صفحة 1 من 1

الطائفية والصراع من اجل سوريا

مرسل: الاثنين نوفمبر 26, 2012 9:06 pm
بواسطة احمد العثمان 80
معضلة الأقلية
وسط ضجيج الحرب الأهلية المستمرة في سوريا، وندرة المعلومات الصحافية المتماسكة من الميدان إثر القيود التي تفرضها الحكومة السورية، ظلت الرؤى المتعلقة بالأقليات في سوريا تمثل لغزا. ومع ذلك، هناك عدد محدود من القضايا فيما يتعلق بتحديد مستقبل سوريا بمثل أهمية العلاقة بين الفصائل والأعراق المختلفة بالبلاد. وفي ظل استمرار القتال دون نهاية واضحة في الأفق، فحصت «المجلة» مخاوف الأقليات الدينية والعرقية في سوريا لكي تفهم على نحو أفضل ما الذي يدفع توجهاتهم نحو العنف الذي يهيمن على بلادهم.

أي مستقبل للأقليات في سوريا بعد رحيل الأسد؟
لم يصور التيار الرئيس لوسائل الإعلام، غير المستعد للاتكال على الدعاية الحكومية والمعتمد على المعارضة في حصوله على المعلومات والتعليقات، معضلة القتال وطبيعته المربكة على نحو جيد. ففي الواقع، تتغير طبيعة النزاع السوري بسرعة فائقة، نظرا لتدفق الجماعات الأجنبية التي لديها أجنداتها الخاصة. فمعظم السوريين في الوقت الراهن يعلمون أن الوضع سوف يزداد سوءا، كما أنهم لا يتحدثون خوفا من انتقام كلا الجانبين. ومن بين كافة القلقين بشأن مستقبل سوريا، تعد الأقليات بالبلاد أكبر الخاسرين، نظرا لأن كلا جانبي الصراع لديه مصلحة في «تعزيز» تلك المخاوف لصالحه، حيث تقول المعارضة إن ذلك نتاج الدعاية الحكومية، فيما تدعي الحكومة أن هناك انحيازات طائفية داخل صفوف المعارضة.

ويعد أعظم التحديات التي تواجه فحص الموقف داخل سوريا هو العثور على أشخاص على علم بالوضع في سوريا ومستعدين للحوار المسجل. ولذلك لم تذكر «المجلة» أية تفاصيل متعلقة بالأفراد الذين تمت محاورتهم مثل الأسماء والتي يمكن أن تستخدم للاستدلال عليهم.

الطائفية

على الرغم من أن ثلاثة أرباع السكان في سوريا من السنة، وأن السنة يشكلون الجانب الأكبر من المعارضة، لم تبدأ الانتفاضة ضد الأسد كصراع طائفي. فعلى غرار كافة الحروب الأهلية، قسمت الولاءات المختلفة العائلات، بل والمجتمعات نفسها. وعن ذلك أخبرت صحافية سنية من شمال سوريا «المجلة» قائلة: «لأبي آراء مختلفة عن أمي». وأضافت أن: «هناك نحو 50 في المائة من الشعب السوري محايد». كما أن الشيخ توفيق أبو سليمان، أحد زعماء المعارضة أقر مؤخرا في حوار مع «الغارديان» بأن 70 في المائة من سكان حلب – أكثر المدن السورية اكتظاظا بالسكان، وهي مدينة ذات أغلبية سنية – يؤيدون الحكومة. وهو ما يمثل عددا كبيرا. ويشير إلى أن تصنيف السكان بناء على خلفياتهم الدينية يعد تبسيطا مخلا.

وبالنسبة لشخص من الخارج، فإن ذلك العدد الهائل من الجماعات الإثنية المختلفة قد تعايش معا في تناغم نسبي (لعقود؟). ومع ذلك، كانت الطائفية موجودة دائما. فعن ذلك يقول طبيب مسيحي من حلب: «من النادر بالنسبة لأغلبية السوريين أن يعبروا بصراحة كاملة عما يعتقدونه عند مناقشة السياسة أو الدين مع أحد من خارج طائفتهم لكي يتجنبوا أية احتكاكات».

