- الثلاثاء ديسمبر 04, 2012 2:43 pm
#55830
عهد الخليفـة الأول: أبو بكر الصديق 11 : 13 هـ:
يعلو صوت الصديق “أيّها الناس, إنَّه من كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت”، ثم تلا :”وما مُحمَّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم”.
فثاب الناس إلى رشدهم، وأقبلوا على ما أوجب الله عليهم القيام به من الشورى واختيار إمامهم، على ما علموه من كتاب ربهم، وما علمهم نبيهم.
كان لزامًا حسمْ موضوع الخلافة في أسرع وقت للظروف التي كانت تحيط بالدولة, سواء الأخطار الداخليَّة – حيث بدأت حركة الردَّة وازداد خطرها – وكذا الأخطار الخارجية – حيث كانت الروح في الشام بعد معركة مُؤتة تحشد جيوشها لتنقضَّ على الدولة الإسلاميَّة – فكان من السِّياسة الشرعيَّة البتّ في موضوع اختيار أوّل خليفة للنبي (صلى الله عليه وسلم) وليبدأ عهد الخلفاء الراشدين وأولهم: “أبو بكر الصديق وهو (عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة التيمي القرشي)”.
أمره رسول الله (صلَّى الله عليه وسلّم) أن يؤمّ النّاس في الصّلاة في مرضه الذي توفي فيه، فصلّى إمامًا بهم عشرة أيام، وتمّ اختياره يوم السقيفة خليفةً للمسلمين، وقد تحقَّق مع قصر عهده أكبر الإنجازات التي تمثَّلَت في:
1.إرساء أصول الخطاب السياسي القرآني والنبوي.
2.مواجهة حركة الردة الداخلية.
3.حركة الفتوح الخارجية وتحرير الإنسانية.
4.سنن أبي بكر المالية والإدارية:
تحديد راتب الخليفة من بيت المال.
رد ما زاد عند الخليفة عن حاجته إلى بيت المال.
المساواة في قسم الأموال.
الفصل بين السلطات.
وضع الأمناء والمحاسبين على بيت المال.
استثمار المال العام وتنميته.
عبقريَّات أبي بكر الصديق:
تجلّت تلك العبقريَّة القيادية في عدّة مواقف تاريخيَّة، أثبت (رضي الله عنه) أنَّه الأقدر على قيادة الأمّة بعد صاحبه (صلَّى الله عليه وسلّم)، ومن هذه المواقف:
ثبوته يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) ورده الناس إلى رشدهم.
حسمه للجدل واللغط الذي دار يوم السقيفة في شأن الخلافة في اليوم الذي توفي فيه النبي (صلى الله عليه وسلم).
عزمه على قتال أهل الردة.
مواجهة الأخطار الخارجية مباشرة ودون تردد.
عند وفاته، قال (إنه قد نزل بي ما قد ترون، وقد أطلق الله إيمانكم من بيعتي، وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم). وطلب الصحابة منه أن يستخلف لهم لكن وبعد أن أصر الصحابة على طلبهم خشية مما حدث في السقيفة، استشار كبار المهاجرين والأنصار، ثم جمعهم وقال: هل ترضون بمن اخترته لكم؟ فوالله ما وليت ذا قرابة، ولا ألوت من جهد الرأي، قالوا: نعم وعرفناه!، فعاتبه طلحة بن عبيد الله لما كان يخشاه من شدة عمر، فقال له: إذا سألني ربي قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك!”.
عهد الخليفة الثاني: الفاروق عمر بن الخطاب 13 – 23هـ
لقد كان عهد عمر أزهى فترات العهد الرَّاشدي، حيث امتدَّت الدولة الإسلاميَّة في هذه المدّة القصيرة جدًا من أقاصي فارس شرقًا إلى أقصى حدود ليبيا غربًا، لتصبح الإمبراطورية الفارسية، والعراق والشام ومصر، من أقاليم الدولة الإسلاميَّة الجديدة، فكان كما قال عبد الله بن مسعود عنه: كان إسلامه نصرًا وفتحًا، وخلافته رحمة وعدلًا.
السنن الراشدة للخطاب العمري:
قامت السنن العمريَّة على ثلاثة أصول سياسية:
1.تحديد علاقة الأمة بالأرض: وذلك بتأكيد مفهوم المواطنة، وترسيخ حق الأمة في الأرض التي تعيش عليها, فقد أثبت بهذه السّياسة الراشدة أنَّ الأرض والوطن في الدولة الجديدة، ليست للسلطة الحاكمة، ولا يحق لها أن تتصرف فيها بلا إذن أهله وهم الأمة، ولا أن تحمي شيئًا منها إلا للمصالح العامة فقط.
2.تحديد رعايا الدولة ومن لهم حقوق المواطنة واكتساب الهوية: فقد ضمَّنَ وصيّته رعاية حقوق كل المواطنين في الدولة الإسلاميَّة الجديدة، من المهاجرين والأنصار، والأعراب من البادية وأهل الأمصار كافة من المسلمين وأهل الذمّة، ليؤكّد مسئوليَّة السلطة عن القيام بمصالح رعايا الدولة، ورعاية حقوقهم بلا استثناء.
