياساتها، ويضيف عليها إلى جانب ملاحظات الفضالة ثلاثة اعتبارات أخرى وهي خلاصة بحثه تتمثل في: تنامي ظاهرة الانتخابات الفرعية التي عمقت التماسك القبلي وألزمت المرشحين تكثيف تحركاتهم السياسي، وتنامي شعبية النخب القبلية بين أوساط ناخبي القبائل واشتراكها بتحركات التيارات السياسية وقيادتها كما يحصل عند الجماعات الإسلامية، ويختمها بدخول المرأة القبلية كظاهرة ما تزال في طور التشكل السياسي ما ساهم بتفاقم حدة المطالبات القبلية وانتقاداتها للحكومة.
البرلمان خلا من ممثلي الشعب
ويختم البغلي بما قاله ناصر الفضالة الباحث المتخصص بالتغيرات الاجتماعية بالكويت من أن ما دفع البدو للتصادم مع السلطة من خلال الاستجوابات المتكررة وقيادة بعض الاضرابات يعود إلى أن الحضر في الكويت يمثلون أقلية مهيمنة تمارس نفوذا مجتمعيا لا يتناسب احصائيا مع تعداد المجموعة فبينما القبائل تشكل 60 في المائة إلا انهم لا يشكلون في مراكز صنع القرار الاقتصادي سوى 4 في المائة وهو ما كانت له انعكاسات على العلاقة بين البدو والسلطة. (البغيلي، محمد حمود (2012) القبيلة والسلطة، الكويت: دار آفاق)
موازين القوى
تؤكد ملاحظات الباحث البغيلي تبدل مكونات المعارضة اليوم، بخاصة بعد التحولات التي شهدها الواقع السياسي الكويتي على مدى عشرة أعوام خلت، إذ تغيرت تركيبة مواقع القرار داخل أسرة الحكم وتأثرت بها موازين القوى السياسية بالبرلمان والمجتمع، فقد تولى الشيخ صباح الأحمد (الأمير الحالي) زمام المبادرة وترأس مجلس الوزراء عام 2003 بعدما تم فصل منصب رئيس الحكومة عن منصب ولي العهد لأول مرة بتاريخ الكويت منذ بداية العهد الدستوري عام 1963.
ومع هذه الخطوة فقد منصب رئيس الوزراء جزءا من حصانته المستمدة من شخص صاحبه، فلم يعد محصنا امام المواجهات البرلمانية، إذ في الوقت الذي لم يتمكن أي نائب منذ عام 1963 إلى عام 2003 من مساءلة رئيس الوزراء كونه كان وليا للعهد ونائبا للأمير في نفس الوقت، وما يسبغه ذلك على هذا المنصب من حصانة مجتمعية لا سياسية كون ولي العهد هو الأمير المقبل، إلا أن الخمسة أعوام التي تولى فيها الشيخ ناصر المحمد رئاسة الوزراء (2006 – 2011) شهدت تقديم 12 استجوابا (سبعة منها بين عامي 2009 – 2011) بهدف إزاحته عن موقعه وتسمية بديل عنه تقرر المعارضة اسمه بحسب ارتباطاتها بعناصر من أبناء الأسرة الحاكمة تريد الحصول على هذا المنصب.
وكان الشيخ صباح الأحمد هو الوحيد الذي تمكن من ترؤس الحكومة ومواجهة البرلمان وحيدا، وخرج بأقل الأضرار الممكنة مقابل تمكنه من تحقيق مكاسب للديمقراطية الكويتية أبرزها تمرير قانون يقضي بتمكين المرأة من ممارسة حقها السياسي بالانتخاب والترشيح، وفي عهده أدت اول امرأة يمينها الدستورية أما البرلمان كأول وزيرة، ما استعدى عليه النواب الإسلاميين والقبليين.
وتداعت الأحداث سريعا بعد ذلك لتشهد الكويت خلال عام 2006 وفاة أميرها الراحل الشيخ جابر الأحمد والمناداة بالشيخ سعد العبدالله أميرا للبلاد خلفا له، وما تبع ذلك من رفع مجلس الوزراء بموجب الإجراءات التي خولها له الدستور إلى مجلس الأمة طلبا بإعفاء أمير البلاد من مهامه نظرا لظروفه الصحية والتي عرفت وقتها بـ “أزمة الحكم”، ليتم بعدها تسمية الشيخ صباح الأحمد أميرا للبلاد ويختار بعده الشيخ نواف الأحمد وليا للعهد.
وبعد استقرار المواقع الجديدة داخل بيت الحكم تمت تسمية الشيخ ناصر المحمد رئيسا للوزراء، الذي كان يشغل قبلها منصب وزير الديوان الأميري خلال عهد الراحل الشيخ جابر الأحمد، وبات عليه التعامل مع واقع جديد تغيرت بموجبه مواقع الحلفاء والمعارضين، فكان الإخوان المسلمون أول من يغادر الحكومة بعدما أحسوا انهم انعزلوا داخل دائرة القرار وعليهم البحث عن حلفاء جدد بعدما تغيرت معادلة النظام الحاكم وتبدلت موازين القوى، فوجدوا ضالتهم في النواب القبليين ليأتلف بعدها شكل جديد للمعارضة، قوامه النواب الإسلاميون والقبليون، في مواجهة حلفاء النظام الجدد الذين أخذوا بالتشكل وهم الليبراليون والشيعة.
