الدول ذات الرأسين في المنطقه العربيه
مرسل: الثلاثاء نوفمبر 27, 2012 7:18 pm
هناك مشكلة مثيرة للإرتباك الشديد في العالم العربي هذه الأيام.
فقد بدأت حالات لدول "ذات رأسين" تشهد ازدواجا في السلطة بالظهور في المنطقة، في ظل توازنات حرجة لا تتيح التعامل ببساطة مع جناحي نظم تلك الدول، وِفق المعايير الضيقة لما هو شرعي أو غير شرعي سياسيا.
إن دول المنطقة لم تجد مفرّا من التعامل بواقعية مع تلك الظاهرة، بما فيها الأطراف التي تصطفّ بوضوح خلف "أحد الرأسين".
فقد سمح لوفدين لبنانيين بتمثيل الدولة في قمة الرياض في ربيع 2006، ويتم التعامل مع السلطة الفلسطينية، كممثلة للكيان الفلسطيني، بينما يتم التفاعل مع حماس كسلطة أمر واقع، يصعب عدم الاعتراف بوجودها.
المعضلة، أن ذلك الوضع يبدو انتقاليا وغير قابل للاستمرار لفترة طويلة، فإما أن تلك الكيانات ستتمزق أو سيظهر شكل جديد لنُـظم مزدوجة أو كنفدراليات معدّلة، في الحالات التي تُـصاب بتلك النوعية من صراعات السلطة المزمنة.
تشريح الدولة
لقد بدا لفترة طويلة أن الشكل النموذجي للدولة في المنطقة العربية هو تلك "الدولة الموحّـدة" البسيطة المركزية، التي تُـدار شؤونها من العاصمة من خلال حكومة واحدة مُـسيطرة تُـدير السياسة الخارجية والداخلية، ولا تترك أحيانا حرية حركة للأقاليم أو الأقليات، حتى لو كان المجتمع يتّـسم بالتعددية العرقية أو المذهبية أو الدينية، مع اعتبار أن ذلك النموذج هو الذي يضمن قوة واستقرار الدولة.
لكن الدول في المنطقة لم تعُـد كما كانت عليه، فقد تعرضت لضغوط عاتية أدّت إلى تحوّل بعضها إلى "دول مركّـبة"، كما حدث في حالتي السودان والعراق.
فقد تحوّلت السودان إلى كيان فدرالي ضخم تسود أقاليمه حالة صِـدام تُـهدد وحدة الدولة، وقد تحوّل العراق كذلك إلى كيان لامركزي تدُبّ في أرجائه حالة فوضى تُـهدد وحدة المجتمع.
كما أدى ضعف النظم السياسية في مواجهة قوى المجتمع، في أحوال مختلفة إلى ظهور ما يُـسمى "الدول داخل الدول"، إذ تحوّلت قوى سياسية إلى سلطات حقيقية تدير مساحة من أرض الدولة وتفرض فيها قواعدها، على ما يمكن اعتباره "شعبها الخاص"، الموالي لها، ولديها ميليشيات عسكرية وارتباطات خارجية.
لم تقتصر المسألة على تحول دول موحّـدة إلى كيانات اتحادية أو ظهور دويلات داخل الدول. فقد شهِـدت بعض الحالات انهيار السلطة المركزية في الدولة تماما، ليظهر ذلك التعبير المُـخيف الخاص بـ "الدول الفاشلة"، التي لم تعُـد تقتصر على حالة الصومال، وإنما تهدِّد دولا أخرى، تطرق الحرب الأهلية أبوابها، ويمكن أن تؤدّى عمليات إعادة تقسيم السلطة وتقسيم الثروة فيها، إلى تقسيم الدولة.
تشريح السلطة
إن الأنظمة السياسية في المنطقة تتعرّض لما تعرّضت إليه الدولة، لكن لم يكُـن من المتصوّر ببساطة أن يصل الحدّ إلى "ازدواج السلطة"، على نحو ما جرى في حالتين على الأقل، هما لبنان وفلسطين. فقد تعايشت المنطقة لفترة طويلة مع مشكلات حادة، كالانقلابات العسكرية على السلطات المدنية، قبل أن تتوقَّـف تلك الظاهرة عام 1989، مع استثناء واحد شهدته موريتانيا، ولم تستمر سيطرة العسكر فيه طويلا.
كما كانت ثمة مشكلة تقليدية أيضا، شهِـدتها كلّ دول المنطقة بدون استثناء، هي "صراعات السلطة"، سواء بين مراكز القوى التي تحكم الدولة أو "داخل القصور"، بين شخصيات النُّـخبة الحاكمة، وعادة ما كانت تلك الصِّـراعات تنتهي بشكل سريع بسيطرة طرف على الحُـكم، وقتل أو نفي أو سجن أو تحديد إقامة أو إقالة الطرف الآخر وِفق ثقافة العِـقاب في كل دولة.
