التنشئة السياسية
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 04, 2012 9:08 pm
التنشئة السياسية تُعنى بظاهرة السلطة السياسية في حياة المجتمعات البشرية والذي يعد مدخلاً في غاية الاهمية في التحصين والبناء الفكري السليم للشباب، الذي يجب ان يستهدف فيهم تنمية الوعي بأهمية الولاء الوطني والوعي بأهمية قوة وسلامة الجسم السياسي والمصير المشترك بعيداً عن الولاءات والأطر الضيقة والافكار والايدولوجيات البالية، فقوة الدولة تكمن في سلامة الجسم السياسي ومدى تماسكه وعمق الوعي السياسي لدى كافة شرائح المجتمع وتحديداً فئة الشباب.
ويتأتى هذا الوعي لدى كافة فئات المجتمع وتحديداً الشباب من خلال عملية التنشئة السياسية والتي تكون هذه العملية فاعلة ومؤثرة في تنمية المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والروحية وادخالها في جميع بناءات ومؤسسات المجتمع كالعائلة والمؤسسات التربوية والعسكرية والدينية، وان اعتماد تلك المؤسسات لمفردات وبرامج التنشئة السياسية فإن افرادها يكونون واعين بالطرق والاساليب والاسس التي تساهم في تنمية مؤسساتهم ومجتمعاتهم التي بدورها تنعكس على تنمية المجتمع بأكمله ليصل الى الدولة وتحقيق الاهداف المنشودة.
ولأهمية تحقيق اهداف التنشئة السياسية وللوصول الى التطور المجتمعي وتطور الفرد سياسياً فإن التساؤولات التي يجب ان تثار هي:-
* ما هو مفهوم التنشئة السياسية وما هي ادوات ومصادر التنشئة السياسية وما مدى تطبيق ذلك على الحالة في المملكة الاردنية الهاشمية.
وللاجابة على هذه التسؤلات سوف نتحدث في ثلاثة محاور:-
- المحور الاول: يُعنى بتعريفات ومفاهيم ومكونات التنشئة السياسية.
- المحور الثاني: يُعنى بأدوات ومصادر التنشئة السياسية.
- المحور الثالث: اضاءات على التنشئة السياسية في المملكة الاردنية الهاشمية.
- ومن ثم الخلاصة والتوصيات.
المحور الاول:تعريف التنشئة السياسية والمفاهيم المشابهة:-
ويجدر بنا هنا ان نحدد المفاهيم والتعريف بالتنشئة السياسية وذلك لفهم الموضوع المطروح والاحاطة به وتجنب عدم الاختلاط بين المفاهيم والتي للوهلة الاولى تبدو مرادفة لبعضها.
وبهذا الصدد نجد ان كل من التنشئة السياسية والثقافة السياسية والثقافة العامة، والتنمية السياسية تعد من المصطلحات المترابطة بقوة، إلا انه على الرغم من ذلك الترابط فإن لكل مصطلح خاصية تميزه عن غيره سواء من حيث المفهوم أو من حيث الطبيعة، فبينما ينصرف مصطلح الثقافة بمفهومها العام والمجرد والمطلق الى منظومة القيم والعادات والاعراف والتقاليد والمؤسسات التي تسود مجتمعاً ما من المجتمعات، وتعمل على توجيه وضبط مسار تفاعلاته المختلفة، ان نجد ان الثقافة السياسية تشير الى منظومة القيم والأفكار والمعتقدات المرتبطة بظاهرة السلطة السياسية في المجتمع وتعد الثقافة السياسية على هذه النحو جزءً لا يتجزأ من الثقافة العامة التي تختلف من بلد لاخر وتعتبر مجموعة من المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة.
وتعني ايضاً بأنها منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور والعلامة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة فهي تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية وتشمل تلك الثقافات الفرعية، ثقافة الشباب، ثقافة النخبة الحاكمة، ثقافة العمال، ثقافة الفلاحين، وثقافة المرأة.... الخ.
