صفحة 1 من 1

أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي

مرسل: الأحد ديسمبر 02, 2012 11:06 am
بواسطة صالح العساف 81
المفكر الإسلامي – أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي –


وهو واحد من ابرز أعلام الفكر السياسي الإسلامي على مر العصور

وبرغم من انه كان هناك العديد من المفكرين السياسيين .. إلا انه استطاع أن يثبت نفسه ويبرز ويوضح أفكاره التي لازالت حية حتى عصرنا الحالي.

فلا يغيب عن أعيننا أن الماوردي قد عني بفن الحكم والسياسة وكان معاصرا لخليفتين من أطول الخلفاء بقاء في الحكم

كان الماوردي ذو علاقات مع رجال الدولة العباسية كما كان سفير العباسيين ,, و بسبب علاقاته هذه يرجح البعض كثرة كتابته عما يسمى بالفقه السياسي



فن السياسة في فكر الماوردي - رائد الفكر الإسلامي الأول - :





اهتم الماوردي اهتماما كبيرا بـ موضوع فن السياسة , فقد قدم للحاكم ضمن كمّ ٍمن مصنفاته مجموعة من قواعد السلوك السياسي فنصحه أن يلتزمها إن أراد استمرار حكمه واستقامته .

حيث استمد تلك النصائح من خلال ما عايشه في الواقع من تجربته السياسية الذاتية ، وقراءاته المتنوعة لتاريخ أنظمة الحكم لدى الحضارات الأخرى .



وفي الحقيقة أن قواعد الحكم التي قدمها الماوردي كانت مستلهمة من القيم الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، حيث كانت نموذجا لفن السياسة الأخلاقي .

فقد ألف كتاب " تسهيل النظر وتعجيل الظفر" الذي يعد من أشهر كتب الماوردي في فن السياسة ، ويضم ذلك الكتاب في ثناياه شرحا وافيا للعديد من قواعد السلوك السياسي حيث صورها ذلك الشيخ الجليل لتكون خير طريق مُنار يسلكه الحكام في حكمهم .



أياً كان فتلك المقالة الموجزة التي بين أيديكم لا تتسع لسرد جميع قواعد فن السياسة للماوردي لذلك سأستعرض بعضا منها :



فيوجه الشيخ البصري حديثه للحاكم أو للسياسي عموما فيحثه على ضرورة الأخذ بالأخلاق ، والتمسك بالفضائل ، فيقول : "حق على ذي الإمرة والسلطان أن يهتم بمراعاة أخلاقه ، وإصلاح شيمه ، لأنها آلة سلطانه ، وأس إمرته"

فعلى السياسي أن يجعل الاستقامة طريقه قبل أن يأمر رعاياه بها ، وهو مطالب بلزوم مكارم الأخلاق إن أراد الأفضلية لحكومته , ويخبرنا أن الناس على دين ملوكهم





فيقول : "فلزم ذا الإمرة والسلطان أن يبدأ بسياسة نفسه ليحوز من الأخلاق أفضلها ، ويأتي من الأفعال أجملها ،فيسوس الرعية بعد رياضته ، ويقومهم بعد استقامته "



ويسهب الماوردي في نصحه فيحذر الحاكم من الغرور مؤكدا على أن أقدار الملوك تقاس بقدر ما أنجزوا من أعمال وليس بالتكبر والتعالي على المحكومين ثم يقول بهذا الصدد :"ولحسن الظن بالنفس أسباب : فمن أقوى أسبابه الكبر والإعجاب ، وهو بكل أحد قبيح وبالملوك أقبح ، لأنه من دواعي صغر الهمة ، وشواهد الاستكثار لعلو المنزلة ، وهذا من ضعف المنة الذي يجل الملوك عنه ، لان قدراتهم تظهر بالقدرة والسلطان لا بالكبر والإعجاب ، وكفى بالمرء ذما أن تكون رتبته ومنته أضعف من قدرته "





وبناء على ذلك فيجب على الحاكم أن يحذر قبول مدح المنافقين ، وعليه التمييز بين الناصح الأمين والمنافق الذي يبتغي مصلحته فقط .

ويقول في ذلك الإطار موجها كلامه للوزير : "احذر قبول المدح من المتملقين ، فإن النفاق مركوز في طباعهم ، ومدحك هين عليهم ، فإن تسمع لهم غششت نفسك ، وداهنت حسك"



وأيضا من أهم القواعد التي قدمها الماوردي للسياسي تلك التي تحث على ضبط اللسان ، في معنى لزوم الصمت إن أمكن ، واجتناب الكلام إلا للضرورة ، فإن كان متكلما لا محالة فعليه التفكير المسبق قبل التفوه بالكلمة ، فيشتمل تفكيره التدقيق في اختياره لألفاظه وعباراته ؛ لأنه محط للأنظار دائما .



