مبادئ الأخوة الإسلامية
مرسل: الخميس نوفمبر 29, 2012 1:19 am
إن مبادىء الاخوة الايمانية الكفيلة باقامة الوحدة.. وتعزيز اواصر المحبة، وامتصاص عوامل الخلاف والقضاء عليها هي:
1- التواضع:
وإذا كان التكبر عاملاً من عوامل الصراع.. فان التواضع لابد أن يكون عاملاً من عوامل الوحدة.. ولكن من يمتلك القدرة على التواضع؟ وكيف؟ ولماذا لا يتواضع كل الناس؟
ان المتكبر يشعر بحقارة نفسه.. ولذلك يحاول ان يسد هذا الفراغ بالتعالي على اخوانه وبواسطة الدنيا وعن طريق المال والقوة.. اما المؤمن الذي يشعر بقيمة الايمان وبارتباطه بخالق السماوات والارض.. فانه يشعر بالعزة في نفسه ولا يجد داعياً للتكبر.. ان الايمان بالله هو الخطوة الاولى نحو التواضع..
ولعل الامام الصادق عليه السلام يشير الى هذه الحقيقة عندما يقول:
(ما من رجل تكبرا وتجبر إلا لذلة وجدها في نفسه) بحار الأنوار "225/70"
ولان المؤمن يؤمن بألوهية الله عز وجل.. فانه يحافظ على ميزان علاقاته الاخوية المتساوية مع سائر البشر.. فلا يخضع لعبادة أي احد سوى الله، كما لا يحاول ان يستعلي ويفرض عبادة شخصه على أي أحد من الخلق..
ولذلك يتوجه الى الله تعالى طالباً منه تصحيح العلاقة بينه وبين سائر اخوانه.. والمحافظة على الميزان العادل في نفسه..
يقول الامام زين العابدين عليه السلام في دعاء مكارم الاخلاق:
(اللهم وصلِّ على محمد وآله.. ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا احدثت لي ذلة باطنة عند نفسي مثلها).
حتى لا يشعر الانسان المؤمن بأنه أفضل من غيره وأحق بالعز والاحترام والتقدير.. او انه من طينة أشرف وأسمى..
وينهى الامام ابو عبد الله الصادق اصحابه من الشعور بالتعالي حتى بسبب الايمان والعمل الصالح.. فيقول:
(ان الله تعالى رفع بالايمان من كان الناس يسمونه وضيعاً، اذا كان مؤمناً، ووضع بالكفر من كان الناس يسمونه شريفاً اذا كان كافراً، فليس لاحد فضل على احد إلا بالتقوى) بحار الانوار "299/70"
ومن هنا كان الامام الصادق يوصي اصحابه بالتوجه الى العمل الصالح وتوثيق العلاقات مع الله.. ويقول:
(ان قدرتم ان لا تُعرفوا فافعلوا.. وما عليك ان لم يثنِ عليك الناس؟ وما عليك ان تكون مذموماً عند الناس اذا كنت عند الله محموداً؟)
بحار الانوار "121/70"
وهكذا كان الامام موسى الكاظم عليه السلام يوصي بالتواضع ويحذر من التكبر:
(ما من عبد إلا وملك آخذ بناصيته فلا يتواضع إلا رفعه الله ولا يتعاظم الى وضعه الله).
ويتوجه الامام الصادق بقوة لمعالجة مشكلة التكبر في صفوف الحركة العلمية والثورية التي نشطت في عهده وعلى يديه.. فيحذر من اتخاذ العلم والثورة وسيلة للتكبر.. ويدعو الى التواضع.. فيقول:
(العز رداء الله والكبر ازاره فمن تناول شيئاً منه أكبه الله في جهنم) بحار الانوار 213/70
ويقول:
(من طلب الرئاسة لنفسه هلك، فان الرياسة لا تصلح إلا لأهلها).
(اذا أردت أن تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع الطمع عما في أيدي الناس وعد نفسك في الموتى، ولا تحدثن نفسك انك فوق أحد من الناس!.. واخزن لسانك كما تخزن مالك)
بحار الانوار 168/70.
ويحذر بشدة:
(اياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك)
بحار الانوار 150/70
هؤلاء الذين يحذر الامام زين العابدين منهم.. ويقول انظروا الى محبتهم للرئاسات الباطلة وزهدهم فيها، فان في الناس من خسر الدنيا والآخرة، يترك الدنيا للدنيا ويرى ان لذة الرئاسة الباطلة أفض من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة.. ويحرم من أجلها ما أحل الله ويحل ما حرم الله لا يبالي لما فات من دينه اذا سلمت له رياسته التي قد شقي من أجلها.
بحار الانوار 185/71
ان رسول الله يقول:
(ان من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو يصرف وجوه الناس اليه ليعظموه فليتبوأ مقعده من النار، فان الرئاسة لا تصلح إلا لله ولأهلها، ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه مقته الله ومن دعا الى نفسه فقال: "أنا رئيسكم" وليس هو كذلك لم ينظر الله اليه حتى يرجع عما قال ويتوب الى الله مما ادعى).
بحار الانوار 147/74
ويصف الامام علي عليه السلام المؤمن فيقول:
(المؤمن.. أذل شيء نفساً يكره الرفعة ويشنأ السمعة)
بحار الانوار 304/64.
وهكذا يربي الامام الصادق تلاميذه على التواضع وخاصة أبناء الحركة الاسلامية، وطلائع الأمة وقادتها من العلماء والمجاهدين.. سواءاً التواضع فيما بينهم أو بين بقية الأمة.. وذلك من أجل تمتين العلاقات الوحدوية الداخلية.. بين صفوف الحركة الاسلامية.. أو بين الطلائع المجاهدة وبين الأمة.. فما أن يدب التكبر بين مؤمنين اثنين حتى ينسف العلاقات الأخوية بينهما ويفجر الصراع والتناحر بينهما.. وكذلك الأمر بالنسبة الى الأمة كلها..
وغني عن القول ان مبدء التواضع يترك بصماته في كثير من الأمور بحيث يقلب حياة الانسان أو الحركة بصورة كلية ويجعلها أكثر ليونة وتالفاً واتحاداً مع الاخرين إذ أن التواضع نقيض الانانية.. ذلك المرض الذي ينبت التكبر.. ويسمم كافة العلاقات الاخوية..
ومن الامور المهمة التي تتأثر بالتواضع أو التكبر السياسة الاعلامية للشخص أو الحركة.. فاذا كان متواضعاً اتسمت السياسة الاعلامية بحب الآخرين والخجل من مدح الذات.. والابتعاد عن الرياء والتفاخر والمباهاة وتضخيم الاعمال.. في حين تسارع الى تغطية نشاطات الأخوة المؤمنين الآخرين وتكيل لهم المديح وتعظم صغائر اعمالهم الطيبة.
يقول الامام الصادق:
(لا يصير العبد عبداً خالصاً لله عز وجل حتى يصير المدح والذم عنده سواء، لأن الممدوح عند الله عز وجل لا يصير مذموماً بذمهم وكذلك المذموم، فلا تفرح بمدح أحد فانه لا يزيد في منزلتك عند الله ولا يغنيك عن المحكوم والمقدور عليك ولا تحزن أيضاً بذم أحد فأنه لا ينقصك عنك به ذرة، ولا يحط عن درجة خيرك شيئاً، واكتف بشهادة الله تعالى لك وعليك، قال الله عز وجل: "وكفى بالله شهيداً").