وللثقافة السياسية مكونات يمكن الحديث عنها سواء تلك التي تتبناها الدولة ( ثقافة الحكام) أو الثقافة الرسمية وهي تلك السائدة لدى افراد المجتمع( المحكومين) والتي تسمى الثقافة غير الرسمية ومن هذه المكونات :-
أ- المرجعية:-
وهي تعني الاطار الفكري الفلسفي المتكامل، أو المرجع الاساسي للعمل السياسي، فهو يفسر التاريخ ويحدد الاهداف والرؤى ويبرر المواقف والممارسات، ويكسب النظام الشرعية وغالباً ما يتحقق الاستقرار بأجماع اعضاء المجتمع على الرضا عن مرجعية الدولة، ووجود قناعات باهميتها وتعبيرها عن اهدافهم وقيمهم.
وعندما يحدث الاختلاف بين عناصر النظام حول المرجعية، تحدث الانقسامات وتبدأ الازمات التي تهدد شرعية النظام وبقائه واستقراره ومن الامثلة على تلك المرجعيات:- الديمقراطية والاشتراكية والرأسمالية، والعلمانية.... الخ، واغلب الظن انه لا يوجد أثر محسوس للاختلاف بين عناصر المجتمع في الديمقراطية الغربية اذ ان هناك اتفاقاً عاماً على الصيغ المناسبة لشكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أما في الدول النامية فالمسائل المتعلقة بشكل نظام الحكم وطبيعة النظام الاقتصادي وحدود العلاقة بين الدين والدولة لم تحسم بعد ولا تزال مثار خلاف وصراع.
ب- التوجه نحو العمل العام:-
وهناك فرق بين التوجه الفردي الذي يميل الى الاعلاء من شأن الفرد وتغليب مصلحته الشخصية، وبين التوجه العام أو الجماعي الذي يعني الايمان بأهمية العمل التعاوني المشترك في المجالين الاجتماعي والسياسي والتوجه نحو العمل العام والاحساس بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه.
فالشعور بالمسؤولية يدفع المواطن الى الايجابية في التعامل مع القضايا والموضوعات في ظل ثقافة متشابهه مؤداها الاحساس بالولاء للجماعة.
ج- التوجه نحو النظام السياسي:-
الاتجاه نحو النظام السياسي والايمان بضرورة الولاء له والتعلق به من ضرورات الاحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزمات.
فكل ثقافة سياسية عليها ان تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسي والحدود المشروعة بين الحياه العامة والحياه الخاصة، ويتضمن هذا النطاق تحديد الافراد المسموح لهم بالمشاركة في العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدى.
كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة في النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلي بالاضافة الى ان بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الابنية والوظائف في الدولة.
فالثقافة السياسية هي التي تدعم النظام وتحدد اطره، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.
د- الاحساس بالهوية:-
يعتبر البعض ان الاحساس بالانتماء من اهم المعتقدات السياسية، ذلك ان شعور الافراد بالولاء للنظام السياسي يساعد على اضفاء الشرعية على النظام، كما يساعد على بقاء النظام وتخطيه الازمات والمصاعب التي تواجهه فضلاً عن الاحساس بالولاء والانتماء للوطن يساعد على بلورة وتنمية الشعور بالواجب الوطني وتقبل الالتزمات، كما يمكن من فهم الحقوق والمشاركة الفاعلة في العملية السياسية من خلال التعاون مع الجهاز الحكومي والمؤسسات السياسية، وتقبل قرارات السلطة السياسيةوالايمان بالدور الفاعل لها في كافة مجالات الحياه.
أما مفهوم التنشئة السياسية:-
فقد استخدم مصطلح التنشئة Socialization بالمعنى المتداول في العلوم الاجتماعية حالياً منذ نهاية العقد الثالث وبداية العقد الرابع من هذا القرن ففي عام 1940 استخدم كل من ( أوجبرن ونيمكوف) مصطلح التنشئة في كتابهما ( علم الاجتماع) وزاد تداول هذه المصطلح خلال بحوث ومؤلفات علماء النفس والاجتماع والساسة.
