منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By احمد العثمان 80
#55422
بروتوكولات المرشد
لا شك أن هناك عوامل مشتركة بين البرنامج النووي الإيراني ونظام بشار الأسد في سوريا، حيث يهدف كلاهما إلى تقويض المصالح الغربية في الشرق الأوسط. ولذلك السبب، فإنه بقدر ما يرى آية الله علي خامنئي البرنامج النووي باعتباره أحد أسس الهوية السياسية للجمهورية الإسلامية، فإن موقفه الموالي للأسد حدد موقعه في السياسة الإقليمية لإيران.

آية الله علي خامنئي
دفع توجه آية الله روح الله الخميني المغامر صوب المنطقة صدام حسين لغزو إيران في 1980 – 1981 وشن حرب مدمرة استمرت لثمانية أعوام. وعن تلك الحرب قال علي أكبر هاشمي رفسنجاني، موضع ثقة الخميني، ونائب رئيس الأركان المسلحة سابقا، في حوار مع المفكّر الإيراني البارز والأستاذ بجامعة طهران “صادق زيبا كلام” إن الخميني كان سعيدا بغزو صدام حسين لإيران.

فقد قال الخميني لرفسنجاني: “لقد أوقع صدام نفسه في ورطة. فالآن نستطيع أن نحل مشكلات الشرق الأوسط للأبد”. وقد كلف تقييم الخميني غير الواقعي لإمكانات إيران العسكرية وعلاقات العراق بالعالمين العربي والغربي أمته الملايين من القتلى، كما أنه دمر البنية التحتية بلده.
بعد ذلك بسنوات عدة، وبعدما قبل الخميني قرار الأمم المتحدة الذي يدعو لوقف إطلاق النيران، توفي مرشد الثورة، وخلفه آية الله علي خامنئي. وقد ركز الرئيس المعين حديثا في ذلك الوقت، أكبر هاشمي رافسنجاني، على إعادة هيكلة البلاد، فيما ركز خامنئي أساسا على إعادة هيكلة الإمكانات العسكرية لإيران من خلال تعديل المبادئ العسكرية لإيران.

تمثل مبادئ آية الله خامنئي العسكرية جزءا من رؤيته حول أن إيران لا يمكنها تحمل مواجهة عسكرية أخرى داخل أراضيها.. فقد كان واعيا تماما بضعف قدرات إيران النسبي في الحرب التقليدية، بالإضافة إلى التكلفة الآيديولوجية والسياسية للحرب بالنسبة للجمهورية الإسلامية
وكانت المبادئ الجديدة تعتمد على أساسين، البرنامج النووي، والحرب غير النظامية. فقد كانت سياسة إيران ما بعد الحرب تعتمد على تعزيز قواها الناعمة في العديد من الدول الإسلامية من خلال تكتيكات الدعاية العلنية والخفية بالإضافة إلى الأنشطة الخيرية.
ففي حالة وقوع كارثة في أي دولة إسلامية أو نشوب نزاع إقليمي، بداية من نزاع جمهورية أذربيجان مع أرمينيا في 1990 حول “قرة باغ” إلى النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني أو سلسلة النزاعات التي وقعت في أفغانستان خلال التسعينيات والألفينيات، كانت إيران تدعم ماليا وعسكريا جماعات أو أطرافا معينة ضد بعضها البعض من دون أن تعترف علانية بذلك.

كما لعب استخدام قوات “القدس” كجناح عملياتي للحرس الثوري الإيراني خارج إيران دورا مهما في تعزيز مصالح إيران في المنطقة وخارج الشرق الأوسط (مثل السودان).
وتمثل مبادئ آية الله خامنئي العسكرية جزءا من رؤيته حول أن إيران لا يمكنها تحمل مواجهة عسكرية أخرى داخل أراضيها. فقد كان واعيا تماما بضعف قدرات إيران النسبي في الحرب التقليدية، بالإضافة إلى التكلفة الآيديولوجية والسياسية للحرب بالنسبة للجمهورية الإسلامية. فقد كانت نهاية حرب إيران – العراق بداية لتحول مجتمعي وآيديولوجي. فقد تم استبدال القيم الثورية بقيم أكثر تجارية، إلى جانب الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي.