مواجهات سياسية
وشهدت الكويت في النصف الثاني من 2006 مواجهات سياسية بين النواب والحكومة على خلفية المطالبة بتغيير النظام الانتخابي فتم تغيير النظام لتتقسم الكويت إلى 5 دوائر انتخابية يملك كل ناخب فيها أربعة أصوات ليتشكل البرلمان من النواب العشرة الأعلى حصولا على عدد الأصوات، وتم ذلك بعد حل البرلمان الذي كان قائما وقتها على نظام التصويت القديم القائم على توزيع الناخبين على 25 دائرة يحق لكل ناخب فيها التصويت لمرشحين، مع الدعوة لانتخابات مبكرة كانت آخر انتخابات تجرى وفقا للنظام القديم.
وعلى خلفية أزمة حادة عام 2008 تسبب فيها مشاركة عدد من النواب الشيعة بتأبين قائد الجناح العسكري لحزب الله عماد مغنية في الكويت وتداعيات ذلك على المشهد السياسي، قرر أمير الكويت حل البرلمان وأجريت الانتخابات وفقا للنظام الانتخابي الجديد، فظهرت بوادر الانقسام الطائفي عندما عاد النواب الشيعة ومعهم بالمقابل نواب ينتمون للتوجه السلفي، فحدثت مواجهات في البرلمان بين الطرفين لم تلبث أن ألقت بظلالها على المشهد حتى أُعيد تشكيل المجلس الجديد عام 2009 إثر حل سابقه والدعوة لانتخابات جديدة.
وفي مجلس 2009 كان الصراع السياسي في أوضح صوره بعدما قرر الإخوان المسلمون التحول من مكون رئيس للتشكيلات الحكومية المتعاقبة منذ عام 1976 وحتى 2008 إلى أقصى يسار جناح المعارضة، بعدما خسر مرشحوهم بالانتخابات بسبب ما اعتبروه دعمهم لحكومة الشيخ ناصر المحمد ليتحولوا إلى رأس حربة الهجوم الساعي لإسقاطه فتحالفوا مع النوب القبليين بالمجلس، فأصبح حلفاء الحكومة الجدد النواب الليبراليين وعدد من المقربين منهم مع المستقلين والشيعة فيما تخندق النواب القبليون والإسلاميون في المعارضة بهدف الإطاحة برئيس الحكومة من خلال تقديمهم 7 استجوابات بحقه خلال عامين.
وفيما كان النواب القبليون يلاحقون رئيس الوزراء داخل البرلمان كان تنظيم الإخوان المسلمين يمهد للمعركة المقبلة بالشارع من خلال شحن المجتمع بقضايا فساد أثيرت بحق الحكومة والنواب الموالين لها، حتى كانت ساعة الصفر بإعلان نواب المعارضة مقاطعة المجلس والنزول للشارع فشهدت الكويت تصعيدا من المعارضة التي دفعت بحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة وإقالة رئيس الحكومة، فكان لها ما أرادت في ديسمبر الماضي، لتبدأ صفحة جديدة من التاريخ السياسي مع ظهور نتائج انتخابات مجلس فبراير 2012.
البرلمان الكويتي قبل قرار حله
كانت نتيجة الانتخابات لمصلحة قوى المعارضة التي تمكنت من التنسيق في الدوائر الانتخابية معتمدة على الانقسام الطائفي والفئوي، فنجحت بإيصال رموزها وشكلت ائتلافا يضم 35 نائبا من أصل 50 يتألف منهم البرلمان، فيما كان الليبراليون والمحافظون والشيعة على الضفة الأخرى.
وسعت الأغلبية خلال مجلس 2012 للانفراد بالقرار كونها تملك قاعدة أصوات داخل البرلمان تفوق ما تملكه الموالاة والحكومة مجتمعين (يتألف البرلمان من 65 نائبا ووزيرا)، فشهد الخطاب اقصاء للأقلية وإملاءات على الحكومة وشحنا طائفيا وفئويا من قبل الأغلبية التي سعت للانتقام سياسيا من كل رموز المرحلة السابقة بمن فيهم نواب الأقلية، ونجحت بخلق طوق من العزلة عليهم داخل البرلمان، كما شهد أداء المعارضة المنتصرة تخبطا في العمل البرلماني وشكلت لجان للتحقيق بشكل مخالف للوائح وفي ملفات ينظر فيها القضاء وشرعت قوانين تعارض الدستور وتوجهات الدولة المالية والاستثمارية، وتم استجواب نائب رئيس الوزراء وزير المالية الذي انتهى باستقالته حتى جاءت الضربة القاضية من المحكمة الدستورية التي قضت بإبطال مرسوم حل المجلس السابق الذي كانت تقاطعه وأعادته بقوة الدستور بعد ان تم حله بشكل خاطئ.
عزل شعبي
وبإبطال مجلس 2012 وعودة مجلس 2009 أحست المعارضة أنها معزولة شعبيا لأنها لم تنجز ما تعهدت به أمام الشعب فقررت ان تغير قواعد اللعبة وترفع سقف المطالبات السياسية إلى مرحلة تعديل الدستور وتقليص صلاحيات الأمير والسلطة التنفيذية والقضائية مقابل توسيع رقعة صلاحيات البرلمان، والانتقال بنظام البلاد من النظام الوسط بين الرئاسي والبرلماني إلى النظام البرلماني البحت.
وأمام تقلبات المشهد وتجلياته وضع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد يده على الجرح المتسبب باستمرار نزيف بلاده رصيدها السياسي واستهلاك طاقتها البشرية والتنموية، ليأمر بإجراء تعديل جزئي على نظام التصويت يضمن للكل تمثيلا متساويا ويفسح المجال أمام شرائح أوسع للمشاركة بالقرار بعد تجربة التفرد بالقرار التي قادها ائتلاف المعارضة وحول مجلس الأمة إلى ساحة صراع ومنطقة لتعزيز نفوذ الأقطاب الفعالة بالواقع السياسي.
