By فهد العزاز 81 - الأحد ديسمبر 02, 2012 10:16 pm
- الأحد ديسمبر 02, 2012 10:16 pm
#55744
الحركات الإسلامية السياسية العربية.. هل تنشد التناوب أم التدافع؟
في الوقت الذي يبدو للمشاهد العادي والمراقب السياسي، تَصَدُر الحركات الإسلامية السياسية العربية للمشهد السياسي الراهن، وإمساكها بزمام معظم خيوط ترتيب الوضع السياسي المستقبلي للمنطقة العربية، فإن هناك من يتمنى إخفاقها وفشلها في تحقيق ما سعت من أجله خلال عقودٍ طويلة، وهؤلاء من كانوا على خلاف عقائدي مع تلك الحركات. وبالمقابل فإن المواطن العادي يقف حائراً بين رغبته في أن تكمل تلك الحركات مشوارها لتقوده وتقود البلاد الى تقدم وعدالة واستقرار، وبين استماعه لمن يقدح في كينونتها التي يسمها البعض بالعمالة أحياناً وبالركض الى استلام السلطات بغض النظر عن مصالح الوطن والمواطنين.
وفي هذه السلسلة من المقالات التي نحرص بكل صدق، أن نكون حياديين في تدوينها، متوخين في ذلك إيصال المعلومة التعريفية للقارئ والمتتبع لما يحدث في الساحة العربية، لكي يتخذ موقفه بعد التعرف على نشأة وأفكار وطبيعة تنظيم تلك الحركات.
كما أن هناك هدفاً آخراً، وهو ترك مادة للتفكير عند بقية الأحزاب والحركات السياسية العربية، لتعيد عملية اتخاذ المواقف، باعتبار تلك الفصائل السياسية الإسلامية (شريك مفارق) يتوجب التعامل معه بإيجابية وتعاون، كما يتم التعامل في الدول الغربية بين الحركات العلمانية والحركات الدينية، والابتعاد عن التربص وانتظار الإخفاق أو صناعة ما يوصل الى الإخفاق والفشل، وبالتالي إضافة سنوات انتظار جديدة لأبناء الأمة للحاق بغيرهم.
وقد نمر على العداء المستتر بين التيار القومي واليساري من جهة و التيار الإسلامي السياسي العربي من جهة أخرى، كون التيارين استحضرا الثقافة من أجل التحريض على فعل سياسي، تدرب أولاً في محاولة كل تيار من النيل من الآخر، قبل تدربه على النيل من أنظمة الحكم.
بداية التشكيلات الحديثة للحركات الإسلامية
يكره المنتسبون لتلك الحركات وصفهم بما يسمى (الإسلام السياسي) وسنحترم وجهة نظرهم بذلك ولن نذكر ذلك المصطلح المستخدم إعلامياً وسياسياً من قبل من هم خارج تلك الحركات.
وكون حركة الأخوان المسلمين هي أكبر الفصائل السياسية الإسلامية، بل والسياسية بشكل عام في الوطن العربي، فعليه سنتخذها نقطة أساس للانطلاق في حديثنا، مع ذكر المقتربات التي أسهمت في تشكيل حركة الأخوان المسلمين، وأثرت فيها عقائديا وسياسياً.
في منتصف القرن التاسع عشر، وبعد أن اتجهت دولة الخلافة العثمانية لتتريك رعاياها في المنطقة العربية (أي تحويلهم لأتراك) وجعلهم ينسون لغتهم العربية، صعد تيار عروبي قومي متأثراً بالأفكار والنماذج التي وُجدت في أوروبا التي تخلصت دولٌ منها من هيمنة الدولة العثمانية، فظهرت بذلك الدولة/الأمة، كهنجاريا وبلغاريا وغيرها من الدول، وظهر فكرٌ قومي في مناطق كثيرة في أوروبا دعا لوحدة أبناء الدولة/ القومية كما حصل في ألمانيا وفرنسا وغيرها، فكان من الطبيعي أن يظهر التيار القومي ليتخلص من زيف العباءة العثمانية التي كانت تحكم باسم الدين، في حين كان الجهل والفقر والفساد منتشراً في مناطق رعاياها من العرب. وقد استنفر للجهد القومي من أبناء الأمة العربية مفكرون من مختلف الديانات والطوائف، فأعطوه زخماً كبيراً.