3.الالتزام بمبادئ الخطاب الإسلامي المنزل، ومن ذلك:
حق الأمة في اختيار الإمام وكون الأمة مصدر السلطة.
حق الأمة في الرقابة على الإمام وتصرفاته.
حق التقاضي والقصاص والمساواة بين الناس أمام القانون.
حق الأمة في الرقابة على بيت المال.
حق المساواة في العطاء.
تحقيق الاستحقاق من بيت المال بحسب العمل والعيال والحاجة.
ضبط الميزانية العامة للدولة.
مبدأ مسئولية الدولة عن مواطنيها.
سن الرقابة المالية والإدارية على العمال وموظفي الدولة.
تطبيق القانون على الجميع والتشديد على الأقرباء.
تقرير حق المواساة والاشتراك في الأموال في الأزمات.
وجوب سداد دين الخليفة الذي عليه لبيت المال.
تحرير الرق من بيت المال.
إقرار مبدأ شمولية سلطة أمراء الأقاليم على من يتظلمون منهم.
وقف الأرض المغنومة على مصالح المسلمين وجعلها مالاً عامًّا.
لقد اجتهد عمر في وضع النظم الإداريَّة لتنظيم وتطبيق مبادئ وأصول الخطاب الإسلامي القرآني والنبوي والذي تم إرساءها في عهد أبي بكر، بشكل منظّم يناسب تحوّل الدولة من دولة مدينة, ثم دولة إقليم يضم الجزيرة العربية فقط، إلى دولة قاريَّة تمتد من قارة آسيا إلى أفريقيا، ومن تلك النظم الإدارية والسياسية والاقتصادية والعمرانية التي ظهرت في العهد العمري تعبيرًا عن المبادئ:
تخصيص مجلس للشورى التشريعية.
الفصل بين السلطات.
وضع الجهاز والنظام الرقابي الإداري.
تحديد مدة الولاء والأمراء بأربع سنين.
وضع الدواوين والنظم الإدارية.
وضع الخطط والنظم العمرانية والزراعية وتنظيم شئون الأرض المفتوحة.
وضع نظام التأمين الاجتماعي.
إعفاء نصارى العرب من الجزية.
تقرير مبدأ المعاملة بالمثل مع الدول الأخرى.
وضع نظام الرقابة المالية.
اختيار أهل الكفاية والعلم بالسياسة لوظائف الدولة.
تحديد انتهاء صلاحيات الخليفة.
وضع نظام اختيار الخليفة بعده.
لقد وضع عمر خطة ونظام يعالجان كل الاحتمالات الممكن حدوثها أثناء عملية الترشح والاختيار تقوم على التالي:
1.حصر الترشيح وحدده في الستة.
2.وحدد مكان التشاور، وهو بيت أم المؤمنين عائشة، وحدد المدة بثلاثة أيام.
3.أمر صهيب الرومي أن يصلي بالناس مدة تشاور الست، ليضمن الحياد التام في عملية الانتخاب، حتى لا تكون الإمامة في الصلاة سببًا مرجحًا لواحد من الستة، واختار صهيبًا لكونه لا نسب له بواحد من الست.
4.أمر المقداد بن عمرو أن يشرف على عملية اجتماع الستة، والتنسيق بينهم، ما أمر أبا طلحة الأنصاري أن يختار خمسين رجلًا من الأنصار، وأن يستحث الستة على حسم الموضوع، واختار الأنصار للمراقبة لكونهم طرفًا محايدًا ليسوا من المهاجرين، واختار المقداد لأنه من كندة وليس من قريش.
5.أمر أن تتبع الإجراءات التالية:
إذا اتفق خمسة منهم على واحد فهو الخليفة إذا قبله المسلمون وبايعوه البيعة العامة.
إذا اختلفوا فاختار الأكثر واحدًا منهم فهو الخليفة إذا قبله المسلمون.
وإذا اختلفوا وتساوت الأصوات، فهنا يشترك عبد الله بن عمر في الأمر كمرجح بينهم، فإن لم يكن له رأي أو لم يقبلوه، فهنا يشترك عبد الله الجانب الذي يزكيه عبد الرحمن بن عوف لمعرفة عمر به وأنه لا يريدها كما يريدها علي وعثمان.
لقد أراد عمر أن يختار المسلمون خليفتهم بكل حرية، بعيدًا عن أي تدخل أو تأثير أي طرف، خاصة من جهتهم هو لكونه الخليفة، فضمن بذلك الحياد التام لعملية الترشح والانتخاب.
ولقد أدخل عمر في المرشحين كل من كان اسمه مرغوبًا بين المسلمين، وكل من رشحه الصحابة حيث استشارهم فيمن يختارون، إلا أنه حرم ابنه منها، وجعله مرجحًا فقط عند الاختلاف إرضاء للفريق الذي كان هواهم مع اختيار عبد الله الخليفة.
