- الجمعة نوفمبر 30, 2012 5:17 am
#55524
في بعض الأحيان تقترب من حدود اليأس والقنوط، من حالة الأمة، ذلك أن فيها أقواماً لا يعتسفون الحقيقة ويمطلون بالحق فحسب، بل إنهم يدفعون به إلى حدود التفاهة والترذّل والاشمئزاز. فهم يمارسون ألواناً من الكتابة، هي في الحقيقة ليست من الكتابة في شيء وإنما هي من هَرَفها وقرفها.. بل هي ألوان من السماجة و"المساخة" والسخف الذي يجعلك تغمض عينك على قذى الأسى والحسرة من هذا الواقع المزري..
وما أزرى بنا وحط من أقدارنا إلا الاحتفاء بمثل هذه الأقلام التي لا لون لها ولا رائحة ولا طعم، سوى انها تحترف النفاق والضرب في آفاق التدليس والمخادعة والارتزاق..!!
قرأت لأحدهم وهو ملمّع إلى درجة تجعلك تؤمن بأن الانحراف بالكتابة والذوق وصل حداً يشبه الانحراف بالحق والعدل الإنساني في وطننا العربي المستباح.
بدأ هذا الفخم الضخم الذي يزعم كراهية التسول والمصانعة أو الارتزاق مع أنه يحترف الانحناء أمام الأبواب الكبيرة والصغيرة أيضاً.. بدأ بالحديث عن الكائن الإنساني "الحجري" الذي كان يخالط الضباع والذئاب وينظف اسنانه بالماء الملوث - معلومة ثمينة - ويكره النوم في القمر..!! تخيلوا.. أن أجدادنا "الحجريين" كانوا يخافون من القمر فلا سمير ولا سمّار في هذا العطاء الإلهي الباذخ جمالاً وروعة. ثم انخرط هذا الحجري - على حد زعم كاتبنا الملهم - منذ خروجه من المغارة إلى المجتمع والعيش مع الآخر. أي مجتمع..؟ وأي آخر..؟ هل هناك كائن إنساني متحضر امتزج معه هذا الإنسان الكهفي الحجري..؟! ألم أقل لكم انها احدى العبر، أو احدى الكبر، في عصر البلاهة والرقاعة والغش الكتابي..؟! ثم سار على هذا المنوال من الحذرفة والهرطقة لكي يوصلنا إلى وحشية بعض أعمال المقاومة.. والتي عُرضت على قنوات العالم.. فبكى، وتباكى، وندب، وصاح، وناح، وذرف الدموع وسفحها على مذبح الأخلاق والإنسانية التي تفلتت وضاعت بسبب هؤلاء العابثين الذين يعيثون خراباً وتلويثاً بالفضيلة الإنسانية البيضاء الناصعة..!
هذا الداهية الحصيف المنزه عن كل شبهة، والغيور على الأخلاق والمصلحة الإنسانية على كوكبنا، والذي سيفقد وضاءته ونقاءه، وطهارته بسبب هؤلاء الأوباش والمفسدين.. تضخمت لديه عقدة "الشعور بالعار" تجاه ما يقوم به هؤلاء المقاومون من الانتقام من ذباحيهم وجلاديهم ومحرقي جلودهم وأرضهم..!!
أقول إن هذا الجهبذ الذي يزعم أنه يحب العرب حباً جماً.. ويهضم بل يأكل تراثهم أكلاً لما، إلى درجة انه يحفظ ديوان المتنبي عن ظهر قلب، ولا يهشم تفعيلة..! ولا يكسر بيتاً، ولا يلحن في كلمة.
أقول يبدو أن الله خلق بصيرته بعين واحدة، وبزاوية واحدة، وبعقل وذهن واحد، وقلب لا يتأثر، ولا يحس إلا بحاسة واحدة.. لأنه لم ير شيئاً من الأعمال الوحشية والذبح، والتدمير العنيف، الذي يمارس ضد العزل، والأبرياء والأطفال في فلسطين والعراق، لم ير كيف تدك البيوت على الأطفال وهم نائمون، ولا على المدارس والمستشفيات ولا المساجد.. لم ير إلى الجثث المحترقة والمشوهة، والأيدي المقطوعة والأرجل المبتورة.. لم ير إلى القنابل التي يتعالى لهبها فوق النجوم.. ويذهب دويها إلى أعماق أعماق الأرض.. لم ير إلى النساء المأولات فوق انقاض بيوتهن وأجساد أحبابهن.. لم ينظر إلى الآلاف الذين يدفنون موتاهم دفناً جماعياً، أو إلى كتل الأعضاء البشرية التي تجمع من الشوارع ومن تحت الأنقاض وتلف في الأردية لكي تدفن معجونة تحت ثرى أرضها وفي طين وطنها المغتصب..!! لم ير كيف تمارس أبشع أنواع الاهانة والإذلال والمحرمات والعبث بالشرف الإنساني.. حيث تتحول أجساد المساجين والمسجونات إلى أكوام من اللحوم المعراة يلصق بعضها ببعض، ويركم بعضها فوق بعض.. في مشهد تشمئز منه حتى أقل البهائم كرامة ونخوة..!!
