- الأحد ديسمبر 02, 2012 11:48 pm
#55762
الحركة الإسلامية في مصر
بين جمعة 18 نوفمبر 2011 وجمعة 9 نوفمبر 2012
الماضي القريب :
في عهد الاستبداد البائد حاول النظام تجفيف منابع التدين في مصر، ولما فشل في ذلك لجملة من الأسباب، حاول أن يسيطر على الحالة الإسلامية باختراق قمي، على مستوى الأفكار، وكذلك على مستوى الرموز – العام منها والتنظيمي –. فأشاع الأفكار الأكثر تصالحا مع باطله العلماني، سواء على مستوى إسباغ الشرعية عليه، أو على مستوى فقه المتاح في واقع الحركة، وسمح لأصحاب هذه الأفكار بالوجود أو الظهور بنسب معينة، في مقابل منع الرافضين لها من الوجود أو الظهور بوسائل متعددة.
الأثر السيئ :
أدى ذلك في الحركة الإسلامية إلى تقليل في مساحة الأفكار التغييرية، مع ندرة في الرموز الحاملين لها، بالإضافة إلى تقليل في فاعلية ومبادرة الأجيال الجديدة، مع انتظارهم لتوجيه شيخ بعينه، أو لأمر قائد بعينه، كما تعودوا في ظل سنوات الاستبداد الأخيرة. فكانت حالة من شبه التجمد أصابت عموم التيار، وأتاحت نوعا واسعا من السيطرة لصالح الحكم المستبد.
عندما ثار الشعب:
ومع طوفان ثورة 25 يناير، وظهور تأثير الشعب الذي يوصف أكثره بالتعاطف الإسلامي، حاول المجلس العسكري الحاكم السيطرة على الحالة الإسلامية، بل وإحباط تأثيرها، من خلال التعامل الخداعي مع أكثر الرموز والقيادات الإسلامية. في محاولة للالتفاف بالاحتواء ثم العزل التدريجي، مع الإرضاء الجزئي بالمكاسب المفخخة والتي يسهل سلبها، تمهيدا لاستثناء التيار الإسلامي من مشهد ما بعد الثورة.
المتغيرات الخطيرة :
فجاءت جمعة 18 نوفمبر 2011 علامة فارقة بين ما قبلها وبين ما بعدها، وهي الجمعة التي دعا إليها الشيخ حازم أبو إسماعيل للمطالبة برحيل العسكر عن السلطة، في خط مغاير للخط العام لأكثر أولئك الرموز والقيادات، وفرضت ثلاثة متغيرات على الواقع :
الأول: توجت رفع سقف المطالب الإسلامية، بالاحتشاد خلف مطلب تحكيم الشريعة، على يد رئيس إسلامي يجاهر بمشروعه.
ويدرك قيمة هذا المتغير من يلاحظ الخطاب الإسلامي، وكيف بدأ في أول الثورة ضعيفا، لدرجة وعد البعض بعدم ترشيح رئيس إسلامي، وإقرار البعض لذلك، وسكوت البعض بشكل مريب كأن الأمر لا يعنيه، أو كأنه لا يريد أن يتحمل تبعته. وما كان الكلام عن "الرئيس التوافقي" ببعيد عن كثير الرموز التقليدية لتيارنا الإسلامي.
فلم يرتفع شعار "الرئيس الإسلامي" الذي يعد بـ"تطبيق الشريعة" إلا بعد فرض هذا المتغير من خلال رمز صاعد – الشيخ حازم أبو إسماعيل -، وحركات نامية من قواعد العمل الإسلامي – كالجبهة السلفية وعدد من الائتلافات الشبابية الأخرى -، وحشد جماهيري من عموم الملتزمين بالحركة الإسلامية والمتعاطفين معها بل ومن عموم شباب الأمة الذي بدأ يستعيد هويته الحقيقية.
الثاني: أثبتت كسر قيد السيطرة على الحركة الإسلامية بقواعدها ومتعاطفيها، من خلال تجاوز قطاع مؤثر من هؤلاء لأوامر وتوجيهات الرموز التقليدية. وعدم استجابتهم لخطاب رأوه غير كاف في التعبير عن قضيتهم من جهة، وغير واع في التعامل مع واقعهم من جهة أخرى.
