منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#55845
مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط الجديد
مفهوم الشرق الأوسط الجديد من المفاهيم التي برزت مع انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وازداد الحديث عن هذا النظام الإقليمي في أعقاب توقيع الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي. وقد حظي هذا التصور الجديد باهتمام متزايد وكبير من الباحثين والسياسيين والمراقبين، وشكل هذا المفهوم الجديد محاور جدلية وآراء متناقضة تارة ومتوافقة أخرى بين من يرى أن نظام الشرق الأوسط الجديد يختلف عن النظام القائم من حيث أنه سوف يرتكز على أسس جديدة، وآليات أكثر عدلاً، وأهداف أكثر تحديداً ومصالح قد تكون أكثر تشابكاً بعد صراع تاريخي وطويل بين الدول العربية وإسرائيل ويؤكد هذا الفريق في معرفة دفاعه عن النظام الجديد، أن مرحلة الصراع قد انتهت إلى غير رجعة وبدأت مرحلة جديدة تحدد مسارها المصالح الذاتية والجماعية وليس اختلاف الأيديولوجيات. بينما يرى فريق آخر استحالة تغيير الوضع القائم بشكل جذري إلا انه قد يكون هناك بعض التشكل البسيط في النظام الشرق أوسطي الحالي مع الاحتفاظ بالأسس الجوهرية التي قام عليها هذا النظام الجديد ويشير هذا الفريق إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي ما زال قائماً. وما زالت أسسه ومبادئه وآلياته على حالها هي الأخرى، حيث هو في الأساس صراع حضاري عقائدي تاريخي ضاربة جذوره في أعماق التاريخ لكلا الطرفين، وليس صراعاً سياسياً يمكن التغلب عليه وحله من خلال التسويات السياسية .
ومع أنه ليس من السهولة بمكان تأييد أو معارضة آراء أي من الفريقين في هذه المرحلة بالذات، نظراً إلى أن هذا النظام ما زال في مرحلة التبلور كغيره من النظم الإقليمية الأخرى، ولم يتم التعرف على صياغته وشكله النهائي، حيث يراه البعض أنه سياسي، والبعض الآخر يؤكد على انه اقتصادي بالدرجة الأولى. إننا نستطيع أن نستشف أن وضعاً جديداً في الشرق الوسط قادم لا محالة، بل وبدأ يتشكل، وربما أول تفاعل وبلورة تنظيمية لهذا النظام هو ما يسمى بالمفاوضات متعددة الأطراف والتي تشترك فيها غالبية الدول العربية. ومهما كانت الأسباب أو المؤثرات الإقليمية والدولية التي أدت إلى هذا التغير والتبلور الجديد، إلا أن الشرق الأوسط مقدم على تحولات جوهرية بالغة الخطورة على الأمن القومي العربي وكذلك على التكامل الإقليمي. هذه التحولات أفرزتها المتغيرات الإقليمية والدولية.
هنا لابد من التساؤل عن مستقبل النظام الإقليمي الحالي في الشرق الأوسط. هل يتلاشى هذا النظام ومن ثم تفرعاته المحلية؛ مجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون المغاربي، أمام نظام الشرق الأوسط الجديد؟ وقد يتطلب الأمر تحديداً أكثر حيث أن ما يهمنا في هذا الحديث هو آثار التغيرات الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط على تماسك واستمرارية مجلس التعاون الخليجي، بمعنى هل الترتيبات الإقليمية المتوقعة في المرحلة القادمة سوف تكون على حساب التنظيمات المتفرعة من النظام الشرق أوسطي الحالي.
ليس ثمة شك في أن مجلس التعاون الخليجي ما هو في واقع الأمر إلا أحد مقومات العمل الجماعي العربي والمتمثل في جامعة الدول العربية. وهذا يؤدي بديهياً إلى أن أي تغير جذري في النظام الإقليمي العربي يسري بطبيعة الحال على المنظومات المتفرعة عن هذا النظام. حيث أكد الكثير من الساسة والمفكرين وصناع القرار السياسي في المنظومة العربية وتفرعاتها أن ما يؤثر في الأصل سلباً أو إيجاباً ينتقل إلى الفروع الأخرى. إذن ومن هذا المنطلق ما هي آثار التفاعل المحتمل بين العناصر المكونة لنظام الشرق الأوسط الجديد على منظومة مجلس التعاون الخليجي.
