- الأحد ديسمبر 02, 2012 4:21 pm
#55715
أدى سقوط نظام القذافي إلى نشوء أزمة دائمة في مايتعلق بضبط المناطق الحدودية الشاسعة لليبيا. وبعد نحو عام من انهيار النظام، لاتزال مساحات واسعة من الأراضي على طول الحدود الليبية البالغ طولها 4300 كيلو متر، من نواحٍ عدة، غير مضبوطة وربما غير قابلة للضبط. وخارج المراكز السكانية، لم تتمكن القوات المسلحة الليبية من السيطرة على الهجرة والتهريب الذي يتدفّق عبر البلاد.
مع انهيار الجيش وقوات الشرطة إبان الاقتتال الذي شهدته ليبيا خلال 2011، حلت مكانهما أعداد كبيرة من الجماعات المسلحة، التي تصف نفسها بالكتائب التي تعمل باسم ثورة 17 شباط/فبراير.1 وبما أن العديد من هذه الجماعات لم يشارك على نحوٍ واسع في القتال ضد قوات القذافي، فإن ولاءها بالكاد كان يتعدى القبائل التي جاءت منها، وهذا كان واضحاً بشكل خاص في المناطق الحدودية الليبية، التي كانت بعيدة عن المعاقل الثورية في بنغازي ومصراتة والجبال الغربية. تسبَّب الفراغ في السلطة الذي نجم عن غياب القذافي في نشوب صراعات محلية للسيطرة على المراكز الحدودية والتجارة عبر الحدود بين القبائل المتنافسة وأيضاً بين الحكومة المركزية والعديد من الكتائب.
وقد استولت الكتائب، التي جاء بعضها من قبائل نائية، بهدف فرض رؤيتها الخاصة لوظائف الدولة، على مراكز حدودية من القوات المسلحة الليبية ووزارة الداخلية، ثم انخرطت في أنشطة مراقبة الحدود الخاصة بها. وفي أماكن أخرى، تقوم القبائل الحدودية بالقتال من أجل السيطرة على طرق التجارة أو فقط بانتهاز الفرصة لتصفية حسابات قديمة مع أولئك الذين يرون أنهم غير ليبيين أو من أنصار القذافي. صحيحٌ أن أعمال القتل تراجعت، إلا أن المدن الحدودية لاتزال في حالة من الصراع المجمَّد، حيث ينحصر دور الجيش الليبي في إدارة ومتابعة عمليات وقف إطلاق النار الهشّة. ونتيجةً لهذا الاقتتال، أصبحت بعض القبائل الحدودية الليبية، مثل التبو والطوارق – وكلتاهما من المجموعات العرقية غير العربية التي تقطن جنوب الصحراء – أقل ميلاً من أي وقت مضى للثقة بالدولة أو التعاون معها. فازداد التهريب غير المشروع، وأصبحت البلاد أكثر خطورة وعدم قابلة للتنبؤ على صعيد
المهاجرين والمتاجرين.
يتسبّب عجز ليبيا عن السيطرة على حدودها بمشاكل كبيرة بالنسبة إلى جميع جيرانها. فتهريب الأسلحة والبشر الذي يعبر الأراضي الليبية، يتدفق بحرّية إلى حدٍّ ما من جميع أنحاء المغرب العربي، وذلك بفضل الجماعات العرقية وعلاقاتها الوثيقة بشبكات الإجرام المنظَّم، والتي تعمل على ربط المنطقة بعضها ببعض. وتبرز صعوبة هذا الوضع بشكلٍ خاص في مالي، حيث يقوم متمردو الطوارق بالتحالف مع الجماعات الإسلامية من أنحاء الساحل كافة باستخدام الأسلحة المشتراة في ليبيا للسيطرة على الجزء الشمالي من البلاد. كل هذا يؤثر سلباً على أمن أوروبا أيضاً، حيث تدخل البضائع المهربة والأشخاص إلى دول الاتحاد الأوروبي نفسها.
كان نظام القذافي، على كل علاته، قادراً إلى حدٍّ ما خلال العقد المنصرم على ضبط ذلك التدفق إلى أوروبا. فقد كانت ليبيا، ولاتزال، أحد أهم مراكز التهريب إلى أوروبا، الأمر الذي يؤثر بشكل خاص على مالطا وإيطاليا، التي لاتبعد جزيرة لامبيدوسا التابعة لها أكثر من 600 كيلومتر عن شواطئ ليبيا. خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، واجهت أوروبا تنامياً ملحوظاً في الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات من غرب إفريقيا، الامر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى مطالبة ليبيا وغيرها من الدول المغاربية بتشديد الرقابة على حدودها.