ومن لا يقدر على صرف الذم عن نفسه ولا يستطيع على تحقيق المدح له كيف يرجى مدحه؟ ويخشى ذمه؟.. واجعل وجه مدحك وذمك واحداً، وقف في مقام تغتنم به مدح الله عز وجل لك ورضاه، فان الخلق خلقوا من العجين من ماء مهين، فليس لهم إلا ما سعوا، قال الله عز وجل:
(وإن ليس للانسان إلا ما سعى).
وقال عز وجل:
(ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً)
بحار الانوار 294/70
ويعلمنا الامام أمير المؤمنين عليه السلام أن لا نغتر بالدعاية الكاذبة، فيقول:
(رب مفتون بحسن القول فيه)
بحار الانوار 295/70
ويعلمنا تذكر عيوبنا التي يجهلها المادحون والخوف من الله:
(اللهم أنك أعلم من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلنا خيراً مما يظنون، واغفر لنا ما لا يعلمون، ولا تحاسبنا بما يقولون)
بحار الانوار 294/70
هذا هو المتواضع.. أما المتكبر فانه يفرح بالمدح ويسر ويطالب بالمزيد وقد يعتب اذا قصر المادح عن بعض القابه.. أو غفل عن ذكر بعض "بطولاته".
ويمكننا اكتشاف الفرق بين المتواضع والمتكبر بسهولة من خلال ذكر اسمه مقروناً بصفة العلم والثورية والجهاد.. فاذا رحب بذلك فان ذلك يعني انطواءه على شيء من التكبر.. واذا امتعض واستحيى ولم يبال سواءاً ذكرنا اسمه مجرداً أو مبجلاً.. فانه يدل على مدى التواضع والاخلاص في قلبه..
ان الاعلان عن النفس وطرح الذات من أجل الله.. ومن أجل نشر الدين وقيادة المسلمين أمر جائز ومشروع ولكن التنافس الاعلامي مع المؤمنين ومحاولة طمس ذكرهم والتعميم على نشاطاتهم.. لا يدل إلا على روح التكبر والاستعلاء.. وهو كفيل باثارة حسدهم وغيظهم ودفعهم الى القيام برد الفعل والدخول في معارك اعلامية تجر وراءها معارك يدوية ومسلحة.. أليس كذلك؟.
هذا اذا لم يتحول الاعلام الى سياسة الهجوم وتتبع عيوب الآخرين وفضحهم واسقاطهم من المجتمع.. من أجل الفوز بالزعامة والسلطة وما يترك ذلك من آثار وخيمة على الوحدة الاسلامية بين العاملين.. ودفعهم لانتهاش لحوم اخوانهم والتورط في معارك جانبية.. خطيرة..
ومن هنا كان ضرورياً بالنسبة لسياسة التواضع والكف الاعلامي الالتفات الى عيوب الذات.. والغض عن عيوب الآخرين.. واحترام أعراض وحرمات المؤمنين.. (فكل سعي أخلص عنده من سعيه وكل نفس أصلح عنده من نفسه).
يقول الرسول الأعظم محمد (ص):
(كفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من عيوب نفسه، وان يعير الناس بما لا يستطيع تركه)
بحار الانوار 386/70
وفي مقابل ذلك يدعو الايمان بالانسان المؤمن المتواضع الى الدفاع عن حرمة اخوانه المؤمنين، والذب عن كرامتهم وأعراضهم:
يقول الامام الصادق:
(من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه وهو يقدر خذله الله وحقره في الدنيا والآخرة)
بحار الانوار 262/72
لا للعصبية:
وهناك جانب آخر للتواضع هو التمسك المتين بقيمة الايمان، وعدم تفضيل أية رابطة عائلية أو قومية أو طائفية أو حزبية عليها.. ونبذ أية حمية جاهلية.. ذلك لأن المتكبر عادة ما يلجأ الى قيمه الجاهلية ويتمسك بشرف قبيلته أو قومه أو فئته.. ويتعصب لهم ويتفاخر بهم في محاولة للاستعلاء على الآخرين.. ويخلق بالتالي بذلك الصراعات القبلية أو القومية أو الحزبية في المجتمع ويهدد وحدة المؤمنين..
ولذلك تعتبر مكافحة العصبية خطوة على طريق التواضع والسلام الاجتماعي والوحدة.. ويعتبر المتواضع مبرءاً من أي نوع من العصبية الجاهلية..
واذا حل الايمان.. ظهر التواضع وارتحل التعصب..
يقول الرسول الأكرم:
(من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية).
بحار الانوار 284/70
ويفسر الامام زين العابدين معنى العصبية فيقول:
(العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم). بحار الانوار 288/70
وكثيراً من نشاهد في المجتمع وربما في داخل صفوف الحركة الاسلامية، تعصب البعض لأفكار مختلفة أو رجال معينين، تختلف عليها وعليهم الأمة.. ويكون التعصب لها ولهم سبباً من أسباب الصراع والتناحر وتمزيق أواصر الأخوة، والايمان تبعاً لذلك، بحيث يؤدي بأصحابه الى الخروج عن اطار الاسلام..
الاستشارة:
واذا كانت الفردية والديكتاتورية والعجب من سمات التكبر.. فان الاستشارة وقبول النصح والشورى من سمات التواضع، وعلامة من علائم الايمان.. واذا كانت الديكتاتورية سبباً في تمزيق أوصال المجتمع واثارة الاضطرابات.. فان الاستشارة والشورى تزيد في تقوية أواصر الوحدة..
ومن هنا يعالج أئمة أهل البيت عليهم السلام مشكلة العجب والديكتاتورية.. كخطوة على طريق معالجة مشكلة التكبر الكبرى.. وتعبيد طريق التواضع..
يقول الامام الصادق: (من دخله العجب هلك). بحار الانوار 209/69
ويقول الامام الهادي: (من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه). بحار الانوار 316/69
وبعد أن يحطم أهل البيت عليهم السلام الغرور والعجب في نفس الانسان المؤمن يدعونه الى المرحلة الثانية وهي الاستشارة واحترام آراء الآخرين وقبول النصح..
يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام: (من استبد برأيه هلك) .. (من شاور الرجال شاركها في عقولها.. ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ).
ان الترحيب بالنقد من كل أحد حسن، ولكن من الحاكم أحسن.. وان الاستشارة من كل أحد جميلة.. ولكنها من الخليفة أجمل.. وعندما يقوم بها من يجمع العلم والقوة.. فانها تعتبر قمة في التواضع واللين أمام الشعب.. ومن النادر أن يفتح الحكم صدره لتقبل النقد والتوجيه.. ومن الأندر أن يدعو الناس بنفسه للقيام بذلك.. ولكن هذا ما صنعه الامام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) لكي يعلم تلامذته وشيعته على مدى التاريخ أن يتواضعوا، ويتواضعوا بالرغم من معادلات القوة والمال.. يقول:
(ان من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم اني أحب الاطراء واستماع الثناء ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطاً لله سبحانه، عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لاخراجي نفسي الى الله واليكم، من البقية في حقوق لم أفرغ من ادائها وفرائض لابد من امضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استقالاً في حق قيل لي ولا التماس اعظام لنفسي فانه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فاني لست في نفسي بفوق أن أخطىء ولا آمن ذلك من فعلي ولست بفوق أن أؤمر بالمعروف أو أنهى عن المنكر.. إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فانما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه الى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى). بحار الانوار 309/74
لقد ربط الامام هنا في هذه الرائعة بين منطلق التواضع الذي هو العبودية لله، ورفض التجاوز في الاستيلاء، على حقوق الله من التعظيم والتجليل.. وبين دعوة الأمة الى ممارسة دورها السياسي في مواجهة الحاكم.. وابداء النصح والمشورة.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وبين خشيته من نفسه وبين أن يخطيء.. وحاشاه من ذلك وعلى أي حال.. فان تواضع الحاكم يضفي على الدولة طابع الاستقرار السياسي ويمتص غضب الأمة، ويفتح أمامها قناة للتصحيح والتعبير عن آرائها، وإلا اذا كبت الحاكم حرية النقد والتوجيه، استعلاءاً وتكبراً.. ورفض تصحيح أي خطأ أو انحراف.. بل وأصر عليه.. فان ذلك يفجر الصراع ويمزق الوحدة الاسلامية..