عهد الخليفة الثالث: عثمان بن عفان 23 – 35 هـ
لقد تميز عهد عثمان بن عفان في أول سبع سنوات بكثرة الفتوحات والعدل و الرخاء، وبعد أن بدأ سن سيدنا عثمان في الكبر بدأت الفتن الداخلية.
فقد خالف عهد عمر في سنة عدم توليته للأقارب، وهذا جعلت من عصره فتنة كبيرة كان السبب الرئيسي فيها المال، وبدأ ظهور الخلل في سياسته رضي الله عنه، وكان هذا سبب جم لاندلاع المعارضة السياسية.
فقد شهد المجتمع في عهد عثمان رضي الله عنه، تحولًا جذريًا بدأت في ظهور جيل عصر الفتوحات والرخاء والثراء والرفاهية، وقد كانت السلطة والثروة من أهم أسباب حدوث الفتنة التي عصفت بالدولة والأمة، وقد سن بها الخليفة الراشد عثمان سنن في مواجهة المعارضة الجماعية والفتن الداخلية تعتبر من أرقى صور الممارسات السياسية التي عرفها العالم منها:
إرسال رسل لتحري الحقائق ومعرفة أسباب الفتنة وشكاوى الناس.
استجاب عثمان لطلب أهل الكوفة، فخلع أميرها سعيد بن العاص.
رفض رفضًا قطعيًا التعرض لحركة المقاطعة أو قمعها، حيث أشار إليه أحد قادة جيوشه بذلك.
لم يتصد للمعارضة حين خرجوا بشكل جماعي من أمصارهم.
استقبلهم أحسن استقبال وشاورهم وحاورهم، وسألهم على معارضتهم، وتداولوا الشروط.
تم عقد وثيقة بين الخليفة وقادة المعارضة، والتزم فيها بكل شروط المعارضة العادلة.
قام الخليفة بعد توقيع الوثيقة مع المعارضة بالثناء عليهم في خطبته.
وعند استشهاده فقد انحرفت حركة المعارضة عن هدفها الإصلاحي، بمحاصرتها له رضي الله عنه لحمله على خلع نفسه، غير أنه لم يكن هدفها قتله، ولم يرض أكثرهم بذلك، حتى تسور عليه أشقياؤه فدخلوا عليه، وقتلوه شهيدًا صابرًا، بعد أن ضرب للأمة أروع مثل في رفض العنف وفي احترام حقوق الأمة، وصيانة حرمة الأرواح الإنسانية.
عهد الخليفة الرابع: عليّ بن أبي طالب 35 – 40 هـ
وبعد أن قتل الخليفة عثمان اضطرب الناس، فأقبلوا على عليّ رضي الله عنه، ورغبوا إليه بالقيام بتولي الأمر، فقل عليّ: “لا أفعل إلا عن ملأ وشورى”.
وظهرت دعاوي عدة حدثت بعد الفتن التي عصفت بالأمة، وطارت بعدها الأهواء، فالأمويون يدَّعون الأحقيَّة لأنَّهم أولياء دم الخليفة المقتول ظلمًا، ويتأولون “ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا” على غير الوجه الذي نزلت فيه، والعبّاسيّون يدعون ذلك لأنهم أولاد عم النبي (صلى الله عليه وسلم) وأحقّ بها بعد وفاته، والعلويون الفاطميون يدعون النص على عليّ وأبنائه من بعده، ثم اختلفوا أشدّ الخلاف فيما بينهم.
لقد كانت للفتنة وأحداثها وتداعياتها هي الأجواء التي بدأ فيها ظهور السياسي المؤول، وتغير الخطاب السياسي فيقول معاوية “من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه”.
ولقد كان القول بالنص على الإمامة هو أول وهن دخل على الخطاب السياسي الإسلامي، حيث فتح الباب على مصرعيه لمثل هذه الدعاوي.
أهم سنن علي رضي الله عنه:
تأكيد حق الأمة في اختيار السلطة ومراقبتها.
المحافظة على وحدة الأمة والدولة وإقرار حقوق المعارضة.
أحكامه في قتال الفتنة ومشروعية الصلح والتحكيم.
إقرار التعددية السياسية وتحكيم الأمة عند النزاع.
أحكامه في مواجهة حركة المعارضة الفكرية وإقراره لحقوقهم.
حكمه فيمن اعتدى عليه وتركه الأمر شورى.
عهد الخليفة الخامس: الحسن بن علي بن أبي طالب 40 – 41 هـ
لقد كانت سيادة الحسن في جمع كلمة الأمة بعد تفريقها، وتنازله عن الخلافة مع ما فيها من الشرف والسؤدد، فصار سيدًا في الدنيا والآخرة رضي الله عنه وأرضاه، فهذا عملٌ عظيمٌ حقن به دماء الأمة ووحَّدَ به الكلمة، كما ثبتت سيادة الحسين بقيامه وتصدّيه للانحراف الذي طرأ بعد ذلك في باب الإمام وصدعه بالحق “ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” جعلت منه سيدًا لأهل الجنة.