وقد تبنت الحكومة العديد من تلك السياسات، ظاهريا، التي كانت مرفوضة في العقد الأول التالي للثورة، نظرا لأن الشاه كان يتبناها أو لأنها كانت تمثل النماذج الغربية للتنمية الاقتصادية. وثارت شكوك عميقة حول الشرعية السياسية لرجال الدين ونظرية “ولاية الفقيه” ثم اختفت تدريجيا. فقد مهد جيل الحرب الطريق أمام جيل يشمئز من الحرب ويتوق لأن يبتعد عن السياسة وينأى بنفسه عن المثالية. فمن الناحية الآيديولوجية دمرت الحرب الثورة.

على الرغم من أن هناك تعاونا بين إيران وروسيا، يبدو أن روسيا تنظر إلى إيران باعتبارها قوة ضد الغرب أكثر من كونها شريكا استراتيجيا وقد ساعدت سياسة إيران الخارجية خلال العقود الثلاثة الماضية إيران على عزل نفسها بدلا من بناء الثقة بينها وبين القوى الإقليمية

ويعد وصف إيران لكل من أميركا وإسرائيل بأنهما عدوتان، معبرا عن ميلها لصنع أعداء بدلا من العثور على الأصدقاء. فعلاقة إيران بجيرانها العرب والقوى الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية ومصر علاقة إشكالية. كما أن علاقتها بكل من أفغانستان وباكستان هي علاقة معقدة كذلك. بالإضافة إلى أن علاقة طهران بجمهورية أذربيجان هي علاقة غير متوازنة أخذا في الاعتبار الخلفية التاريخية لتأييدها لأرمينيا خلال التسعينيات.


سلمان رشدي
وعلى الرغم من أن هناك تعاونا بين إيران وروسيا، يبدو أن روسيا تنظر إلى إيران باعتبارها قوة ضد الغرب أكثر من كونها شريكا استراتيجيا. وساعدت سياسة إيران الخارجية خلال العقود الثلاثة الماضية إيران على عزل نفسها بدلا من بناء الثقة بينها وبين القوى الإقليمية. وتمثل سوريا استثناء من ذلك، ولذا فإنها تمثل أهمية كبرى بالنسبة لإيران.
تستخدم الجمهورية الإسلامية أداتين لتعزيز سلطتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط.
أولا: القوى الناعمة والتي تتضمن استخدام إيران لوسائل الإعلام والشبكات الدينية مثل نشر الآيديولوجيا الإسلامية الشيعية وتعزيز وضع خامنئي الديني.
ثانيا: يعمل النظام على تكوين شبكات من الموالين، وتأسيس علاقات مع العديد من الجماعات الإسلامية سواء كانت مسلحة أو غير مسلحة. ويمكن رصد العديد من تلك الجماعات عند قبلوها دعوة الجمهورية الإسلامية بالسفر إلى إيران لحضور احتفاليات ذكرى الثورة أو الفعاليات السنوية لإحياء ذكرى آية الله الخميني.

وكل عام، يسافر أكثر من عشرة آلاف مسلم من جماعات إسلامية متنوعة إلى طهران لتعزيز علاقاتهم المنهجية بالجمهورية الإسلامية، حيث يجند آية الله خامنئي المسلمين بزعم الدراسة للانضمام إلى أجندته الآيديولوجية. فعلى سبيل المثال، تعمل “جامعة المصطفى الدولية” في “قم” كمركز ضخم للتدريب الآيديولوجي للمسلمين وإقامة جسور الصلة بين الجماعات الإسلامية المختلفة في جميع أنحاء العالم. وللجامعة عشرات من الفروع خارج إيران، كما أن بها آلافا من الطلاب الأجانب.

تحالفات تكتيكية
والمذهل أنه على الرغم من سياسات الجمهورية الإسلامية المحلية المناهضة للسنة، لم يكن لدى إيران مشكلة في إقامة تحالفات استراتيجية وتكتيكية مع المنظمات السنية ما دامت تهدد مصالح الغرب أو إسرائيل. ويمثل تعاون إيران مع تنظيم القاعدة في بعض الفترات نموذجا واضحا حول كيف يمكن أن يتحد حزبان يكرهان بعضهما ويعتمدان آيدولوجيات متباينة للغاية في مواجهة عدو مشترك. والمثال الثاني هو الإخوان المسلمون، أكبر تنظيم سني في العالم، والذي يحمل أيضا خلافات آيديولوجية مع الجمهورية الإسلامية. فلم يرحب فقط الإخوان المسلمون بظهور الجمهورية الإسلامية في إيران في أعقاب ثورة 1979، ولكن إيران احتفت أيضا بحماس بالغ بصعود الإخوان المسلمين في مصر.