فظهرت كتلة، وإن لم تتشكل كلها في صيغة متجانسة، لكنها كتلة مؤثرة بصورة متزايدة، وهي خارج السيطرة بالنسبة للنظام أو بقاياه، سواء بشكل مباشر بالتهديد أو بالخداع، أو بشكل غير مباشر بضغط الرموز الإسلامية التقليدية مع ما لهم من حب وتقدير عامين.
يدرك قيمة هذا المتغير من تابع كيف أقنع المجلس العسكري كثيرا من التنظيمات والتيارات الإسلامية التقليدية بالانسحاب من الفعاليات الثورية، ليكون في حس الجماهير انسحابا من دعم مطالبهم المشروعة. وأقنعوهم بالاكتفاء بالمكاسب الهشة التي أوهموهم أنها ستكبر وتصلب، ليكون ذلك في حس الناس رضا بالمكتسبات الشخصية والفئوية، بل وليتهموا بعد ذلك بالعمالة للمجلس ضد الثورة والشعب.
فلم يحافظ على مبدئية وثورية الإسلاميين ضد الطغيان – وهم الذين دفعوا أعز أعمارهم وأغلى أموالهم لذلك عبر العقود – إلا خروج وازدياد هذه الكتلة عن السيطرة التقليدية، وانغماسهم مع الناس، ورفضهم مظالم المستبد الجديد كما رفضوا مظالم المستبد القديم، وكان تتويج ذلك في جمعة "المطلب الوحيد" وهو: رحيل العسكر عن السلطة، في 18 نوفمبر 2011.
الثالث: رسخت إطلاق فاعلية الشباب الإسلامي للتأثير والتغيير، وهم الذين ما بدأ روادهم المسير في بواكير الصحوة إلا ليجددوا الدين، ويقيموا الشريعة، ويعيدوا الخلافة، ويحرروا المستضعفين، ويقودوا العالم. وبذلوا في سبيل ذلك الأرواح فضلا عما دونها. فكانوا ضد تيار السلبية، وضد تيار التبعية، بل ضد تيار الدنيا كلها.
لكن الانكسار الذي منيت به الحركة الإسلامية في العقدين الأخيرين، على المستويين المحلي والإقليمي، بالإضافة لظهور الخطاب المتصالح والمثبط. كل ذلك قد أثمر شلا لفاعلية الأجيال، والتي زادت أعدادها، مع قلة وضعف باديين في تأثيرها.
فالخطاب الشائع قبل الثورة، بل وفي فترتها الأولى، كان خطاب مراعاة الاستضعاف، لا العمل للتمكين. وفقه المتاح، لا الدفع لزيادته. والتعامل مع الواقع، لا العمل لتغييره. وتجنب الخطوط الحمراء، لا السعي لتجاوزها. والانكفاء على النفس، لا تغيير العالم.
وأراد المجلس العسكري ومن وراءه أن يديروا معادلة الواقع، بإظهار فاعلية للقلة العلمانية، ذات الحركة السريعة، والصوت العالي. في مقابل الكثرة الإسلامية، التي أرادوا تكريس تعطيلها، في استثمار لنتاج فترة الاستبداد الأمني، ومع وسائل تتناسب مع ظرف الثورة الشعبية.
وللمقارنة فقط، فأعدادنا التي كانت تنزل للتظاهر سلميا ضد تسليم "كامليا شحاته" لتفتن في دينها، كانت بالعشرات ولم تجاوز ذلك إلا قليلا. وذلك كان قبل الثورة. أما الذين نزلوا للمطالبة بعودة الحقوق، ورعاية الحرمات، ورفض استبداد عسكر مبارك بالحكم بعده. فقد زادوا حتى بلغوا في 18 نوفمبر 2011 عشرات الألوف في أقل التقديرات، كلهم صاروا فاعلين مؤثرين مغيرين.
فكانوا متغيرا أثر في معادلة القرار العام، وأدى – مع أسباب أخرى - لما كان بعده من انتخابات لمجلس الشعب، بل وللرئاسة وتسليم السلطة، والتي لم يخف على أحد حينها كيف كان العسكر متشبثا بها.
إشكالية في ظل المكاسب :
كانت هناك إشكالية كبيرة في ظل كل المكاسب السابقة، وهي التلازم بينها وبين شخص الشيخ حازم أبو إسماعيل، والذي فرض نفسه زعيما لهذا الحراك، بجودة طرحه الإعلامي العام لقضية الشريعة، وحسن استشرافه لمستقبل العلاقة مع العسكر، مع المحافظة على الارتباط بقضايا الحقوق والحرمات لعموم الناس.