لقد تحقَّقَت السِّيادة للحسن والحسين في اجتهادهما في شأنٍ سياسيّ، ترتبط به حياة الأمَّة ودينها ووجودها، أشدّ ارتباط وأوثقه، وهو إصلاح الإِمامة وشئون الأُمّة والدَّولة، فالأوَّل بإصلاحها وتوحيدها، والثاني بالتصدي للظلم والخلل الذي وقع فيها، وليس لهما أجلّ من هذين العملين وأشرف منهما.
عهد الخليفة السادس: معاوية بن أبي سفيان 41 – 60 هـ
ففي عام الجماعة 41 هـ, بايع المسلمون معاوية رغبة في جمع الكلمة ولمّ الشعث وتوحيد الأمة, وطاعة لسيدهم الحسن بعد خمس سنين من الفتنة والحروب الداخليّة تعطلت فيها الفتوح الخارجيّة.
لقد كان عام الجماعة حادثةً فريدةً في التاريخ السياسي للأمم، فلم يعرف التاريخ الإنساني بينها أمَّة حدث فيها ما حدث بين المسلمين زمن الفتنة من حروب داخلية، ثم تجتمع كلمتها بعد ثلاث سنين للتحكيم بينهما فيما اختلفت فيه، وبعدها بسنتين تجتمع على إمامٍ واحد.
عهد الخليفة السابع: عبد الله بن الزبير 64 – 73 هـ
رفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد وخلافته واعتصم بمكة مدة حكم يزيد، وكان يشاور أهل الحل والعقد ورءوس الناس في مكة، وكان يشاورهم في كل أموره لا يستبد عليهم بشيء وكان يرفع شعار لا حكم إلا لله. وكان يقيم الحج ويصلي بالناس الجمعة بلا إمارة ولا خلافة بعد أن طرد عمال يزيد من مكة.
كل ذلك يؤكد مبدأ الشورى والرضا وخطورته، حيث بغيابهما اضطربت لأمة على يزيد ولم يحكم سوى أربع سنين كلها فتنة وحروب داخلية، وتوفي عام 64 هـ.
وقد بايعته الأمة جميعها إلا الأردن، وظل خليفة إلى أن قتل سنة 73 هـ، وقد كان حسن السيرة جيد السياسة، عادلًا مقسطًا، أشبه الخلفاء سيرة بالأربعة الراشدين، وكان آخر الخلفاء الصحابة الذين اختارتهم الأمة عن شورى ورضا، ليبدأ عصر جديد وهو عهد عبد الملك بن مروان، وهو أول خليفة ينتزع الخلافة بقوة السيف والقتال، مما سيؤثر على الفقه السياسي بعد ذلك أكبر الأثر.
ويبدأ مع عهد عبد الملك بن مروان الخطاب السياسي المؤول ويفرض نفسه شيئًا فشيئًا، ليظل الصراع قائمًا على أرض الواقع السياسي بين خطابين سياسيين المنزل من جهة والمؤول من جهة أخرى بحسب صلاح الخلفاء وعدلهم وحسن سياستهم.
عهد الخليفة الرَّاشد: عُمر بن عبد العزيز 99 – 101 هـ
لقد عاد الخطاب الراشدي بعد ربع قرن على يد عمر بن عبد العزيز، فإن الخطاب الراشدي نظام سياسي يقوم على أصول وأسس تشريعية قرآنية ونبوية وراشدية يمكن تطبيقها في أي زمان ومكان، فكل نظام سياسي يقوم عليها فهو نظام حكم راشدي من حيث اتباعه لمنهج الخلفاء الراشدين.
فقد أحيا عمر سنة الشورى واختيار الإمام بلا إكراه ولا إجبار، وتجلَّى بخطابه “أيها الناس إني لست بقاضٍ ولكني منفذ” تجلي لمبدأ الفصل بين السلطة التنفيذية والقضائية.
إصلاحات عمر بن عبد العزيز السياسية:
اجتهد عمر في إصلاح الأوضاع المالية والسياسية وكانت إصلاحاته تتمثل في:
إعادة الأموال التي أخذت بغير حق لبيت المال.
ضبط مصارف بيت المال وقسمتها.
إيقاف صرف المخصصات الخاصة ببني أمية وحاشيتهم.
رد المظالم والحقوق المالية لأهلها.
الإحصاء وتدوين أسماء المواليد وإسقاط الوفيات.
المنع من الازدواجية الوظيفية والمالية.
سداد الديون والتسليف من بيت المال للاستئمار.
التخفيف عند جباية الأموال وعدم إرهاق المواطنين.
منع الحمى الخاص.
خصم حقوق الفقراء من العطاء ودفعها لهم.
تقسيم بيت المال وموارده ومصارفه.