المذهل أنه على الرغم من سياسات الجمهورية الإسلامية المحلية المناهضة للسنّة، لم يكن لدى إيران مشكلة في إقامة تحالفات استراتيجية وتكتيكية مع المنظمات السنية ما دامت تهدد مصالح الغرب أو إسرائيل
فإذا ما كان الإخوان المسلمون ينظرون إلى الجمهورية الإسلامية في 1979 باعتبارها نصرا لرؤيتهم، وأول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية، فإن إيران تنظر أيضا إلى تصدير الإخوان المسلمين للثورة باعتباره نجاحا. فقد كان آية الله خامنئي يكره تعبير “الربيع العربي”، لأنه يشير إلى أن الانتفاضات العربية الأخيرة تنبع من رغبة العرب في تأسيس حكومات ديمقراطية بدلا من الحكومات الطغيانية. وهو يستخدم تعبيرا آخر للإشارة إلى تلك التطورات: “الصحوة الإسلامية”، حيث إنه يقلل من شأن الطبيعة العربية لتلك الحركات وينفي بعدها الديمقراطي. فهو يصور تلك الحركات باعتبارها تطلعات إسلامية لتأسيس حكومات إسلامية.

ومن الواضح أنه يعتقد أيضا أنه نظرا لأن حكومات، مثل الحكومة المصرية الجديدة، تطبق الشريعة وتعادي أميركا وإسرائيل فإنه لذلك يزعم بأن حركاتهم كانت مستوحاة من الثورة الإيرانية ومتأثرة بسياستها وآيديولوجيتها. فقد استخدمت إيران المظاهرات الأخيرة في الدول الإسلامية والهجمات على السفارات الأميركية باعتبارها دليلا على أن مناهضة أميركا هي إحدى الخصائص الأصيلة للصحوة الإسلامية. ويمكن للانتفاضة في الدول العربية أن تمثل تجربة طيبة بالنسبة للجمهورية الإسلامية إذا لم تدخل سوريا في المعادلة.

فخلال العقود الثلاثة الماضية، أصبحت سوريا الحليف الاستراتيجي الوحيد للجمهورية الإسلامية، حيث مكنت سوريا إيران من أن تصبح التهديد الأكثر خطرا على إسرائيل. فقد أصبحت التهديدات الإيرانية لإسرائيل وأميركا أساسا للسياسة الخارجية لإيران. فوفقا للمبادئ العسكرية لإيران والتي تصر على أن تتجنب إيران المواجهة العسكرية مع أعدائها، ما زالت الحرب غير النظامية من أولى أولويات إيران، وبالتالي تصبح سوريا هي الفناء الخلفي الذي تدير فيه إيران كلا من حربها الناعمة وحربها بالوكالة ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

وبقدر ما يرى آية الله خامنئي الانتفاضات الشعبية في تونس، وليبيا، ومصر، واليمن كتجسيد أصيل لكراهية الناس للدكتاتورية والفقر، فإنه يعتقد أن الانتفاضة الشعبية السورية تثيرها إسرائيل والولايات المتحدة لإضعاف الجبهة المناهضة لإسرائيل في الشرق الأوسط، ومن ثم، الجمهورية الإسلامية.


خلال العقود الثلاثة الماضية، أصبحت سوريا الحليف الاستراتيجي الوحيد للجمهورية الإسلامية، حيث مكنت سوريا إيران من أن تصبح التهديد الأكثر خطرا على إسرائيل. فقد أصبحت التهديدات الإيرانية لإسرائيل وأميركا أساسا للسياسة الخارجية لإيران

وبمعنى آخر، فبالنسبة لخامنئي، إذا ما أسفرت الأزمة السورية عن انهيار نظام الأسد، فإنها يمكن أن تؤدي إلى هجوم عسكري تقوده إسرائيل أو الولايات المتحدة ضد إيران. ويمكن أن يجعل سقوط الأسد بالتزامن مع هجمة على المنشآت النووية الإيرانية إيران تخسر عاملي قوتها، وهو ما يعني أنه أصبح عليها تعزيز سياستها الخارجية على نحو يضمن تفوقها في المنطقة، ويجعلها تبدو خطرة بالنسبة لإسرائيل والغرب.
وعلى نحو منفصل، لا يمكن مقارنة خسارة الأسد بخسارة برنامجها النووي. ولذلك، يؤمن خامنئي بأن إيران يجب أن تؤيد الانتفاضات العربية في البلدان الأخرى بالإضافة إلى مقاومة الجهود المناهضة للأسد في سوريا، ومساعدة الأسد على قمع المعارضة التي يعتقد أنها بتمويل من الغرب وإسرائيل.