2- الكرم والايثار:
وينطلق من معين الايمان.. والثقة بالله.. فيزرع في قلوب المؤمنين الود والمحبة.. ويقتلع في طريقه أشواك الحسد والبغضاء من القلب.. وذلك لأن المؤمن يزهد في الدنيا ولا يقيم لها وزن جناح بعوضة.. ثم هو يؤمن ان ايمانه يتناقض مع الشح والحسد..
(ان اصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد، وإياكم والبخل.. ولا تحاسدوا). بحار الانوار 254/71
ولا يكتفي أهل البيت عليهم السلام باقتلاع الشح والحسد من قلوب المؤمنين بل يحضونهم على العطاء والايثار والمواساة.. يقول رسول الله:
(لا تزال أمتي بخير ما تحابوا وتهادوا وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام وقروا الضيف وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين). بحار الانوار 206/68
إذن فان الانفاق والايثار شرط رئيسي من شروط الانتماء للحركة الرسالية الثورية.. وهو كفيل بتعزيز الروابط الأخوية وترسيخ الوحدة.
ولا يقتصر الانفاق على الأموال الشخصية.. وإنما يعم أية حاجة مادية ولذلك كان موضوع قضاء الحوائج للاخوان موضوعاً يركز عليه أهل البيت عليهم السلام بشدة.
يقول الامام الحسين عليه السلام: (ان حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم). بحار الانوار 318/71
ويقول الامام الصادق: (ان لله عباداً في الارض يسعون في حوائج الناس وهم الآمنون يوم القيامة). بحار الانوار 319/71
أما الامام زين العابدين فيسأل الله تعالى في دعائه اذا دخل شهر رمضان: (اللهم.. وفقنا فيه لأن نصل أرحامنا بالبر والصلة، وأن نتعاهد جيراننا بالأفضال والعطية، وأن نخلص أموالنا من التبعات وأن نطهرها باخراج الزكوات).
3- مبدء الحق:
ان قيام المجتمع على ميزان الحق.. وتوازن العلاقات بين الفرد والمجتمع يضمن سلامة الأمن والاستقرار والوحدة.. أما اذا اختل الميزان.. فان كافة العلاقات تتدهور.. ويشيع الظلم والحقد والفساد..
ومن الطبيعي ان يلتزم المؤمن بميزان الحق في كافة علاقاته ومعاملاته وأن يتجاوز المنافق ذلك.. ويقيم علاقاته على أساس من الهوى والمصلحة غير آبه لسخط الله أو خائف من عقابه يوم القيامة، وقد يحافظ المرء على علاقاته متوازنة، في حالته الطبيعية، ولكنه يركل ميزان الحق اذا أفرط في السخط والرضا.. ولذلك يقول الامام الصادق عليه السلام:
(إنما المؤمن اذا سخط لم يخرجه سخطه من الحق واذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، واذا قدر لم يتعاط ما ليس له). بحار الانوار 289/64
ويقول الرسول الأعظم: (قل الحق وان كان مراً). بحار الانوار 107/67
ومن الواضح ان لقول الحق دوراً كبيراً في اطفاء نيران المشاكل والخلافات والقضاء على جذور الصراع.. فان من يقول الحق ولو كان على نفسه.. لا يقوم بظلم أي أحد.. وبالتالي فانه يحافظ على علاقاته متوازنة عادلة مع الآخرين..
4- العفو والحلم:
ويلعب الحلم والعفو وكظم الغيظ دوراً كبيراً كذلك في امتصاص عوامل التوتر والصراع في المجتمع، وهو في الحقيقة الوجه الآخر لعملية الالتزام بالحق اذا ما تجاوز الآخرين، واعتدوا على الانسان المؤمن أو غمطوا حقه.. فلا يكتفي هو بالتزام الحق واداء الحقوق للآخرين.. وإنما يسامحهم عن حقوقه ويظم غيظه عنهم.. ويتجاوز عن مسيئهم.. وهذه قمة اللا أنانية على العكس من المنافق الذي لا يؤدي حقوق اخوانه ويثور بغضب اذا ما نال الآخرون شيئاً من حقوقه..
يقول رسول الله (ص) : (عليكم بالعفو، فان العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فتعافوا يعزكم الله). بحار الانوار 401/68
ويقول حفيده الامام الصادق (ع) : (ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزاً: الصفح عمن ظلمه واعطاء من حرمه والصلة لمن قطعه). بحار الانوار 403/68
ويعلم أصحابه: (انا أهل البيت مروتنا العفو عمن ظلمنا). بحار الانوار 414/68
واذا تساءلنا عن حدود العفو؟ فان الامام موسى بن جعفر الكاظم يجيبنا: (ان أتاكم آت فأسمعكم في الاذن اليمنى مكروهاً ثم تحول الى الأذن اليسرى، فاعتذر وقال: لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره). بحار الانوار 425/68
ولكن اذا كان الانسان مطبوعاً على سرعة الغضب ورد العدوان.. فماذا يفعل؟.. يقول الامام أمير المؤمنين: (ان لم تكن حليماً فتحلّم.. فانه قلّ من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم). بحار الانوار 427/68
5- الأخلاق الحسنة:
وتلعب الأخلاق الحسنة هي الاخرى دوراً مهماً في تمشيط الاضغان من القلوب ونثر ورود المحبة.. على طريق الوحدة.
يقول الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه: (حسن البشر يذهب بالسخيمة). بحار الانوار 472/71
ويعتبر النبي البسمة الحلوة مع الاخوان دلالة على الايمان: (المؤمن بشره في وجهه.. وحزنه في قلبه.. أوسع شيء صدراً). بحار الانوار 411/66
ويدعو الرسول الى اظهار الحب والتودد الى الناس ويعتبر ذلك علامة على العقل.
(رأس العقل بعد الدين التودد الى الناس واصطناع الخير كل بر وفاجر). بحار الانوار 252/71
ان الاخلاق الحسنة تنبع من الحب.. فاذا كره المؤمن أخاه غطى الكره ملامح وجهه وعقد لسانه.. وخطف البسمة من شفتيه.. ولذلك يدعو الاسلام الى كنس الحقد من القلب.. والتصميم على الحب والمبادرة اليه، يقول الامام الصادق(ع) : (ان المسلمين ليلتقيان فأفضلهما أشدهما حباً لصاحبه). بحار الانوار 250/66
فمن منا لا يرغب أن يكون أفضل من صاحبه عند الله؟!.. إذن فلنزرع الحب في قلوبنا تجاه جميع المؤمنين سواءاً كانوا قريبين لنا أو بعيدين بأي نوع من النسبة، حتى نصبح أشبه شيء برسول الله!.