وبموجب التوجيه الجديد لأمير الكويت سيتغير نظام التصويت بالانتخابات المقبلة المقررة أول ديسمبر المقبل ليكون صوتا واحدا لكل ناخب بدلا من أربعة أصوات لكل ناخب كما كان معمولا به في الانتخابات البرلمانية الثلاث الأخيرة، وهي المرة الرابعة التي يتم بها تغيير نظام التصويت المعمول به منذ عام 1963 حيث كان الأول يقسم الكويت إلى عشر دوائر انتخابية يحق لكل ناخب اختيار خمسة مرشحين، ثم تغير في عام 1981 ليقسم الكويت إلى 25 دائرة يحق لكل ناخب التصويت لمرشحين، ثم في عام 2006 ليقسم الكويت إلى 5 دوائر بأربعة أصوات لكل ناخب وناخبة.
وبدا واضحا من ارتفاع سقف انتقادات المعارضة لهذا التوجيه الجديد أن المسألة غدت أكبر من مجرد انتقاد مرسوم بقانون يحق لأمير البلاد دستوريا تصديره في حال غياب البرلمان خلال الفترة الممتدة بين حل البرلمان السابق وبداية انعقاد البرلمان الجديد، إذ سبق أن صدر في الكويت منذ نشأة مجلس الأمة عام 1963 ما يقارب 1040 مرسوما بقانون خلال فترة غياب البرلمان، وجميعها تمت مناقشتها لاحقا بالمجلس فسقط عدد منها ومر عدد آخر، إلا أن التصعيد هذه المرة من قبل المعارضة كان لافتا بخاصة مع دعوات لمقاطعة الانتخابات التي اخترقها أكثر من طرف ليقفل المشهد على تحول معادلة المعارضة وأسلوبها، وتغير وجه النظام وأسلوبه بالمقابل.
ولعل من المناسب الإشارة إلى تمكن المعارضة بشقيها القبلي والإسلامي من اختراق التيار الليبرالي والتأثير على قراره وتحويله إلى أداة تستفيد منها بإضفاء مزيد من الشرعية على تحركاتها، كما غابت العناوين المثيرة للجدل من الخطاب السياسي للمعارضة بهدف الخروج بشكل موحد تسطيع من خلاله التوحد في خندق واحد بمواجهة قرار الأمير.
ووسط أجواء مواجهات الأحد 21/10/2012 كانت قيادة عناصر الإخوان المسلمين للمسيرات والمواجهات على الأرض هي الحدث الأبرز فيما ترك الإخوان للنواب القبليين وعناصر التيار الليبرالي الظهور في الواجهة لتفادي الاحتكاك مع السلطة بشكل مباشر، تماما كما حدث في نهايات ثورة مصر، حينما كان الإخوان يحشدون الشارع ويتركون الظهور لليبراليين واليسار.
في الكويت اليوم عقدة سياسية بدأ أول خيوطها بالتحلحل بعد قرار أميرها بموجب صلاحياته الدستورية إجراء تعديل جزئي على قانون الانتخاب، يقابله معادلة سياسية جديدة تنتظر الاستقرار، ومعارضة يقودها الإخوان المسلمون الذين ذوبوا النواب القبليين والليبراليين في بوتقة واحدة غلفوها بشعار رافض للامتثال للوضع الجديد ولتنتهي مرحلة حل العقدة السياسية وتبدأ بعدها عقدة الحل وتداعياته.
تحتفل الكويت خلال نوفمبر القادم بمرور خمسين عاما لإقرار دستورها الذي ينظم العلاقة بين سلطاتها وتدار البلاد بموجبه ويكفل لمواطنيها حقوقهم ويخلق توازنا بين جميع السلطات والقوى الفاعلة بالمجتمع.
المعارضة الكويتية تصعد وتنقل مطالبها السياسية إلى الشارع
وعلى مدى النصف قرن الماضية تغيرت خريطة الكويت السياسية أكثر من مرة، كما تقاطعت العلاقة بين البرلمان والحكومة عند أكثر من نقطة فاصلة تسببت بحدوث صدام أدى إلى إيقاف العمل بالدستور وتعليق البرلمان مرتين استمرتا في مجموعهما مدة عشر سنوات، في الفترة التي سبقت غزو العراق للكويت عام 1990، ثم عودة العمل بالدستور 1991 ليتعطل البرلمان منذ ذلك الوقت 4 مرات كان يدعى فيها لانتخابات نيابية مبكرة.
وعبّر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد لمواطنيه عن استيائه مما شهدته البلاد على مدى الأسابيع الماضية من ارتفاع سقف الانتقادات وما قال إنه “إسفاف مقيت في لغة الخطاب وانحدار مشين في أخلاقيات التعامل والعمل العام وخروج صارخ على القيم الموروثة والآداب المعهودة وفجور في الخصومة ورفض لحق الاختلاف وعدم احترام الرأي الآخر وتشنج في المواقف وغلو في التطرف واستمراء لنهج الفوضى والشغب من أناس يفترض أن يكونوا قدوة حسنة لمن سواهم”.