وكسائر العديد من الأمور التي كانت موجودة في ليبيا قبل العام 2011، كانت الأجهزة الأمنية التي تراقب الحركة عبر الحدود تأتمر بأوامر القذافي. وعلى الرغم من أن منظومة القوانين كانت تتسم بالفوضى وعدم التنظيم، حتى أنها في بعض الأحيان كانت مسخَّرة لخدمة الأهداف المتناقضة لسياسة القذافي، فإنها كانت فعّالة إلى حد ما، كما أنها اكتسبت درجة معينة من قابلية التنبؤ التي فُقدت بعدما تمت الإطاحة بالنظام. قد تكون نوايا الحكومة الجديدة أفضل من القديمة – فقد أشاد أحد ضباط الهجرة المتمركزين على الشريط الساحلي الليبي بالتغيير في النظام كونه مكَّنه في نهاية المطاف من القيام بعمله بعيداً عن هيمنة القذافي على التهريب عبر منافذ الهجرة – إلا أن معرفتها بالقوى الفاعلة على الحدود الليبية وسيطرتها عليها أقل بكثير.
لكن في الحقيقة، ما من حكومة ليبية سبق لها أن سيطرت بشكلٍ كامل على حدودها وعلى أعمال التهريب التي تمر عبرها. إذ ببساطة لم تتوفر الحوافز للقيام بذلك على الإطلاق، سواء بالنسبة إلى مسؤولي الحكم المحلي أو الشعب الليبي. بل إن إهمال الحكومة أو ممارستها للتمييز، دفع القبائل الحدودية، المحرومة من الاستفادة من الاقتصاد الرسمي، إلى الانخراط في التجارة غير الرسمية والتهريب. كما كان مسؤولو الحكم المحلي، الذين كانوا يُحرمون أحياناً من الترقيات الوظيفية المجزية في الحكومة، يشاركون في هذا الأمر بسبب الإغراءات المالية والأرباح التي يحققونها من التجارة غير المشروعة.
لكي تتمكن ليبيا من إنشاء استراتيجية أمن حدود فعالة حقاً، يتعين عليها القيام بما لم تقم به أي حكومة ليبية سابقة: تفكيك شبكة المصالح الاقتصادية والمحلية الموجودة لدى قبائل الحدود الليبية. هذا يتطلب التصدّي للقضايا المجتمعية العويصة، والتي من بينها قضية المواطنة، إلى جانب تطوير بدائل قانونية لاقتصاد السوق السوداء. وسوف تحتاج قوات الحدود إلى إعادة هيكلة وتدريب شاملين، تقريباً من الصفر، بحيث يتسلم الجيش مهمة المراقبة من الجماعات المسلحة المختلفة التي تسيطر على حدود ليبيا حالياً. إن إجراء إصلاح حقيقي لمنظومة القوانين سيكون عملية طويلة، وهذا يعني أن المناطق الحدودية المضطربة في ليبيا ستبقى تمثل تحدياً بالنسبة لكل من ليبيا وأوروبا لفترة طويلة في المستقبل.
مع انهيار الجيش وقوات الشرطة إبان الاقتتال الذي شهدته ليبيا خلال 2011، حلت مكانهما أعداد كبيرة من الجماعات المسلحة، التي تصف نفسها بالكتائب التي تعمل باسم ثورة 17 شباط/فبراير.1 وبما أن العديد من هذه الجماعات لم يشارك على نحوٍ واسع في القتال ضد قوات القذافي، فإن ولاءها بالكاد كان يتعدى القبائل التي جاءت منها، وهذا كان واضحاً بشكل خاص في المناطق الحدودية الليبية، التي كانت بعيدة عن المعاقل الثورية في بنغازي ومصراتة والجبال الغربية. تسبَّب الفراغ في السلطة الذي نجم عن غياب القذافي في نشوب صراعات محلية للسيطرة على المراكز الحدودية والتجارة عبر الحدود بين القبائل المتنافسة وأيضاً بين الحكومة المركزية والعديد من الكتائب.
وقد استولت الكتائب، التي جاء بعضها من قبائل نائية، بهدف فرض رؤيتها الخاصة لوظائف الدولة، على مراكز حدودية من القوات المسلحة الليبية ووزارة الداخلية، ثم انخرطت في أنشطة مراقبة الحدود الخاصة بها. وفي أماكن أخرى، تقوم القبائل الحدودية بالقتال من أجل السيطرة على طرق التجارة أو فقط بانتهاز الفرصة لتصفية حسابات قديمة مع أولئك الذين يرون أنهم غير ليبيين أو من أنصار القذافي. صحيحٌ أن أعمال القتل تراجعت، إلا أن المدن الحدودية لاتزال في حالة من الصراع المجمَّد، حيث ينحصر دور الجيش الليبي في إدارة ومتابعة عمليات وقف إطلاق النار الهشّة. ونتيجةً لهذا الاقتتال، أصبحت بعض القبائل الحدودية الليبية، مثل التبو والطوارق – وكلتاهما من المجموعات العرقية غير العربية التي تقطن جنوب الصحراء – أقل ميلاً من أي وقت مضى للثقة بالدولة أو التعاون معها. فازداد التهريب غير المشروع، وأصبحت البلاد أكثر خطورة وعدم قابلة للتنبؤ على صعيد
المهاجرين والمتاجرين.