بالمقابل، فإن المتمسكين بوحدة الدولة الإسلامية، انصرفوا الى جهود وصفت بالإصلاحية مع عدم معاداتهم بشكل علني للتيار القومي. وهؤلاء المصلحون الإسلاميون هم من ترافدت أفكارهم بعد تعديلها حتى وصلت الى (الأخوان المسلمين). وسنوجز أهم هؤلاء المصلحين وأفكارهم، وكيف تعامل معها الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الأخوان المسلمين:
جمال الدين الأفغاني (1838ـ1897)
مفكر إسلامي ومصلح ديني وسياسي واجتماعي، وصاحب دعوة لتحرر الأمم الإسلامية من الاستعمار والنفوذ الأجنبي، ولقيام الجامعة الإسلامية على أسس دستورية. كانت أخصب فترات زمانه ما قضاه بمصر من عام 1871 الى عام 1879.
وُلد في أسد آباد أو (سعد آباد) كما يسميها صاحب الموسوسة السياسية*1، لأسرة كريمة لها نفوذها في منطقتها، ويلقب وينادى بالسيد لانتمائه لزين العابدين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، ولم يكن شيعياً كما أثبت ذلك المفكر الإسلامي محمد عمارة*2. يتحلى بأخلاق المحاربين كونه اشترك في حرب تحرير (هراة)، ويمتاز بقدرة خطابية هائلة، وثقافة نوعية، قربه إليه سلطان أفغانستان وسلطان إيران (ناصر شاه) الذي اتهم الأفغاني بأنه خطط لقتله. كما قربه السلطان العثماني عبد العزيز، ثم طرده من استانبول، فجاء الى القاهرة، ليستقبله الخديوي إسماعيل، ثم التقى بابنه (توفيق) في محفل ماسوني!*3 وقيل أنه تآمر معه لقتل الخديوي إسماعيل.
من أفكاره: أن الدول لا تتكون ولا يخلص لها السلطان إلا بقوتين (الجنسية: العِرق) التي تدعو للاتحاد لمغالبة من سواهم من ذوي الأجناس الأخرى، وقوة الدين، ويكون الأخير أكثر فاعلية من العصبية. ويضرب الأفغاني مثالا على العرب، بأنهم جنس شجاع قوي، لكنهم لم يعرفوا أن يؤسسوا دولة إلا بالإسلام. وقد استطاعوا أن يؤسسوا دولة قوية في العهد الراشدي والأموي وصدر العهد العباسي، قبل أن يركنوا الى غيرهم من الأقوام.. فانتشر الجهل بين الخلفاء ففقدوا قوة الدين والعِرق معاً*4
كان يُحرض مستمعيه على الثورة، فنفي من مصر ومات في ظروف غريبة، إذ أنه بعد أن وجهت أصابع اتهام اغتيال شاه إيران إليه، ظهر مرض في فكه، فأوعزت الحكومة الإيرانية الى طبيب عراقي اسمه (جارح) ليتولاه، فمات بالعلاج! فضبطت الحكومة التركية كامل أعماله وصادرتها..
الإمام محمد عبده (1849ـ 1905)
هو محمد عبده بن حسين خير الله، نشأ في قرية بمحافظة البحيرة بمصر. تعلم في الأزهر، وأخذ عن خاله التصوف. لازم جمال الأفغاني عند قدومه لمصر، وتأثر بها تأثراً شديداً، وتعلم منه الاهتمام بالصحافة والإعلام والاهتمام بالأمور السياسية، وبعد نفي الأفغاني من مصر، تم تراجع محمد عبده عن الأفكار الثورية وترأس تحرير جريدة الوقائع المصرية، ودرَّس في (دار العلوم). اشترك محمد عبده بثورة أحمد عرابي، وبعد فشلها سُجن محمد عبده ومن ثم نفي فالتحق بجمال الدين الأفغاني في باريس ليصدرا هناك (العروة الوثقى)، ويؤسسا تنظيماً سرياً.
عاد الى مصر، عمل في القضاء، ثم تولى منصب الإفتاء، والتفت حوله نخبة من المثقفين والمفكرين كانوا يمثلون مدرسة الفكر المصري والعربي والإسلامي التي ترى التحرر والتطور ثمرة للتربية والتعليم والاستنارة، وتعلق الآمال على الصفوة المختارة في ميدان الفكر وليس على تحرك العامة واتجاه الجماهير!
تسللت أفكار الأفغاني ومحمد عبده وتأثر بها مؤسسو حزب الأمة المصري والأحرار الدستوريون مع بعض التعديلات*5
محمد رشيد رضا (1865ـ 1935)
مفكر إسلامي إصلاحي، أكثر الأشخاص الذين تأثر بهم الإمام (حسن البنا) مؤسس جماعة الأخوان المسلمين. ولد في القلمون/ طرابلس لبنان، سنة 1865، من عائلة متدينة، حيث أن والده علي رضا إماما لمسجد القرية، فحفظ رشيد (واسمه مركب محمد رشيد) القرآن الكريم في صغره، والتقى بمحمد عبده في بيروت عند نفيه على إثر فشل ثورة أحمد عرابي، وحاول اللقاء بجمال الدين الأفغاني، لكنهما اكتفيا بتبادل الرسائل.
