صفحة 1 من 1

النظام السياسي في الاسلام

مرسل: الخميس نوفمبر 29, 2012 5:01 pm
بواسطة احمد خالد الدعفس 101
الكتاب : النظام السياسي
سلم 104
النظام السياسي في الإسلام
إعداد
د.مازن بن صلاح مطبقاني
أستاذ مشارك
الدراسات الإسلامية-كلية التربية
جامعة الملك سعود
فهرس المحتويات
مقدمة ………………………
التمهيد ويشمل ما يأتي
تعريف النظم
أساسا النظم الإسلامية، التوحيد والإيمان بما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم
خصائص النظم الإسلامية.
الفصل الأول : النظام السياسي
مقدمة للنظام السياسي.……………
مصادر التشريع الإسلامي.……………
الفصل الثاني: الحكم……………………
الخليفة - وجوب الإمامة والدليل عليه.
الحكومة الإسلامية :تعريفها وخصائصها.…
الخاتمة: اللهم قد بلّغت.…
ملاحق
مقالات حول الفساد وأنواعه وطرق مكافحته
المقدمة
…الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فتهدف هذه المادة إلى إعطاء الطالب الأدوات الأساسية لمعرفة النظام السياسي في الإسلام؛ من حيث مصادر المادة وبعض التفصيلات فيها. وتأتي أهمية دراسة النظام السياسي أننا نمر في مرحلة فتن سياسية واضطرابات، وأول المتهمين في ما يحدث من فتن وقلاقل هو الإسلام، ويضيفون للإسلام عبارة السياسي، وكأن الإسلام إسلامات كثيرة. ولماذا يتهم الإسلام في المجال السياسي كما يتهم في مجالات أخرى؟ ولا بد أن يكون السبب أن الصراع الفكري في العالم يتركز على المبادئ والمعتقدات قبل الصراع على المادة والأرض والممتلكات، وهذه المبادئ والمعتقدات هي التي تنتج النظم، فلا بد للمسلم أن حقيقة الإسلام ونظامه السياسي، وبخاصة أن البلاد الإسلامية قد مرت بمراحل انجذبت فيها إلى النظم الاشتراكية، والشيوعية الملحدة، وأصبح من المسلمين من يقدّم أقوال منظري هذه النظم وفلاسفتها على ما جاء في الكتاب والسنة، كما حكمت من قبل القوميين والعلمانيين. وما تزال بلاد عربية إسلامية يحكمها من يحارب الله ورسوله، ومن يسعى-كما يزعم- لتجفيف منابع التدين.
…كما ظهر في العالم الإسلامي قوم من العلمانيين لا يرون أن الإسلام صالح لحكم حياة الأمة الإسلامية في جميع شؤون الحياة، فقد ظهر في مصر بعد انهيار الخلافة الإسلامية أو القضاء عليها كتاب علي عبد الرازق الإسلام وأصول الحكم الذي يزعم فيه أنه ليس في الإسلام نظام للحكم، فالإسلام في نظره مجرد شعائر تعبدية ودعوة إلى الأخلاق، أما الحكم فلا شأن للإسلام به. وما زالت هذه المقولة تتكرر على ألسنة وأقلام العلمانيين في أنحاء العالم الإسلامي حتى اليوم، ومن بينهم على سبيل المثال محمد سعيد العشماوي، وصادق جلال العظم وتركي الحمد وغيرهم كثير. وعلينا أن ندرك أن مسألة الحكم والإسلام مسألة مهمة فقد جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحكم من آخر ما ينقض من عرى الإسلام.
ويرى الشيخ محمد المبارك في كتابه نظام الإسلام ـ العقيدة والعبادة، أن دراسة النظم تهتم بـ "تجميع عناصر الإسلام العقلية والعملية والنفسية، وجوانبه الإيمانية، والعبادية والأخلاقية والتشريعية في وحدة مركبة كاملة ."ويضيف أن كلمة نظام "تفيد أن لكل دين أو مذهب طريقة أو نظاماً ينظم به أجزاءه وأقسامه ومبادئه النظرية والعملية. ففي العالم أنظمة متباينة، فنظام للبوذية، ونظام للشيوعية، ونظام للديموقراطية ،ونظام للمسيحية وهكذا."
