منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#55846
من مسيرة التعاون إلى مسيرة التوحيد
تتطلع شعوب دول مجلس التعاون الخليجي إلى اليوم الذي تحتفل فيه بذكرى توحدها في كيان واحد لا تهزه العواصف والمتغيرات الإقليمية والدولية. وإنه أمل قد يتحقق وغاية يتمنى كل مواطن من الخليج العربي إلى البحر الأحمر أن تتحقق. أمل نتطلع إليه ونتمناه كلما مرت بنا ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، ذكرى تجربة التوحيد الكبرى التي هي مضرب المثل لجميع المحاولات التوحيدية الناجحة في العالم العربي، بل هي أنموذج المحاولات الاندماجية الفذة الناجحة في القرن العشرين. إن تجربة المملكة العربية السعودية الوحدوية تستوجب منا نحن أبناء الخليج العربي وقفة تأمل واعية وصريحة ، كما تستوجب منا إدراك القيمة الكبرى بهذا الإنجاز التاريخي العظيم الذي حققه مؤسس هذا الكيان، وانه لحري بنا نحن أبناء دول مجلس التعاون الخليجي أن يكون هذا اليوم دافعاً لمزيد من العطاء والبذل لتحقيق وحدتنا الكبرى. لعلنا في استعراضنا للأسس التي قامت عليها وحدة المملكة العربية السعودية أن نجد في تلك الصور المضيئة في تاريخ هذا الوطن المعطاء الذي أصبحت وحدته مفخرة بكل المقاييس على جميع المستويات الإقليمية والدولية، لما تحقق من إنجازات في كافة المجالات، لعلنا نتخذ من هذه المعايير نبراساً يستضاء به في وحدتنا الخليجية. إن وحدة المملكة هي مبعث بل والمحفز لجميع المحاولات الوحدوية اللاحقة في شبه الجزيرة العربية. فعلى منهج وحدتنا السعودية، حققت الإمارات العربية المتحدة وحدتها في عام 1971م، وعلى نفس الوتيرة حققت اليمن وحدتها في عام 1991م. فهل على نفس المنهج تتحقق وحدتنا الخليجية الكبرى؟
إن وحدة المملكة العربية السعودية هي أنموذج فريد يجب أن يحتذي به. إن من الأسس التي أدت إلى وحدتنا السعودية والتي قد لا توجد في محاولات وحدوية أخرى هي أن وحدتنا السعودية بدأت تتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية آنذاك ومن ثم تبلور موقفها مع مستجدات الزمن مع الاحتفاظ بالثواب الإسلامية وهذه خاصية قلما تتوفر في منهج وحدوي في العصر الحديث. إن هذه الذكرى التي تمر علينا هذه الأيام وكل عام ليست في واقع الأمر مجرد استرجاع لأحداث حافلة بالأمجاد البطولية الخالدة التي سطرها مؤسس هذا الكيان العظيم الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – فحسب، بل هي دافع لمواصلة المسيرة ودافع لمواصلة العطاء والبناء والإبداع إن التجربة الوحدوية السعودية قد أثبتت أصالتها وحققت أهدافها من خلال النقلة الحضارية المميزة التي نقلت البلاد من حياة التشتت والفقر والظلام إلى حياة الوحدة والعزة والنور. هذه الوحدة التي حولت هذا الشتات إلى دولة قوية وبلداً قيادياً بين دول العالم يشارك بفعالية في رسم السياسة الدولية وإرساء دعائم السلام والاستقرار العالمي وما استذكارنا لهذه المناسبة من كل عام إلا أنها مناسبة عزيزة ونقلة نوعية جبارة ونقطة تحول تاريخي وسياسي وجغرافي هام في شبه الجزيرة العربية ، ومن خلال هذا الاستذكار نستلهم إرادتنا وعزائمنا من الإرادة القوية والعزيمة والتصميم للقائد المؤسس.