واذا وجد المؤمن قلبه يمتلأ حقداً فجأة من بعض الاخوان نتيجة تصرفاتهم اللا ودية معه.. فانه مطالب بتفريغه بسرعة.. ولا يسمح للحقد أو الكراهية أن يعشعشا في قلبه.. يقول الامام الصادق: (حقد المؤمن مقامه.. ثم يفارق أخاه فلا يجد عليه شيئاً وحقد الكافر دهره). بحار الانوار 211/72
أي انه يعتبر من يخزن الحقد ضد المؤمنين.. بمثابة الكافر!.. واذا ما قال أحد بأنه مضطر لمبادلة الآخرين الذين يكرهونه ويكنون عليه الحقد، فان الامام يقول: (احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك). بحار الانوار 212/72
وربما يقطب الانسان وجهه ويسيء خلقه من دون أي حقد داخلي، وحتى مع أهله واخوانه، بسبب من بعض المشاكل والهموم والاحزان.. فيؤدي ذلك الى تعكير علاقاته الطيبة مع اخوانه من دون ارادته.. وهكذا يفقدهم واحداً بعد الآخر.. وقد يقع في كثير من الأخطاء التي تخرب عمله وتفسد جهاده.. ولذلك فانه مطالب بالسيطرة على الحزن والهم.. وحتى الحقد اذا كان في قلبه شيء منه تجاه منافق..
يقول الامام الصادق: (صانع المنافق بلسانك واخلص ودك للمؤمن، وان جالسك يهودي فاحسن مجالسته). بحار الانوار 152/71
أما الرسول الأعظم فيقول: (أبى الله لصاحب الخلق السيء بالتوبة، قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال: لأنه اذا تاب من ذنب وقع في أعظم من الذنب الذي تاب منه). بحار الانوار 299/70
وفي الحقيقة ان بعض الناس يقيمون علاقاتهم على أساس المادة والدنيا والمصلحة.. فاذا كان ثمة شيء من ذلك فانهم يجاملون ويبتسمون ويظهرون الود والملق.. واذا لم يكن شيء من ذلك.. فان علاقاتهم يسودها العبوس والتجهم والاحتقار، ولذلك فان أهل البيت عليهم السلام يؤكدون بشدة على اقامة العلاقات على أساس الايمان.. وفي سبيل الله حتى لا تتعرض للاهتزاز مع انقلاب معادلات المال والقوة.. يقول الامام أمير المؤمنين: (لتجمع في قلبك الافتقار الى الناس والاستغناء عنهم، يكون افتقارك اليهم في لين كلامك وحسن بشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك). بحار الانوار 158/71
والسؤال الآن كيف نطبع علاقاتنا على الحب والمودة؟.. وهل يمكن أن ينمو ذلك بصورة عفوية؟.. بالطبع لا.. وإنما لابد من أمور.
1- المصافحة، يقول الامام الصادق: (إن المؤمنين ليلتقيان فيتصافحان فلا يزال عز وجل مقبلاً عليهما بوجهه والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا). بحار الانوار 64/64
2- التوقير، يقول الامام الباقر: (عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتجهم بعضكم بعضاً ولا تضاروهم وكونوا عباد الله المخلصين). بحار الانوار 254/71
3- التزاور، يقول الامام الباقر: (ان العبد المسلم اذا خرج من بيته زائراً أخاه لله لا لغيره، التماس وجه الله، رغبة فيما عنده، وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك ينادونه من خلفه الى أن يرجع الى منزله: "ألا طبت وطابت لك الجنة").
ويسأل الامام الصادق أحد أصحابه: (يا فضيل.. تجلسون وتحدثون؟.. قال نعم جعلت فداك، قال: ان تلك المجالس أحبها فاحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا). بحار الانوار 351/77
(المؤمن ألف مألوف) فان المؤمن ينبغي أن يكون ألفاً مستأنساً بالخلق ومستأنساً به، غير نافر منفر.. ولا منفور منه.. موافقاً غير منافق، محالفاً غير مخالف، مناصحاً غير مفاضح.
5- الرفق واللين، وخاصة في النشاطات السياسية، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الامام الصادق: (ما زوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير).
وكما في سائر النقاط.. كذلك هنا.. لابد من ممارسة الرفق واللين حتى مع من يمارسون الشدة والغلظة.. لأنها الطريقة الوحيدة لامتصاص شرهم.. ودفعهم لتغيير سلوكهم..
وبالنسبة إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول الامام الصادق: انما يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر من كانت به ثلاث خصال:
1- عالم بما يأمر وعالم بما ينهى.
2- عادل فيما يأمر وعادل فيما ينهى.
3- رفيق بما يأمر ورفيق بما ينهى.
إذن فان النشاط السياسي والنقد والاصلاح.. يجب أن يراعي كرامة الآخرين ومشاعرهم وان يتم بالرفق واللين والمداراة. و (أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، وأذل الناس من أهان الناس). كما يقول الرسول الاعظم (ص).
6- التصميم على الوحدة، رغم الظروف والتباعد الجغرافي، فضلاً عن نبذ الخلاف والتفرق في الآراء.. يقول الامام الباقر (ع) : (الشيعة.. أولئك الخفيض عيشهم المنقلة ديارهم، القليلة منازعتهم.. ان خاطبهم جاهل سلموا، لم يختلف قولهم وان اختلفت بهم البلدان).
ولا يقتصر المؤمن على اقامة الوحدة بينه وبين الآخرين.. بل انه يحمل مسؤولية الوحدة في المجتمع الاسلامي.. وخصوصاً بين العاملين في الحركة الثورية الاسلامية.. فان الخلافات قد تدب بين هذا وذاك، وقد تتطور فتمزق الصفوف وتؤثر على الآخرين عندما يحاول كل طرف ان يكسب مزيداً من المؤيدين الى صفوفه.. ولذلك يقول الامام الباقر أيضاً : (ان الشيطان يغري بين المؤمنين.. فرحم الله امرأ ألّف بين وليّين لنا، يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا). بحار الانوار 187/75
واذا كان هناك بعض المشاكل العالقة بين المؤمنين والعاملين، فان حلها لا يتم بالتباعد والتفرق، وإنما بالحوار الهاديء والمزيد من اللقاءات، والتصميم على الوحدة.. فان التشرذم والخروج على الجماعة أهون ما يكون.. وان المحافظة على الوحدة والانسجام والتآلف هي الجهاد بعينه.. (اياك وهجران أخيك، فان العمل لا يتقبل من الهجران). بحار الانوار 89/74
وهكذا يحارب الامام أمير المؤمنين (ع) القطيعة ويدعو الى الصلة والحوار والوحدة: (أمل نفسك من أخيك عند صرمه اياك على الصلة، وعند صدوره على لطف المسألة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو وعند شدته على اللين، وعند تجرمه على الاعذار حتى كأنك له عبد، وكأنه ذو النعمة عليك (ويحذر) وإياك أن تصنع ذلك في غير موضعه أو تفعله في غير أهله.. ولا تطلبن مجازاة أخيك وان حثا التراب بفيك.. ولا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب.. ولن لمن غالظك فانه يوشك أن يلين لك.. وان أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع اليها ان بدا له ولك يوماً ما). بحار الانوار 197/74
ومن الامور التي تمزق الوحدة وتزرع البغضاء: المراء والجدال والخصومة وسرعة اللوم وكثرة الانتقاد والمشاورة:
يقول الامام علي بن أبي طالب (ع) : (إياكم والمراء والخصومة فانهما يمرضان القلوب على الاخوان وينب عليهما النفاق). بحار الانوار 299/70
وأخيراً.. اذا ما أضطر المؤمن الى الافتراق عن أخيه وعدم التعاون معه فانه يحافظ على لسانه.. ولا يستمر في الحديث ضده اذا قام واذا قعد فانه يفارق بحسن.. ويخالف بحسن.. ولا يتورط أبداً في الدخول في مهاترات اعلامية تزيد في العداء والتفرقة ولا تصلح شيئاً..
يقول الامام الباقر (ع) : (ان الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين). بحار الانوار 161/71
وقد قال رسول الله (ص) : (ألا أخبركم بشراركم؟.. قالوا بلى يا رسول الله.. قال المتفحش اللعان الذي اذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم، واذا ذكروه لعنوه).