تأتي السياسة في مقدمة الأمور التي اهتم بها العلماء المسلمون حتى جعلوا باب الإمامة من أبواب العقيدة. وما كانت هذه السطور ضرورية في الحديث عن الإسلام والسياسة، لولا أن الغزو الفكري الذي ابتليت به الأمة في القرون الأخيرة قد أدخل في فكر المسلمين الانفصال بين الدين والسياسة حتى أصبحت السياسة حكراً على طبقة من السياسيين المحترفين، وفهمت السياسة على أنها فن الخداع والمكر، وأن العلماء لا يصلحون للحديث في السياسة بله العمل فيها. وللتأكد من أن الإسلام لم يفرق بين السياسة والدين فليرجع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليرى كيف أنه عليه الصلاة والسلام قد مارس جميع الأعمال السياسية، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون. وأما الفصل بين العلماء والعمل السياسي فقد كان الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم أجمعين علماء بالإسلام -بل أعلم الناس به- وعرف التاريخ الإسلامي كثيراً من الحكام الذين كانوا على درجة عالية من العلم بالإسلام.
وإن كانت الإدارة جزء من السياسة، لكن بينهما فصل مهم حيث إن الإدارة أخص من السياسة، وتأتي أهمية الإدارة في أن الأمم تتسابق في تعداد منجزاتها الإدارية حتى أصبحت اليابان تفخر على الغرب بتفوقها الإداري، وعلينا لكي نستعيد مكانتها في العالم أن ندرك أن الأمة الإسلامية عرفت الإدارة في أرقى صورها وأكثرها تطوراً، ويجب أن نعرف أن الإدارة جزء من معرفة الإسلام أو النظام الإسلامي. ولو لم يكن النظام الإداري الإسلامي فعّالا لما استطاع المسلمون حكم البلاد الواسعة التي أصبحت جزءاً من دولتهم. ولما استطاعوا أن ينشئوا المصانع والمعامل ويبنوا حضارة جعلت الأمة الإسلامية هي العالم الأول لعدة قرون. وبالنسبة لاتساع دولة الإسلام فقد بلغت رقعتها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجزيرة العربية والشام والعراق ومصر، وازدادت رقعتها حتى ضمت شمال أفريقيا كله وبلاد فارس والهند وغيرها في عهود لاحقة.
ولكننا حينما بُلينا في القرون الماضية بعقدة النقص وهي "ولع المغلوب بتقليد الغالب"، استوردنا الأنظمة الإدارية من الغرب ظنّا منّا أننا بذلك سوف نلحق بركب الحضارة. والإسلام لا يمنع أبدأ من الاقتباس من الآخرين ما لم يتعارض ذلك مع ثوابت الأمة. ومظاهر التقليد نجدها في الدورات الإدارية التي تعقدها الشركات الكبرى والمؤسسات، كذلك نجد الشهادات العليا في الإدارة يتم الحصول عليها غالباً من أوروبا وأمريكا.
والدليل على ارتباط الإدارة بفهم الإسلام ذلك أن الإدارة هي القدرة على إنجاز عمل ما عن طريق الآخرين؛ وهي بالتالي تتضمن العلاقة بين الأفراد والقدرة على توجيه هؤلاء الأفراد لأداء عمل ما أو قيادتهم لإنجاز عمل ما في زمن محدد. فأما أداء العمل والإخلاص فيه فهو من أداء الأمانات والوفاء بالعهود التي أمر الإسلام بأدائها. وأما القيادة ومعرفة طبائع البشر فقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل القيادي فكان يقسم الأعمال بين الصحابة حسب قدراتهم وإمكاناتهم ومعرفتهم. فقد اتخذ الكتّاب لشتى الأعمال الكتابية، وكان أعلاها كتابة الوحي بالإضافة إلى كتابة الأموال وكتابة الرسائل وعين على جباية الأموال من يقوم بها، كما اختار من صحابته رضوان الله عليهم من يقود السرايا والغزوات.
