صفحة 1 من 1

فى التاريخ السياسي للدول العربية

مرسل: الاثنين ديسمبر 03, 2012 12:45 pm
بواسطة حمدان العنزي٨٠
" منبر العلوم السياسية ليس مطلوبا منه أن يكون حكرا على التخصص فى القانون الدولى بل هو من باب أولى ـ كما قصد القائمون عليه ـ منبرا للفكر السياسي والموضوعات الوثائقية الشارحة فى عالم إختلطت به المفاهيم
وهو مكان أتشرف بالوجود فيه قارئا وكاتبا وكذلك ينبغى أن يكون كل عضو "


تمهيد
من أين نستقي الحقائق


فى التاريخ السياسي للدول العربية أو الوطن العربي المفكك , يجد الباحث عن الحقيقة فى الأحداث عنتا وتعبا شديدا ..
ولا شك أنه أمر طبيعى لأسباب مختلفة يتمثل أكثرها فى التغييب المتعمد للتاريخ فلا يوجد فى أكثر البلاد العربية لجان جادة لتوثيق التاريخ والحفاظ على الوثائق المتاحة فضلا على أن البحث خلف كتابات الباحثين والسياسيين العرب يعتبر أشبه بالحرث فى البحر كنتيجة طبيعية لتراكم الأهواء على الأقوال فتجد للواقعة الواحدة ألف رواية بألف هوية بألف توصيف !

وفترة النصف الثانى من القرن العشرين بالتحديد وهى الفترة التى تشكلت فيها كل ألوان وأنواع الأحداث السياسية التى عصفت بالعالم العربي تعد هى الفترة الأشد غموضا بالرغم من أنها الأقرب توقيتا لعصرنا الحالى فلم يمض أكثر من نيف وخمسين عاما عليها ومعظم المؤرخين والمحللين السياسيين المعالجين لها عاشوا فتراتها بأنفسهم
غير أن انعدام التوثيق فى المؤسسات الرسمية العربية إلا فيما ندر يعد هو السبب الواقف خلف هذا التغييب فالنظم العربية لا تعرف التوثيق لأى تصرف حتى التصرفات السيادية والقرارات التى تؤثر فى مصائر البلاد
حتى لو وجدت هذه الوثائق فكلها تعد مضروبة تحت ألوان ومراتب من السرية المطلقة دون حد أقصي من الزمن فلا وجود لأى نظام يشبه النظم الغربية فى التوثيق والتى تفرج عن الوثائق السياسية بعد مضي ردح معين من الزمن يختلف بحسب سرية الوثيقة
إضافة إلى أسلوب آخر نفتقده عربيا وهو التوثيق المستمر لكل كبيرة وصغيرة لتصرفات رجال الدولة وسياستها ونظمها مهما كانت بساطة هذا التصرف ,
ولذلك تجد التاريخ الغربي قائم على حقائق رادعة لكل هوى عند الكتابة كنتيجة طبيعية لوجود الوثائق التى تعد النافذة الكبري لكل حقيقة وكل موقف وكل شخص ..
والإختلاف فى الأحكام على التاريخ السياسي بين الكتاب والمحللين لا يعدو كونه اختلافا فى التحليل والقناعات لا غير ..
أما بالعالم العربي فالوثائق القليلة التى يمكن أن تكون سبيلا لاستقاء المعلومات فهى تقع رهنا بالمؤسسات السيادية فى كل بلد وأكبر دولة عربية فى هذا الشأن تحتفظ بالتاريخ الوثائقي وهى مصر .. يكون الإحتفاظ بها كما سبق القول أبديا فى مؤسسة الرياسة وجهاز المخابرات العامة وهذا فيما يخص الوثائق السياسية لدولة الجمهورية ..
أما وثائق الفترة الملكية الموجودة فتحتفظ بها المؤسسات الوزارية وتكون متاحة بقدر ما أمام الباحثين ..

كيف نعرف وكيف نحكم ؟

مع الأسف الشديد وكما رأينا أن استقاء الوثائق أو المصادر التى تجزم بحقائق التاريخ السياسي للدول العربية يعد طريقا مليئا بالشوك الرسمى الملئ بالتغييب أو التزييف إلا فى قليل من المعلومات المتسربة نتيجة تناطح السلطة فى بعض الأوقات
وبهذا الحال يكون المصدر العربي شبه منعدم فى المصداقية إلا في قليل
ولذا لجأ الباحثون والمحللون والجماهير لاستقاء المعلومات الحقيقية التى تكون أساسا للرواية الحقيقية لأحداث التاريخ إلى الوثائق والمراجع الغربية التى عالجت ـ فيما عالجت ـ فترات الإحتكاك السياسي بين الغرب والشرق
وبالتالى أصبحت الوثائق الأوربية والإسرائيلية والأميركية هى الكنز المرصود للوصول إلى الحقيقة بعيدا عن التزييف