فالتنشئة بمفهومهما الواسع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع حيث انها لا يمكن ان تقوم الا من خلال التفاعل بين مجموعة من الافراد، وبذلك فقد عرفها البروفيسور( ميشيل) ) بأنها عملية تلقين الفرد بقيم ومقاييس ومفاهيم مجتمعه الذي يعيش فيه بحيث يصبح متدرباً على اشغال مجموعة ادوار تحدد نمط سلوكه اليومي.
فالتنشئة السياسية: هي تلك العملية التي يكتسب الفرد من خلالها معلوماته وحقائقه
وقيمه ومثله السياسية والتي يُكون بواسطتها مواقفه واتجاهاته الفكرية أو الايدولوجيةالتي تؤثر على سلوكه وممارسته اليومية وتحدد درجة تضحيته وفاعليته السياسية في المجتمع وتساعد على بقاء وديمومة واستقرار النظام السياسي.
اذاً فالتنشئة السياسية هي تلك العملية التعليمية التي يخضع لها الفرد من اجل بناء مركزه ودوره في المجتمع.
المحور الثاني: أدوات ومصادر التنشئة السياسية:-
بأعتبار ان التنشئة السياسية تبدأ مع الفرد منذ ولادته وتستمر معه حتى مماته حيث يستمد تنشئته من المصادر التي قد اجمع عليها كثيرٌ من الباحثين والمفكرين في هذا المجال والتي قد تختلف في اساليبها في التنشئة ولكنها في النهاية تتجه نحو هدف واحد وهو تنشئة الفرد سياسياً. ومن هذه الادوات والمصادر :-
1- الاسرة:-
تعد الاسرة احدى وسائل التنشئة السياسية عند الفرد ان لم تكن اهم العوامل على الاطلاق بحيث تلعب الاسرة أو العائلة دوراً اساسياً في تعليم الطفل الروابط الاجتماعية وقيم المجتمع وتساهم في تطوير شخصية الافراد اثناء مراحل تطورهم الاولى، كذلك ما تلعبه الاسرة في تأكيد هوية الطفل الشخصية المميزة فهي الاهم بالنسبة للطفل من الدولة فهي منشأه ومظلته الاجتماعية والمجتمع المزدهر الذي ينمو فيه الفرد في الاسرة نمواً طبيعياً، وهي من اولى المؤسسات البنيوية التي تؤثر في مواقف وافكار وسلوكية واخلاقية الفرد.
حيث تقوم الاسرة بأول مرحلة من مراحل التنشئة بتعليم الطفل لللغة وبعض انماط السلوك ومن خلال هذه العملية الاولية تأخذ التنشئة السياسية مكانها في سلوك الطفل.
وحيث ان الانسان ككائن طبيعي يولد ويحيا ويعيش في أسرة أو زمرة فيتشرب ثقافة مجتمعه ويتشبع بقيم الحياه، الامر الذي يبرز لنا الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للأسرة.
2- المدرسة أو مراحل التعليم جميعها:-
وهي المؤسسة التي يحددها المجتمع لغرض التربية والتعليم واضعاً في الاعتبار المبنى والمعلم والكتب والمناهج التعليمية ووسائل الايضاح التعليمية وجميع النشاطات الصفية واللاصفية التي تتولى المدرسة مسؤليتها.
فالمدرسة تستقبل الطفل منذ مرحلة طفولته وطفولته المتأخرة الى مرحلة المراهقة والتي تعد من اخطر مراحل تكوين الشخصية لدى الفرد، بذلك نعرف مدى خطورة الدور الذي تلعبه المدرسة في بناء الشخصية وزرع القيم والمفاهيم ونقل الخبرات المختلفة والقيام بالدور التربوي الذي يريده المجتمع.