كما أن الإدارة الإسلامية اهتمت بالشفافية والبعد عن المحسوبية والواسطة والرشوة. فبدءاً من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأمر بالكسب الحلال والابتعاد عن الكسب الحرام حيث وضح في حديث (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ومنها عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)، ونهي الحاكم أن تطيش يديه في مال الأمة، وأعطى المسؤول الأجرة المناسبة حتى إنه لما ولّى عتاب بن أسيد رضي الله عنه مكة جعل راتبه درهماً كل يوم، مما دعا عتّاب أن يقول:" لقد أغناني رسول الله صلى الله عليه وسلم"
التمهيد
……
تعريف النظم
لغة : مفردها نظام وهي من نَظَمَ أي ألّفَ ومنها نظَمتُ اللؤلؤ في السلك أي جمعته في السلك، والجمع أنظمة وأناظيم ونُظُم، ويقال ليس لأمره نظام أي لا تستقيم طريقته.
اصطلاحاً هي مجموعة التشريعات والقوانين والتنظيمات التي تنظم جميع شؤون الحياة عقدياً وسياسياً واقتصادياً وتعليمياً وغير ذلك. أو هي المبادئ والتعاليم التي تسير عليها أمة من الأمم في السياسة وفي الاقتصاد وفي الإدارة والتعليم ...الخ.
المراد بدراسة النظم: تهتم دراسة النظم كما يقول الشيخ محمد المبارك ب " تجميع عناصر الإسلام العقلية والعملية والنفسية وجوانبه الإيمانية والتعبدية والأخلاقية والتشريعية في وحدة مركبة كاملة. وكلمة نظام تفيد بأن لكل دين أو مذهب طريقة أو نظاماً ينظم به أجزاءه وأقسامه ومبادئه النظرية والعملية ففي العالم أنظمة متباينة فنظام للبوذية ونظام للشيوعية ونظام للديموقراطية ونظام للمسيحية، وهكذا." (نظام الإسلام- العقيدة والعبادة)
…وتأتي أهمية دراسة النظم الإسلامية للتأكيد على أن الإسلام لم يترك جانباً من جوانب الحياة دون أن يهتم به وأن يشرع له، فكما كان للأمم التي عاصرت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم نظمها الخاصة وكما ظهرت أنظمة جديدة فيما بعد كالنظام الإقطاعي والنظام الرأسمالي والنظام الشيوعي والنظام الاشتراكي وغيرها .فالإسلام أيضاً له نظامه الخاص به. لكنه يختلف عن الأنظمة الأخرى في أنه مستمد أساساً من الوحي. ولا بد أن ندرك أن نظام الإسلام متميز عن النظم الأخرى وإن وجدت بعض أوجه الشبه، فهذا التشابه إنما هو في أمور جزئية.
…ومما يؤكد على أهمية دراسة النظم أن الحضارة الغربية هي الحضارة المسيطرة في العصر الحاضر وهي حريصة على فرض نظمها المختلفة على جميع شعوب الأرض بحكم عنصريتها المتأصلة فيها ورغبتها في استمرار هيمنتها وسيطرتها على العالم
أساسا النظم الإسلامية
للنظم الإسلامية أساسان هما :1- التوحيد 2- الإيمان بما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم
أولاً التوحيد: وينضوي تحت هذا الأساس الأمور الآتية:
1- تحديد الحلال والحرام والمباح وغير المباح والحسن والقبيح والطيب والخبيث. وفي ذلك يقول الأستاذ محمد قطب (مذاهب فكرية معاصرة ص20) "من الذي يرسم للبشرية منهج الحياة؟ من الذي يقول هذا حلال وهذا حرام، هذا مباح وهذا غير مباح ، وهذا حسن وهذا قبيح ، هذا طيب وهذا خبيث؟" ويقول الحق سبحانه وتعالى{ألا له الخلق والأمر} (الأعراف54) ويقول سبحانه {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (الشورى 21)
2- حماية الكرامة البشرية وتحرير البشر من كل أنواع العبودية لغير الله والاستعلاء على الطواغيت. ويدل على هذا ما قاله ربعي بن عامر لقائد الفرس: " الله جاء بنا و ابتعثنا لنُخرجَ من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعتها."
3- تحقيق العدل والرشد الذي لا يتحقق تماماً إلاّ بتحكم شرع الله ، يقول محمد قطب (مذاهب فكرية معاصرة ص22): "وأما من ناحية الواقع البشري فالعدل والرشد هو طابع الحياة في ظل عقيدة التوحيد التي تجعل الحاكمية لله، والظلم والتخبط هو طابع الحياة في ظل عقائد الشرك والكفر التي تجعل الحاكمية للبشر مع الله أو من دون الله."