فصار غياب الشيخ حازم لأي سبب كان – مما يرد على البشر -، أو غياب رأيه بخطأ أو تردد – قد لايسلم من شيء منهما إنسان -، يهدد بتفتيت هذه الكتلة، وبتشتيت فاعليتها، وبخسارة قضيتها التي انتصبت لنصرتها.
من آثار الإشكالية :
وظهرت الإشكالية بوضوح في موضوع الرئاسة، فقد استبعد الشيخ حازم بطريقة لم تخل من ظلم. ولم يكن الواقع العام سواء الإسلامي أو الشعبي قادرا على تحمل أعباء ثورة لإعادته. كما لم يعلن الشيخ حازم دعمه ولو لأقرب المرشحين لقضيته "قضية الشريعة". وكاد مرشح "الثورة المضادة" أن يتولى الرئاسة، ليعود الجميع إلى الوراء خطوات لا يعلم مداها إلا الله.
إن غياب رأي أو شخص الشيخ حازم، مهما كانت أسبابه، قد سبب في إضعاف زخم هادر. ظهر ذلك الزخم في كل مؤتمراته في أنحاء البلاد، وظهر في عدد التوكيلات التي جمعت لترشيحه ( 160 ألف توكيل ) والتي لم يقاربه في عددها أي مرشح رئاسي آخر.
تفاوت المواقف :
ثم ثبتت فئات مع القضية، وقرأت خطورة الموقف، فنقلت دعمها للأقرب إلى المشروع، وبهم أتيح للجميع فرصة أخرى.
وأسقط في يد كثيرين فغاب تأثيرهم في لحظات فارقة من تاريخ أمتهم، أو استهلكتهم خصومة مع من خذلوهم من إخوانهم في الصف الإسلامي، فكاد الجميع أن يكونوا ضحايا.
وأخطأ البعض فدعموا الأبعد عن قضيتهم من جهة، والأبعد عن إمكان تحقيق الفوز من جهة أخرى، انخداعا بتزييف إعلامي مقصود لم يكن هدفه أكثر من تفتيت الصوت الإسلامي في تلك اللحظة.
الجمعة الفارقة :
وجاءت جمعة "الشريعة" في 9 نوفمبر 2012، جاءت لتبرز كل المتغيرات الإيجابية في جمعة "المطلب الوحيد" في 18 نوفمبر 2011، ولتضيف حلا للإشكالية السابقة. فقد انفك بنسبة كبيرة ذلكم التلازم، وظهرت مركزية القضية الجامعة "قضية الشريعة".
لقد جاء الشيخ حازم ومن لازالوا أسرى التلازم بين شخصه وبين القضية، وجاءت الجماعة الإسلامية وكانت مخاصمة لترشيح الشيخ حازم، وجاءت الجبهة السلفية وكانت قد نقلت دعمها للدكتور محمد مرسي بعد استبعاد الشيخ حازم من الرئاسة، وجاءت مجموعات شبابية منها من لم يدعم أحدا بعد الشيخ حازم، ومنها من دعم د. أبو الفتوح. وجاءت عشرات الألوف بل مئات الألوف من كل شكل ولون، حتى من قواعد الجماعات التي أعلنت عدم نزولها. بل ومن عموم الشعب المسلم الذي أعلن انحيازه إلى دينه وشريعته.
ما بعد الجمعة :
إنه مهما اختلف الناس قبل "جمعة الشريعة" في مدى الحاجة إليها، أو مدى إيجابية أو سلبية ثمراتها، فضلا عن التفاوت في توقع درجات نجاحها أو فشلها. مهما اختلفوا في كل ذلك، فقد كانوا متفقين على أمر واحد، وهو أن ما بعدها لن يكون كما قبلها. وهذا صحيح تماما.
فقد تحررت مساحة واسعة ومتزايدة من الحركة الإسلامية ومن عموم الشعب، من كل قيد يمكن أن يعوق مسيرتها نحو تغيير الحياة إلى الإسلام وشريعته. وهذا سيعيد تشكيل الواقعين الإسلامي والعام، وسيتجاوز من لن يستجيب لإعادة التشكيل هذه، في ظل ثورة تعني : سرعة التغيير.