وبما ان المدرسة تمثل عاملاً مهماً من عوامل التنشئة السياسية والاجتماعية فهي تعمل الى حدِ كبير عملاً يشبه دور الاسرة، فهي تعمق من شعور الانتماء للمجتمع وتساهم في بناء شخصية الفرد وتثقيفه عن طريق فهم العادات والتقاليد وتجعله عضواً مشاركاً في المجتمع.
وتلعب المناهج التدريسية والنشاطات الرياضية والاجتماعية دوراً هاماً في تثقيف الطالب اجتماعياً وسياسياً.
3- الاحزاب السياسية:-
وهذا المصدر يركز على شريحة عمرية معينة، ولعل الشباب يكونون خاضعين اكثر للاساليب التنشئية الناجمة عن تأثير الاحزاب السياسية والحركات الاجتماعية.
بحيث تتبنى هذه الاحزاب ايديلوجيات سياسية واضحة المعالم واستراجيات للتنمية والتخطيط لتطوير مجتمعاتها وتقييد تصوراتها أو عاداتها الفكرية، ويلعب الحزب السياسي في الدول النامية دوراً يقترب الى حد كبير من الدور الذي تلعبه الاسره في عملية التنشئة السياسية فالاحزاب السياسية هي من اهم المؤسسات الماعصرة التي تؤثر في مجرى الاحداث السياسية في المجتمع وان انتساب الافراد لتلك الاحزاب يخلق لديهم افكاراً وايديلوجيات سياسية تساعدهم على التفاعل في المجتمع.
4- وسائل الاعلام المختلفة المسموعة والمقروءة:-
وهي تؤثر على تشكيل وتكوين التوجهات السياسية عن طريق تزويد الفرد بالمعلومات اليومية عن الاحداث السياسية وتعد هذه الاداه في التنشئة السياسية لدى الفرد من اهم الادوات في وقتنا الحاضر وذلك نتيجة تطورها وسرعة تعلمها وتأثر الفرد بها ولسهوله وصولها للمجتمع والفرد، حيث ساعدت هذه الاداة في تنوير العقل لدى الفرد والكشف له عن ثقافات متعددة بكل سهولة ويسر.
المحور الثالث: إضاءة على التنشئة السياسية في المملكة الاردنية الهاشمية:-
حيث يظهر جلياً اليوم إشكاليات التنشئة السياسية والمشاركة السياسية الحقيقية مقابل الحفاظ على جوهر الدولة وعناصرها الاساسية المتمثلة في الشرعية والهوية، ويمكن ان نوعز تلك المشكلة الى المراحل التي مر بها الاردن ابتداءً من مقاومة التأسيس للدولة مروراً بالحروب التي مرت بها وما يترتب عليه من شعور لدى افراد المجتمع بجميع اصولهم ومنابتهم في الصعوبة في تحديد الهوية لكثير من افراد المجتمع والظهور الملحوظ في تغليب الولاءات الضيقة على الولاء للوطن والقيادة، فلم تلعب ادوات التنشئة السياسية آنفة الذكر دورها الحقيقي في التنشئة السياسية بالشكل الصحيح والمطلوب بحيث انه لم يتم الاندماج الاجتماعي والسياسي تحت مظلة واحدة لتوحيد الهوية.
إلا ان الحالة الديمقراطيةالاردنية أقرب ما تكون الى عملية اجتماعية تاريخية تتقدم وتتراجع وتمر في مراحل ازدهار وتواجه تحديات وتتعثر احياناً، وهي بذلك عملية اجتماعية ذات مظاهر آليات سياسية اكثر من ان تكون خياراً ايديلوجياً وهذا المسار يعكس الاستجابة للخيارات السياسية التي حددتها الدولة لنفسهامنذ بدايات تكوينها، وبذلك فالديمقراطية تعد في الحالة الاردنية خياراً سياسياً اجتماعياً من اجل الاستقرار واستمرار النظام والحفاظ على قيمه، وهي اليوم في خيار سياسي اجتماعي ايضاً يطرح نموذجاً محلياً يواجه الدور الاقليمي الآخذ بالضمور والتراجع وهذا يتطلب قبل كل شيء ادوات ومناهج وبيئة ايجابية لتنشئة سياسية جديدة.