تأثر تأثراً شديداً بالإمام محمد عبده، ونزل مصر ليكون قريباً منه وكان ذلك في عام 1898، أسس مجلة (المنار)، قام الإمام محمد عبده بتفسير خمسة أجزاء من القرآن الكريم قبل وفاته، ثم تابع رشيد رضا تلك السلسلة حتى وصل الى سورة هود قبل وفاته، ثم حاول الشيخ السلفي السوري محمد بهجت البيطار تكملة ذلك إلا أنه توقف بعد سورة يوسف.*6
وكانت جماعة الأخوان المسلمين عندما يتم التضييق عليها في مطبوعاتها المرخصة تلجأ لاستئجار مجلة المنار أو تمرر نشراتها من خلالها.
كان رشيد رضا أديباً لغوياً وكاتباً وصحفياً. كان يرى أنه من الضرورة لرُفي الأمة الجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة الأوروبية الحديثة مع التربية الإسلامية الوطنية.
هوامش
*1ـ موسوعة السياسة/ عبد الوهاب الكيالي/ بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1990 الطبعة الثالثة الجزء الأول صفحة 231.
*2ـ مجلة العربي عدد شهر 9/ 2012 صفحة 84.
*3ـ ملحق مجلة السياسة الدولية عدد 189 صفحة 6/ يوليو/ تموز 2012، أورد تلك المعلومة الدكتور عمر رياض أستاذ الدراسات الإسلامية، معهد لايدن لدراسة الأديان.
*4ـ الآثار الكاملة لجمال الدين الأفغاني، خاطرات الأفغاني/ إعداد وتقديم: سيد هادي خسروشاهي/ المجلد السادس صفحات 206ـ 208/ القاهرة: مكتبة الشروق الدولية 2002
*5ـ موسوعة السياسة/ عبد الوهاب الكيالي/ بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1990 الطبعة الأولى؛ الجزء السادس صفحة 92.
*6ـ الأخوان المسلمون: هل هي صحوة إسلامية؟/ السيد يوسف/ القاهرة: مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات/ الجزء الثاني: حسن البنا والبناء الفكري صفحة11.
في الوقت الذي يبدو للمشاهد العادي والمراقب السياسي، تَصَدُر الحركات الإسلامية السياسية العربية للمشهد السياسي الراهن، وإمساكها بزمام معظم خيوط ترتيب الوضع السياسي المستقبلي للمنطقة العربية، فإن هناك من يتمنى إخفاقها وفشلها في تحقيق ما سعت من أجله خلال عقودٍ طويلة، وهؤلاء من كانوا على خلاف عقائدي مع تلك الحركات. وبالمقابل فإن المواطن العادي يقف حائراً بين رغبته في أن تكمل تلك الحركات مشوارها لتقوده وتقود البلاد الى تقدم وعدالة واستقرار، وبين استماعه لمن يقدح في كينونتها التي يسمها البعض بالعمالة أحياناً وبالركض الى استلام السلطات بغض النظر عن مصالح الوطن والمواطنين.
وفي هذه السلسلة من المقالات التي نحرص بكل صدق، أن نكون حياديين في تدوينها، متوخين في ذلك إيصال المعلومة التعريفية للقارئ والمتتبع لما يحدث في الساحة العربية، لكي يتخذ موقفه بعد التعرف على نشأة وأفكار وطبيعة تنظيم تلك الحركات.
كما أن هناك هدفاً آخراً، وهو ترك مادة للتفكير عند بقية الأحزاب والحركات السياسية العربية، لتعيد عملية اتخاذ المواقف، باعتبار تلك الفصائل السياسية الإسلامية (شريك مفارق) يتوجب التعامل معه بإيجابية وتعاون، كما يتم التعامل في الدول الغربية بين الحركات العلمانية والحركات الدينية، والابتعاد عن التربص وانتظار الإخفاق أو صناعة ما يوصل الى الإخفاق والفشل، وبالتالي إضافة سنوات انتظار جديدة لأبناء الأمة للحاق بغيرهم.
وقد نمر على العداء المستتر بين التيار القومي واليساري من جهة و التيار الإسلامي السياسي العربي من جهة أخرى، كون التيارين استحضرا الثقافة من أجل التحريض على فعل سياسي، تدرب أولاً في محاولة كل تيار من النيل من الآخر، قبل تدربه على النيل من أنظمة الحكم.