وعلى الرغم من أن معظمهم من مواطني المنطقة، فإن لدى سوريا نحو 29 دينا وطائفة مختلفة بما في ذلك العلوية (13 في المائة)، والمسيحيون (10 في المائة)، والدروز (3 في المائة) بالإضافة إلى الأقلية الكردية كبيرة العدد (10 – 15 في المائة). وبالإضافة إلى أكراد سوريا، هناك أيضا مجتمع كبير من اللاجئين العراقيين الذين هربوا من العنف خلال الاحتلال الأميركي.
فقد كانت الأقليات السورية تحظى بوجود فريد خال من المشكلات خلال الأربعين عاما الماضية في ظل حكومة حافظ الأسد وابنه بشار. ولذلك، انتابهم القلق بشأن أفق التغيير واستمروا في دعم النظام خوفا من البديل.

وإحقاقا للحق، تبدو الأقليات السورية غير حاسمة بشأن المسار الذي عليها اتخاذه. فعن ذلك يقول صحافي سوري درزي: «إن فكرة أن الدروز منحازين للحكومة هي محض مغالطة، فالقضية تتعلق بأن الشيطان الذي تعرفه هو الأفضل». حيث ترنو العديد من الأقليات إلى نفس التغييرات والإصلاحات التي تطالب بها المعارضة، ولكنها ترفض اللجوء إلى العنف لتحقيق ذلك. ففي ظل نشوب العنف، يصبح لدى تلك المجتمعات الصغيرة قليلة الحيلة سبب قوي للخوف من حالة انعدام القانون التي من المرجح أن تحدث في أعقاب انهيار النظام.


علم الدولة العلوية
ففي سوريا، كما هو الحال في الشرق الأوسط بأسره، يعرف الفرد باسم عائلته، وعرقه، ودينه أو عقيدته، أكثر من كونه فردا. فحتى الأطفال الصغار يتعلمون أن يدركوا ذواتهم والآخرين بتلك الطريقة. وعندما يخفق كل شيء آخر، تصبح القبيلة أساس البقاء وتحتل مصالح الجماعة المقام الأول. ولكن تلك القبلية تعرض الجماعة لخطر جمعي في أوقات الاضطرابات. حيث تعيش الأقليات في سوريا، كما هو الحال في باقي أنحاء المنطقة، في حالة من الغموض. حيث تضرب الطائفية، للأسف، بجذورها عميقا.

وفي الشرق الأوسط، يشعر العديد من المسيحيين بالعداء تجاه مجتمعهم. حيث يؤمن المسيحيون، بصفة عامة، أن ذلك يرجع إلى كونهم يؤمنون بدين مختلف ولأنهم ينسبون دائما إلى المسيحية الغربية. وبالمثل، عانت الأقليات الأخرى في سوريا مثل الدروز، وهي إحدى فصائل الشيعة، من تاريخ من عدم التسامح معهم نظرا لمعتقدهم.

وخلال الحكم العثماني، تم تهميش العلويين، إحدى فصائل الشيعة، على يد الأغلبية السنية الحاكمة. ولكن في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية، وعندما هيمنت فرنسا على «المفوضية السورية»، كان العلويون هم أكثر الحلفاء ولاء لفرنسا في البلاد وقد تمت مكافأتهم على ذلك عام 1922 عندما حصلوا على استقلال فعلي لمنطقتهم الجبلية في شمال غربي سوريا. ونظرا لأنهم عاشوا في عزلة لعدة قرون، لم يكن لدى العلويين خبرة في التجارة الحديثة، ومن ثم، تحمسوا للانضمام للجيش.

وفي أعقاب استقلال سوريا عن فرنسا، مرت البلاد بنحو 22 عاما من الهيمنة السنية وسبع سنوات من حكم حزب البعث حتى هيمن ضباط جيش علويون بعثيون بقيادة حافظ الأسد على السلطة في انقلاب دموي عام 1970. وعلى الرغم من أنه كان هناك قسم صغير من النظام يتضمن الأقليات الأخرى والسنة، كان العلويون الذين كانوا مهمشين من قبل، هم من هيمنوا على آلية السلطة في دمشق. ولكن على مر السنوات، أثارت هيمنة العلويين سخط الأغلبية من السنة نظرا لأن السياسات التي اتبعوها كانت تميل لمحاباة الأقليات السورية.
ولم تكن هناك محاولات قبل الثمانينات لتحريك الأغلبية السنية ضد نظام حافظ الأسد ولكن تلك المحاولة تم سحقها بوحشية على يد رفعت الأسد، أخو حافظ الأسد، وعم الرئيس الحالي بشار، مما تسبب في زيادة السخط بين السنة.