صيانة الحريات العامة.
صيانة الأموال العامة.
يعلو صوت الصديق “أيّها الناس, إنَّه من كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت”، ثم تلا :”وما مُحمَّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم”.
فثاب الناس إلى رشدهم، وأقبلوا على ما أوجب الله عليهم القيام به من الشورى واختيار إمامهم، على ما علموه من كتاب ربهم، وما علمهم نبيهم.
كان لزامًا حسمْ موضوع الخلافة في أسرع وقت للظروف التي كانت تحيط بالدولة, سواء الأخطار الداخليَّة – حيث بدأت حركة الردَّة وازداد خطرها – وكذا الأخطار الخارجية – حيث كانت الروح في الشام بعد معركة مُؤتة تحشد جيوشها لتنقضَّ على الدولة الإسلاميَّة – فكان من السِّياسة الشرعيَّة البتّ في موضوع اختيار أوّل خليفة للنبي (صلى الله عليه وسلم) وليبدأ عهد الخلفاء الراشدين وأولهم: “أبو بكر الصديق وهو (عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة التيمي القرشي)”.
أمره رسول الله (صلَّى الله عليه وسلّم) أن يؤمّ النّاس في الصّلاة في مرضه الذي توفي فيه، فصلّى إمامًا بهم عشرة أيام، وتمّ اختياره يوم السقيفة خليفةً للمسلمين، وقد تحقَّق مع قصر عهده أكبر الإنجازات التي تمثَّلَت في:
1.إرساء أصول الخطاب السياسي القرآني والنبوي.
2.مواجهة حركة الردة الداخلية.
3.حركة الفتوح الخارجية وتحرير الإنسانية.
4.سنن أبي بكر المالية والإدارية:
تحديد راتب الخليفة من بيت المال.
رد ما زاد عند الخليفة عن حاجته إلى بيت المال.
المساواة في قسم الأموال.
الفصل بين السلطات.
وضع الأمناء والمحاسبين على بيت المال.
استثمار المال العام وتنميته.
عبقريَّات أبي بكر الصديق:
تجلّت تلك العبقريَّة القيادية في عدّة مواقف تاريخيَّة، أثبت (رضي الله عنه) أنَّه الأقدر على قيادة الأمّة بعد صاحبه (صلَّى الله عليه وسلّم)، ومن هذه المواقف:
ثبوته يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) ورده الناس إلى رشدهم.
حسمه للجدل واللغط الذي دار يوم السقيفة في شأن الخلافة في اليوم الذي توفي فيه النبي (صلى الله عليه وسلم).
عزمه على قتال أهل الردة.
مواجهة الأخطار الخارجية مباشرة ودون تردد.
عند وفاته، قال (إنه قد نزل بي ما قد ترون، وقد أطلق الله إيمانكم من بيعتي، وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم). وطلب الصحابة منه أن يستخلف لهم لكن وبعد أن أصر الصحابة على طلبهم خشية مما حدث في السقيفة، استشار كبار المهاجرين والأنصار، ثم جمعهم وقال: هل ترضون بمن اخترته لكم؟ فوالله ما وليت ذا قرابة، ولا ألوت من جهد الرأي، قالوا: نعم وعرفناه!، فعاتبه طلحة بن عبيد الله لما كان يخشاه من شدة عمر، فقال له: إذا سألني ربي قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك!”.
عهد الخليفة الثاني: الفاروق عمر بن الخطاب 13 – 23هـ
لقد كان عهد عمر أزهى فترات العهد الرَّاشدي، حيث امتدَّت الدولة الإسلاميَّة في هذه المدّة القصيرة جدًا من أقاصي فارس شرقًا إلى أقصى حدود ليبيا غربًا، لتصبح الإمبراطورية الفارسية، والعراق والشام ومصر، من أقاليم الدولة الإسلاميَّة الجديدة، فكان كما قال عبد الله بن مسعود عنه: كان إسلامه نصرًا وفتحًا، وخلافته رحمة وعدلًا.
السنن الراشدة للخطاب العمري:
قامت السنن العمريَّة على ثلاثة أصول سياسية:
1.تحديد علاقة الأمة بالأرض: وذلك بتأكيد مفهوم المواطنة، وترسيخ حق الأمة في الأرض التي تعيش عليها, فقد أثبت بهذه السّياسة الراشدة أنَّ الأرض والوطن في الدولة الجديدة، ليست للسلطة الحاكمة، ولا يحق لها أن تتصرف فيها بلا إذن أهله وهم الأمة، ولا أن تحمي شيئًا منها إلا للمصالح العامة فقط.
2.تحديد رعايا الدولة ومن لهم حقوق المواطنة واكتساب الهوية: فقد ضمَّنَ وصيّته رعاية حقوق كل المواطنين في الدولة الإسلاميَّة الجديدة، من المهاجرين والأنصار، والأعراب من البادية وأهل الأمصار كافة من المسلمين وأهل الذمّة، ليؤكّد مسئوليَّة السلطة عن القيام بمصالح رعايا الدولة، ورعاية حقوقهم بلا استثناء.