ثانيا: الإيمان بما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم .وفي هذا يجب أن ندرك أموراً ثلاث:
1- مهمة الرسل صلوات الله عليهم هي تعريف البشر بالله سبحانه وتعالى وصفاته وأفعاله وإخبارهم عن بداية العالم ومصير البشر في هذا الكون، فإن العقل البشري لن يصل إلى نتيجة إن هو شغل نفسه بهذه الأمور. وعندها يتفرغ البشر للبحث فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة.
2- الإيمان بما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم هو ركن من أركان الأيمان {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}
3- خصوصية الرسالات السابقة وعموم رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.(أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ... وبعثت إلى الناس كافة)
ويقول محمد المبارك: "كان بين الديانات قدر مشترك من العقائد والمبادئ تلتقي عليها وتتعاون ضمن حدودها، وقد فرّق الإسلام في تعاليمه وتشريعاته بين المشركين والملحدين من جهة وأهل الكتاب بل من لهم شبهة كتاب من جهة أخرى." (ص 111)وثمة قاعدة شرعية تقول: "شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نص مخالف."……

خصائص النظم الإسلامية
أولاً: الربّانية:
…والربّاني الحَبْر وربُّ العلم، وقيل الربّاني الذي يعبد الرب ، والربّاني هو العالم العامل المعلِّم.
وتنقسم الربانية إلى قسمين:1- ربانية المصدر والمنهج.
………… 2- ربانية الوجهة والغاية والقصد.
1-ربّانية المصدر والمنهج : يقول الحق سبحانه وتعالى{ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً} ويتناول القرضاوي الربانية في كتابه القيم (الخصائص العامة للإسلام) بقوله:" إن الإسلام هو المنهج أو المذهب أو النظام الوحيد في العالم الذي مصدره كلمات الله وحدها غير محرفة ولا مبدله ولا مخلوطة بأوهام البشر وأغلاط البشر وانحرافات البشر." (ص38) ويقابل الربانية ما حدث في الأمم الأخرى من قبول التشريعات الوضعية كما فعل اليهود والنصارى حيث وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله:{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} وجاء في تفسيرها أنه أحلوا الحرام وحرّموا الحلال.
2- أما ربانية الغاية والوجهة والقصد فمعناها أن الإسلام يجعل غاية الإنسان الأخيرة وهدفه البعيد هو حسن الصلة بالله تبارك وتعالى والحصول على مرضاته {قل إنني هداني ربّي إلى صراط مستقيم ديناً قِيَماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء}
وللربّانية ثمرات تجعل النظم الإسلامية تتصف بما يأتي:
أ- العصمة من التناقض والاختلاف الذي تعانيه المناهج والأنظمة البشرية.
ب- البراءة من التحيز والهوى{يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}
جـ- التحرر من عبودية الإنسان للإنسان. كان ملوك الفرس يزعمون أنه تجري في عروقهم دماء زرقاء تستلزم استعباد الآخرين. وكان الرومان يرون أن جميع سكان الإمبراطورية عبيد لسكان روما. وكانت مدينة أثينا تتكون من خمسة آلاف من الأحرار يخدمهم جيش من العبيد يزيد على ثلاثين ألف.
ثانياً: الشمول والعموم
يصف القرضاوي هذا بقوله إنه " شمول يستوعب الإنسان كلَّه، ويستوعب الحياة كلها ، ويستوعب كيان الإنسان كله " والنظم الإسلامية تصلح لكل الأمم ولكل الأجناس ولكل الشعوب ولكل الطبقات.ومن الأمثلة على الشمول أنها تشمل الإنسان من قبل ولادته بالاهتمام باختيار الأم ثم بعد الولادة يهتم الإسلام باختيار الاسم الحسن والعقيقة والرضاعة، ويهتم بحسن التربية فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لغلام (يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك) وعلّم عبد الله ابن العباس رضي الله عنهما (يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله ...) وجاء في القرآن الكريم حول مرحلة الرضاعة {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلاّ وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوالدات مثل ذلك} وفي ذلك يقول القرضاوي: "يجعل الإسلام الكون كلَّه والخلقَ كلهم ملكاً لله، وليس لقيصر فيه ذرة واحدة فقيصر وما لقيصر لله الواحد القهار" (ص112)
ثالثاً : التوازن والوسطية:
…التوازن هو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد الطرف المقابل، كما تتعادل كفتا الميزان فلا ترجح إحداهما بالأخرى. ويقول القرضاوي:" إن التوازن أمر أكبر من أن يقدر عليه الإنسان بعقله المحدود وعلمه القاصر فضلاً عن تأثير ميوله ونزعاته الشخصية والأسرية والحزبية والإقليمية والعنصرية وغلبتها عليه من حيث يشعر أو لا يشعر."