التدخل

وفي ظل التقارير اليومية حول القصف العشوائي الذي تمارسه القوات السورية على المناطق السكانية، يصبح مفهوما أن تحاول القوات الأجنبية التدخل في سوريا على الصعيد الإنساني. ولكن الحكومات نادرا ما تتحرك بالدوافع الإنسانية وحدها.

ففي حالة سوريا، ربما يصبح الغرب أكثر قلقا بشأن قطع أواصر العلاقات بين سوريا وإيران وحزب الله ولكن ذلك سوف يحدث على حساب الأقليات في سوريا. فكما يقول كريس فيليبس، المحلل السوري السابق بـ«وحدة الاستخبارات الاقتصادية» والمحاضر في السياسة والعلاقات الدولية بكلية «الملكة ماري» بجامعة لندن: «المشكلة أن الغرب ركز أنظاره على التخلص من الأسد حتى إذا ما كان ذلك يعني دعم جماعات ربما تمارس تمييزا ضد الأقليات».


علم الطائفة الآشورية
وقد أعرب بعض أعضاء جماعات الأقليات عن مخاوفهم من أن يؤثر أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي على التناغم الإثني السوري الدقيق. فيقول البطريرك جريجوريوس الثالث من الكنيسة الملكانية بسوريا في حوار مع «المجلة»: «إن مثل ذلك التدخل سيكون سلبيا حتى بالنسبة لما يطلق عليه المعارضة. فهو سيضر بالمزاعم العادلة التي يتم التعبير عنها في كل مكان. كما سيضر التدخل بالوحدة الوطنية في الداخل من خلال خلط الأوراق».

سقوط النظام

أخذا في الاعتبار الإخفاق الذي أعقب الغزو الأميركي للعراق في 2003، وإراقة الدماء الطائفية التي أعقبتها، خاصة ضد الأقلية المسيحية في العراق، يعد الخوف من التدخل الأجنبي في سوريا وخلع النظام خوفا مبررا. فيقول الدكتور فيليبس موضحا: «أخذا في الاعتبار الطبيعة الطائفية لعمليات القتل التي وقعت في العراق بعد سقوط الديكتاتورية، التي دعمت عمدا استمرار الأواصر الطائفية وتعزيزها لعدة سنوات، من المنطقي أن تخشى الأقليات في سوريا حدوث شيء مماثل لما حدث في العراق».

ونظرا لأن نظام الأسد تهيمن عليه أقلية، فإنه بذل جهودا حثيثة في حماية الجماعات الدينية والعرقية. وبالفعل تعامل النظام مع العنف الطائفي بقوة وحشية. وعن ذلك يقول مدرس مسيحي من حلب: «عندما قتل قس في عملية سرقة، قبض رجال الشرطة على اللصوص، وشنقوهم على الفور في المكان الذي قتلوا فيه القس».

ومنذ اندلاع النزاع في 2011، سمح نظام الأسد للأكراد بقدر معقول من الاستقلال في مناطقهم حتى يستطيع الجيش التركيز على معركته مع المتمردين. ولذلك، يخشى الأكراد أن تسحب الحكومة الجديدة، إذا ما سقط النظام، تلك الامتيازات. حيث إن الحكومة التركية، ليس لديها أي رغبة في نشأة منطقة مستقلة أو منطقة حكم ذاتي للأكراد في سوريا، فإذا ما استولى «الجيش السوري الحر» الذي تدعمه تركيا على السلطة فمن المرجح أن لا يولي اهتماما حقيقيا لتلك المخاوف. وبناء على ذلك، يبدو أن الأكراد يلعبون على كلا الجانبين ضد بعضهما البعض فيما ينتظرون لكي يروا أي الجانبين سوف ينتصر، وعند أي نقطة سوف يعلنون ولاءهم الدائم ويقدمون الدعم للحكومة الجديدة في مقابل الحفاظ على استقلالهم.

فإذا ما سقط النظام، سيكون العلويون هم أكثر الخاسرين. فوفقا لتقرير من «جماعة حقوق الأقليات»: «تشير حقيقة أن الحكومة في سوريا يهيمن عليها العلويون.. إلى أن العلويين وغيرهم من المجتمعات الشيعية سيتعرضون للخطر إذا ما تصاعدت شدة ذلك النزاع». وبالفعل، هناك تقارير حول هجمات تعرض لها كلا المجتمعين، أبرزها القتل الوحشي لأسرة من سبعة لاجئين عراقيين شيعة في منزلهم بدمشق. ونظرا لمثل تلك الأحداث، هناك العديد من العلويين غير مستعدين للاعتراض على وحشية النظام لأن البديل سيكون أسوأ بكثير. ولا يوجد مجتمع آخر في سوريا مرتبط بالنظام أكثر من العلويين. ولذلك، فإذا ما سقط النظام، سوف تعرضهم علاقتهم الوثيقة به لخطر الانتقام.