وكانت الكويت قد شهدت خلال شهر أكتوبر تجمعات نظمتها قوى المعارضة التي تتكون من خليط يغلب عليه الإخوان المسلمون والنواب القبليون، انتهت برفع سقف الانتقادات السياسية لتطال مقام الأمير في مساس للمرة الأولى على مدى الخمسين عاما الماضية، ما دفع الحكومة لملاحقة المسيئين قضائيا والتحقيق معهم، كما شهدت التجمعات مواجهات أمنية دفعت قوات مكافحة الشغب للتدخل ومنع مظاهرة خرجت من الساحة المقابلة لمجلس الأمة إلى داخل العاصمة التجارية في وقت كانت فيه الكويت تستضيف الوفود المشاركة بقمة حوار التعاون الآسيوي الذي يرعاه الشيخ صباح الأحمد ليضع لبلاده موطئ قدم في نادي الدول المؤثرة على القرار العالمي.
أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد: ما يجري إسفاف مقيت في لغة الخطاب وانحدار مشين في أخلاقيات التعامل والعمل العام وخروج صارخ على القيم الموروثة والآداب المعهودة وفجور في الخصومة ورفض لحق الاختلاف وعدم احترام الرأي الآخر وتشنج في المواقف وغلو في التطرف واستمراء لنهج الفوضى والشغب من أناس يفترض أن يكونوا قدوة حسنة لمن سواهم
وكان لافتا انه في الوقت الذي يحاول فيه أمير الكويت ان يدفع ببلاده إلى مصاف الدول المؤثرة إقليما، ظهرت فيه التصعيدات السياسية لتنال منه وكأنها موجهة لإحراجه أمام ضيوفه، وأحدها عبارة “لن نسمح لك” التي رددها النائب المعارض مسلم البراك وتسببت بوضعه على قوائم المطلوبين أمنيا بتهم المساس بالذات الأميرية، إضافة إلى تهم أخرى يواجهها من بينها تحريض رجال الأمن على عصيان الأوامر والمشاركة في مسيرات غير مرخصة، وجميعها تهم مضافة ضمن ملف اقتحام مبنى مجلس الأمة المنظور حاليا أمام القضاء.
صلاحيات دستورية
ورغم استمرار التصعيد السياسي وجه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الحكومة وفقا لصلاحياته الدستورية بموجب خطاب متلفز لمواطنيه يوم الجمعة 19/10/2012 لإجراء تعديل جزئي لازم على نظام التصويت ليقصر عدد الأصوات لكل ناخب إلى صوت واحد بدلا من أربعة أصوات وفقا لصلاحياته الدستورية لتجنب ما قد يؤدي إلى فوضى قانونية وإرهاق سياسي ولحماية الوحدة الوطنية وتعزيز الممارسة الديمقراطية ويحقق تكافؤ الفرص والتمثيل المناسب لشرائح المجتمع، ومتيحا المجال في الوقت ذاته لمجلس الأمة المقبل لأن يتناول مراجعة هذا القانون، فإما أن يقره أو ينقض قراره وفقا للدستور.
كما شدد الأمير في خطابه على عدم القبول “أبدا” بتهديد أمن الكويت وإرهاب أهلها وتعطيل مسيرتها، وعدم قبوله كذلك بفوضى الشارع ولشغب الغوغاء بشل حركة الحياة والعمل في البلاد، وانتشار ثقافة العنف والفوضى بين صفوف الكويتيين، وعدم قبوله بتضليل الشباب المخلصين بالأوهام والافتراءات واختطاف إرادة الأمة بالأصوات الجوفاء والبطولات الزائفة.
وتلقت المعارضة توجه الأمير بالرفض وأعلنت مقاطعتها للانتخابات المقبلة، وحركت مناصريها للخروج في تظاهرة احتجاجية عبر ثلاث مسيرات تمر داخل العاصمة الكويت منعتها قوى الأمن بحزم بعد تأكيد وزارة الداخلية بعدم سماحها للخروج بمسيرات يجرمها القانون مع التزامها بحق التجمع الذي كفله الدستور في الساحة المقابلة لمجلس الأمة من دون أي مسيرات أو تظاهرات، وهو ما رفضته قوى المعارضة فحدثت مواجهات استخدمت قوى الأمن فيها الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين وانتهت باعتقال حوالي 68 شخصا بينهم نواب سابقون وسياسيون وشباب شاركوا بالتحريض على كسر القانون.
وعلى مدى الأسبوع السابق لعيد الأضحى كان جدول أمير الكويت مزدحما بلقاءات مختلفة لشخصيات المجتمع المؤثرة والقيادية من سياسيين ورجال دين وشيوخ قبائل ورجال أعمال كويتيين حرصوا على تأكيد امتثالهم لتوجهاته ورفضهم لما يدور بالشارع السياسي من قبل المعارضة، كما التقى أيضا عميد الأسرة الحاكمة الشيخ سالم العلي وشيوخ الأسرة الحاكمة الذين أكدوا ولاءهم له ووقوفهم بصفه، بعدما حاولت المعارضة اللعب على صراع بعض أبناء الأسرة الحاكمة وزجت باسم اكثر من قطب منهم في محاولة للتلميح بأنها تحظى بدعمه بمواجهة قرار الأمير.
وتشهد الكويت منذ عام ونيّف مرحلة جديدة في تاريخها السياسي تخللتها صدامات حادة بين الحكومة ونواب المعارضة الذين يتألفون من خليط يغلب عليه الإخوان المسلمون والقبليون الذين غيروا قواعد اللعبة ونقلوا معركتهم من قبة البرلمان إلى الشارع، مستفيدين من حماس الشباب، وقلة الوعي السياسي، ومدعومين بتداعيات الربيع العربي، لتمرير أجنداتهم التي كانت تتمحور حول زيادة هيمنتهم على القرار مقابل تراخي الحكومة في تطبيق القانون.