تحوّلت مشكلات السلطة في الفترة الأخيرة باتِّـجاه ما يُـعتبر إشكاليات تُـطرح حولها أسئلة سياسية أو تثور بشأنها مطالبات إصلاحية، فهناك دول يُـصر فيها طرف على الإنفراد بالسلطة، في ظل اتجاهات إقصائية، ودول تنتشِـر فيها مراكز القوى بدرجة تُـطرح أسئلة حول من يحكُـمها في الواقع، ودول تُـسيطر فيها السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، على نحو يُـثير ضجرا سياسيا.
رؤوس الأنظمة
إن ازدواج السُّـلطات داخل الدول، يمثِّـل أحدَ المظاهِـر البارزة للمشكلات، التي تعاني منها النظم السياسية في الدول العربية في الوقت الحالي، فأصل فِـكرة الدولة بالمنطقة، هي أن هناك دستُـورا واحدا وسلطة واحدة لديها وزارات سيادية، كالدفاع والخارجية، وقوانين واحدة تطبَّـق – باستثناء القوانين المحلية - على كل الفئات وكل الأقاليم.
كانت الصيغة اللُّـبنانية شديدة الحساسية في التعامل مع المشكلة الطائفية، بحيث عبَّـر هيكل الدولة عن تقسيمات المجتمع بشكل بدَا لفترة طويلة عَـبقريا، فقد كان هناك "ثلاثة رؤساء"، للجمهورية والحكومة والبرلمان ولم تكن هناك مشكلة حادّة، إلى أن قرّر أحدهم تجاوز قواعد اللُّـعبة وتم اغتيال الثاني بلا رحمة ودخلت الدولة حالة استقطاب سياسي، تدور حول مُـعسكرين، هما 8 آذار و14 آذار، بفارق أسبوع واحد.
شهد الكيان الفلسطيني نفس الظاهرة، قبل أن يُـصبح دولة، فقد ظلت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي "الوحيد"، حتى بدأت قوّة حركة حماس تتَـصاعد وبدأ الداخل الفلسطيني يشهد صراعا سلطويا حقيقيا بين حركة فتح (كبرى حركات منظمة التحرير الفلسطينية) وحركة حماس، ولم تُـؤدِّ الانتخابات أو التوافقات إلى حل العُـقدة، لتقوم حماس بالاستيلاء على قطاع غزة ولتنتقل فتح إلى الضفة الغربية ولتبرز سُـلطتين للحركتين في فلسطين.
الدويلات الخاصة
كان ظهور نظام الرأسين داخل الدول يمثل تطوُّرا طبيعيا، لتتَـحوّل بعض القوى السياسية الضّـخمة إلى "دول داخل الدول"، بفعل ضُـعف الأنظمة السياسية والعجز – في ظل موازين القوى الجديدة – عن إيجاد صيغة لتداول السلطة سِـلميا بين القوتين الكبيرتين أو على الأقل، إيجاد صيغة للمشاركة في السلطة بين الطرفين.
إن القوى السياسية، التي تحوّلت إلى رأسٍ مُـوازٍ للسلطة القائمة فيما بعد، لم تكن مجرّد أحزاب سياسية، إذ كانت دويلات حقيقية تتمركز على مِـساحات تُـسيطر عليها من أرض الدولة ولديها قياداتها ووزاراتها وأجهزتها الخاصة، وحصَّـتها في الحكومة والبرلمان، ولديها في الغالب تمويل مُـستقل، يأتي لها من خلال "تبرّعات" شعبية أو تمويل خارجي، لكن الفيصل هو أنه كانت لديها دائما قواتها المسلحة الخاصة.
إن المثير فى الحالتين، اللبنانية والفلسطينية، هو أن كلا من حزب الله وحركة حماس، شكَّـلتا قُـواتهما في إطار توجهات تتعلَّـق بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن تخوض تلك القوات قِـتالا داخليا أو تمثل رقما صعبا في إطار موازين القوى الداخلية.
لكن الأهم، أن القوتين، ذات مرجعيتين دينيتين، ولهما تحفظات بشأن طبيعة الدول، وليس مجرد توجهات النظم المحيطة بهما، فقضيتهما ترتبط بالدولة مثلما ترتبط بالسلطة.