تاريخيا، كان الجيش واحدا من أكثر القطاعات شمولا لكافة طوائف السكان السوريين، ولكن نظرا لعمليات التطهير الداخلية والانشقاقات السنية الواسعة والانضمام إلى «الجيش السوري الحر»، يتحول الجيش إلى ميليشيا علوية. وأحد المخاوف المتعلقة بذلك هو أنه إذا ما تم خلع النظام، فإنهم سوف يتراجعون إلى منطقة الجبل بمحاذاة الساحل الغربي لسوريا ويخوضون حربا أهلية ممتدة ويؤسسون في النهاية دولة مستقلة للعلويين، وهو ما يثير مخاوف الدروز الذين يعيشون في نفس المنطقة ويمكن أن يتم عزلهم عن باقي أنحاء الدولة السورية.

علويون ضد النظام

يقول الامين العام للتكتل السوري الموحد وحيد صقر وهو معارض علوي إن النظام في دمشق من المحال اصلاحه ومن المسحيل ان يقبل الشارع بإصلاحه لأنه فقد الثقته به تماما.
ويرفض صقر تسليح الطائفة العلوية في الساحل السوري كما يرفض “جملة وتفصيلا” جرّ الطائفة العلوية الى اتون الحرب الاهلية، فالنظام بحسب قوله يستغل لأكثر من اربعة عقود هذه الطائفة وحاليا النظام يريد ان يجرّهم الى بحر من الدماء للدفاع عن عائلة الاسد، و”ليس دفاعا عن وجودنا كعلويين” وهذا معيب بحقنا كعلويين ان نضحي بسوريا لحساب عصابة انتهكت وشردت وقتلت العباد على مدى عقود.


علم كردستان
ورأى وحيد صقر ان الناس الذين تم تسليحهم هم المقربون من عائلة الاسد وليس من الطائفة العلوية برمتها. ويؤكد ان هناك 70 في المائة من الطائفة العلوية تعيش تحت خط الفقر، لايمثلها هذا النظام وهناك 30 في المائة، هؤلاء الذين قد يسلحون اقرباءهم، وهذا شيئ وارد جدا وهذا ما يفكر به النظام في حربه مع الشعب واعتبارها حرب وجود.

وعن موقفه من بيانات صدرت من قبل شيوخ علويين في بداية الثورة لكنها ما لبثت ان تراجعت عن دعمها الثورة قال “انا كنت اول من تبنى اول بيان في 28 فبراير 2011 قبل الثورة بثلاث اسابيع تقريبا، لأربع عشائر علوية ولكن على ما يبدو تم السيطرة بطريقة او بأخرى، وتم اقناعهم وغسل ادمغتهم.. ولكننا حاولنا.. وبعدها خرج اكثر من بيان.. وبالنهاية لا تعنينا لغة البيانات.. نريد مواقف حقيقية ليثبت كل منا في سوريا، الطوائف والاقليات، سواء العلوية او الدروز او الاسماعلية او حتى المسحيين موقفه ويحدده من الثورة”.

وقال صقر إنه من يصمت من العلويين وغيرهم من بقية الأقليات والطوائف والأعراق فهو شريك في القتل وعليهم ان يكونوا مع الثورة، و سوريا ليست حكرا على عائلة الاسد، سوريا اكبر من عائلة الاسد، وعلينا ان تضحي بهذه العصابة التي اوصلت البلاد الى ما وصلنا اليه ورسالتي لهم.. “ايها العلويون عليكم ان تكونا على درجة من الوعي والا فإن التاريخ لن يرحمنا في المستقبل”.

واختتم صقر كلامه قائلا “لن ندع اهلنا يقتلون اكثر من ذلك ولذلك علينا ان نعي ان المرحلة القادمة هي تقرير مصير نهاية هذا النظام ونتمنى ان يكون التغيير من الداخل واطالب الجيش برمته بعدم الانصياع الى قتل الشعب.. هؤلاء سوريون.. كنا نأمل ان يكون الجيش هو حامي الديار وليس قاتل اهل الديار، شيئ مؤسف انا كعلوي اخجل عندما يقال هذا الكلام وانا لا ازال اعوّل على بعض الشرفاء من الطائفة العلوية، ان كانوا في الجيش او كانوا من الصامتين، ان يحددوا موقفهم”.

