منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#55725
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(1).
لا تكاد ترى أمّة، أو فكرة، أو مبدأ، أو نظاماً فتح أبواب العلوم والثقافة كما فتحها الإسلام، أو ندب إليها كما ندب الإسلام إلى العلم.
فكم ندب الإسلام إلى العلم، وكم قدّر من العلماء، ورفع من شأنهم.
منزلة العلم في القرآن

ونظرة باحثة بدقّة في القرآن الحكيم، وتصفّح آيات بينات ورد فيها العلم والفكر والعلماء والمفكرين، توقف الباحث على كنز كبير وزخم عظيم.
ففي القرآن أكثر من ألف وخمسمائة آية تتحدّث عن المواد التالية: (العلم)، (المعرفة)، (التعقّل)، (التذكّر)، (التدبّر) التي يجمعها معنى (الثقافة).
وإذا علمنا أنّ كل ما في القرآن من آيات (6400) آية تقريباً.
وإذا علمنا أيضاً أنّ هذه الآيات تعني بكل ما في الإسلام من أصول، وفروع، وأحكام، وأخلاق، ونفس، وجسد، وعلوم الكون، والحيوان، والنبات، والفلسفة، والطب، والاجتماع، والسياسة، والاقتصاد، والعلاقات الدولية، والفردية، والعائلية، والقومية، والإقليمية، وما إلى ذلك من عبادات، ومعاملات، وجيش، وشرطة، وأمن، وحاكم، ومحكوم، وغير ذلك..
ومن مجموع ذلك نسبة الربع تقريباً يختص بالثقافة.
إذا علمنا كل ذلك وجمعنا بعضها إلى بعض ظهر لنا بجلاء اهتمام القرآن بالثقافة، وأنّه لا يشابهه اهتمام أي نظام، أو دين، أو مبدأ.
فهل نجد ـ عبر التاريخ كله ـ كتاباً للتشريع والتنفيذ جميعاً في مختلف الميادين تستأثر الثقافة منه بالربع؟
منزلة العلم في السنّة

والسنّة والأحاديث الشريفة المروية عن رسول الله صلی الله عليه و آله وأهل بيته الأئمة الأطهار عليهم السلام هي الأخرى زاخرة بالعلم والمعرفة.
ويكفيك أن تعلم أنّ كتاباً واحداً من مجاميع الأحاديث هو (بحار الأنوار) جمع فيه من أحاديث العلم والمعرفة قرابة ثلاثة آلاف حديث أو تزيد.
هذه الخلفية الثقافية الواسعة المعمّقة تعكس بعض اهتمام الإسلام بالثقافة والفكر.
نماذج