وكان من نتائج ما جرى أن حل أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد البرلمان في ديسمبر الماضي ودعا لانتخابات جديدة في فبراير من العام الجاري، أتت بمجلس سيطرت عليه قوى أصولية وقبلية على حساب المرأة والتيار الليبرالي الذي انحسر بشكل ملحوظ أمام ما شهدته البلاد من احتقانات طائفية وقبلية، التي سرعان ما بدأت تنفيذ أجندتها القائمة على الإقصاء وفرض هيمنتها وإقرار قوانين مقيدة للحريات كإعدام المسيء للذات الإلهية والسعي لتعديل مواد بالدستور تقلص من مدنية الدولة وتحولها إلى دولة دينية أبرزها المادة الثانية والمادة 79 من الدستور.
ويتألف الدستور الكويتي الصادر في 11/11/1962 من 183 مادة تنظم العمل بين السلطات الثلاث التشريعية الممثلة بمجلس الأمة (البرلمان) والتنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء (الحكومة) والقضائية الممثلة بأنواع المحاكم ودرجات التقاضي، وتقوم فلسفة الدستور الكويتي على إعطاء ثقل متوازن لكل سلطة على حدة، ويعد بموجبها أمير البلاد شريكا بالسلطات الثلاث ليكون هو الضامن الأخير لاستقرار المعادلة السياسية، فهو من يعيّن رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وهو من يدعو البرلمان للانعقاد ويفض أعماله ويعتمد إصدار التشريعات الصادرة منه إلى جانب أن الأحكام القضائية تصدر باسمه، وهو الفيصل في حال اي خلاف ينشب بين أي من السلطات الثلاث.
كما يقوم الدستور الكويتي على مرتكزات ليبرالية تكفل حرية التعبير والاعتقاد ويرعى الثقافة والفنون، إلى جانب اتخاذه الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسا للتشريع إلى جانب مصادر أخرى.
وجهات نظر
وبموجب مناقشات لجنة وضع الدستور التي تشكلت بالمجلس التأسيسي بعد استقلال الكويت من الحماية البريطانية في يونيو 1961 كان هناك أكثر من انقسام في وجهات النظر بين اعضاء اللجنة الخمسة الذين تم انتخابهم من اعضاء المجلس التأسيسي، وكان من بينهم رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف ثنيان الغانم ووزير الداخلية وقتها الشيخ سعد العبدالله، وكان الانقسام الأول على شكل الدولة حيث كان هناك ميل للنظام الرئاسي الذي يعطي صلاحيات موسعة لرئيس الدولة تبناه ممثل الحكومة مقابل دفع بالنظام البرلماني تبناه عضو لجنة وضع الدستور حمود زيد الخالد الذي اعتبر ان النظام البرلماني يساعد على التطور السليم وهو ما اتبع في معظم دول العالم ومنها انجلترا” كما ذكر محضر الجلسة الخامسة للجنة وضع الدستور التي انعقدت بتاريخ 21/4/1962، فتم الاتفاق لاحقا على ان يكون نظام الدولة وسطا بين النظامين الرئاسي والبرلماني، مع ميله ناحية النظام البرلماني.
وجاء في المذكرة التفسيرية لدستور الكويت “اقتضى الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم أن يتلمس الدستور في النظام الديمقراطي الذي تبناه طريقا وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما لما هو مقرر أصلا من أن النظام الرئاسي إنما يكون في الجمهوريات، وإن مناط قيامه كون رئيس الدولة منتخبا من الشعب لبضع سنوات ومسؤولا أمامه بل وأمام ممثليه على نحو خاص. كما أريد بهذا الانعطاف ألا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية أو يجافي تراثنا التقليدي في الشورى وفي التعقيب السريع على أسلوب الحكم”.
وعلى الرغم من أن نواب مجلس الأمة على الأرض يتعاملون بنمطية النظام البرلماني ويضخمون دورهم السياسي بالبلاد كونهم يعتبرون أعضاء للسلطة التشريعية وممثلين للأمة إلا أن المحكمة الدستورية انتهت في حكم لها أصدرته في سبتمبر الماضي إلى ان “الدستور رسم لكل سلطة من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية حدود اختصاصها ووظائفها وصلاحياتها، لم يجعل أي سلطة منها تعلو على الأخرى، فجميع هذه السلطات خاضعة للدستور، ولا يجوز لها بالتالي الخروج عن أحكامه، ولا صحة في القول بأن التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية محصنة وراء تعبيرها عن إرادة الأمة، ولا هي صاحبة السيادة في الدولة”، وهو ما رسخ مفهوم التوازن بين السلطات من قبل المحكمة الدستورية كونها أعلى جهة قضائية والحكم بين الحكومة والبرلمان.
وتغيرت توليفة المعارضة السياسية في الكويت إذ تغيرت تركيبتها من خليط التيار الوطني الذي يضم التيار الليبرالي وشخصيات وطنية وفعاليات تجارية، الى مزيج يضم اليوم بالدرجة الأولى الحركة الدستورية الإسلامية وهي الواجهة السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين ومجموعة نواب قبليين إلى جانب إسلاميين ومستقلين.