3.الالتزام بمبادئ الخطاب الإسلامي المنزل، ومن ذلك:
حق الأمة في اختيار الإمام وكون الأمة مصدر السلطة.
حق الأمة في الرقابة على الإمام وتصرفاته.
حق التقاضي والقصاص والمساواة بين الناس أمام القانون.
حق الأمة في الرقابة على بيت المال.
حق المساواة في العطاء.
تحقيق الاستحقاق من بيت المال بحسب العمل والعيال والحاجة.
ضبط الميزانية العامة للدولة.
مبدأ مسئولية الدولة عن مواطنيها.
سن الرقابة المالية والإدارية على العمال وموظفي الدولة.
تطبيق القانون على الجميع والتشديد على الأقرباء.
تقرير حق المواساة والاشتراك في الأموال في الأزمات.
وجوب سداد دين الخليفة الذي عليه لبيت المال.
تحرير الرق من بيت المال.
إقرار مبدأ شمولية سلطة أمراء الأقاليم على من يتظلمون منهم.
وقف الأرض المغنومة على مصالح المسلمين وجعلها مالاً عامًّا.
لقد اجتهد عمر في وضع النظم الإداريَّة لتنظيم وتطبيق مبادئ وأصول الخطاب الإسلامي القرآني والنبوي والذي تم إرساءها في عهد أبي بكر، بشكل منظّم يناسب تحوّل الدولة من دولة مدينة, ثم دولة إقليم يضم الجزيرة العربية فقط، إلى دولة قاريَّة تمتد من قارة آسيا إلى أفريقيا، ومن تلك النظم الإدارية والسياسية والاقتصادية والعمرانية التي ظهرت في العهد العمري تعبيرًا عن المبادئ:
تخصيص مجلس للشورى التشريعية.
الفصل بين السلطات.
وضع الجهاز والنظام الرقابي الإداري.
تحديد مدة الولاء والأمراء بأربع سنين.
وضع الدواوين والنظم الإدارية.
وضع الخطط والنظم العمرانية والزراعية وتنظيم شئون الأرض المفتوحة.
وضع نظام التأمين الاجتماعي.
إعفاء نصارى العرب من الجزية.
تقرير مبدأ المعاملة بالمثل مع الدول الأخرى.
وضع نظام الرقابة المالية.
اختيار أهل الكفاية والعلم بالسياسة لوظائف الدولة.
تحديد انتهاء صلاحيات الخليفة.
وضع نظام اختيار الخليفة بعده.
لقد وضع عمر خطة ونظام يعالجان كل الاحتمالات الممكن حدوثها أثناء عملية الترشح والاختيار تقوم على التالي:
1.حصر الترشيح وحدده في الستة.
2.وحدد مكان التشاور، وهو بيت أم المؤمنين عائشة، وحدد المدة بثلاثة أيام.
3.أمر صهيب الرومي أن يصلي بالناس مدة تشاور الست، ليضمن الحياد التام في عملية الانتخاب، حتى لا تكون الإمامة في الصلاة سببًا مرجحًا لواحد من الستة، واختار صهيبًا لكونه لا نسب له بواحد من الست.
4.أمر المقداد بن عمرو أن يشرف على عملية اجتماع الستة، والتنسيق بينهم، ما أمر أبا طلحة الأنصاري أن يختار خمسين رجلًا من الأنصار، وأن يستحث الستة على حسم الموضوع، واختار الأنصار للمراقبة لكونهم طرفًا محايدًا ليسوا من المهاجرين، واختار المقداد لأنه من كندة وليس من قريش.
5.أمر أن تتبع الإجراءات التالية:
إذا اتفق خمسة منهم على واحد فهو الخليفة إذا قبله المسلمون وبايعوه البيعة العامة.
إذا اختلفوا فاختار الأكثر واحدًا منهم فهو الخليفة إذا قبله المسلمون.
وإذا اختلفوا وتساوت الأصوات، فهنا يشترك عبد الله بن عمر في الأمر كمرجح بينهم، فإن لم يكن له رأي أو لم يقبلوه، فهنا يشترك عبد الله الجانب الذي يزكيه عبد الرحمن بن عوف لمعرفة عمر به وأنه لا يريدها كما يريدها علي وعثمان.
لقد أراد عمر أن يختار المسلمون خليفتهم بكل حرية، بعيدًا عن أي تدخل أو تأثير أي طرف، خاصة من جهتهم هو لكونه الخليفة، فضمن بذلك الحياد التام لعملية الترشح والانتخاب.
ولقد أدخل عمر في المرشحين كل من كان اسمه مرغوبًا بين المسلمين، وكل من رشحه الصحابة حيث استشارهم فيمن يختارون، إلا أنه حرم ابنه منها، وجعله مرجحًا فقط عند الاختلاف إرضاء للفريق الذي كان هواهم مع اختيار عبد الله الخليفة.