التطرف الديني

على الرغم من أن الانتماء الديني ربما لا يمثل عاملا قويا بالنسبة للأقليات الإثنية مثل الأكراد، تعرف الأقليات الدينية السورية، مثل المسيحيين والدروز والإسماعيليين والعلويين نفسها بشروط دينية. ومن ثم، فإن إنشاء حكومة جديدة يسيطر عليها أصوليون، سيكون له تأثير هائل على أسلوب معيشة الأقليات الدينية في سوريا.

وعادة ما تثير الحروب التطرف وعدم التسامح مع الديانات الأخرى وليس الشرق الأوسط استثناء من ذلك. يروي لنا مسيحي من حلب يبلغ من العمر 68 عاما ذكرياته حول حياته قبل وبعد وصول الأسد إلى السلطة. فهو يتذكر أنه خلال أزمة السويس: «حرق المقاتلون كنيسة في حلب وأخرى في دمشق». ولكن بعدما وصل الأسد إلى السلطة، «لم يكن أحد ليجرؤ على ذكر الدين». وهو يقر بأن الكنائس تنتمي إلى المدارس الإنجليزية والفرنسية، ولكنه يقول: «لقد صعدوا إلى الأعلى وأنزلوا الصليب. لقد رأيت ذلك بنفسي. وهو ما أرسل رسالة إلى المجتمع المسيحي السوري، فقد اعتبروها على الفور حربا دينية».


علم التركمان
ويبدو أن الدروز كانوا يتجنبون اتخاذ المواقف خلال النزاع. ومع ذلك، فإنهم في وضع مضطرب أيضا. فعلى غرار العلويين، الدروز هم إحدى الفصائل الشيعية المحاطة بالغموض، حيث لا يتم الكشف عن معتقداتهم الدينية إلا إلى عجائزهم فقط. ولا ينظر إليهم الأصوليون السنة، الذين يلعبون دورا متزايدا في الانتفاضة، كمسلمين حقيقيين. وفي الوقت الذي يرفض فيه زعماؤهم الدينيون أن يدعموا الاحتجاجات، ظلت الأغلبية الدرزية في حالة من الصمت.

كما يخشى المسيحيون السوريون أيضا أن يتعرضوا للاضطهاد من قبل الإسلاميين الراديكاليين. وذلك الخوف هو السبب الرئيسي الذي دفع العديد من المسيحيين إلى تأييد نظام الأسد، مثلما أيد أقباط مصر أحمد شفيق، المرشح العلماني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وعلى الرغم من أن المسيحيين لم يتمتعوا بامتيازات على غرار العلويين في ظل نظام الأسد. فإنهم، بالإضافة إلى الأقليات الأخرى، قد تركوا في سلام ما داموا لا يشاركون في السياسات المناهضة للنظام.

وليس ذلك بالترتيب الجديد. فلعدة قرون، كانت الأقليات المسيحية يحكمها المسلمون وكانوا سعداء ما داموا يتم السماح لهم بممارسة دينهم بحرية. ولكن الظهور الحديث للمنظمات المسلحة قوية التنظيم التي تشن جهادا مسلحا ضد النظام، يمكن أن يحول المسيحيين السوريين إلى أهداف. فيقول الدكتور فيليبس: «هناك عدد أكبر من الإسلاميين في سوريا من أي وقت مضى، وهو ما يرجع في الغالب إلى السياسات الانتقائية المتعلقة بمن الذي توجه بعض الدول السلاح ضده».

ويعني البعد الطائفي للنزاع، الذي تتصارع فيه الحكومة العلوية مع الأغلبية السنية، أن الجماعات الراديكالية مثل «القاعدة» ربما تنظر إلى سوريا باعتبارها فرصة لتأكيد وجودها والمشاركة في الصراع ضد النظام الذي يعتبرونه كافرا. وهو ما يثير المخاوف أيضا حول مساعي الغرب للتدخل على الأرض حيث إن الولايات المتحدة، على وجه خاص، لا يمكنها أن تدع تنظيم القاعدة أو التنظيمات التابعة له أن يمد جذوره في سوريا.