يتسبّب عجز ليبيا عن السيطرة على حدودها بمشاكل كبيرة بالنسبة إلى جميع جيرانها. فتهريب الأسلحة والبشر الذي يعبر الأراضي الليبية، يتدفق بحرّية إلى حدٍّ ما من جميع أنحاء المغرب العربي، وذلك بفضل الجماعات العرقية وعلاقاتها الوثيقة بشبكات الإجرام المنظَّم، والتي تعمل على ربط المنطقة بعضها ببعض. وتبرز صعوبة هذا الوضع بشكلٍ خاص في مالي، حيث يقوم متمردو الطوارق بالتحالف مع الجماعات الإسلامية من أنحاء الساحل كافة باستخدام الأسلحة المشتراة في ليبيا للسيطرة على الجزء الشمالي من البلاد. كل هذا يؤثر سلباً على أمن أوروبا أيضاً، حيث تدخل البضائع المهربة والأشخاص إلى دول الاتحاد الأوروبي نفسها.
كان نظام القذافي، على كل علاته، قادراً إلى حدٍّ ما خلال العقد المنصرم على ضبط ذلك التدفق إلى أوروبا. فقد كانت ليبيا، ولاتزال، أحد أهم مراكز التهريب إلى أوروبا، الأمر الذي يؤثر بشكل خاص على مالطا وإيطاليا، التي لاتبعد جزيرة لامبيدوسا التابعة لها أكثر من 600 كيلومتر عن شواطئ ليبيا. خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، واجهت أوروبا تنامياً ملحوظاً في الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات من غرب إفريقيا، الامر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى مطالبة ليبيا وغيرها من الدول المغاربية بتشديد الرقابة على حدودها.
وكسائر العديد من الأمور التي كانت موجودة في ليبيا قبل العام 2011، كانت الأجهزة الأمنية التي تراقب الحركة عبر الحدود تأتمر بأوامر القذافي. وعلى الرغم من أن منظومة القوانين كانت تتسم بالفوضى وعدم التنظيم، حتى أنها في بعض الأحيان كانت مسخَّرة لخدمة الأهداف المتناقضة لسياسة القذافي، فإنها كانت فعّالة إلى حد ما، كما أنها اكتسبت درجة معينة من قابلية التنبؤ التي فُقدت بعدما تمت الإطاحة بالنظام. قد تكون نوايا الحكومة الجديدة أفضل من القديمة – فقد أشاد أحد ضباط الهجرة المتمركزين على الشريط الساحلي الليبي بالتغيير في النظام كونه مكَّنه في نهاية المطاف من القيام بعمله بعيداً عن هيمنة القذافي على التهريب عبر منافذ الهجرة – إلا أن معرفتها بالقوى الفاعلة على الحدود الليبية وسيطرتها عليها أقل بكثير.
لكن في الحقيقة، ما من حكومة ليبية سبق لها أن سيطرت بشكلٍ كامل على حدودها وعلى أعمال التهريب التي تمر عبرها. إذ ببساطة لم تتوفر الحوافز للقيام بذلك على الإطلاق، سواء بالنسبة إلى مسؤولي الحكم المحلي أو الشعب الليبي. بل إن إهمال الحكومة أو ممارستها للتمييز، دفع القبائل الحدودية، المحرومة من الاستفادة من الاقتصاد الرسمي، إلى الانخراط في التجارة غير الرسمية والتهريب. كما كان مسؤولو الحكم المحلي، الذين كانوا يُحرمون أحياناً من الترقيات الوظيفية المجزية في الحكومة، يشاركون في هذا الأمر بسبب الإغراءات المالية والأرباح التي يحققونها من التجارة غير المشروعة.
لكي تتمكن ليبيا من إنشاء استراتيجية أمن حدود فعالة حقاً، يتعين عليها القيام بما لم تقم به أي حكومة ليبية سابقة: تفكيك شبكة المصالح الاقتصادية والمحلية الموجودة لدى قبائل الحدود الليبية. هذا يتطلب التصدّي للقضايا المجتمعية العويصة، والتي من بينها قضية المواطنة، إلى جانب تطوير بدائل قانونية لاقتصاد السوق السوداء. وسوف تحتاج قوات الحدود إلى إعادة هيكلة وتدريب شاملين، تقريباً من الصفر، بحيث يتسلم الجيش مهمة المراقبة من الجماعات المسلحة المختلفة التي تسيطر على حدود ليبيا حالياً. إن إجراء إصلاح حقيقي لمنظومة القوانين سيكون عملية طويلة، وهذا يعني أن المناطق الحدودية المضطربة في ليبيا ستبقى تمثل تحدياً بالنسبة لكل من ليبيا وأوروبا لفترة طويلة في المستقبل.