في ديسمبر من عام 1989م كنت أتحدث مع معالي وزير المالية والاقتصاد البحريني الأستاذ إبراهيم عبد الكريم حول إنجازات وعوائق وطموحات مجلس التعاون الخليجي وكذلك تطلعات أبناء المجلس لوحدة، فقال لي معالي الوزير وكأنه يحاول استشراف مستقبل الوحدة الخليجية وربطه بالمنهج الذي تم على أساسه توحيد المملكة العربية السعودية، حيث قال: " نحن في مجلس التعاون الخليجي لم نستوعب الدروس والعبر والإنجازات العظيمة التي قام بها مؤسس المملكة العربية السعودية. فقد تحمل المصاعب والمشقة وركب المخاطر وضحى بالغالي والنفيس في سبيل توحيد هذا الكيان العظيم. لقد وحد مناطق متباعدة ومترامية الأطراف ومشتتة، ونحن في دول المجلس، مع تغير الظروف إلى الأحسن، لم نستطع أن نحقق الشيء اليسير مما حقق الملك عبد العزيز ، يرحمه الله، إنه عمل جبار بكل المعايير هذا الذي قام به الملك عبد العزيز، أو هو ما يشبه المعجزة في عصرنا الحاضر. لقد حقق ذلك رغم شح الإمكانيات والموارد المتاحة آنذاك، سواء المادية منها أو البشرية. " إنها لشهادة نعتز بها نحن أبناء هذا الوطن. إن مناسبة اليوم الوطني هي مناسبة ليس للتمجيد والمديح والتغني بإنجازات الرواد الأوائل من أبناء هذه الأمة فحسب بل هي للتبصر في أن باني هذه الوحدة العملاقة قد أرسى قواعد دولة عصرية لم تتخل في أي وقت وتحت أي ظرف عن قيمها الإسلامية وتقاليدها العريقة.
وهذه المناسبة كذلك للتأكيد على استمرارية تلك الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والمنية، والتي جعلت المملكة تنافس كثيراً من دول العالم المتقدمة، كذلك للتركيز على الإنجازات السياسية والمتمثلة في بناء المؤسسات السياسية الحديثة والتي تحققت في زمن قياسي مقارنة بغيرها من الدول، والتي كان أخرها القرارات التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين بتكوين مجلس الشورى، كمؤسسة سياسية تساهم في التطور والتنمية السياسية للمملكة العربية السعودية، وتقنين بعض الأنظمة الأخرى مثل نظام مجلس الوزراء ونظام المناطق. كل هذه الإنجازات ما كانت تتحقق لولا وجود البنية الأساسية لهذه الدولة واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتي برهنت جميعها على المكانة الخاصة التي جعلت المملكة العربية السعودية مركز ثقل كبير ليس إقليمياً أو عربياً فحسب، بل هي كذلك مركز ثقل في المجال الدولي السياسي منه والاقتصادي.
إن الهدف من استعراض مراحل الوحدة الوطنية السعودية هو أن يستلهم قادة وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي المنهج الذي حقق تلك الإنجازات العظيمة التي ساعدت على قيام تلك الوحدة لعلها تكون محفزاً ودافعاً للوحدة الخليجية الكبرى. وكذلك معرفة الأبعاد الإيجابية ومن ثم إتباعها ومعرفة الأبعاد السلبية وتجنبها، أضف إلى ذلك مبدأ التدرج وتحديد أهم الأولويات التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف المطروحة. إن هذا التوجه الوحدوي بين دول مجلس التعاون الخليجي هو في واقع الأمر عبارة عن تراكمات أمان وطنية خليجية، ترمي إلى تعميق العمل الخليجي المشترك وخاصة في الميدان الاقتصادي كمفتاح للتكامل السياسي. ومع أننا في مجلس التعاون الخليجي قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من التنسيق والتعاون والتضامن والذي يدوره يهيئ الظروف للانتقال إلى مرحلة أخرى متقدمة من العمل المشترك على طريق الوحدة الكاملة إلا أننا يجب أن لا نغفل الدور الذي لعبته التجربة الوحدوية السعودية. فهل معنى هذا أن مسيرة التعاون هي امتداد تاريخي لمسيرة الوحدة الكبرى التي حققتها المملكة العربية السعودية.