بين جمعة 18 نوفمبر 2011 وجمعة 9 نوفمبر 2012
الماضي القريب :
في عهد الاستبداد البائد حاول النظام تجفيف منابع التدين في مصر، ولما فشل في ذلك لجملة من الأسباب، حاول أن يسيطر على الحالة الإسلامية باختراق قمي، على مستوى الأفكار، وكذلك على مستوى الرموز – العام منها والتنظيمي –. فأشاع الأفكار الأكثر تصالحا مع باطله العلماني، سواء على مستوى إسباغ الشرعية عليه، أو على مستوى فقه المتاح في واقع الحركة، وسمح لأصحاب هذه الأفكار بالوجود أو الظهور بنسب معينة، في مقابل منع الرافضين لها من الوجود أو الظهور بوسائل متعددة.
الأثر السيئ :
أدى ذلك في الحركة الإسلامية إلى تقليل في مساحة الأفكار التغييرية، مع ندرة في الرموز الحاملين لها، بالإضافة إلى تقليل في فاعلية ومبادرة الأجيال الجديدة، مع انتظارهم لتوجيه شيخ بعينه، أو لأمر قائد بعينه، كما تعودوا في ظل سنوات الاستبداد الأخيرة. فكانت حالة من شبه التجمد أصابت عموم التيار، وأتاحت نوعا واسعا من السيطرة لصالح الحكم المستبد.
عندما ثار الشعب:
ومع طوفان ثورة 25 يناير، وظهور تأثير الشعب الذي يوصف أكثره بالتعاطف الإسلامي، حاول المجلس العسكري الحاكم السيطرة على الحالة الإسلامية، بل وإحباط تأثيرها، من خلال التعامل الخداعي مع أكثر الرموز والقيادات الإسلامية. في محاولة للالتفاف بالاحتواء ثم العزل التدريجي، مع الإرضاء الجزئي بالمكاسب المفخخة والتي يسهل سلبها، تمهيدا لاستثناء التيار الإسلامي من مشهد ما بعد الثورة.
المتغيرات الخطيرة :
فجاءت جمعة 18 نوفمبر 2011 علامة فارقة بين ما قبلها وبين ما بعدها، وهي الجمعة التي دعا إليها الشيخ حازم أبو إسماعيل للمطالبة برحيل العسكر عن السلطة، في خط مغاير للخط العام لأكثر أولئك الرموز والقيادات، وفرضت ثلاثة متغيرات على الواقع :
الأول: توجت رفع سقف المطالب الإسلامية، بالاحتشاد خلف مطلب تحكيم الشريعة، على يد رئيس إسلامي يجاهر بمشروعه.
ويدرك قيمة هذا المتغير من يلاحظ الخطاب الإسلامي، وكيف بدأ في أول الثورة ضعيفا، لدرجة وعد البعض بعدم ترشيح رئيس إسلامي، وإقرار البعض لذلك، وسكوت البعض بشكل مريب كأن الأمر لا يعنيه، أو كأنه لا يريد أن يتحمل تبعته. وما كان الكلام عن "الرئيس التوافقي" ببعيد عن كثير الرموز التقليدية لتيارنا الإسلامي.
فلم يرتفع شعار "الرئيس الإسلامي" الذي يعد بـ"تطبيق الشريعة" إلا بعد فرض هذا المتغير من خلال رمز صاعد – الشيخ حازم أبو إسماعيل -، وحركات نامية من قواعد العمل الإسلامي – كالجبهة السلفية وعدد من الائتلافات الشبابية الأخرى -، وحشد جماهيري من عموم الملتزمين بالحركة الإسلامية والمتعاطفين معها بل ومن عموم شباب الأمة الذي بدأ يستعيد هويته الحقيقية.
الثاني: أثبتت كسر قيد السيطرة على الحركة الإسلامية بقواعدها ومتعاطفيها، من خلال تجاوز قطاع مؤثر من هؤلاء لأوامر وتوجيهات الرموز التقليدية. وعدم استجابتهم لخطاب رأوه غير كاف في التعبير عن قضيتهم من جهة، وغير واع في التعامل مع واقعهم من جهة أخرى.