بداية التشكيلات الحديثة للحركات الإسلامية
يكره المنتسبون لتلك الحركات وصفهم بما يسمى (الإسلام السياسي) وسنحترم وجهة نظرهم بذلك ولن نذكر ذلك المصطلح المستخدم إعلامياً وسياسياً من قبل من هم خارج تلك الحركات.
وكون حركة الأخوان المسلمين هي أكبر الفصائل السياسية الإسلامية، بل والسياسية بشكل عام في الوطن العربي، فعليه سنتخذها نقطة أساس للانطلاق في حديثنا، مع ذكر المقتربات التي أسهمت في تشكيل حركة الأخوان المسلمين، وأثرت فيها عقائديا وسياسياً.
في منتصف القرن التاسع عشر، وبعد أن اتجهت دولة الخلافة العثمانية لتتريك رعاياها في المنطقة العربية (أي تحويلهم لأتراك) وجعلهم ينسون لغتهم العربية، صعد تيار عروبي قومي متأثراً بالأفكار والنماذج التي وُجدت في أوروبا التي تخلصت دولٌ منها من هيمنة الدولة العثمانية، فظهرت بذلك الدولة/الأمة، كهنجاريا وبلغاريا وغيرها من الدول، وظهر فكرٌ قومي في مناطق كثيرة في أوروبا دعا لوحدة أبناء الدولة/ القومية كما حصل في ألمانيا وفرنسا وغيرها، فكان من الطبيعي أن يظهر التيار القومي ليتخلص من زيف العباءة العثمانية التي كانت تحكم باسم الدين، في حين كان الجهل والفقر والفساد منتشراً في مناطق رعاياها من العرب. وقد استنفر للجهد القومي من أبناء الأمة العربية مفكرون من مختلف الديانات والطوائف، فأعطوه زخماً كبيراً.
بالمقابل، فإن المتمسكين بوحدة الدولة الإسلامية، انصرفوا الى جهود وصفت بالإصلاحية مع عدم معاداتهم بشكل علني للتيار القومي. وهؤلاء المصلحون الإسلاميون هم من ترافدت أفكارهم بعد تعديلها حتى وصلت الى (الأخوان المسلمين). وسنوجز أهم هؤلاء المصلحين وأفكارهم، وكيف تعامل معها الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الأخوان المسلمين:
جمال الدين الأفغاني (1838ـ1897)
مفكر إسلامي ومصلح ديني وسياسي واجتماعي، وصاحب دعوة لتحرر الأمم الإسلامية من الاستعمار والنفوذ الأجنبي، ولقيام الجامعة الإسلامية على أسس دستورية. كانت أخصب فترات زمانه ما قضاه بمصر من عام 1871 الى عام 1879.
وُلد في أسد آباد أو (سعد آباد) كما يسميها صاحب الموسوسة السياسية*1، لأسرة كريمة لها نفوذها في منطقتها، ويلقب وينادى بالسيد لانتمائه لزين العابدين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، ولم يكن شيعياً كما أثبت ذلك المفكر الإسلامي محمد عمارة*2. يتحلى بأخلاق المحاربين كونه اشترك في حرب تحرير (هراة)، ويمتاز بقدرة خطابية هائلة، وثقافة نوعية، قربه إليه سلطان أفغانستان وسلطان إيران (ناصر شاه) الذي اتهم الأفغاني بأنه خطط لقتله. كما قربه السلطان العثماني عبد العزيز، ثم طرده من استانبول، فجاء الى القاهرة، ليستقبله الخديوي إسماعيل، ثم التقى بابنه (توفيق) في محفل ماسوني!*3 وقيل أنه تآمر معه لقتل الخديوي إسماعيل.
من أفكاره: أن الدول لا تتكون ولا يخلص لها السلطان إلا بقوتين (الجنسية: العِرق) التي تدعو للاتحاد لمغالبة من سواهم من ذوي الأجناس الأخرى، وقوة الدين، ويكون الأخير أكثر فاعلية من العصبية. ويضرب الأفغاني مثالا على العرب، بأنهم جنس شجاع قوي، لكنهم لم يعرفوا أن يؤسسوا دولة إلا بالإسلام. وقد استطاعوا أن يؤسسوا دولة قوية في العهد الراشدي والأموي وصدر العهد العباسي، قبل أن يركنوا الى غيرهم من الأقوام.. فانتشر الجهل بين الخلفاء ففقدوا قوة الدين والعِرق معاً*4
كان يُحرض مستمعيه على الثورة، فنفي من مصر ومات في ظروف غريبة، إذ أنه بعد أن وجهت أصابع اتهام اغتيال شاه إيران إليه، ظهر مرض في فكه، فأوعزت الحكومة الإيرانية الى طبيب عراقي اسمه (جارح) ليتولاه، فمات بالعلاج! فضبطت الحكومة التركية كامل أعماله وصادرتها..