عهد الخليفة الثالث: عثمان بن عفان 23 – 35 هـ
لقد تميز عهد عثمان بن عفان في أول سبع سنوات بكثرة الفتوحات والعدل و الرخاء، وبعد أن بدأ سن سيدنا عثمان في الكبر بدأت الفتن الداخلية.
فقد خالف عهد عمر في سنة عدم توليته للأقارب، وهذا جعلت من عصره فتنة كبيرة كان السبب الرئيسي فيها المال، وبدأ ظهور الخلل في سياسته رضي الله عنه، وكان هذا سبب جم لاندلاع المعارضة السياسية.
فقد شهد المجتمع في عهد عثمان رضي الله عنه، تحولًا جذريًا بدأت في ظهور جيل عصر الفتوحات والرخاء والثراء والرفاهية، وقد كانت السلطة والثروة من أهم أسباب حدوث الفتنة التي عصفت بالدولة والأمة، وقد سن بها الخليفة الراشد عثمان سنن في مواجهة المعارضة الجماعية والفتن الداخلية تعتبر من أرقى صور الممارسات السياسية التي عرفها العالم منها:
إرسال رسل لتحري الحقائق ومعرفة أسباب الفتنة وشكاوى الناس.
استجاب عثمان لطلب أهل الكوفة، فخلع أميرها سعيد بن العاص.
رفض رفضًا قطعيًا التعرض لحركة المقاطعة أو قمعها، حيث أشار إليه أحد قادة جيوشه بذلك.
لم يتصد للمعارضة حين خرجوا بشكل جماعي من أمصارهم.
استقبلهم أحسن استقبال وشاورهم وحاورهم، وسألهم على معارضتهم، وتداولوا الشروط.
تم عقد وثيقة بين الخليفة وقادة المعارضة، والتزم فيها بكل شروط المعارضة العادلة.
قام الخليفة بعد توقيع الوثيقة مع المعارضة بالثناء عليهم في خطبته.
وعند استشهاده فقد انحرفت حركة المعارضة عن هدفها الإصلاحي، بمحاصرتها له رضي الله عنه لحمله على خلع نفسه، غير أنه لم يكن هدفها قتله، ولم يرض أكثرهم بذلك، حتى تسور عليه أشقياؤه فدخلوا عليه، وقتلوه شهيدًا صابرًا، بعد أن ضرب للأمة أروع مثل في رفض العنف وفي احترام حقوق الأمة، وصيانة حرمة الأرواح الإنسانية.
عهد الخليفة الرابع: عليّ بن أبي طالب 35 – 40 هـ
وبعد أن قتل الخليفة عثمان اضطرب الناس، فأقبلوا على عليّ رضي الله عنه، ورغبوا إليه بالقيام بتولي الأمر، فقل عليّ: “لا أفعل إلا عن ملأ وشورى”.
وظهرت دعاوي عدة حدثت بعد الفتن التي عصفت بالأمة، وطارت بعدها الأهواء، فالأمويون يدَّعون الأحقيَّة لأنَّهم أولياء دم الخليفة المقتول ظلمًا، ويتأولون “ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا” على غير الوجه الذي نزلت فيه، والعبّاسيّون يدعون ذلك لأنهم أولاد عم النبي (صلى الله عليه وسلم) وأحقّ بها بعد وفاته، والعلويون الفاطميون يدعون النص على عليّ وأبنائه من بعده، ثم اختلفوا أشدّ الخلاف فيما بينهم.
لقد كانت للفتنة وأحداثها وتداعياتها هي الأجواء التي بدأ فيها ظهور السياسي المؤول، وتغير الخطاب السياسي فيقول معاوية “من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه”.
ولقد كان القول بالنص على الإمامة هو أول وهن دخل على الخطاب السياسي الإسلامي، حيث فتح الباب على مصرعيه لمثل هذه الدعاوي.
أهم سنن علي رضي الله عنه:
تأكيد حق الأمة في اختيار السلطة ومراقبتها.
المحافظة على وحدة الأمة والدولة وإقرار حقوق المعارضة.
أحكامه في قتال الفتنة ومشروعية الصلح والتحكيم.
إقرار التعددية السياسية وتحكيم الأمة عند النزاع.
أحكامه في مواجهة حركة المعارضة الفكرية وإقراره لحقوقهم.
حكمه فيمن اعتدى عليه وتركه الأمر شورى.
عهد الخليفة الخامس: الحسن بن علي بن أبي طالب 40 – 41 هـ
لقد كانت سيادة الحسن في جمع كلمة الأمة بعد تفريقها، وتنازله عن الخلافة مع ما فيها من الشرف والسؤدد، فصار سيدًا في الدنيا والآخرة رضي الله عنه وأرضاه، فهذا عملٌ عظيمٌ حقن به دماء الأمة ووحَّدَ به الكلمة، كما ثبتت سيادة الحسين بقيامه وتصدّيه للانحراف الذي طرأ بعد ذلك في باب الإمام وصدعه بالحق “ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” جعلت منه سيدًا لأهل الجنة.