…وقد تحقق التوازن في النظام الإسلامي في الأمور الآتية: الروحية والمادية والواقعية والمثالية والفردية والجماعية والثبات والتغير. ففي التوازن بين المادية والروحية ما عرف عن اليهود من الإغراق في المادية وحب الدنيا حتى وصفهم الله تعالى بقوله {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة}، أما النصارى فقد مالوا إلى الرهبانية وكبت الفطرة ومن ذلك قوله تعالى {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}
…أما في الإسلام فقد ورد في حديث الثلاثة الذين نظروا في عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكأنهم تقالّوها فقال أحدهم أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الثاني أما أنا فأقوم ولا أنام وقال الثالث وأنا لا أتزوج النساء فعلم بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال (أما والله إني لأتقاكم لله وإني لأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس منّي) وجاء في حديث آخر (إن لبدنك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً وإن لزورك (زائرك) عليك حقاً فأعط لكل ذي حق حقه)
رابعاً:الفردية والجماعية:
…إذا كانت الفردية قد طغت على الغرب فقطعت الأواصر في المجتمعات الغربية وتحلل الفرد من كل القيود، وانتشرت الأنانية المفرطة؛ فقد قامت الشيوعية على كبت الفرد وجعله مجرد ترس في العجلة وتحكمت الدولة في شؤونه كلها، بينما وقف الإسلام موقفاً وازن فيه بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة أو بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية.
…فمن الاهتمام بالفرد جاءت الكليات الخمس أو الضروريات الخمس لتحمي الدم والدين والعرض والعقل والمال ، ثم أتاح للفرد الفرصة ليعمل وينتج دون قيود سوى ما يمكن أن يتضمن إضراراً بالآخرين.
خامساً:التطور والثبات
…يتمثل الثبات في الأهداف والغايات والمرونة في الوسائل والأساليب. فالثبات في الكليات والقيم الدينية والأخلاقية والمرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية. كما يتمثل الثبات في العقائد الأساسية (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه من الله تعالى. ومن الثوابت أيضاً الأركان الخمس والمحرمات مثل السحر وقتل النفس والزنا وأكل الربا وشرائع الإسلام القطعية مثل الزواج والطلاق والميراث والحدود والقصاص.
سادساً: الجزاء والعقوبة
…أمر الإسلام أتباعه بأوامر وأوجب عليهم واجبات ونهاهم عن أفعال معينة، وجعل لعمل الخير جزاءً في الدنيا بالإضافة إلى ما عند الله سبحانه وتعالى من الرضوان. كما حدد العقوبات للمقصرين في الدنيا وفي الآخرة.
…وقد تبنى النظام الإسلامي تقديم الحوافز للمتفوقين، ولعل أعظم الجوائز هي تلك الأحاديث التي ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة فيها مما يفوق شأناً أوسمة الدنيا كلها وجوائزها. والعقوبة في الإسلام مقررة لكل ذنب فإذا بلغت حداً من حدود الله ووصل أمر ذلك إلى الإمام فلا بد من تنفيذ العقوبة وهي أرحم بالمجتمع الإنساني من العقوبات التي قررتها الأنظمة الوضعية التي ظاهرها الرحمة وباطنها تشجيع الإجرام والمجرمين على جرائمهم. والدليل على ذلك انتشار الجريمة في البلاد التي تأخذ بالتشريعات الوضعية في مجالات الحياة المختلفة وبخاصة في مجال العقوبة والجزاء.
…وقد انتشرت أمراض جديدة في الغرب مثل الإيدز ثم جرثومة الأبيولا وقد نشر معهد موسكو للزهري والمناعة أن الروس سينقرضون في المستقبل ليس نتيجة لحرب مدمّرة ولكن نتيجة انتشار الأمراض الجنسية. وقد أكد هذا أحد الإخوة الذين زاروا روسيا مؤخراً نقلاً عن طبيب روسي.