لم يقل هذا الكاتب الجليل الوقور الكامل الإنسانية والغيرة الأخلاقية أف لهذا.. لم يقل إن هذا عمل يخرب النقاء البشري، والحرمة البشرية، والقانون الأخلاقي الذي عرفه الإنسان حتى في عصره الحجري.. لم يقل إن ما يرتكبه هؤلاء المحتلون انحدر بنقاء البشرية مئات بل آلاف الدرجات والأزمنة نحو الانحطاط، والتهابط، وفاق كثيراً في انحطاطه أخلاق البهائم العجماء.
وإنما ثارت حميته ونخوته، وتجلت انسانيته، وفاضت دموعه، على قتل معتد أثيم تلبس بجريمة قتل الأبرياء واحتلال بلدانهم، وترويع أطفالهم، وسرق تاريخهم، والتربص بمستقبل أجيالهم.. جاء إلى أرضهم حاملاً سلاحاً لم يصنع إلا للذبح والفتك والإبادة..
بكل تأكيد فإن لكل حرب رجالها، ولكل احتلال رجاله، ومباركيه، ولكل استبداد أقلامه التي تبرر عواره وتحلل حَرَامه وتجعله عملاً من أعمال الأخلاق، ومن قتلته رجالاً إنسانيين مخلصين.
وأن لكل عقيدة ضالة وظالمة مريدين ومرتزقين وتجار حروف..
وهذا هو دولاب الدنيا والأيام، يدور وتدور معه نفوس، ورؤوس، وأذيال، ومواقف وأقلام.. تخالف قانون الحق وتدور في فلك النفاق والارتزاق، لكن الدولاب لابد له أن يغير دورته، والتاريخ له وقفة صارمة مع أولئك الذين يرتزقون على النتن والعفن.. ويبقى في الكون أناس خيرون أنقياء مهمتهم أن يقذفوا بهؤلاء خارج الأخلاق والفضيلة والنبل..
ونادراً ما يتخلص المرء من كرهه وحقده المتوارث ودائه القديم..
وكل امرئ عائدٌ يوماً لشيمته
وإن تخلّق أخلاقاً إلى حين
وما أزرى بنا وحط من أقدارنا إلا الاحتفاء بمثل هذه الأقلام التي لا لون لها ولا رائحة ولا طعم، سوى انها تحترف النفاق والضرب في آفاق التدليس والمخادعة والارتزاق..!!
قرأت لأحدهم وهو ملمّع إلى درجة تجعلك تؤمن بأن الانحراف بالكتابة والذوق وصل حداً يشبه الانحراف بالحق والعدل الإنساني في وطننا العربي المستباح.
بدأ هذا الفخم الضخم الذي يزعم كراهية التسول والمصانعة أو الارتزاق مع أنه يحترف الانحناء أمام الأبواب الكبيرة والصغيرة أيضاً.. بدأ بالحديث عن الكائن الإنساني "الحجري" الذي كان يخالط الضباع والذئاب وينظف اسنانه بالماء الملوث - معلومة ثمينة - ويكره النوم في القمر..!! تخيلوا.. أن أجدادنا "الحجريين" كانوا يخافون من القمر فلا سمير ولا سمّار في هذا العطاء الإلهي الباذخ جمالاً وروعة. ثم انخرط هذا الحجري - على حد زعم كاتبنا الملهم - منذ خروجه من المغارة إلى المجتمع والعيش مع الآخر. أي مجتمع..؟ وأي آخر..؟ هل هناك كائن إنساني متحضر امتزج معه هذا الإنسان الكهفي الحجري..؟! ألم أقل لكم انها احدى العبر، أو احدى الكبر، في عصر البلاهة والرقاعة والغش الكتابي..؟! ثم سار على هذا المنوال من الحذرفة والهرطقة لكي يوصلنا إلى وحشية بعض أعمال المقاومة.. والتي عُرضت على قنوات العالم.. فبكى، وتباكى، وندب، وصاح، وناح، وذرف الدموع وسفحها على مذبح الأخلاق والإنسانية التي تفلتت وضاعت بسبب هؤلاء العابثين الذين يعيثون خراباً وتلويثاً بالفضيلة الإنسانية البيضاء الناصعة..!