المرحلة التالية
إن الدول ذات الرأسين، تظهر عندما يتعلَّـق الأمر بقُـوتين كبيرتين، تقليدية تضعُـف، ومناوئة تصعُـد، كما أن موازين الضعف (وليس القوة) بينهما لا تسمح بتغلُّـبٍ نهائي، سياسيا وعسكريا، لطرف على آخر، إضافة إلى وجود محورين خارجيين وراء صعود أو بقاء كل منهما، بخلاف حالات كالعراق والسودان، يَـطرح تعدُّد القِـوى فيهما احتمالات "صوملة" أو "بلقنة" تتعرّض في إطارها الدول لاحتمالات اندفاع نحو حروب داخلية أو تفكُّـك كامل للدولة، لتحُـل محلها دويلات وكانتونات، وليس دول ذات رأسين.
ولقد أدركت الدول العتيدة في المنطقة أبعاد تلك المشكلة، منذ زمن طويل، وكانت لكل منها سياساتها الخاصة، فيما يتعلق بالأقليات أو الأغلبيات العِـرقية أو المذهبية، التي لديها مشكلة مع النظام السياسي القائم، وحتى مع تنظيمات الإسلام السياسي أو الطائفية السياسية أو القبلية السياسية، التي يمكن أن تشكِّـل بصورة ما دُويلات داخل الدول.
لقد اتَّـخذت سياسات تلك الدول تُـجاه تلك الكيانات الداخلية، التي هي أكبر من مُـجرد "أحزاب" أو حركات سياسية، بعد نهاية عصر القَـمع الشامل، شكْـلا واحدا في الغالب، هو الاحتواء، فهي تتيح لها مساحة للتنفُّـس ثقافيا أو اجتماعيا أو سياسيا، لكنها لا تسمح لها بتوسيع نطاق حركاتها الاستقوائية لتتحدّى الدولة، ولو بمُـجرد ارتداء أزياء موحدة أو التفكير في التعامل كنَـد سياسي أو إتِّـباع توجُّـهات تقُـود إلى عِـصيان مدني، ناهيك عن حمل السِّـلاح.
وبالتالي، يبدو أن الدولة ذات الرأسين، هي - حتى تاريخه - حالات خاصة بلبنان وفلسطين، تُـضاف إلى الحالات الخاصة بالعراق والسودان والحالة الخاصة بالصومال والحالتين الخاصتين بالجزائر واليمن، ولا يعرف أحد إلى أين ستقود "كل تلك الحالات الخاصة" المتوالدة المنطقة العربية في النهاية.
فقد بدأت حالات لدول "ذات رأسين" تشهد ازدواجا في السلطة بالظهور في المنطقة، في ظل توازنات حرجة لا تتيح التعامل ببساطة مع جناحي نظم تلك الدول، وِفق المعايير الضيقة لما هو شرعي أو غير شرعي سياسيا.
إن دول المنطقة لم تجد مفرّا من التعامل بواقعية مع تلك الظاهرة، بما فيها الأطراف التي تصطفّ بوضوح خلف "أحد الرأسين".
فقد سمح لوفدين لبنانيين بتمثيل الدولة في قمة الرياض في ربيع 2006، ويتم التعامل مع السلطة الفلسطينية، كممثلة للكيان الفلسطيني، بينما يتم التفاعل مع حماس كسلطة أمر واقع، يصعب عدم الاعتراف بوجودها.
المعضلة، أن ذلك الوضع يبدو انتقاليا وغير قابل للاستمرار لفترة طويلة، فإما أن تلك الكيانات ستتمزق أو سيظهر شكل جديد لنُـظم مزدوجة أو كنفدراليات معدّلة، في الحالات التي تُـصاب بتلك النوعية من صراعات السلطة المزمنة.
تشريح الدولة
لقد بدا لفترة طويلة أن الشكل النموذجي للدولة في المنطقة العربية هو تلك "الدولة الموحّـدة" البسيطة المركزية، التي تُـدار شؤونها من العاصمة من خلال حكومة واحدة مُـسيطرة تُـدير السياسة الخارجية والداخلية، ولا تترك أحيانا حرية حركة للأقاليم أو الأقليات، حتى لو كان المجتمع يتّـسم بالتعددية العرقية أو المذهبية أو الدينية، مع اعتبار أن ذلك النموذج هو الذي يضمن قوة واستقرار الدولة.
لكن الدول في المنطقة لم تعُـد كما كانت عليه، فقد تعرضت لضغوط عاتية أدّت إلى تحوّل بعضها إلى "دول مركّـبة"، كما حدث في حالتي السودان والعراق.