وعلى مدى العشرة اعوام الماضية تغيرت التركيبة السياسية بالكويت إذ تحولت القبيلة إلى رافد للمعارضة بعد ان كانت داعمة للسلطة، كما زاد تغلغل التيار الإسلامي داخل القبائل وأثر على مخرجاتها وممثليها بالبرلمان ليكونوا مزيجا من نواب قبليين يحملون فكرا إسلاميا متشددا.
ويلخص الباحث محمد البغيلي في كاتبه “القبيلة والسلطة” مسألة نفوذ التيار الديني داخل القبيلة إلى اعتبارين هما كون التيار اليساري كان بالسابق دائم الصدام مع السلطة بعكس الطبيعة الموالية للقبائل التي كانت تقف بصف الحكومة، وهو ما دفع الحكومة لتقديم التسهيلات لنواب القبائل، مشيرا إلى ان السلطة في ذلك الوقت أرادت أن تحد من نفوذ التكتلات الحضرية والأيدولوجية المعارضة من خلال استمالة شيوخ القبائل واتباع سياسة التجنيس وتعديل الدوائر لصالح التكوينات القبلية وتدعيم الموالاة، فتصاعد عدد النواب البدو من 18 عام 1963 إلى 27 عام 1981 بعدما تغيرت الدوائر الانتخابية بما يخدم مرشحيهم على حساب المرشحين الحضر وأصحاب الأيدولوجيات.
ويسند البغيلي أسباب التحول السياسي القبلي من الموالاة إلى المعارضة بما انتهى إليه الباحث ناصر الفضالة في بحث غير منشور وأوجزه بعدة عناصر وهي: تغير تركيبة السلطة العليا عام 2006 واستغناء السلطة عن عناصر كانت فاعلة في احتواء النواب القبليين، وتراجع الحكومة وترددها في أكثر من موقف ما جعل ظهر حلفائها مكشوفا للشارع أكثر من مرة، تغير المزاج الشعبي لدى قطاعات من البدو تجاه الحكومة وسريان روح التمرد والتذمر لديهم تجاه سياساتها، ويضيف عليها إلى جانب ملاحظات الفضالة ثلاثة اعتبارات أخرى وهي خلاصة بحثه تتمثل في: تنامي ظاهرة الانتخابات الفرعية التي عمقت التماسك القبلي وألزمت المرشحين تكثيف تحركاتهم السياسي، وتنامي شعبية النخب القبلية بين أوساط ناخبي القبائل واشتراكها بتحركات التيارات السياسية وقيادتها كما يحصل عند الجماعات الإسلامية، ويختمها بدخول المرأة القبلية كظاهرة ما تزال في طور التشكل السياسي ما ساهم بتفاقم حدة المطالبات القبلية وانتقاداتها للحكومة.
البرلمان خلا من ممثلي الشعب
ويختم البغلي بما قاله ناصر الفضالة الباحث المتخصص بالتغيرات الاجتماعية بالكويت من أن ما دفع البدو للتصادم مع السلطة من خلال الاستجوابات المتكررة وقيادة بعض الاضرابات يعود إلى أن الحضر في الكويت يمثلون أقلية مهيمنة تمارس نفوذا مجتمعيا لا يتناسب احصائيا مع تعداد المجموعة فبينما القبائل تشكل 60 في المائة إلا انهم لا يشكلون في مراكز صنع القرار الاقتصادي سوى 4 في المائة وهو ما كانت له انعكاسات على العلاقة بين البدو والسلطة. (البغيلي، محمد حمود (2012) القبيلة والسلطة، الكويت: دار آفاق)
موازين القوى
تؤكد ملاحظات الباحث البغيلي تبدل مكونات المعارضة اليوم، بخاصة بعد التحولات التي شهدها الواقع السياسي الكويتي على مدى عشرة أعوام خلت، إذ تغيرت تركيبة مواقع القرار داخل أسرة الحكم وتأثرت بها موازين القوى السياسية بالبرلمان والمجتمع، فقد تولى الشيخ صباح الأحمد (الأمير الحالي) زمام المبادرة وترأس مجلس الوزراء عام 2003 بعدما تم فصل منصب رئيس الحكومة عن منصب ولي العهد لأول مرة بتاريخ الكويت منذ بداية العهد الدستوري عام 1963.
ومع هذه الخطوة فقد منصب رئيس الوزراء جزءا من حصانته المستمدة من شخص صاحبه، فلم يعد محصنا امام المواجهات البرلمانية، إذ في الوقت الذي لم يتمكن أي نائب منذ عام 1963 إلى عام 2003 من مساءلة رئيس الوزراء كونه كان وليا للعهد ونائبا للأمير في نفس الوقت، وما يسبغه ذلك على هذا المنصب من حصانة مجتمعية لا سياسية كون ولي العهد هو الأمير المقبل، إلا أن الخمسة أعوام التي تولى فيها الشيخ ناصر المحمد رئاسة الوزراء (2006 – 2011) شهدت تقديم 12 استجوابا (سبعة منها بين عامي 2009 – 2011) بهدف إزاحته عن موقعه وتسمية بديل عنه تقرر المعارضة اسمه بحسب ارتباطاتها بعناصر من أبناء الأسرة الحاكمة تريد الحصول على هذا المنصب.
وكان الشيخ صباح الأحمد هو الوحيد الذي تمكن من ترؤس الحكومة ومواجهة البرلمان وحيدا، وخرج بأقل الأضرار الممكنة مقابل تمكنه من تحقيق مكاسب للديمقراطية الكويتية أبرزها تمرير قانون يقضي بتمكين المرأة من ممارسة حقها السياسي بالانتخاب والترشيح، وفي عهده أدت اول امرأة يمينها الدستورية أما البرلمان كأول وزيرة، ما استعدى عليه النواب الإسلاميين والقبليين.