1- التواضع:
وإذا كان التكبر عاملاً من عوامل الصراع.. فان التواضع لابد أن يكون عاملاً من عوامل الوحدة.. ولكن من يمتلك القدرة على التواضع؟ وكيف؟ ولماذا لا يتواضع كل الناس؟
ان المتكبر يشعر بحقارة نفسه.. ولذلك يحاول ان يسد هذا الفراغ بالتعالي على اخوانه وبواسطة الدنيا وعن طريق المال والقوة.. اما المؤمن الذي يشعر بقيمة الايمان وبارتباطه بخالق السماوات والارض.. فانه يشعر بالعزة في نفسه ولا يجد داعياً للتكبر.. ان الايمان بالله هو الخطوة الاولى نحو التواضع..
ولعل الامام الصادق عليه السلام يشير الى هذه الحقيقة عندما يقول:
(ما من رجل تكبرا وتجبر إلا لذلة وجدها في نفسه) بحار الأنوار "225/70"
ولان المؤمن يؤمن بألوهية الله عز وجل.. فانه يحافظ على ميزان علاقاته الاخوية المتساوية مع سائر البشر.. فلا يخضع لعبادة أي احد سوى الله، كما لا يحاول ان يستعلي ويفرض عبادة شخصه على أي أحد من الخلق..
ولذلك يتوجه الى الله تعالى طالباً منه تصحيح العلاقة بينه وبين سائر اخوانه.. والمحافظة على الميزان العادل في نفسه..
يقول الامام زين العابدين عليه السلام في دعاء مكارم الاخلاق:
(اللهم وصلِّ على محمد وآله.. ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا احدثت لي ذلة باطنة عند نفسي مثلها).
حتى لا يشعر الانسان المؤمن بأنه أفضل من غيره وأحق بالعز والاحترام والتقدير.. او انه من طينة أشرف وأسمى..
وينهى الامام ابو عبد الله الصادق اصحابه من الشعور بالتعالي حتى بسبب الايمان والعمل الصالح.. فيقول:
(ان الله تعالى رفع بالايمان من كان الناس يسمونه وضيعاً، اذا كان مؤمناً، ووضع بالكفر من كان الناس يسمونه شريفاً اذا كان كافراً، فليس لاحد فضل على احد إلا بالتقوى) بحار الانوار "299/70"
ومن هنا كان الامام الصادق يوصي اصحابه بالتوجه الى العمل الصالح وتوثيق العلاقات مع الله.. ويقول:
(ان قدرتم ان لا تُعرفوا فافعلوا.. وما عليك ان لم يثنِ عليك الناس؟ وما عليك ان تكون مذموماً عند الناس اذا كنت عند الله محموداً؟)
بحار الانوار "121/70"
وهكذا كان الامام موسى الكاظم عليه السلام يوصي بالتواضع ويحذر من التكبر:
(ما من عبد إلا وملك آخذ بناصيته فلا يتواضع إلا رفعه الله ولا يتعاظم الى وضعه الله).
ويتوجه الامام الصادق بقوة لمعالجة مشكلة التكبر في صفوف الحركة العلمية والثورية التي نشطت في عهده وعلى يديه.. فيحذر من اتخاذ العلم والثورة وسيلة للتكبر.. ويدعو الى التواضع.. فيقول:
(العز رداء الله والكبر ازاره فمن تناول شيئاً منه أكبه الله في جهنم) بحار الانوار 213/70
ويقول:
(من طلب الرئاسة لنفسه هلك، فان الرياسة لا تصلح إلا لأهلها).
(اذا أردت أن تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع الطمع عما في أيدي الناس وعد نفسك في الموتى، ولا تحدثن نفسك انك فوق أحد من الناس!.. واخزن لسانك كما تخزن مالك)
بحار الانوار 168/70.
ويحذر بشدة:
(اياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك)
بحار الانوار 150/70
هؤلاء الذين يحذر الامام زين العابدين منهم.. ويقول انظروا الى محبتهم للرئاسات الباطلة وزهدهم فيها، فان في الناس من خسر الدنيا والآخرة، يترك الدنيا للدنيا ويرى ان لذة الرئاسة الباطلة أفض من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة.. ويحرم من أجلها ما أحل الله ويحل ما حرم الله لا يبالي لما فات من دينه اذا سلمت له رياسته التي قد شقي من أجلها.
بحار الانوار 185/71
ان رسول الله يقول:
(ان من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو يصرف وجوه الناس اليه ليعظموه فليتبوأ مقعده من النار، فان الرئاسة لا تصلح إلا لله ولأهلها، ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه مقته الله ومن دعا الى نفسه فقال: "أنا رئيسكم" وليس هو كذلك لم ينظر الله اليه حتى يرجع عما قال ويتوب الى الله مما ادعى).
بحار الانوار 147/74
ويصف الامام علي عليه السلام المؤمن فيقول:
(المؤمن.. أذل شيء نفساً يكره الرفعة ويشنأ السمعة)
بحار الانوار 304/64.
وهكذا يربي الامام الصادق تلاميذه على التواضع وخاصة أبناء الحركة الاسلامية، وطلائع الأمة وقادتها من العلماء والمجاهدين.. سواءاً التواضع فيما بينهم أو بين بقية الأمة.. وذلك من أجل تمتين العلاقات الوحدوية الداخلية.. بين صفوف الحركة الاسلامية.. أو بين الطلائع المجاهدة وبين الأمة.. فما أن يدب التكبر بين مؤمنين اثنين حتى ينسف العلاقات الأخوية بينهما ويفجر الصراع والتناحر بينهما.. وكذلك الأمر بالنسبة الى الأمة كلها..
وغني عن القول ان مبدء التواضع يترك بصماته في كثير من الأمور بحيث يقلب حياة الانسان أو الحركة بصورة كلية ويجعلها أكثر ليونة وتالفاً واتحاداً مع الاخرين إذ أن التواضع نقيض الانانية.. ذلك المرض الذي ينبت التكبر.. ويسمم كافة العلاقات الاخوية..
ومن الامور المهمة التي تتأثر بالتواضع أو التكبر السياسة الاعلامية للشخص أو الحركة.. فاذا كان متواضعاً اتسمت السياسة الاعلامية بحب الآخرين والخجل من مدح الذات.. والابتعاد عن الرياء والتفاخر والمباهاة وتضخيم الاعمال.. في حين تسارع الى تغطية نشاطات الأخوة المؤمنين الآخرين وتكيل لهم المديح وتعظم صغائر اعمالهم الطيبة.
يقول الامام الصادق:
(لا يصير العبد عبداً خالصاً لله عز وجل حتى يصير المدح والذم عنده سواء، لأن الممدوح عند الله عز وجل لا يصير مذموماً بذمهم وكذلك المذموم، فلا تفرح بمدح أحد فانه لا يزيد في منزلتك عند الله ولا يغنيك عن المحكوم والمقدور عليك ولا تحزن أيضاً بذم أحد فأنه لا ينقصك عنك به ذرة، ولا يحط عن درجة خيرك شيئاً، واكتف بشهادة الله تعالى لك وعليك، قال الله عز وجل: "وكفى بالله شهيداً").
ومن لا يقدر على صرف الذم عن نفسه ولا يستطيع على تحقيق المدح له كيف يرجى مدحه؟ ويخشى ذمه؟.. واجعل وجه مدحك وذمك واحداً، وقف في مقام تغتنم به مدح الله عز وجل لك ورضاه، فان الخلق خلقوا من العجين من ماء مهين، فليس لهم إلا ما سعوا، قال الله عز وجل:
(وإن ليس للانسان إلا ما سعى).