والوثائق الغربية التى يجهل أو ينكر البعض حجيتها ومصداقيتها تحت تأثير الوقوع فى ثقافة الإفتراء الغربي على العالم العربي والإسلامى لا يعلمون أن النظم العربية ذاتها استغلت غياب الوعى الثقافي لدى الجماهير لتنشر بينهم هذه الثقافة كرد وحيد على الفضائح السياسية التى تتضمنها تلك الوثائق ..
والافتراءات الغربية حقيقة ..
لكن فيما يخص كتاباتهم الفكرية وسياسة الإستشراق البحتة ضد البلاد الإسلامية والعربية أما بشأن تاريخهم ووثائقهم فالأمر يختلف لكن النظم العربية من مصلحتها هذا الخلط
لأن الأحداث التى تجرى وراء الستار تكون محجوبة من الجانب العربي لا يعرفها إلا الصفوة بينما هى فى الجانب الغربي متاحة للعامة بعد مضي مدتها بالإضافة كما أنها معرضة للكشف المعاصر لها تبعا لمختلف الظروف كما حدث مثلا فى فضيحة " إيران كونترا " فى الثمانينات من القرن الماضي وكما حدث فى أزمة لبنان أثناء رياسة بشير الجميل واغتياله بناء على كشف بعض الإتفاقيات السرية الضارة بالأمن القومى لبلاده
وواقع الحال أن الوثائق الغربية الرسمية التى تعلن أمام الباحثين بمرور فترات السرية المضروبة حولها هى الحقيقة المجردة التى لا يمكن الشك بها فى العالم الغربي لأنها تمثل أساس النظام السياسي فى تلك البلاد
فكل سياسة تقرر أو قرار يتخذ أو منهج للتعامل أو حتى حوار بين السياسيين يتم تسجيله فى محاضر مكتوبة لأن المسئولية السياسية يجب أن تكون واضحة ومحددة فلا يوجد تصرف سياسي فى النظم الغربية ليست له وثيقة مسجلة
ولا يمكن تزييف تلك الحقائق أو العبث بمحتواها لأن هذا كفيل بإنهاء المستقبل السياسي لأى عابث بها كما أنها تكون محكومة برقابة مشددة تجعل الاقتراب منها له مردود على العابث أكبر ألف مرة من محتوى الوثيقة مهما كان

أما كيفية الحصول على الوثائق الغربية فهى متاحة بذاتها فى المؤسسات الغربية الرسمية ومتاحة أمام كافة الباحثين دونما تحديد طالما أن فترة السرية قد انتهت
فضلا على أن بعض الوثائق التى تكون مدة سريتها مبالغة وتصل الى حد المائة عام مثلا لم يستسلم الباحثون لتلك الفترة فرفعوا القضايا على المؤسسات الرسمية لبلادهم وتمكنوا من كشف نطاق السرية عنها منها بعض وثائق الحرب العالمية الثانية وبعض وثائق حرب يونيو 1967 فى الجانب الأميركى ,,

وهناك مصدر آخر للحصول على تلك الوثائق عن طريق تقصيها فى كتابات ومراجع السياسيين والباحثين الغربيين وتكون كتبهم متضمنة تلك الوثائق كأساس تقوم عليه تلك المراجع والتحليلات ..
ويجدر الإشارة لنقطة بالغة الأهمية أن الوثائق التى أعنيها فى السطور السابقة هى تلك الخاصة بالأسرار العليا للحكومات أما الأسرار العادية وحتى بعض أدق الأسرار فهى عرضة للكشف فى وقت معاصر لزمن وقائعها وذلك لمختلف الأسباب منها الخبطات الصحفية لبعض الصحف وهناك أيضا الإختلافات الحزبية والسياسية التى تظهر معها الكثير من الأسرار المحجوبة ويلتقطها الإعلام فتتسرب أسرار شديدة الخطورة فى حينها وزمنها
والأمر واضح قطعا لكل المتابعين فحرب العراق مثلا وهى لم يمر عليها سوى سنوات أربع تفجرت أسرارها كاملة تقريبا ولم يحجب منها شيئ بالإضافة إلى أسرار حرب الخليج الثانية وغيرها