وقد قدّمت إذاعة الهيئة البريطانية باللغة الإنجليزية يوم الاثنين 30 رجب 1417هـ تقريراً عن النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب بأنهن يعانين من تكرار تحرش المُغتصِب ومضايقته لهن، كما تحدثن عن الصعوبات والمشكلات والإهانات اللاتي يلاقينها في المحاكم، حتى إن إحداهن صرحت بأن الاغتصاب على مرارته وإيلامه أهون من الوقوف في المحكمة والتعرض للاستجواب من قبل القضاة وأحياناً التعرض للعبارات الجارحة من أقارب المتهم ثم الأحكام الخفيفة التي يتخذها القضاة ضد المغتصبين. وإن كان من كلمة حول هذا الأمر فإن هذا هو الضلال فإن المحاكم والعقوبات لن توقف الاغتصاب في الغرب بل يوقفه أن يعرفوا منهج الله عز وجل الذي أمر النساء والرجال على حد سواء بغض البصر ، وحرّم الاختلاط والخلوة بين النساء والرجال، كما أمر بالحشمة والعفة والعفاف . ولكن من يقول هذا للغربيين؟
النظام السياسي الإسلامي
…تمهيد
ابتليت الأمة الإسلامية منذ قرون بالاحتلال الأوروبي الذي حاول أن يبعد المسلمين عن دينهم بنشر الجهل والمرض والفقر. وتمثل الجهل في غياب معرفة المسلمين المعرفة الصحيحة بدينهم حتى لو وصلت معرفة بعضهم إلى القمة في العلوم أو حتى لو كانوا من أبرز العلماء في مجال الذرة. وليس هذا فحسب فإن الاحتلال الأجنبي مكّن لأصحاب الاتجاهات الفكرية المنحرفة لقيادة الرأي العام في العالم الإسلامي فصار الحديث عن الإسلام واتخاذه منهجاً للحياة في شتى المجالات من الأمور المحرمة في كثير من ديار المسلمين.
وقد أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه أنه ستنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها نقضاً الحكم وآخرها الصلاة. وقد خضعت بعض البلاد العربية الإسلامية لحكومات علمانية لادينية وحكومات اشتراكية وشيوعية.
ولمّا كان من الصعب العيش في عزلة تامة عن هذه التيارات وكانت هذه التيارات تجد دعماً قوياً من بعض الحكّام المسلمين ومن الحكومات الغربية فإن من الضروري معرفة هذا الشر كما أوضح عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بأن " من لم يعرف الجاهلية لم يعرف الإسلام " فأخذت هذه الأصوات تنادي بأن على علماء الدين الإسلامي الابتعاد عن مجال السياسة أو لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة زاعمين أن السياسة تتطلب الخداع والمراوغة والدين لا يسمح بذلك.
وهذه الحجة واهية جداً فقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم دولة في المدينة المنورة كان هو رئيسها وقائدها؛ فقد كان يجهز الجيوش، ويعيّن الولاة والأمراء، ويجبي الزكاة والصدقات ويبعث إلى مختلف البلاد من يعلمهم الإسلام، وكان يقيم الحدود ويرسل الرسل والمكاتبات إلى الملوك والأمراء.
وكان الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم علماء بالشريعة الإسلامية وحكموا بلاداً مترامية الأطراف، وكان العلماء شركاء في الحكم على مر العصور حتى إن صلاح الدين الأيوبي خاطب جمعاً من قادته العسكريين قائلاً:" لا تظنوا أني بسيوفكم وحدّت البلاد، إنما وحدتها بقلم القاضي الفاضل."