وتداعت الأحداث سريعا بعد ذلك لتشهد الكويت خلال عام 2006 وفاة أميرها الراحل الشيخ جابر الأحمد والمناداة بالشيخ سعد العبدالله أميرا للبلاد خلفا له، وما تبع ذلك من رفع مجلس الوزراء بموجب الإجراءات التي خولها له الدستور إلى مجلس الأمة طلبا بإعفاء أمير البلاد من مهامه نظرا لظروفه الصحية والتي عرفت وقتها بـ “أزمة الحكم”، ليتم بعدها تسمية الشيخ صباح الأحمد أميرا للبلاد ويختار بعده الشيخ نواف الأحمد وليا للعهد.
وبعد استقرار المواقع الجديدة داخل بيت الحكم تمت تسمية الشيخ ناصر المحمد رئيسا للوزراء، الذي كان يشغل قبلها منصب وزير الديوان الأميري خلال عهد الراحل الشيخ جابر الأحمد، وبات عليه التعامل مع واقع جديد تغيرت بموجبه مواقع الحلفاء والمعارضين، فكان الإخوان المسلمون أول من يغادر الحكومة بعدما أحسوا انهم انعزلوا داخل دائرة القرار وعليهم البحث عن حلفاء جدد بعدما تغيرت معادلة النظام الحاكم وتبدلت موازين القوى، فوجدوا ضالتهم في النواب القبليين ليأتلف بعدها شكل جديد للمعارضة، قوامه النواب الإسلاميون والقبليون، في مواجهة حلفاء النظام الجدد الذين أخذوا بالتشكل وهم الليبراليون والشيعة.
مواجهات سياسية
وشهدت الكويت في النصف الثاني من 2006 مواجهات سياسية بين النواب والحكومة على خلفية المطالبة بتغيير النظام الانتخابي فتم تغيير النظام لتتقسم الكويت إلى 5 دوائر انتخابية يملك كل ناخب فيها أربعة أصوات ليتشكل البرلمان من النواب العشرة الأعلى حصولا على عدد الأصوات، وتم ذلك بعد حل البرلمان الذي كان قائما وقتها على نظام التصويت القديم القائم على توزيع الناخبين على 25 دائرة يحق لكل ناخب فيها التصويت لمرشحين، مع الدعوة لانتخابات مبكرة كانت آخر انتخابات تجرى وفقا للنظام القديم.
وعلى خلفية أزمة حادة عام 2008 تسبب فيها مشاركة عدد من النواب الشيعة بتأبين قائد الجناح العسكري لحزب الله عماد مغنية في الكويت وتداعيات ذلك على المشهد السياسي، قرر أمير الكويت حل البرلمان وأجريت الانتخابات وفقا للنظام الانتخابي الجديد، فظهرت بوادر الانقسام الطائفي عندما عاد النواب الشيعة ومعهم بالمقابل نواب ينتمون للتوجه السلفي، فحدثت مواجهات في البرلمان بين الطرفين لم تلبث أن ألقت بظلالها على المشهد حتى أُعيد تشكيل المجلس الجديد عام 2009 إثر حل سابقه والدعوة لانتخابات جديدة.
وفي مجلس 2009 كان الصراع السياسي في أوضح صوره بعدما قرر الإخوان المسلمون التحول من مكون رئيس للتشكيلات الحكومية المتعاقبة منذ عام 1976 وحتى 2008 إلى أقصى يسار جناح المعارضة، بعدما خسر مرشحوهم بالانتخابات بسبب ما اعتبروه دعمهم لحكومة الشيخ ناصر المحمد ليتحولوا إلى رأس حربة الهجوم الساعي لإسقاطه فتحالفوا مع النوب القبليين بالمجلس، فأصبح حلفاء الحكومة الجدد النواب الليبراليين وعدد من المقربين منهم مع المستقلين والشيعة فيما تخندق النواب القبليون والإسلاميون في المعارضة بهدف الإطاحة برئيس الحكومة من خلال تقديمهم 7 استجوابات بحقه خلال عامين.
وفيما كان النواب القبليون يلاحقون رئيس الوزراء داخل البرلمان كان تنظيم الإخوان المسلمين يمهد للمعركة المقبلة بالشارع من خلال شحن المجتمع بقضايا فساد أثيرت بحق الحكومة والنواب الموالين لها، حتى كانت ساعة الصفر بإعلان نواب المعارضة مقاطعة المجلس والنزول للشارع فشهدت الكويت تصعيدا من المعارضة التي دفعت بحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة وإقالة رئيس الحكومة، فكان لها ما أرادت في ديسمبر الماضي، لتبدأ صفحة جديدة من التاريخ السياسي مع ظهور نتائج انتخابات مجلس فبراير 2012.
البرلمان الكويتي قبل قرار حله
كانت نتيجة الانتخابات لمصلحة قوى المعارضة التي تمكنت من التنسيق في الدوائر الانتخابية معتمدة على الانقسام الطائفي والفئوي، فنجحت بإيصال رموزها وشكلت ائتلافا يضم 35 نائبا من أصل 50 يتألف منهم البرلمان، فيما كان الليبراليون والمحافظون والشيعة على الضفة الأخرى.