فظهرت كتلة، وإن لم تتشكل كلها في صيغة متجانسة، لكنها كتلة مؤثرة بصورة متزايدة، وهي خارج السيطرة بالنسبة للنظام أو بقاياه، سواء بشكل مباشر بالتهديد أو بالخداع، أو بشكل غير مباشر بضغط الرموز الإسلامية التقليدية مع ما لهم من حب وتقدير عامين.
يدرك قيمة هذا المتغير من تابع كيف أقنع المجلس العسكري كثيرا من التنظيمات والتيارات الإسلامية التقليدية بالانسحاب من الفعاليات الثورية، ليكون في حس الجماهير انسحابا من دعم مطالبهم المشروعة. وأقنعوهم بالاكتفاء بالمكاسب الهشة التي أوهموهم أنها ستكبر وتصلب، ليكون ذلك في حس الناس رضا بالمكتسبات الشخصية والفئوية، بل وليتهموا بعد ذلك بالعمالة للمجلس ضد الثورة والشعب.
فلم يحافظ على مبدئية وثورية الإسلاميين ضد الطغيان – وهم الذين دفعوا أعز أعمارهم وأغلى أموالهم لذلك عبر العقود – إلا خروج وازدياد هذه الكتلة عن السيطرة التقليدية، وانغماسهم مع الناس، ورفضهم مظالم المستبد الجديد كما رفضوا مظالم المستبد القديم، وكان تتويج ذلك في جمعة "المطلب الوحيد" وهو: رحيل العسكر عن السلطة، في 18 نوفمبر 2011.
الثالث: رسخت إطلاق فاعلية الشباب الإسلامي للتأثير والتغيير، وهم الذين ما بدأ روادهم المسير في بواكير الصحوة إلا ليجددوا الدين، ويقيموا الشريعة، ويعيدوا الخلافة، ويحرروا المستضعفين، ويقودوا العالم. وبذلوا في سبيل ذلك الأرواح فضلا عما دونها. فكانوا ضد تيار السلبية، وضد تيار التبعية، بل ضد تيار الدنيا كلها.
لكن الانكسار الذي منيت به الحركة الإسلامية في العقدين الأخيرين، على المستويين المحلي والإقليمي، بالإضافة لظهور الخطاب المتصالح والمثبط. كل ذلك قد أثمر شلا لفاعلية الأجيال، والتي زادت أعدادها، مع قلة وضعف باديين في تأثيرها.
فالخطاب الشائع قبل الثورة، بل وفي فترتها الأولى، كان خطاب مراعاة الاستضعاف، لا العمل للتمكين. وفقه المتاح، لا الدفع لزيادته. والتعامل مع الواقع، لا العمل لتغييره. وتجنب الخطوط الحمراء، لا السعي لتجاوزها. والانكفاء على النفس، لا تغيير العالم.
وأراد المجلس العسكري ومن وراءه أن يديروا معادلة الواقع، بإظهار فاعلية للقلة العلمانية، ذات الحركة السريعة، والصوت العالي. في مقابل الكثرة الإسلامية، التي أرادوا تكريس تعطيلها، في استثمار لنتاج فترة الاستبداد الأمني، ومع وسائل تتناسب مع ظرف الثورة الشعبية.
وللمقارنة فقط، فأعدادنا التي كانت تنزل للتظاهر سلميا ضد تسليم "كامليا شحاته" لتفتن في دينها، كانت بالعشرات ولم تجاوز ذلك إلا قليلا. وذلك كان قبل الثورة. أما الذين نزلوا للمطالبة بعودة الحقوق، ورعاية الحرمات، ورفض استبداد عسكر مبارك بالحكم بعده. فقد زادوا حتى بلغوا في 18 نوفمبر 2011 عشرات الألوف في أقل التقديرات، كلهم صاروا فاعلين مؤثرين مغيرين.
فكانوا متغيرا أثر في معادلة القرار العام، وأدى – مع أسباب أخرى - لما كان بعده من انتخابات لمجلس الشعب، بل وللرئاسة وتسليم السلطة، والتي لم يخف على أحد حينها كيف كان العسكر متشبثا بها.
إشكالية في ظل المكاسب :
كانت هناك إشكالية كبيرة في ظل كل المكاسب السابقة، وهي التلازم بينها وبين شخص الشيخ حازم أبو إسماعيل، والذي فرض نفسه زعيما لهذا الحراك، بجودة طرحه الإعلامي العام لقضية الشريعة، وحسن استشرافه لمستقبل العلاقة مع العسكر، مع المحافظة على الارتباط بقضايا الحقوق والحرمات لعموم الناس.