هذا الداهية الحصيف المنزه عن كل شبهة، والغيور على الأخلاق والمصلحة الإنسانية على كوكبنا، والذي سيفقد وضاءته ونقاءه، وطهارته بسبب هؤلاء الأوباش والمفسدين.. تضخمت لديه عقدة "الشعور بالعار" تجاه ما يقوم به هؤلاء المقاومون من الانتقام من ذباحيهم وجلاديهم ومحرقي جلودهم وأرضهم..!!
أقول إن هذا الجهبذ الذي يزعم أنه يحب العرب حباً جماً.. ويهضم بل يأكل تراثهم أكلاً لما، إلى درجة انه يحفظ ديوان المتنبي عن ظهر قلب، ولا يهشم تفعيلة..! ولا يكسر بيتاً، ولا يلحن في كلمة.
أقول يبدو أن الله خلق بصيرته بعين واحدة، وبزاوية واحدة، وبعقل وذهن واحد، وقلب لا يتأثر، ولا يحس إلا بحاسة واحدة.. لأنه لم ير شيئاً من الأعمال الوحشية والذبح، والتدمير العنيف، الذي يمارس ضد العزل، والأبرياء والأطفال في فلسطين والعراق، لم ير كيف تدك البيوت على الأطفال وهم نائمون، ولا على المدارس والمستشفيات ولا المساجد.. لم ير إلى الجثث المحترقة والمشوهة، والأيدي المقطوعة والأرجل المبتورة.. لم ير إلى القنابل التي يتعالى لهبها فوق النجوم.. ويذهب دويها إلى أعماق أعماق الأرض.. لم ير إلى النساء المأولات فوق انقاض بيوتهن وأجساد أحبابهن.. لم ينظر إلى الآلاف الذين يدفنون موتاهم دفناً جماعياً، أو إلى كتل الأعضاء البشرية التي تجمع من الشوارع ومن تحت الأنقاض وتلف في الأردية لكي تدفن معجونة تحت ثرى أرضها وفي طين وطنها المغتصب..!! لم ير كيف تمارس أبشع أنواع الاهانة والإذلال والمحرمات والعبث بالشرف الإنساني.. حيث تتحول أجساد المساجين والمسجونات إلى أكوام من اللحوم المعراة يلصق بعضها ببعض، ويركم بعضها فوق بعض.. في مشهد تشمئز منه حتى أقل البهائم كرامة ونخوة..!!
لم يقل هذا الكاتب الجليل الوقور الكامل الإنسانية والغيرة الأخلاقية أف لهذا.. لم يقل إن هذا عمل يخرب النقاء البشري، والحرمة البشرية، والقانون الأخلاقي الذي عرفه الإنسان حتى في عصره الحجري.. لم يقل إن ما يرتكبه هؤلاء المحتلون انحدر بنقاء البشرية مئات بل آلاف الدرجات والأزمنة نحو الانحطاط، والتهابط، وفاق كثيراً في انحطاطه أخلاق البهائم العجماء.
وإنما ثارت حميته ونخوته، وتجلت انسانيته، وفاضت دموعه، على قتل معتد أثيم تلبس بجريمة قتل الأبرياء واحتلال بلدانهم، وترويع أطفالهم، وسرق تاريخهم، والتربص بمستقبل أجيالهم.. جاء إلى أرضهم حاملاً سلاحاً لم يصنع إلا للذبح والفتك والإبادة..
بكل تأكيد فإن لكل حرب رجالها، ولكل احتلال رجاله، ومباركيه، ولكل استبداد أقلامه التي تبرر عواره وتحلل حَرَامه وتجعله عملاً من أعمال الأخلاق، ومن قتلته رجالاً إنسانيين مخلصين.
وأن لكل عقيدة ضالة وظالمة مريدين ومرتزقين وتجار حروف..
وهذا هو دولاب الدنيا والأيام، يدور وتدور معه نفوس، ورؤوس، وأذيال، ومواقف وأقلام.. تخالف قانون الحق وتدور في فلك النفاق والارتزاق، لكن الدولاب لابد له أن يغير دورته، والتاريخ له وقفة صارمة مع أولئك الذين يرتزقون على النتن والعفن.. ويبقى في الكون أناس خيرون أنقياء مهمتهم أن يقذفوا بهؤلاء خارج الأخلاق والفضيلة والنبل..
ونادراً ما يتخلص المرء من كرهه وحقده المتوارث ودائه القديم..
وكل امرئ عائدٌ يوماً لشيمته
وإن تخلّق أخلاقاً إلى حين