فربما يثبط مقتل السفير الأميركي وثلاثة آخرين في ليبيا عزم الحكومات الغربية التي كانت تفكر في التدخل في سوريا. ومما لا شك فيه أن إيران سعيدة بأن ترى فيلما بدائيا مناهضا للإسلام وقد دفع الإسلاميين للنزول إلى الشوارع في العالم العربي ليعربوا عن موقفهم المناهض لأميركا.
وترى إيران ذلك فرصة لتشتيت الانتباه عن كل من البرنامج النووي لطهران والأزمة السورية. فقد نشرت صحيفة “كيهان”، المعروفة بأنها لسان حال آية الله خامنئي، في عددها السادس عشر في شهر سبتمبر (أيلول) أنه: “يجب اتخاذ إجراءين: أولا عقاب كل من تورطوا في إهانة المبادئ الدينية المقدسة، وثانيا، متابعة تلك القضية من خلال الإجراءات القانونية”. وبمعنى آخر تطالب “كيهان” الإسلاميين باستئناف عملهم في قتل كل من تبنى موقفا مناهضا للإسلام.


خامنئي والأسد.. دعم إيراني بلا حدود للحليف السوري
وفي الوقت نفسه، زادت مؤسسة “15 خورداد”، وهي مؤسسة حكومية تخضع لإشراف خامنئي المباشر، مكافأة قتل سلمان رشدي بنحو 500 ألف دولار، وأعلنت أنه ما دامت فتوى الخميني ضد سلمان رشدي لم تنفذ حتى الآن، فسوف تستمر الإهانات الموجهة للإسلام. فالآن سوف تدفع المؤسسة 3 ملايين و300 ألف دولار لأي أحد يقتل الروائي البريطاني ومؤلف رواية “آيات شيطانية” أو يقدم معلومات تؤدي إلى موته.

تصدير العنف
ويعد نشر العنف وتصديره من الأدوات العريقة للجمهورية الإسلامية في بروتوكولها لإدارة الأزمة. وفي 14 فبراير (شباط)، 1989، أصدر آية الله الخميني فتوى بقتل سلمان رشدي. ويؤمن العديد من المحللين بأن السبب الرئيس في إصدار تلك الفتوى، التي يزعم أنها صدرت لحماية الإسلام، هو إدارة العديد من الأزمات التي كان الخميني يواجهها خلال شهوره الأخيرة. فقد اضطر الخميني إلى قبول قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النيران مع العراق بعد 8 أعوام من الإصرار على أن إيران “سوف تستأنف الحرب، حتى إذا استمرت لمدة 20 عاما” وأن “الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء”، مؤكدا أن الحرب مع العراق هي السبيل الوحيدة لتحرير فلسطين وتدمير إسرائيل.

كان الخميني يواجه خطر خسارة سمعته ليس فقط محليا ولكن في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وقبل ذلك بعدة أشهر، قام بفصل نائبه، آية الله حسين علي منتظري، الذي كان يفترض أن يخلفه. وكانت النخبة السياسية مهتمة أساسا بأزمة الخلافة واحتمالية نشوب صراع قوى على السلطة بعد وفاة الخميني. وكان اقتصاد البلاد في حالة سيئة وكان الناس غاضبين ومضطربين. ولذلك كان الخميني بحاجة لتعزيز أجندته للحفاظ على السلطة من خلال خلق أزمة جديدة، وإثبات أنه على الرغم من هزيمة إيران العسكرية، فما زالت إيران تمثل تحديا خطيرا بالنسبة للعالم الغربي. وقد خدمت فتواه بمقتل رشدي ذلك الغرض، وما زالت الحكومة الإيرانية تتابع الفتوى حتى وقتنا الراهن.

حتى الآن، لدى إيران اليد العليا في الأزمة السورية. فقد ساعد الغضب الأخير في العالم الإسلامي كلا من الأسد وخامنئي على مد دائرة الخوف إلى البلدان التي كانت من قبل آمنة بالنسبة للولايات المتحدة. فيعتقد خامنئي أن ضعف الغرب يمثل عوامل قوته. وهو يرحب بكافة الجهود التي يمكنها أن تجعل الغرب – بخاصة الولايات المتحدة – مشغولا وغير مرتاح. وهو لديه ثقة كاملة في كل من البرنامج النووي ونظام الأسد. فالاثنان آمنان على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني).
وسوف تظهر التطورات خلال الشهرين المقبلين إلى أي مدى تستطيع كل من إيران وسوريا الإفادة من تعدد مصادر التشويش التي تؤثر حاليا على الولايات المتحدة.