وسعت الأغلبية خلال مجلس 2012 للانفراد بالقرار كونها تملك قاعدة أصوات داخل البرلمان تفوق ما تملكه الموالاة والحكومة مجتمعين (يتألف البرلمان من 65 نائبا ووزيرا)، فشهد الخطاب اقصاء للأقلية وإملاءات على الحكومة وشحنا طائفيا وفئويا من قبل الأغلبية التي سعت للانتقام سياسيا من كل رموز المرحلة السابقة بمن فيهم نواب الأقلية، ونجحت بخلق طوق من العزلة عليهم داخل البرلمان، كما شهد أداء المعارضة المنتصرة تخبطا في العمل البرلماني وشكلت لجان للتحقيق بشكل مخالف للوائح وفي ملفات ينظر فيها القضاء وشرعت قوانين تعارض الدستور وتوجهات الدولة المالية والاستثمارية، وتم استجواب نائب رئيس الوزراء وزير المالية الذي انتهى باستقالته حتى جاءت الضربة القاضية من المحكمة الدستورية التي قضت بإبطال مرسوم حل المجلس السابق الذي كانت تقاطعه وأعادته بقوة الدستور بعد ان تم حله بشكل خاطئ.
عزل شعبي
وبإبطال مجلس 2012 وعودة مجلس 2009 أحست المعارضة أنها معزولة شعبيا لأنها لم تنجز ما تعهدت به أمام الشعب فقررت ان تغير قواعد اللعبة وترفع سقف المطالبات السياسية إلى مرحلة تعديل الدستور وتقليص صلاحيات الأمير والسلطة التنفيذية والقضائية مقابل توسيع رقعة صلاحيات البرلمان، والانتقال بنظام البلاد من النظام الوسط بين الرئاسي والبرلماني إلى النظام البرلماني البحت.
وأمام تقلبات المشهد وتجلياته وضع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد يده على الجرح المتسبب باستمرار نزيف بلاده رصيدها السياسي واستهلاك طاقتها البشرية والتنموية، ليأمر بإجراء تعديل جزئي على نظام التصويت يضمن للكل تمثيلا متساويا ويفسح المجال أمام شرائح أوسع للمشاركة بالقرار بعد تجربة التفرد بالقرار التي قادها ائتلاف المعارضة وحول مجلس الأمة إلى ساحة صراع ومنطقة لتعزيز نفوذ الأقطاب الفعالة بالواقع السياسي.
وبموجب التوجيه الجديد لأمير الكويت سيتغير نظام التصويت بالانتخابات المقبلة المقررة أول ديسمبر المقبل ليكون صوتا واحدا لكل ناخب بدلا من أربعة أصوات لكل ناخب كما كان معمولا به في الانتخابات البرلمانية الثلاث الأخيرة، وهي المرة الرابعة التي يتم بها تغيير نظام التصويت المعمول به منذ عام 1963 حيث كان الأول يقسم الكويت إلى عشر دوائر انتخابية يحق لكل ناخب اختيار خمسة مرشحين، ثم تغير في عام 1981 ليقسم الكويت إلى 25 دائرة يحق لكل ناخب التصويت لمرشحين، ثم في عام 2006 ليقسم الكويت إلى 5 دوائر بأربعة أصوات لكل ناخب وناخبة.
وبدا واضحا من ارتفاع سقف انتقادات المعارضة لهذا التوجيه الجديد أن المسألة غدت أكبر من مجرد انتقاد مرسوم بقانون يحق لأمير البلاد دستوريا تصديره في حال غياب البرلمان خلال الفترة الممتدة بين حل البرلمان السابق وبداية انعقاد البرلمان الجديد، إذ سبق أن صدر في الكويت منذ نشأة مجلس الأمة عام 1963 ما يقارب 1040 مرسوما بقانون خلال فترة غياب البرلمان، وجميعها تمت مناقشتها لاحقا بالمجلس فسقط عدد منها ومر عدد آخر، إلا أن التصعيد هذه المرة من قبل المعارضة كان لافتا بخاصة مع دعوات لمقاطعة الانتخابات التي اخترقها أكثر من طرف ليقفل المشهد على تحول معادلة المعارضة وأسلوبها، وتغير وجه النظام وأسلوبه بالمقابل.
ولعل من المناسب الإشارة إلى تمكن المعارضة بشقيها القبلي والإسلامي من اختراق التيار الليبرالي والتأثير على قراره وتحويله إلى أداة تستفيد منها بإضفاء مزيد من الشرعية على تحركاتها، كما غابت العناوين المثيرة للجدل من الخطاب السياسي للمعارضة بهدف الخروج بشكل موحد تسطيع من خلاله التوحد في خندق واحد بمواجهة قرار الأمير.
ووسط أجواء مواجهات الأحد 21/10/2012 كانت قيادة عناصر الإخوان المسلمين للمسيرات والمواجهات على الأرض هي الحدث الأبرز فيما ترك الإخوان للنواب القبليين وعناصر التيار الليبرالي الظهور في الواجهة لتفادي الاحتكاك مع السلطة بشكل مباشر، تماما كما حدث في نهايات ثورة مصر، حينما كان الإخوان يحشدون الشارع ويتركون الظهور لليبراليين واليسار.
في الكويت اليوم عقدة سياسية بدأ أول خيوطها بالتحلحل بعد قرار أميرها بموجب صلاحياته الدستورية إجراء تعديل جزئي على قانون الانتخاب، يقابله معادلة سياسية جديدة تنتظر الاستقرار، ومعارضة يقودها الإخوان المسلمون الذين ذوبوا النواب القبليين والليبراليين في بوتقة واحدة غلفوها بشعار رافض للامتثال للوضع الجديد ولتنتهي مرحلة حل العقدة السياسية وتبدأ بعدها عقدة الحل وتداعياته.