بالإضافة إلى كتابات المفكرين العرب وهم للأسف الشديد ندرة فى هذا المجال .. مجال الكتابة السياسية الموثقة نظرا لبعد المصادر الوثائقية عنهم ولا يخرج منهم على سبيل الإستثناء إلا محلل سياسي واحد يعد واحدا من أكبر المحللين السياسيين فى العالم ويحتل القمة مع أربعين كاتبا وباحثا سياسيا تعتبر كتبهم فى العالم أجمع مصادر لها حجيتها وأهميتها لتى تستطيع تغيير سياسات دول بأكملها
وأعنى به المفكر السياسي الكبير محمد حسنين هيكل الذى يعد الإستثناء الوحيد فى الشرق الأوسط بين المفكرين .. لأن كتبه التى تلاقي فى الغرب أضعاف أضعاف الاهتمام فى العالم العربي تعد هى الباب الرئيسي لإقرار الحقيقة فى عالم من الزيف يحكم السياسية العربية
كما أنه يعد استثناء فى مصادره ..
فهى مصادر رهيبة فى ثرائها وكتبه تحفل بمئات الوثائق معظمها يكون خارجا لأول مرة على يد هيكل بحيث أنه يسبق بعض كبار المحللين الغربيين فى الوصول إليها نتيجة لصلاته الوثيقة بعدد غير محدود من السياسيين الحاليين والسابقين فى شرق العالم وغربه إضافة لاحتفاظه بمعظم وثائق العهد الناصري فى مصر عندما كان المستشار الأقرب للرئيس عبد الناصر طيلة ثمانية عشر عاما أحسن استغلالها فى تجميع التاريخ الوثائقي لتلك الفترة
ولا يمكن الإختلاف بأى حال مع هيكل فى صحة وثائقه " الخاصة أو العامة " أو الحقائق التى تتضمنها كتبه لأن وثائقه كلها مسندة لهيئات ومؤسسات رسمية غير أنه يمكن الإختلاف معه فى فقط فى التحليل أو الاستنتاجات التى يمكن استنباطها من تلك الوثائق
مع ضرورة ملاحظة أن تحليلاته التى تقرأ ما خلف الوثيقة تكون فى تسعين بالمائة منها هى الأحق بالنظر نظرا لخبرته اللا محدودة
ونظرا لمكانته وتحليلاته كان طبيعيا أن تتعارض كتاباته مع النظم السياسية المختلفة بالدول العربية وساد المنع والحظر على كتبه بمصر لمدة عشر سنوات حتى عام 1985 م نتيجة لاختلافه مع النظام المصري السابق ثم حدث ما يشبه الهدنة إلى أن تجددت المصادمات منذ عام 1996 م وتوترت العلاقة بين هيكل والنظام المصري الحالى عقب محاضرة سياسية ألقاها بالجامعة الأميركية وتناولت الأوضاع المعاصرة للبلاد وحملت معها تحليلا نقديا فعالا
ومنذ بداية خروجه لمعالجة الشأن الجارى بصفة منتظمة مع بداية عام 2000 م كتابة وإلقاء على القنوات الفضائية زادت حدة الخلاف ولو أن الأمر لم يصل إلى حظر الكتابات ولو أنه وصل مؤخرا إلى درجة اقتحام الأمن لاستديو التسجيل الخاص ببرنامجه الشهير " مع هيكل " وتحطيمه وهو الإستديو الذى كان معدا لاستئناف حلقاته من مدينة الإنتاج الإعلامى بالقاهرة

أما علاقاته مع العالم العربي فهى على الخلاف فى أغلبها لنفس الأسباب الخاصة بكتاباته العميقة الموثقة لشتى الأحداث وتسببت فى أزمات مزلزلة مثل كتابه الأهم عن حرب الخليج الثانية عام 1992 " أوهام القوة والنصر " ولم يكن قد مضي عليها أكثر من عام ورغم ذلك جاء الكتاب مليئا بما خفي وبما جرى وراء الستار واحتجت بعض البلاد العربية والإفريقية عليه عدة مرات ..
وأيضا كتابه الصادر لمجموع مقالاته فى مجلة وجهات نظر القاهرية وهو الكتاب الذى عنونه هيكل باسم " قضايا ورجال " وتناول فيه بعض السياسيين فى العالم العربي كاشفا عن أخص أسرارهما مع الولايات المتحدة منذ الستينات من القرن الماضي وحتى اليوم
بالإضافة إلى قنبلته حول منظمة الفرانكوفونية التى شاركت فيها عدة دول عربية ومنها مصر وكشف هيكل الجانب المظلم من تلك المنظمة ذات الستار الثقافي والتى تورطت فى عدة خنادق وعواصف هى أبعد ما يكون عن نطاق الأمن القومى العربي وأتى حديثه على قناة الجزيرة الخاص بالحالة السياسية الراهنة للعرب والذى كشف فيه النقاب عن دولة مجهولة وغامضة تماما هى دولة " فرسان مالطة " تلك الدولة التى تكونت على أساس عقائدى وعلاقات سياسية مشبوهة تورطت فيها بعض النظم العربية إلى درجة تبادل التمثيل الديبلوماسي برغم أنها دولة ذات نظام بالغ الغموض ومجهولة تماما فى العالم حتى بالنسبة للمهتمين بالشأن السياسي

وكتابات الأستاذ حول الصراع العربي الإسرائيلي عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة تعد المصدر الأهم لنا فى تلك الدراسة بالإضافة إلى المصادر الغربية المترجمة لمذكرات بعض القيادات السياسية والمحللين على مستوى العالم
بالإضافة للمراجع التاريخية التى تعالج التمهيد اللازم لقضية فلسطين فى القرن الثامن والتاسع عشر ,,

وبغير تلك المصادر وبغير النظرة المتجردة للحقائق وقبولها دونما اللجوء لسياسة النعام .. لا أمل فى خروج جيل جديد يعرف أبعاد الموقف العربي بأكمله ويرتب ردة فعله وقناعاته وثوابته بناء عليه لا اعتمادا على تصريحات وثوابت الإستهلاك السياسي التى ظلت تخدر الشعوب العربية طيلة نصف قرن ..