فيقول ناصحا للسياسي : " ولزوم الصمت إلا من ضرورة لا يجد فيها من الكلام بدا ، ليسلم من هذر الاسترسال ، و يأمن من معرة الطيش ، فإن الملك مرموق الألحاظ ، محفوظ الألفاظ ، تشيع زلاته ، وتنتشر هفواته ،وبحسب ذلك تكون محاسنه أنشر وفضائله أشهر ، فهو بالسكوت ممدوح ، ومن الكلام على خطر "

ولعل تلك النصيحة الماوردية تذكرنا بما نقوله اليوم في علم السياسة بخصوص تلك الخصائص والمميزات التي يجب أن تتوافر في الدبلوماسي، والتي من بينها اللباقة ، والقدرة على اختيار اللفظات والعبارات .

وعلى الحاكم كتمان السر وضبط أمارات الوجه ، فلا يظهر في وجهه إمارة سخط ، ولا رضا ، ولا يُعرف منها هل هو مسرور أم حزين .



وكذلك على الحاكم -فضلا عما تقدم- أن يلتزم الصدق وينبذ الكذب ، لأن الكذب يحط من قدره ، ثم إن مصير الحقيقة الانكشاف .

فالحاكم المسلم هو صادق غير كاذب ، وان كان يجوز له الكذب في مواطن معدودة

ومنها في حالة الحرب ، لكي يخدع الأعداء ويفوز بالنصر .



ويضيف أيضا من قواعده انه على الحاكم أن يجمع بين أسلوبي الترهيب والترغيب ،

فيختار لكل موقف مايتناسب معه من هاذين الأسلوبين ، ويجب عليه في كلا الحالتين



أن يحقق وعده أو وعيده على أكمل وجه.

ويحذّر فقيهنا السياسي من الغضب وينصح بتجنبه ، لان الغضب يبعد عن الإنسان الصواب.



وعلى الحاكم أن يتحلى بالرحمة إذ أن القسوة مرفوضة لدى الماوردي ، لأنها تخل من ميزان العدالة

وكذلك نبّه بأهمية العدل ، في شأن أمور المحكومين ، وأمور الدولة .

أما القاعدة الذهبية التي لا ينفك الماوردي من تكرارها ناصحا الحكام بإتباعها فتتمثل بـ الشورى

إذ يرى ويؤكد انه من الخطر استبداد الحاكم برأيه خاصة في الأمور المصيرية ؛ لان ذلك من شأنه وقوع بعض الأخطاء الجسيمة ، وحدوث عواقب وخيمة ،أما استشارة العلماء من ذوي الألباب والرأي الصواب فيساعد في اختيار الخيارات الملائمة ،فيقول الماوردي في ذلك :

"ولا ينبغي للملك أن يمضي الأمور المستبهمة بهاجس رأيه ، وينفذ عزائمه المحتملة ببداهة فكره ، تحرزا من إفشاء سره ، وأنفه من الاستعانة بغيره ، حتى يشاور ذوي الأحلام والنهى ، ويستطلع برأي ذوي الأمانة والتقى ، ممن حنكتهم للتجارب ، فارتضوا بها ، وعرفوا موارد الأمور وحقائق مصادرها ، فإنه ربما استبداده برأيه أضر عليه من إذاعة سره ، وليس كل الأمور أسرار مكتومة ، ولا الأسرار المكتومة بمشاورة النصحاء معلومة "





ويدل على إلحاح الماوردي في قاعدته التي تضمن مفهوم الشورى قوله :

"ارجع إلى رأي العقلاء ، وافزع إلى استشارة العلماء ، ولا تأنف من الاسترشاد ، ولا تستكنف من الاستمداد ، فلأن تسأل وتسلم خير من أن تستبد وتندم "



وأيضا يرى الماوردي أن على الحاكم أن يتفقد أحوال رعيته بالسؤال عنهم واستخبارهم ، ويخصص لهذا الغرض عمالا أكفاء، أمينون، مخلصين



وأخيرا وليس آخرا ، فعلى الحاكم إن أراد لدولته البقاء مصاحبة السلام والقوة



فيجب عليه معرفة أحوال البلدان المجاورة له .

ويتضح في ثنايا كل ما تقدم من فكر الماوردي المقتبس من الإسلام أنه لا مجال للفصل بين السياسة والأخلاق ؛لأنها تسير في طريق مستقيم ينيره القران الكريم والسنة النبوية الذي يدعوا ويحث لمكارم الأخلاق .

فالحاكم في الإسلام هو إنسان فاضل ، ذكي ، فطن ، كريم ، غير غضوب ، كتوم ، ليس متكبرا ، مستخبر لأحوال رعيته ، مهتما لأحوال الدول المجاورة ،

وكل ذلك دون أن يخرج عن القيم السامية .

إن الماوردي قدم بحق في ثنايا كتبه العديدة ، قواعد للحكم جاءت كلها مستمدة من القيم الإسلامية الرفيعة ؛ وذلك هو سبب كونها مثالا لما يمكن تسميته بـ فن السياسة الأخلاقي ، في مواجهة الميكافيلية المعروف بها عالم السياسة و اللاأخلاقية التي اتسم بها أشهر رواد هذا الفن ألا وهو ميكافيلي الإيطالي .





المراجع :

*الماوردي رائد الفكر السياسي الإسلامي - للدكتور أحمد وهبان -

* من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة -الماوردي-



.