لقد تحقَّقَت السِّيادة للحسن والحسين في اجتهادهما في شأنٍ سياسيّ، ترتبط به حياة الأمَّة ودينها ووجودها، أشدّ ارتباط وأوثقه، وهو إصلاح الإِمامة وشئون الأُمّة والدَّولة، فالأوَّل بإصلاحها وتوحيدها، والثاني بالتصدي للظلم والخلل الذي وقع فيها، وليس لهما أجلّ من هذين العملين وأشرف منهما.
عهد الخليفة السادس: معاوية بن أبي سفيان 41 – 60 هـ
ففي عام الجماعة 41 هـ, بايع المسلمون معاوية رغبة في جمع الكلمة ولمّ الشعث وتوحيد الأمة, وطاعة لسيدهم الحسن بعد خمس سنين من الفتنة والحروب الداخليّة تعطلت فيها الفتوح الخارجيّة.
لقد كان عام الجماعة حادثةً فريدةً في التاريخ السياسي للأمم، فلم يعرف التاريخ الإنساني بينها أمَّة حدث فيها ما حدث بين المسلمين زمن الفتنة من حروب داخلية، ثم تجتمع كلمتها بعد ثلاث سنين للتحكيم بينهما فيما اختلفت فيه، وبعدها بسنتين تجتمع على إمامٍ واحد.
عهد الخليفة السابع: عبد الله بن الزبير 64 – 73 هـ
رفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد وخلافته واعتصم بمكة مدة حكم يزيد، وكان يشاور أهل الحل والعقد ورءوس الناس في مكة، وكان يشاورهم في كل أموره لا يستبد عليهم بشيء وكان يرفع شعار لا حكم إلا لله. وكان يقيم الحج ويصلي بالناس الجمعة بلا إمارة ولا خلافة بعد أن طرد عمال يزيد من مكة.
كل ذلك يؤكد مبدأ الشورى والرضا وخطورته، حيث بغيابهما اضطربت لأمة على يزيد ولم يحكم سوى أربع سنين كلها فتنة وحروب داخلية، وتوفي عام 64 هـ.
وقد بايعته الأمة جميعها إلا الأردن، وظل خليفة إلى أن قتل سنة 73 هـ، وقد كان حسن السيرة جيد السياسة، عادلًا مقسطًا، أشبه الخلفاء سيرة بالأربعة الراشدين، وكان آخر الخلفاء الصحابة الذين اختارتهم الأمة عن شورى ورضا، ليبدأ عصر جديد وهو عهد عبد الملك بن مروان، وهو أول خليفة ينتزع الخلافة بقوة السيف والقتال، مما سيؤثر على الفقه السياسي بعد ذلك أكبر الأثر.
ويبدأ مع عهد عبد الملك بن مروان الخطاب السياسي المؤول ويفرض نفسه شيئًا فشيئًا، ليظل الصراع قائمًا على أرض الواقع السياسي بين خطابين سياسيين المنزل من جهة والمؤول من جهة أخرى بحسب صلاح الخلفاء وعدلهم وحسن سياستهم.
عهد الخليفة الرَّاشد: عُمر بن عبد العزيز 99 – 101 هـ
لقد عاد الخطاب الراشدي بعد ربع قرن على يد عمر بن عبد العزيز، فإن الخطاب الراشدي نظام سياسي يقوم على أصول وأسس تشريعية قرآنية ونبوية وراشدية يمكن تطبيقها في أي زمان ومكان، فكل نظام سياسي يقوم عليها فهو نظام حكم راشدي من حيث اتباعه لمنهج الخلفاء الراشدين.
فقد أحيا عمر سنة الشورى واختيار الإمام بلا إكراه ولا إجبار، وتجلَّى بخطابه “أيها الناس إني لست بقاضٍ ولكني منفذ” تجلي لمبدأ الفصل بين السلطة التنفيذية والقضائية.
إصلاحات عمر بن عبد العزيز السياسية:
اجتهد عمر في إصلاح الأوضاع المالية والسياسية وكانت إصلاحاته تتمثل في:
إعادة الأموال التي أخذت بغير حق لبيت المال.
ضبط مصارف بيت المال وقسمتها.
إيقاف صرف المخصصات الخاصة ببني أمية وحاشيتهم.
رد المظالم والحقوق المالية لأهلها.
الإحصاء وتدوين أسماء المواليد وإسقاط الوفيات.
المنع من الازدواجية الوظيفية والمالية.
سداد الديون والتسليف من بيت المال للاستئمار.
التخفيف عند جباية الأموال وعدم إرهاق المواطنين.
منع الحمى الخاص.
خصم حقوق الفقراء من العطاء ودفعها لهم.
تقسيم بيت المال وموارده ومصارفه.
صيانة الحريات العامة.
صيانة الأموال العامة.