فقد تحوّلت السودان إلى كيان فدرالي ضخم تسود أقاليمه حالة صِـدام تُـهدد وحدة الدولة، وقد تحوّل العراق كذلك إلى كيان لامركزي تدُبّ في أرجائه حالة فوضى تُـهدد وحدة المجتمع.
كما أدى ضعف النظم السياسية في مواجهة قوى المجتمع، في أحوال مختلفة إلى ظهور ما يُـسمى "الدول داخل الدول"، إذ تحوّلت قوى سياسية إلى سلطات حقيقية تدير مساحة من أرض الدولة وتفرض فيها قواعدها، على ما يمكن اعتباره "شعبها الخاص"، الموالي لها، ولديها ميليشيات عسكرية وارتباطات خارجية.
لم تقتصر المسألة على تحول دول موحّـدة إلى كيانات اتحادية أو ظهور دويلات داخل الدول. فقد شهِـدت بعض الحالات انهيار السلطة المركزية في الدولة تماما، ليظهر ذلك التعبير المُـخيف الخاص بـ "الدول الفاشلة"، التي لم تعُـد تقتصر على حالة الصومال، وإنما تهدِّد دولا أخرى، تطرق الحرب الأهلية أبوابها، ويمكن أن تؤدّى عمليات إعادة تقسيم السلطة وتقسيم الثروة فيها، إلى تقسيم الدولة.
تشريح السلطة
إن الأنظمة السياسية في المنطقة تتعرّض لما تعرّضت إليه الدولة، لكن لم يكُـن من المتصوّر ببساطة أن يصل الحدّ إلى "ازدواج السلطة"، على نحو ما جرى في حالتين على الأقل، هما لبنان وفلسطين. فقد تعايشت المنطقة لفترة طويلة مع مشكلات حادة، كالانقلابات العسكرية على السلطات المدنية، قبل أن تتوقَّـف تلك الظاهرة عام 1989، مع استثناء واحد شهدته موريتانيا، ولم تستمر سيطرة العسكر فيه طويلا.
كما كانت ثمة مشكلة تقليدية أيضا، شهِـدتها كلّ دول المنطقة بدون استثناء، هي "صراعات السلطة"، سواء بين مراكز القوى التي تحكم الدولة أو "داخل القصور"، بين شخصيات النُّـخبة الحاكمة، وعادة ما كانت تلك الصِّـراعات تنتهي بشكل سريع بسيطرة طرف على الحُـكم، وقتل أو نفي أو سجن أو تحديد إقامة أو إقالة الطرف الآخر وِفق ثقافة العِـقاب في كل دولة.
تحوّلت مشكلات السلطة في الفترة الأخيرة باتِّـجاه ما يُـعتبر إشكاليات تُـطرح حولها أسئلة سياسية أو تثور بشأنها مطالبات إصلاحية، فهناك دول يُـصر فيها طرف على الإنفراد بالسلطة، في ظل اتجاهات إقصائية، ودول تنتشِـر فيها مراكز القوى بدرجة تُـطرح أسئلة حول من يحكُـمها في الواقع، ودول تُـسيطر فيها السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، على نحو يُـثير ضجرا سياسيا.
رؤوس الأنظمة
إن ازدواج السُّـلطات داخل الدول، يمثِّـل أحدَ المظاهِـر البارزة للمشكلات، التي تعاني منها النظم السياسية في الدول العربية في الوقت الحالي، فأصل فِـكرة الدولة بالمنطقة، هي أن هناك دستُـورا واحدا وسلطة واحدة لديها وزارات سيادية، كالدفاع والخارجية، وقوانين واحدة تطبَّـق – باستثناء القوانين المحلية - على كل الفئات وكل الأقاليم.
كانت الصيغة اللُّـبنانية شديدة الحساسية في التعامل مع المشكلة الطائفية، بحيث عبَّـر هيكل الدولة عن تقسيمات المجتمع بشكل بدَا لفترة طويلة عَـبقريا، فقد كان هناك "ثلاثة رؤساء"، للجمهورية والحكومة والبرلمان ولم تكن هناك مشكلة حادّة، إلى أن قرّر أحدهم تجاوز قواعد اللُّـعبة وتم اغتيال الثاني بلا رحمة ودخلت الدولة حالة استقطاب سياسي، تدور حول مُـعسكرين، هما 8 آذار و14 آذار، بفارق أسبوع واحد.
شهد الكيان الفلسطيني نفس الظاهرة، قبل أن يُـصبح دولة، فقد ظلت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي "الوحيد"، حتى بدأت قوّة حركة حماس تتَـصاعد وبدأ الداخل الفلسطيني يشهد صراعا سلطويا حقيقيا بين حركة فتح (كبرى حركات منظمة التحرير الفلسطينية) وحركة حماس، ولم تُـؤدِّ الانتخابات أو التوافقات إلى حل العُـقدة، لتقوم حماس بالاستيلاء على قطاع غزة ولتنتقل فتح إلى الضفة الغربية ولتبرز سُـلطتين للحركتين في فلسطين.