وقال عز وجل:
(ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً)
بحار الانوار 294/70
ويعلمنا الامام أمير المؤمنين عليه السلام أن لا نغتر بالدعاية الكاذبة، فيقول:
(رب مفتون بحسن القول فيه)
بحار الانوار 295/70
ويعلمنا تذكر عيوبنا التي يجهلها المادحون والخوف من الله:
(اللهم أنك أعلم من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلنا خيراً مما يظنون، واغفر لنا ما لا يعلمون، ولا تحاسبنا بما يقولون)
بحار الانوار 294/70
هذا هو المتواضع.. أما المتكبر فانه يفرح بالمدح ويسر ويطالب بالمزيد وقد يعتب اذا قصر المادح عن بعض القابه.. أو غفل عن ذكر بعض "بطولاته".
ويمكننا اكتشاف الفرق بين المتواضع والمتكبر بسهولة من خلال ذكر اسمه مقروناً بصفة العلم والثورية والجهاد.. فاذا رحب بذلك فان ذلك يعني انطواءه على شيء من التكبر.. واذا امتعض واستحيى ولم يبال سواءاً ذكرنا اسمه مجرداً أو مبجلاً.. فانه يدل على مدى التواضع والاخلاص في قلبه..
ان الاعلان عن النفس وطرح الذات من أجل الله.. ومن أجل نشر الدين وقيادة المسلمين أمر جائز ومشروع ولكن التنافس الاعلامي مع المؤمنين ومحاولة طمس ذكرهم والتعميم على نشاطاتهم.. لا يدل إلا على روح التكبر والاستعلاء.. وهو كفيل باثارة حسدهم وغيظهم ودفعهم الى القيام برد الفعل والدخول في معارك اعلامية تجر وراءها معارك يدوية ومسلحة.. أليس كذلك؟.
هذا اذا لم يتحول الاعلام الى سياسة الهجوم وتتبع عيوب الآخرين وفضحهم واسقاطهم من المجتمع.. من أجل الفوز بالزعامة والسلطة وما يترك ذلك من آثار وخيمة على الوحدة الاسلامية بين العاملين.. ودفعهم لانتهاش لحوم اخوانهم والتورط في معارك جانبية.. خطيرة..
ومن هنا كان ضرورياً بالنسبة لسياسة التواضع والكف الاعلامي الالتفات الى عيوب الذات.. والغض عن عيوب الآخرين.. واحترام أعراض وحرمات المؤمنين.. (فكل سعي أخلص عنده من سعيه وكل نفس أصلح عنده من نفسه).
يقول الرسول الأعظم محمد (ص):
(كفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من عيوب نفسه، وان يعير الناس بما لا يستطيع تركه)
بحار الانوار 386/70
وفي مقابل ذلك يدعو الايمان بالانسان المؤمن المتواضع الى الدفاع عن حرمة اخوانه المؤمنين، والذب عن كرامتهم وأعراضهم:
يقول الامام الصادق:
(من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه وهو يقدر خذله الله وحقره في الدنيا والآخرة)
بحار الانوار 262/72
لا للعصبية:
وهناك جانب آخر للتواضع هو التمسك المتين بقيمة الايمان، وعدم تفضيل أية رابطة عائلية أو قومية أو طائفية أو حزبية عليها.. ونبذ أية حمية جاهلية.. ذلك لأن المتكبر عادة ما يلجأ الى قيمه الجاهلية ويتمسك بشرف قبيلته أو قومه أو فئته.. ويتعصب لهم ويتفاخر بهم في محاولة للاستعلاء على الآخرين.. ويخلق بالتالي بذلك الصراعات القبلية أو القومية أو الحزبية في المجتمع ويهدد وحدة المؤمنين..
ولذلك تعتبر مكافحة العصبية خطوة على طريق التواضع والسلام الاجتماعي والوحدة.. ويعتبر المتواضع مبرءاً من أي نوع من العصبية الجاهلية..
واذا حل الايمان.. ظهر التواضع وارتحل التعصب..
يقول الرسول الأكرم:
(من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية).
بحار الانوار 284/70
ويفسر الامام زين العابدين معنى العصبية فيقول:
(العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم). بحار الانوار 288/70
وكثيراً من نشاهد في المجتمع وربما في داخل صفوف الحركة الاسلامية، تعصب البعض لأفكار مختلفة أو رجال معينين، تختلف عليها وعليهم الأمة.. ويكون التعصب لها ولهم سبباً من أسباب الصراع والتناحر وتمزيق أواصر الأخوة، والايمان تبعاً لذلك، بحيث يؤدي بأصحابه الى الخروج عن اطار الاسلام..
الاستشارة:
واذا كانت الفردية والديكتاتورية والعجب من سمات التكبر.. فان الاستشارة وقبول النصح والشورى من سمات التواضع، وعلامة من علائم الايمان.. واذا كانت الديكتاتورية سبباً في تمزيق أوصال المجتمع واثارة الاضطرابات.. فان الاستشارة والشورى تزيد في تقوية أواصر الوحدة..
ومن هنا يعالج أئمة أهل البيت عليهم السلام مشكلة العجب والديكتاتورية.. كخطوة على طريق معالجة مشكلة التكبر الكبرى.. وتعبيد طريق التواضع..
يقول الامام الصادق: (من دخله العجب هلك). بحار الانوار 209/69
ويقول الامام الهادي: (من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه). بحار الانوار 316/69
وبعد أن يحطم أهل البيت عليهم السلام الغرور والعجب في نفس الانسان المؤمن يدعونه الى المرحلة الثانية وهي الاستشارة واحترام آراء الآخرين وقبول النصح..
يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام: (من استبد برأيه هلك) .. (من شاور الرجال شاركها في عقولها.. ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ).
ان الترحيب بالنقد من كل أحد حسن، ولكن من الحاكم أحسن.. وان الاستشارة من كل أحد جميلة.. ولكنها من الخليفة أجمل.. وعندما يقوم بها من يجمع العلم والقوة.. فانها تعتبر قمة في التواضع واللين أمام الشعب.. ومن النادر أن يفتح الحكم صدره لتقبل النقد والتوجيه.. ومن الأندر أن يدعو الناس بنفسه للقيام بذلك.. ولكن هذا ما صنعه الامام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) لكي يعلم تلامذته وشيعته على مدى التاريخ أن يتواضعوا، ويتواضعوا بالرغم من معادلات القوة والمال.. يقول:
(ان من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم اني أحب الاطراء واستماع الثناء ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطاً لله سبحانه، عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لاخراجي نفسي الى الله واليكم، من البقية في حقوق لم أفرغ من ادائها وفرائض لابد من امضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استقالاً في حق قيل لي ولا التماس اعظام لنفسي فانه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فاني لست في نفسي بفوق أن أخطىء ولا آمن ذلك من فعلي ولست بفوق أن أؤمر بالمعروف أو أنهى عن المنكر.. إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فانما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه الى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى). بحار الانوار 309/74
لقد ربط الامام هنا في هذه الرائعة بين منطلق التواضع الذي هو العبودية لله، ورفض التجاوز في الاستيلاء، على حقوق الله من التعظيم والتجليل.. وبين دعوة الأمة الى ممارسة دورها السياسي في مواجهة الحاكم.. وابداء النصح والمشورة.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وبين خشيته من نفسه وبين أن يخطيء.. وحاشاه من ذلك وعلى أي حال.. فان تواضع الحاكم يضفي على الدولة طابع الاستقرار السياسي ويمتص غضب الأمة، ويفتح أمامها قناة للتصحيح والتعبير عن آرائها، وإلا اذا كبت الحاكم حرية النقد والتوجيه، استعلاءاً وتكبراً.. ورفض تصحيح أي خطأ أو انحراف.. بل وأصر عليه.. فان ذلك يفجر الصراع ويمزق الوحدة الاسلامية..