فصار غياب الشيخ حازم لأي سبب كان – مما يرد على البشر -، أو غياب رأيه بخطأ أو تردد – قد لايسلم من شيء منهما إنسان -، يهدد بتفتيت هذه الكتلة، وبتشتيت فاعليتها، وبخسارة قضيتها التي انتصبت لنصرتها.
من آثار الإشكالية :
وظهرت الإشكالية بوضوح في موضوع الرئاسة، فقد استبعد الشيخ حازم بطريقة لم تخل من ظلم. ولم يكن الواقع العام سواء الإسلامي أو الشعبي قادرا على تحمل أعباء ثورة لإعادته. كما لم يعلن الشيخ حازم دعمه ولو لأقرب المرشحين لقضيته "قضية الشريعة". وكاد مرشح "الثورة المضادة" أن يتولى الرئاسة، ليعود الجميع إلى الوراء خطوات لا يعلم مداها إلا الله.
إن غياب رأي أو شخص الشيخ حازم، مهما كانت أسبابه، قد سبب في إضعاف زخم هادر. ظهر ذلك الزخم في كل مؤتمراته في أنحاء البلاد، وظهر في عدد التوكيلات التي جمعت لترشيحه ( 160 ألف توكيل ) والتي لم يقاربه في عددها أي مرشح رئاسي آخر.
تفاوت المواقف :
ثم ثبتت فئات مع القضية، وقرأت خطورة الموقف، فنقلت دعمها للأقرب إلى المشروع، وبهم أتيح للجميع فرصة أخرى.
وأسقط في يد كثيرين فغاب تأثيرهم في لحظات فارقة من تاريخ أمتهم، أو استهلكتهم خصومة مع من خذلوهم من إخوانهم في الصف الإسلامي، فكاد الجميع أن يكونوا ضحايا.
وأخطأ البعض فدعموا الأبعد عن قضيتهم من جهة، والأبعد عن إمكان تحقيق الفوز من جهة أخرى، انخداعا بتزييف إعلامي مقصود لم يكن هدفه أكثر من تفتيت الصوت الإسلامي في تلك اللحظة.
الجمعة الفارقة :
وجاءت جمعة "الشريعة" في 9 نوفمبر 2012، جاءت لتبرز كل المتغيرات الإيجابية في جمعة "المطلب الوحيد" في 18 نوفمبر 2011، ولتضيف حلا للإشكالية السابقة. فقد انفك بنسبة كبيرة ذلكم التلازم، وظهرت مركزية القضية الجامعة "قضية الشريعة".
لقد جاء الشيخ حازم ومن لازالوا أسرى التلازم بين شخصه وبين القضية، وجاءت الجماعة الإسلامية وكانت مخاصمة لترشيح الشيخ حازم، وجاءت الجبهة السلفية وكانت قد نقلت دعمها للدكتور محمد مرسي بعد استبعاد الشيخ حازم من الرئاسة، وجاءت مجموعات شبابية منها من لم يدعم أحدا بعد الشيخ حازم، ومنها من دعم د. أبو الفتوح. وجاءت عشرات الألوف بل مئات الألوف من كل شكل ولون، حتى من قواعد الجماعات التي أعلنت عدم نزولها. بل ومن عموم الشعب المسلم الذي أعلن انحيازه إلى دينه وشريعته.
ما بعد الجمعة :
إنه مهما اختلف الناس قبل "جمعة الشريعة" في مدى الحاجة إليها، أو مدى إيجابية أو سلبية ثمراتها، فضلا عن التفاوت في توقع درجات نجاحها أو فشلها. مهما اختلفوا في كل ذلك، فقد كانوا متفقين على أمر واحد، وهو أن ما بعدها لن يكون كما قبلها. وهذا صحيح تماما.
فقد تحررت مساحة واسعة ومتزايدة من الحركة الإسلامية ومن عموم الشعب، من كل قيد يمكن أن يعوق مسيرتها نحو تغيير الحياة إلى الإسلام وشريعته. وهذا سيعيد تشكيل الواقعين الإسلامي والعام، وسيتجاوز من لن يستجيب لإعادة التشكيل هذه، في ظل ثورة تعني : سرعة التغيير.