وهكذا ندرك أن الإسلام قد أرسى دعائم نظام سياسي متكامل كما سنرى في الفقرات القادمة، ولذلك على المسلمين إدراك أن ما مرت به الشعوب الإسلامية من تجارب قلّدت فيها الشرق والغرب عليها أن تتوقف وكما يقول الشيخ محمد المبارك:" لابد لهذه الشعوب من الانتقال إلى مرحلة التجربة الذاتية التي تستفيد من التجارب السابقة، وتهدف إلى إحياء (المبادئ) الإسلامية في الحكم المستندة إلى عقائدية (أيديولوجية) إسلامية مبدئية وتكييفها تكييفاً زمنياً تراعي فيه الأوضاع الاجتماعية القائمة." عن (الثقافة الإسلامية المستوى الثالث بجامعة الملك عبد العزيز ً 226-227). ……
مصادر التشريع الإسلامي
مصادر التشريع الإسلامي الأساس أربعة هي:
1- القرآن الكريم
2- السنّة النبوية الشريفة .
3-الإجماع .
4- القياس. وثمة مصادر فرعية كالاستحسان والاصطحاب والمصالح المرسلة .
أولاً: القرآن الكريم :
كتاب الله الكريم نُقِل متواتراً كتابة وحفظاً وترتيلاً منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الآن، جزم فقهاء الإسلام في كل زمان ومكان بأنه يفيد القطع من ناحية ثبوته ووجوب العمل به، وحكموا بكفر من أنكره كلَّه أو بعضه. فهو عند جميع الفرق والمذاهب - المصدر النقلي الأساسي الأول الذي لا يعدل عنه إلى سواه .
وقد يكون لفظه نصاً لا يحتمل إلاّ معنى واحداً فهو حينئذ قطعي في إفادة العلم بالشيء، وقد يكون لفظه محتملاً عدة معانٍ فالمعنى الذي يفيده في تلك الحالة ظني غير مقطوع به.
ثانياً : السنّة النبوية المطهرة.
يقول الحق سبحانه وتعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ويقول تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلِّموا تسليما} ويقول الحق سبحانه وتعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة}
والسنّة موضحة ومفسّرة للقرآن الكريم كما جاء في قوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون}، وهي إما مفسرة لمجملات القرآن وإما مستقلة في التشريع بما ليس في القرآن، ولكن الرد إليها -حتى في حال الاستقلال- إنما هو رد إلى كتاب الله .
ولا يشترط للعمل بالحديث أن يكون متواتراً يرويه جمع عن جمع يُؤْمن تواطؤهم على الكذب في العرف والعادة، "فإنه يبدو عسيراً بل شبه مستحيل أن تروى أخبار العلوم الوضعية فضلاً عن الدينية السماوية بطرق أدق إسناداً وأصدق ورعاً وأكمل أمانة وأشد حذراً وأبلغ احتياطاً وأوسع شهرة واستفاضة وانتشاراً من أحاديث هذا الرسول العربي العظيم صلوات الله وسلامه عليه." ولو لم يبلغ معظمها درجة التواتر ، ولم تورث أجيال الأمة كلهاّ شعوراً واحداً- أو متماثلاً- في العلم القطعي اليقيني." وقد احتج الصحابة بخبر الآحاد وعملوا بمضمونه.
ثالثاً الإجماع:
…مصدر نقلي تبعي يتحقق باتفاق المجتهدين وفكرته كما يقول د. صبحي الصالح مستمدة من نظام الشورى الذي فرض به الإسلام على أولي الأمر أن يتشاوروا فيما بينهم، وألاّ يستبدوا بتدبير شؤون المسلمين سواءً أكانت تشريعية أم سياسية أم اقتصادية أم إدارية مصداقاً لقوله تعالى{وأمرهم شورى بينهم}، {وشاورهم في الأمر}
وثمة أحاديث تدل على الإجماع منها (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وحديث (لم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة) وحديث (سألت ربي ألاّ يجمع أمتي على الضلالة فأعطانيها)
رابعاً: القياس
…هو مصدر عقلي تبعي يلحق به أمر لا نص فيه ولا إجماع بآخر منصوص عليه منصوص على حكمه أو مجمع عليه. وتعريفه: تعدية حكم من الأصل إلى الفرع بعلة متحدة لا تعرف بمجرد فهم اللغة.
ومن أدلة القياس قوله تعالى{فاعتبروا يا أولي الأبصار}، فالله يأمرنا بالاعتبار بما أصيب به بنو النضير من خراب ودمار لأنهم بشر مثلنا فلو صنعنا ما صنعوا لأصابنا ما أصابهم، ومن ذلك أيضاً قياس إعادة المخلوقات بعد فنائها على نشأتها الأولى كما قال تعالى لمنكري البعث والنشور {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}.