2- الكرم والايثار:
وينطلق من معين الايمان.. والثقة بالله.. فيزرع في قلوب المؤمنين الود والمحبة.. ويقتلع في طريقه أشواك الحسد والبغضاء من القلب.. وذلك لأن المؤمن يزهد في الدنيا ولا يقيم لها وزن جناح بعوضة.. ثم هو يؤمن ان ايمانه يتناقض مع الشح والحسد..
(ان اصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد، وإياكم والبخل.. ولا تحاسدوا). بحار الانوار 254/71
ولا يكتفي أهل البيت عليهم السلام باقتلاع الشح والحسد من قلوب المؤمنين بل يحضونهم على العطاء والايثار والمواساة.. يقول رسول الله:
(لا تزال أمتي بخير ما تحابوا وتهادوا وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام وقروا الضيف وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين). بحار الانوار 206/68
إذن فان الانفاق والايثار شرط رئيسي من شروط الانتماء للحركة الرسالية الثورية.. وهو كفيل بتعزيز الروابط الأخوية وترسيخ الوحدة.
ولا يقتصر الانفاق على الأموال الشخصية.. وإنما يعم أية حاجة مادية ولذلك كان موضوع قضاء الحوائج للاخوان موضوعاً يركز عليه أهل البيت عليهم السلام بشدة.
يقول الامام الحسين عليه السلام: (ان حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم). بحار الانوار 318/71
ويقول الامام الصادق: (ان لله عباداً في الارض يسعون في حوائج الناس وهم الآمنون يوم القيامة). بحار الانوار 319/71
أما الامام زين العابدين فيسأل الله تعالى في دعائه اذا دخل شهر رمضان: (اللهم.. وفقنا فيه لأن نصل أرحامنا بالبر والصلة، وأن نتعاهد جيراننا بالأفضال والعطية، وأن نخلص أموالنا من التبعات وأن نطهرها باخراج الزكوات).
3- مبدء الحق:
ان قيام المجتمع على ميزان الحق.. وتوازن العلاقات بين الفرد والمجتمع يضمن سلامة الأمن والاستقرار والوحدة.. أما اذا اختل الميزان.. فان كافة العلاقات تتدهور.. ويشيع الظلم والحقد والفساد..
ومن الطبيعي ان يلتزم المؤمن بميزان الحق في كافة علاقاته ومعاملاته وأن يتجاوز المنافق ذلك.. ويقيم علاقاته على أساس من الهوى والمصلحة غير آبه لسخط الله أو خائف من عقابه يوم القيامة، وقد يحافظ المرء على علاقاته متوازنة، في حالته الطبيعية، ولكنه يركل ميزان الحق اذا أفرط في السخط والرضا.. ولذلك يقول الامام الصادق عليه السلام:
(إنما المؤمن اذا سخط لم يخرجه سخطه من الحق واذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، واذا قدر لم يتعاط ما ليس له). بحار الانوار 289/64
ويقول الرسول الأعظم: (قل الحق وان كان مراً). بحار الانوار 107/67
ومن الواضح ان لقول الحق دوراً كبيراً في اطفاء نيران المشاكل والخلافات والقضاء على جذور الصراع.. فان من يقول الحق ولو كان على نفسه.. لا يقوم بظلم أي أحد.. وبالتالي فانه يحافظ على علاقاته متوازنة عادلة مع الآخرين..
4- العفو والحلم:
ويلعب الحلم والعفو وكظم الغيظ دوراً كبيراً كذلك في امتصاص عوامل التوتر والصراع في المجتمع، وهو في الحقيقة الوجه الآخر لعملية الالتزام بالحق اذا ما تجاوز الآخرين، واعتدوا على الانسان المؤمن أو غمطوا حقه.. فلا يكتفي هو بالتزام الحق واداء الحقوق للآخرين.. وإنما يسامحهم عن حقوقه ويظم غيظه عنهم.. ويتجاوز عن مسيئهم.. وهذه قمة اللا أنانية على العكس من المنافق الذي لا يؤدي حقوق اخوانه ويثور بغضب اذا ما نال الآخرون شيئاً من حقوقه..
يقول رسول الله (ص) : (عليكم بالعفو، فان العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فتعافوا يعزكم الله). بحار الانوار 401/68
ويقول حفيده الامام الصادق (ع) : (ثلاث لا يزيد الله بهن المرء المسلم إلا عزاً: الصفح عمن ظلمه واعطاء من حرمه والصلة لمن قطعه). بحار الانوار 403/68
ويعلم أصحابه: (انا أهل البيت مروتنا العفو عمن ظلمنا). بحار الانوار 414/68
واذا تساءلنا عن حدود العفو؟ فان الامام موسى بن جعفر الكاظم يجيبنا: (ان أتاكم آت فأسمعكم في الاذن اليمنى مكروهاً ثم تحول الى الأذن اليسرى، فاعتذر وقال: لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره). بحار الانوار 425/68
ولكن اذا كان الانسان مطبوعاً على سرعة الغضب ورد العدوان.. فماذا يفعل؟.. يقول الامام أمير المؤمنين: (ان لم تكن حليماً فتحلّم.. فانه قلّ من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم). بحار الانوار 427/68
5- الأخلاق الحسنة:
وتلعب الأخلاق الحسنة هي الاخرى دوراً مهماً في تمشيط الاضغان من القلوب ونثر ورود المحبة.. على طريق الوحدة.
يقول الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه: (حسن البشر يذهب بالسخيمة). بحار الانوار 472/71
ويعتبر النبي البسمة الحلوة مع الاخوان دلالة على الايمان: (المؤمن بشره في وجهه.. وحزنه في قلبه.. أوسع شيء صدراً). بحار الانوار 411/66
ويدعو الرسول الى اظهار الحب والتودد الى الناس ويعتبر ذلك علامة على العقل.
(رأس العقل بعد الدين التودد الى الناس واصطناع الخير كل بر وفاجر). بحار الانوار 252/71
ان الاخلاق الحسنة تنبع من الحب.. فاذا كره المؤمن أخاه غطى الكره ملامح وجهه وعقد لسانه.. وخطف البسمة من شفتيه.. ولذلك يدعو الاسلام الى كنس الحقد من القلب.. والتصميم على الحب والمبادرة اليه، يقول الامام الصادق(ع) : (ان المسلمين ليلتقيان فأفضلهما أشدهما حباً لصاحبه). بحار الانوار 250/66
فمن منا لا يرغب أن يكون أفضل من صاحبه عند الله؟!.. إذن فلنزرع الحب في قلوبنا تجاه جميع المؤمنين سواءاً كانوا قريبين لنا أو بعيدين بأي نوع من النسبة، حتى نصبح أشبه شيء برسول الله!.
واذا وجد المؤمن قلبه يمتلأ حقداً فجأة من بعض الاخوان نتيجة تصرفاتهم اللا ودية معه.. فانه مطالب بتفريغه بسرعة.. ولا يسمح للحقد أو الكراهية أن يعشعشا في قلبه.. يقول الامام الصادق: (حقد المؤمن مقامه.. ثم يفارق أخاه فلا يجد عليه شيئاً وحقد الكافر دهره). بحار الانوار 211/72
أي انه يعتبر من يخزن الحقد ضد المؤمنين.. بمثابة الكافر!.. واذا ما قال أحد بأنه مضطر لمبادلة الآخرين الذين يكرهونه ويكنون عليه الحقد، فان الامام يقول: (احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك). بحار الانوار 212/72
وربما يقطب الانسان وجهه ويسيء خلقه من دون أي حقد داخلي، وحتى مع أهله واخوانه، بسبب من بعض المشاكل والهموم والاحزان.. فيؤدي ذلك الى تعكير علاقاته الطيبة مع اخوانه من دون ارادته.. وهكذا يفقدهم واحداً بعد الآخر.. وقد يقع في كثير من الأخطاء التي تخرب عمله وتفسد جهاده.. ولذلك فانه مطالب بالسيطرة على الحزن والهم.. وحتى الحقد اذا كان في قلبه شيء منه تجاه منافق..