الدويلات الخاصة
كان ظهور نظام الرأسين داخل الدول يمثل تطوُّرا طبيعيا، لتتَـحوّل بعض القوى السياسية الضّـخمة إلى "دول داخل الدول"، بفعل ضُـعف الأنظمة السياسية والعجز – في ظل موازين القوى الجديدة – عن إيجاد صيغة لتداول السلطة سِـلميا بين القوتين الكبيرتين أو على الأقل، إيجاد صيغة للمشاركة في السلطة بين الطرفين.
إن القوى السياسية، التي تحوّلت إلى رأسٍ مُـوازٍ للسلطة القائمة فيما بعد، لم تكن مجرّد أحزاب سياسية، إذ كانت دويلات حقيقية تتمركز على مِـساحات تُـسيطر عليها من أرض الدولة ولديها قياداتها ووزاراتها وأجهزتها الخاصة، وحصَّـتها في الحكومة والبرلمان، ولديها في الغالب تمويل مُـستقل، يأتي لها من خلال "تبرّعات" شعبية أو تمويل خارجي، لكن الفيصل هو أنه كانت لديها دائما قواتها المسلحة الخاصة.
إن المثير فى الحالتين، اللبنانية والفلسطينية، هو أن كلا من حزب الله وحركة حماس، شكَّـلتا قُـواتهما في إطار توجهات تتعلَّـق بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن تخوض تلك القوات قِـتالا داخليا أو تمثل رقما صعبا في إطار موازين القوى الداخلية.
لكن الأهم، أن القوتين، ذات مرجعيتين دينيتين، ولهما تحفظات بشأن طبيعة الدول، وليس مجرد توجهات النظم المحيطة بهما، فقضيتهما ترتبط بالدولة مثلما ترتبط بالسلطة.
المرحلة التالية
إن الدول ذات الرأسين، تظهر عندما يتعلَّـق الأمر بقُـوتين كبيرتين، تقليدية تضعُـف، ومناوئة تصعُـد، كما أن موازين الضعف (وليس القوة) بينهما لا تسمح بتغلُّـبٍ نهائي، سياسيا وعسكريا، لطرف على آخر، إضافة إلى وجود محورين خارجيين وراء صعود أو بقاء كل منهما، بخلاف حالات كالعراق والسودان، يَـطرح تعدُّد القِـوى فيهما احتمالات "صوملة" أو "بلقنة" تتعرّض في إطارها الدول لاحتمالات اندفاع نحو حروب داخلية أو تفكُّـك كامل للدولة، لتحُـل محلها دويلات وكانتونات، وليس دول ذات رأسين.
ولقد أدركت الدول العتيدة في المنطقة أبعاد تلك المشكلة، منذ زمن طويل، وكانت لكل منها سياساتها الخاصة، فيما يتعلق بالأقليات أو الأغلبيات العِـرقية أو المذهبية، التي لديها مشكلة مع النظام السياسي القائم، وحتى مع تنظيمات الإسلام السياسي أو الطائفية السياسية أو القبلية السياسية، التي يمكن أن تشكِّـل بصورة ما دُويلات داخل الدول.
لقد اتَّـخذت سياسات تلك الدول تُـجاه تلك الكيانات الداخلية، التي هي أكبر من مُـجرد "أحزاب" أو حركات سياسية، بعد نهاية عصر القَـمع الشامل، شكْـلا واحدا في الغالب، هو الاحتواء، فهي تتيح لها مساحة للتنفُّـس ثقافيا أو اجتماعيا أو سياسيا، لكنها لا تسمح لها بتوسيع نطاق حركاتها الاستقوائية لتتحدّى الدولة، ولو بمُـجرد ارتداء أزياء موحدة أو التفكير في التعامل كنَـد سياسي أو إتِّـباع توجُّـهات تقُـود إلى عِـصيان مدني، ناهيك عن حمل السِّـلاح.
وبالتالي، يبدو أن الدولة ذات الرأسين، هي - حتى تاريخه - حالات خاصة بلبنان وفلسطين، تُـضاف إلى الحالات الخاصة بالعراق والسودان والحالة الخاصة بالصومال والحالتين الخاصتين بالجزائر واليمن، ولا يعرف أحد إلى أين ستقود "كل تلك الحالات الخاصة" المتوالدة المنطقة العربية في النهاية.