ليس هناك خلاف على أن من ضمن استراتيجيات مجلس التعاون الخليجي وأهدافه التصدي ومواجهة الخطط والإستراتيجية التوسعية الإسرائيلية في المنطقة العربية، سواء من المنظور الاقتصادي أو السياسي أو العسكري. فقد ساهمت دول المجلس مساهمة كبيرة في مواجهة إسرائيل على مختلف المحاور بما في ذلك المشاركة في المواجهة العسكرية بأشكالها المختلفة والمواجهة الاقتصادية من خلال إحكام نظام المقاطعة ضد إسرائيل. إلا أن التوجه الحالي نحو إنشاء نظام شرق أوسطي جديد قد يؤدي إلى خلط جميع الأوراق، وإن كان لا يؤدي إلى تفكك التجمعات العربية القائمة، إلا انه سيؤدي إلى فتور في العملية التكاملية بين الدول الأعضاء. وهذا ما تهدف بل وتخطط له إسرائيل. ولعل هذا الأمر يتضح من المخطط الإسرائيلي بعيد المدى والذي يهدف بالإضافة إلى أمور عديدة، إلى اختراق التجمعات الإقليمية العربية ومن ثم تفتيت وضرب عناصر القوة التي تغذي هذه التجمعات، من تجانس ثقافي وتاريخي وعقائ، وإعادة رسم خريطة للمنطقة لصالح بعض القوى الإقليمية. وتبدو ملامح النظام الجديد للشرق الأوسط تتمحور حول الناحية الاقتصادية والاهتمام بتنمية الموارد والإمكانات الاقتصادية. وهذا هو مربط الفرس بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي حيث هي تمتلك مصادر اقتصادية متنوعة، وهذا مما يدفع إسرائيل، بمساعدة قوى دولية، إلى إتباع كافة السبل للوصول إلى منطقة الخليج، ومحاولة تكييف الوضع الإقليمي ليقبل عناصر كانت غير مرغوبة، ومن ثم دعمها وإبرازها كقوة فاعلة وأساسية في النظام الإقليمي الجديد.
إن المرحلة الحالية والقادمة هي مرحلة حساسة وحرجة، حيث أنه إذا تم تشكيل نظام شرق أوسطي جديد بالصيغة التي تريدها إسرائيل يعتبر ذلك ضربة للتكامل العربي الأشمل ونظمه الفرعية. ولذلك يجب التنبه للإستراتيجية الإسرائيلية التي تهدف إلى اختراق التضامن والتنسيق العربي، سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو العسكري أو حتى الاقتصادي، ومن ثم خلق مناخ جديد مبنياً على التفوق العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي، والذي بدوره يحتم عليها أن تلعب دور رجل الشرطة في منطقة الشرق الوسط، الأمر الذي يتحقق من خلاله البعد الإستراتيجي والمني لأهدافها التقليدية. عن نظام الشرق الوسط الجديد، عن تحقق، سوف يعطي إسرائيل مجالاً واسعاً في السيطرة على مقدرات وإمكانيات دول المنطقة ، وذلك من خلال آلية اقتصادية متطورة تضمن إحكام الهيمنة على المشروعات الاقتصادية التي لا تخدم إلا مصالحها الذاتية ، وفي الوقت نفسه منع دول المنطقة من إحراز أي تقدم صناعي أو تكنولوجي، لتبقى هذه الدول معتمدة على الإنتاج الإسرائيلي. وتحاول إسرائيل إقامة سوق شرق أوسطية تشكل المدى الإقليمي الذي تعزز إسرائيل من خلاله قدرتها التنافسية ودورها الاقتصادي والسياسي والعسكري. ويبدو ذلك واضحاً من إصرارها على إلغاء نظام المقاطعة العربية ضدها وتطبيع العلاقات مع جميع الدول العربية حتى قبل التوصل إلى تسوية سلمية مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وخلاصة هذا الحديث، أننا يصدد تحول جوهري وتاريخي ليس في العالم فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط. إن هذا التغيير يهدف إلى رسم خريطة جديدة للمنطقة لصالح الدول العبرية في المقام الأول ولصالح الدول الغربية ثانياً. فلنكن على قدر من الحذر والحيطة حتى لو تحقق السلام في المنطقة.