يقول الامام الصادق: (صانع المنافق بلسانك واخلص ودك للمؤمن، وان جالسك يهودي فاحسن مجالسته). بحار الانوار 152/71
أما الرسول الأعظم فيقول: (أبى الله لصاحب الخلق السيء بالتوبة، قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال: لأنه اذا تاب من ذنب وقع في أعظم من الذنب الذي تاب منه). بحار الانوار 299/70
وفي الحقيقة ان بعض الناس يقيمون علاقاتهم على أساس المادة والدنيا والمصلحة.. فاذا كان ثمة شيء من ذلك فانهم يجاملون ويبتسمون ويظهرون الود والملق.. واذا لم يكن شيء من ذلك.. فان علاقاتهم يسودها العبوس والتجهم والاحتقار، ولذلك فان أهل البيت عليهم السلام يؤكدون بشدة على اقامة العلاقات على أساس الايمان.. وفي سبيل الله حتى لا تتعرض للاهتزاز مع انقلاب معادلات المال والقوة.. يقول الامام أمير المؤمنين: (لتجمع في قلبك الافتقار الى الناس والاستغناء عنهم، يكون افتقارك اليهم في لين كلامك وحسن بشرك، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك). بحار الانوار 158/71
والسؤال الآن كيف نطبع علاقاتنا على الحب والمودة؟.. وهل يمكن أن ينمو ذلك بصورة عفوية؟.. بالطبع لا.. وإنما لابد من أمور.
1- المصافحة، يقول الامام الصادق: (إن المؤمنين ليلتقيان فيتصافحان فلا يزال عز وجل مقبلاً عليهما بوجهه والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا). بحار الانوار 64/64
2- التوقير، يقول الامام الباقر: (عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتجهم بعضكم بعضاً ولا تضاروهم وكونوا عباد الله المخلصين). بحار الانوار 254/71
3- التزاور، يقول الامام الباقر: (ان العبد المسلم اذا خرج من بيته زائراً أخاه لله لا لغيره، التماس وجه الله، رغبة فيما عنده، وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك ينادونه من خلفه الى أن يرجع الى منزله: "ألا طبت وطابت لك الجنة").
ويسأل الامام الصادق أحد أصحابه: (يا فضيل.. تجلسون وتحدثون؟.. قال نعم جعلت فداك، قال: ان تلك المجالس أحبها فاحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا). بحار الانوار 351/77
(المؤمن ألف مألوف) فان المؤمن ينبغي أن يكون ألفاً مستأنساً بالخلق ومستأنساً به، غير نافر منفر.. ولا منفور منه.. موافقاً غير منافق، محالفاً غير مخالف، مناصحاً غير مفاضح.
5- الرفق واللين، وخاصة في النشاطات السياسية، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الامام الصادق: (ما زوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير).
وكما في سائر النقاط.. كذلك هنا.. لابد من ممارسة الرفق واللين حتى مع من يمارسون الشدة والغلظة.. لأنها الطريقة الوحيدة لامتصاص شرهم.. ودفعهم لتغيير سلوكهم..
وبالنسبة إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول الامام الصادق: انما يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر من كانت به ثلاث خصال:
1- عالم بما يأمر وعالم بما ينهى.
2- عادل فيما يأمر وعادل فيما ينهى.
3- رفيق بما يأمر ورفيق بما ينهى.
إذن فان النشاط السياسي والنقد والاصلاح.. يجب أن يراعي كرامة الآخرين ومشاعرهم وان يتم بالرفق واللين والمداراة. و (أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، وأذل الناس من أهان الناس). كما يقول الرسول الاعظم (ص).
6- التصميم على الوحدة، رغم الظروف والتباعد الجغرافي، فضلاً عن نبذ الخلاف والتفرق في الآراء.. يقول الامام الباقر (ع) : (الشيعة.. أولئك الخفيض عيشهم المنقلة ديارهم، القليلة منازعتهم.. ان خاطبهم جاهل سلموا، لم يختلف قولهم وان اختلفت بهم البلدان).
ولا يقتصر المؤمن على اقامة الوحدة بينه وبين الآخرين.. بل انه يحمل مسؤولية الوحدة في المجتمع الاسلامي.. وخصوصاً بين العاملين في الحركة الثورية الاسلامية.. فان الخلافات قد تدب بين هذا وذاك، وقد تتطور فتمزق الصفوف وتؤثر على الآخرين عندما يحاول كل طرف ان يكسب مزيداً من المؤيدين الى صفوفه.. ولذلك يقول الامام الباقر أيضاً : (ان الشيطان يغري بين المؤمنين.. فرحم الله امرأ ألّف بين وليّين لنا، يا معشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا). بحار الانوار 187/75
واذا كان هناك بعض المشاكل العالقة بين المؤمنين والعاملين، فان حلها لا يتم بالتباعد والتفرق، وإنما بالحوار الهاديء والمزيد من اللقاءات، والتصميم على الوحدة.. فان التشرذم والخروج على الجماعة أهون ما يكون.. وان المحافظة على الوحدة والانسجام والتآلف هي الجهاد بعينه.. (اياك وهجران أخيك، فان العمل لا يتقبل من الهجران). بحار الانوار 89/74
وهكذا يحارب الامام أمير المؤمنين (ع) القطيعة ويدعو الى الصلة والحوار والوحدة: (أمل نفسك من أخيك عند صرمه اياك على الصلة، وعند صدوره على لطف المسألة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو وعند شدته على اللين، وعند تجرمه على الاعذار حتى كأنك له عبد، وكأنه ذو النعمة عليك (ويحذر) وإياك أن تصنع ذلك في غير موضعه أو تفعله في غير أهله.. ولا تطلبن مجازاة أخيك وان حثا التراب بفيك.. ولا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب.. ولن لمن غالظك فانه يوشك أن يلين لك.. وان أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع اليها ان بدا له ولك يوماً ما). بحار الانوار 197/74
ومن الامور التي تمزق الوحدة وتزرع البغضاء: المراء والجدال والخصومة وسرعة اللوم وكثرة الانتقاد والمشاورة:
يقول الامام علي بن أبي طالب (ع) : (إياكم والمراء والخصومة فانهما يمرضان القلوب على الاخوان وينب عليهما النفاق). بحار الانوار 299/70
وأخيراً.. اذا ما أضطر المؤمن الى الافتراق عن أخيه وعدم التعاون معه فانه يحافظ على لسانه.. ولا يستمر في الحديث ضده اذا قام واذا قعد فانه يفارق بحسن.. ويخالف بحسن.. ولا يتورط أبداً في الدخول في مهاترات اعلامية تزيد في العداء والتفرقة ولا تصلح شيئاً..
يقول الامام الباقر (ع) : (ان الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين). بحار الانوار 161/71
وقد قال رسول الله (ص) : (ألا أخبركم بشراركم؟.. قالوا بلى يا رسول الله.. قال المتفحش اللعان الذي اذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم، واذا ذكروه لعنوه).