الإمام محمد عبده (1849ـ 1905)
هو محمد عبده بن حسين خير الله، نشأ في قرية بمحافظة البحيرة بمصر. تعلم في الأزهر، وأخذ عن خاله التصوف. لازم جمال الأفغاني عند قدومه لمصر، وتأثر بها تأثراً شديداً، وتعلم منه الاهتمام بالصحافة والإعلام والاهتمام بالأمور السياسية، وبعد نفي الأفغاني من مصر، تم تراجع محمد عبده عن الأفكار الثورية وترأس تحرير جريدة الوقائع المصرية، ودرَّس في (دار العلوم). اشترك محمد عبده بثورة أحمد عرابي، وبعد فشلها سُجن محمد عبده ومن ثم نفي فالتحق بجمال الدين الأفغاني في باريس ليصدرا هناك (العروة الوثقى)، ويؤسسا تنظيماً سرياً.
عاد الى مصر، عمل في القضاء، ثم تولى منصب الإفتاء، والتفت حوله نخبة من المثقفين والمفكرين كانوا يمثلون مدرسة الفكر المصري والعربي والإسلامي التي ترى التحرر والتطور ثمرة للتربية والتعليم والاستنارة، وتعلق الآمال على الصفوة المختارة في ميدان الفكر وليس على تحرك العامة واتجاه الجماهير!
تسللت أفكار الأفغاني ومحمد عبده وتأثر بها مؤسسو حزب الأمة المصري والأحرار الدستوريون مع بعض التعديلات*5
محمد رشيد رضا (1865ـ 1935)
مفكر إسلامي إصلاحي، أكثر الأشخاص الذين تأثر بهم الإمام (حسن البنا) مؤسس جماعة الأخوان المسلمين. ولد في القلمون/ طرابلس لبنان، سنة 1865، من عائلة متدينة، حيث أن والده علي رضا إماما لمسجد القرية، فحفظ رشيد (واسمه مركب محمد رشيد) القرآن الكريم في صغره، والتقى بمحمد عبده في بيروت عند نفيه على إثر فشل ثورة أحمد عرابي، وحاول اللقاء بجمال الدين الأفغاني، لكنهما اكتفيا بتبادل الرسائل.
تأثر تأثراً شديداً بالإمام محمد عبده، ونزل مصر ليكون قريباً منه وكان ذلك في عام 1898، أسس مجلة (المنار)، قام الإمام محمد عبده بتفسير خمسة أجزاء من القرآن الكريم قبل وفاته، ثم تابع رشيد رضا تلك السلسلة حتى وصل الى سورة هود قبل وفاته، ثم حاول الشيخ السلفي السوري محمد بهجت البيطار تكملة ذلك إلا أنه توقف بعد سورة يوسف.*6
وكانت جماعة الأخوان المسلمين عندما يتم التضييق عليها في مطبوعاتها المرخصة تلجأ لاستئجار مجلة المنار أو تمرر نشراتها من خلالها.
كان رشيد رضا أديباً لغوياً وكاتباً وصحفياً. كان يرى أنه من الضرورة لرُفي الأمة الجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة الأوروبية الحديثة مع التربية الإسلامية الوطنية.
هوامش
*1ـ موسوعة السياسة/ عبد الوهاب الكيالي/ بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1990 الطبعة الثالثة الجزء الأول صفحة 231.
*2ـ مجلة العربي عدد شهر 9/ 2012 صفحة 84.
*3ـ ملحق مجلة السياسة الدولية عدد 189 صفحة 6/ يوليو/ تموز 2012، أورد تلك المعلومة الدكتور عمر رياض أستاذ الدراسات الإسلامية، معهد لايدن لدراسة الأديان.
*4ـ الآثار الكاملة لجمال الدين الأفغاني، خاطرات الأفغاني/ إعداد وتقديم: سيد هادي خسروشاهي/ المجلد السادس صفحات 206ـ 208/ القاهرة: مكتبة الشروق الدولية 2002
*5ـ موسوعة السياسة/ عبد الوهاب الكيالي/ بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1990 الطبعة الأولى؛ الجزء السادس صفحة 92.
*6ـ الأخوان المسلمون: هل هي صحوة إسلامية؟/ السيد يوسف/ القاهرة: مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات/ الجزء الثاني: حسن البنا والبناء الفكري صفحة11.