الأقليات والمعارضة

لقد كانت الأقليات ممثلة دائما في المعارضة السياسية السورية. فهناك شخصان مرموقان في «المجلس الوطني السوري»، المنظمة التي سعت لدمج كافة جماعات المعارضة لنظام الأسد، وهما، جورج صبرا، مسيحي، وبرهام غليون، كردي. ومع ذلك، يبدو أن الأقليات الدينية والعرقية تتحفظ على رأيها وتنتظر حتى تصبح الصورة أكثر وضوحا قبل أن تعلن انحيازها لأحد الطرفين. وفي تعليق ينطبق تماما على الأقليات السورية الدينية والإثنية (باستثناء العلويين)، قال صحافي درزي إنه في بعض الأحيان: «يكون الأمان متعلقا بأن تضع قدما في كل جانب».

ويرجع ذلك، في جانب منه، إلى المخاوف المتعلقة بالمعارضة. فما زال «المجلس الوطني السوري» المتمركز في تركيا، في حالة شقاق، حيث أخفق في أن يجد أرضية مشتركة، نظرا لأن المعارضة المسلحة تتألف من العديد من الجماعات المختلفة ذات الأهداف المتباينة. ونظرا لأن نوايا تلك الجماعات مجهولة، على غرار العراق تماما، فليس هناك سبيل للتنبؤ بما سوف يحدث في سوريا ما بعد الأسد.

ومن جهته، يختلف جورج صبرا، مع أن ذلك يمثل مشكلة غير قابلة للحل. فقد أخبر «المجلة»: «عندما يصبح الحل العسكري هو الحل الرئيسي، سيكون من الضروري أن توجد حلول سياسية إلى جانبه. فسوف تصمت الأسلحة في النهاية، ويتم وضعها جانبا، وتستأنف السياسة العمل. وربما يلتحق المقاتلون بصفوف البطالة ولكن السياسيين لن ينضموا إليها أبدا». ولكن تلك التطمينات عادة ما تصطدم بأذن صماء. فعلى سبيل المثال، قال طالب مسيحي يعيش في حلب: «إن المسيحيين في سوريا ليسوا معجبين بالنظام الحالي، ولكنهم خائفون للغاية من البديل، خاصة أن المجلس الوطني السوري المعارض متمركز بالخارج ويخضع لهيمنة الإخوان المسلمين الذين لا ينظرون إلى المسيحيين باعتبارهم مواطنين لهم حقوق متساوية».


علم جبل الدروز
أما بالنسبة لأكراد سوريا، فقد كانوا يتعرضون للتمييز الإثني والقمع من قبل نظام الأسد، ولكن الدكتور فيليبس يقول: «المعارضة يدعمها اثنان من أكبر أعدائها: تركيا والإخوان المسلمون». وكمثال واضح على ذلك، تم عقد مؤتمر للمعارضة السورية في القاهرة في يوليو (تموز) الماضي، انسحب خلاله أعضاء الحزب الكردي إثر خلاف حول وضع الأكراد في سوريا ما بعد الأسد، قائلين: «تغفل أوراق المعارضة العربية حقوق الأكراد، حتى اعتبار اللغة الكردية لغة رسمية في المناطق الكردية في سوريا في المستقبل».

ووفقا لكل من الأمم المتحدة، وهيومان رايتس ووتش، هناك قوى رجعية داخل «الجيش السوري الحر» اقترفت سلسلة من الجرائم، بما في ذلك التعذيب، والاختطاف، واضطهاد المدنيين الذين تم اعتبارهم «موالين للحكومة». ويخلق توجه «معنا أو ضدنا» أوضاعا مضطربة تبرز المخاوف التي تتعرض لها الأقليات في سوريا. ونظرا لافتقارهم إلى التطمينات الواضحة، يمكن التماس العذر إلى العديد من الأقليات في سوريا نظرا لتساؤلهم حول ما إذا كانت الحياة سوف تصبح أفضل في ظل حكومة الأغلبية الجديدة.

وبوضع ما سبق في الاعتبار، ربما يصبح الطريق الوحيد للأمام، سواء أمام الحكومة أو المعارضة، هو تقديم ضمانات لتحقيق المساواة بين الجميع بما في ذلك ما نسبته 30 في المائة من أفراد الأقليات السورية. ففي عالم مثالي، ربما يصبح جوهر السياسة السورية هو ضمان أن لا تتمكن جماعة واحدة في سوريا من ممارسة قوى طغيانية على الأخرى. ففي النهاية، وكما قال صحافي درزي: «سيكون النظام العلماني وليس الطائفي أمرا حسنا بالنسبة للجميع».