ولمجرد النماذج نذكر بعض الأحاديث لنعرف البعد العميق في تحريض الإسلام على الثقافة والعلم:
1. «اطلبوا العلم ولو بالصين»(2).
ولو علمنا أنّ الرسول صلی الله عليه و آله الذي فاه بهذه النادرة العظيمة كان في الحجاز وكان في زمان يستغرق السفر منه إلى الصين ذهاباً وإياباً سنتين، دع عنك الأخطار الكبيرة والكثيرة التي كان يواجهها المسافر إلى الصين عبر البحار والصحاري، من تعرض للغرق والضياع والهلاك عطشاً أو جوعاً، أو بتمزيق السباع، وما شاكل ذلك.. لعرفنا بعض عمق هذا الكلام النبوي..
«اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»(3).
ولعلنا لا نجد في التاريخ كلمة أخرى ـ غير هذه النادرة التي ورد بها الحديث الشريف ـ تدل على أنّ المهمّة الأولى والأخيرة للإنسان هو العلم، فمن المهد يبدأ الإنسان مدرسته، ولا ينتهي منها إلا عندما يوضع في القبر ويلحد.
«العلماء ورثة الأنبياء»(4).
الأنبياء عليهم السلام هم قمم البشر، هم السفراء بين الله وبين خلقه، هذه المنزلة هي التي يختار الله لها من يشاء من بين الناس.. فليس باختيار الناس أنفسهم بل هو اختيار الله تعالى، ولكن لأي بشر أن يتسنّم الوراثة لهذه القمّة، بأن يتعلم حتى يصبح عالماً، ويكفي ذلك دلالة على رتبة العلم وعظيم منزلته.
«الناس موتى وأهل العلم أحياء»(5).
الحياة ينسجم معها الأحياء ولا ينسجم معها الأموات، لأن كل شيء ينسجم مع مجانسه، وهذه الكلمة هي من أروع التعبير لذلك، فالناس ـ إن لم يكونوا علماء ـ فهم أموات، والأموات ليسوا في هذه الحياة، وأهل العلم هم الأحياء.
فالجاهل وإن كان حياً في هذه الدنيا، فهو بمنزلة الميت.
والعالم وإن كان ميتاً منذ قرون، فهو بمنزلة الحي.
«ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا»(6).
عالم اليوم يفتخر بالتعليم الإجباري الذي فرض في بعض الدول على عامّة النّاس، مع أنّ المخطِّط الأوّل لذلك في إطاره الإيجابي الإنساني دون السلبي الممارس حالياً عند البعض هو حفيد رسول الله صلی الله عليه و آله الإمام جعفر الصادق عليه السلام صاحب هذه الكلمة النادرة.
فهو يتمنى لو استطاع جبر أصحابه على التفقّه والتعلّم ولو بسبب ضربهم بالسياط.
«طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»(7).
هذا الفرض العام في التعليم والثقافة الشامل لكل رجل وامرأة عديم الوجود في غير الإسلام، فهو من مختصات الإسلام. إنّه فريضة، وواجب شرعي إلهي، ثم إنّه لا يختص بألف قيد، وألف شرط، من: التحديدات بالعمر، أو الجنسية، أو المهنة، أو ما شاكل ذلك مما تشترط في تعليم عالم اليوم.
إنّه واجب على كل مسلم شباباً، وشيوخاً، وكهولاً، ومن مختلف الجنسيات، والألوان، واللغات، والقوميات، والقبليات.. إلى آخره.
وهو واجب على كل امرأة مسلمة كذلك.
والأحاديث الشريفة في التحريض على الثقافة والأمر بالعلم والاستزادة منه كثيرة لا مجال لذكرها هنا في هذا العرض المبني على الاختصار.
فهل تجد مثل ذلك في غير الإسلام؟
كلا!.
معرفة الصناعات

ويضرب الإسلام شوطاً أبعد في ميدان الثقافة، فيصدر حكمه الأكيد والوجوب المحتوم على تعلّم كافّة الصناعات، والمخترعات، والحرف، وجوباً كفائياً.
ومعنى الوجوب الكفائي هو: أنّ المسلمين لو تركوا جميعاً صنعة أو حرفة فتعطلّت عندهم أجهزة الحياة ـ ولو نسبياً ـ اشترك الجميع في الإثم والعصيان والمسؤولية أمام الله تعالى.
قال شيخ الفقهاء الشيخ المرتضى الأنصاري قدس سره في كتاب (المكاسب): « وللواجب بالصناعة الواجبة كفاية خصوصاً إذا تعذّر قيام الغير به » (8).
فعلم صنع الطائرات واجب في الإسلام.
وتعلّم صنع المكائن ـ بأنواعها وأشكالها ـ واجب.
وكذلك تعلّم صنع الأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية.
وتعلم فلق الذرة واجب أيضاً.
وهكذا كل صناعة، أو حرفة، أو اختراع ـ يتضرر الإسلام والمسلمون بتركه ـ واجب مقدّس في الإسلام..
ومعنى الواجب ليس المفضّل وحسب. بل معناه ما لو توانى عنه المسلمون وتقاعسوا لاستحقّ جميعهم العقاب الإلهي ممّن كان يمكنه القيام به وتركه. ولو فعله بعض المسلمين بمقدار الكفاية، سقط وجوبه عن الآخرين.
وكان لمن فعله أجر الدنيا وثواب الآخرة. فيندرج ذلك في العبادة التي لم يخلق الله تعالى الناس إلا من أجلها حيث قال القرآن الحكيم:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ)(9).