إن المفاهيم المعنوية الخاصة بالولاء والانتماء الوطني والشعور بالهوية ووعي العلاقة بين المواطنة والدولة ومنظومات الحقوق القانونية هي مفاهيم وعمليات اجتماعية بالاساس تصب نتائجها في عملية التكامل السياسي داخل المجتمع والدولة وهي مهمة عاجلة، تُعنى بإعادة انتاج البناء المعنوي للدولة الاردنية بعيداً عن التعامل اليومي مع ا لاحداث.
الخلاصة :-
مما تقدم نستطيع ان نستخلص بأن عملية التنشئة السياسية لا يمكن ان تنطلق من فراغ، بل لابد من وجود مصادر وادوات تعمل متفرقة أو مجتمعة من اجل غرس القيم السياسية السائدة في المجتمع لدى الافراد كما أن هذه المصادر والادوات تساعد الفرد على تكوين فكره أو رأي سياسي خاص به، كما رأينا بأنه لا يمكن ان نفصل دوائر تأثير هذه المصادر عن بعضها بل انها مكملة ومتممة لبعضها البعض مما يحتم عليها حتى وان اختلفت الاساليب التي تتبعها في عملية التنشئة بأن تتكلم لغة واحدة وان تهدف الى هدف واحد مما يجعل تأثيرها أقوى وبلوغها الى الهدف ايسر اي انه لا تنشئة سياسية بدون مصادرها ولا تأثير لتلك المصادر دون اتباع استراتيجية معينة.
التوصيات المقدمة الى المجتمع :-
1- لابد للمجتمع من التخلي عن العادات والتقاليد والقيم الضارة التي تشده الى الخلف وأن يطور وينمي قيماً ومثلاً تتماشى وحركة التغيير المادي التي يشهدها.
2- إتاحة الفرصة للافراد الذين هم في سن الدراسة وتشجيعهم للاقبال عليها على مختلف تخصصاتها وومستوياتها ومراحلها، والرفع من شأن العلم والعلماء وإعطائهم المكانة الاجتماعية اللائقة بوضعهم ووضع الحوافز التي تشجع على التنافس بين افراد المجتمع في هذا المجال مما يخلق بدوره الشرائح الواعية والمستنيرة التي تواكب التقدم الحضاري والتكنولوجي والتطور المستمر الذي تشهده المجتمعات.
3- تسخير معالم البيئة الطبيعية والاجتماعية لصالح الانسان واتخاذ الاجراءات التي من شأنها ان تنمي معالم بيئته وتحدث تحويرات فيها بحيث تكون مناسبة لخلق مناخ اجتماعي وحضاري وإيجابي يمكن ان يعتمد عليه في بناء مجتمعه على نحو متقدم وهادف، ويمكن أن يكون ذلك علن طريق:-
أ- تطوير المناهج الدراسية بحيث تحتوي على التوجيه والارشاد ووضع الخطط والطرق التي تساعد على تنمية البيئة.
ب-تسخير وسائل الاعلام الجماهيرية لخدمة التحول الحضاري وتعريف الفرد بكيفية السيطرة على بيئته الاجتماعية والطبيعية من خلال البرامج الهادفه والاشرطة المرئية والمسموعة والصحف والمجلات وغيرها وبما يجعل الفرد يستغل العوامل البيئية الاستغلال الامثل والاستفادة منها وعدم هدرها والتفريط فيها، مع الاستغلال الجيد للموارد الطبيعية.
ج- خلق الظروف الايكولوجية الاجتماعية المناسبة وذلك بتكييف السكان
لظروف الاقاليم الجغرافية التي يسكنونها لضمان إنشدادهم بالارض
وتعلقهم بها وبتربة وطنهم مما يجعلهم ينسجمون مع بيئتهم ويتغلبون على
المشاكل البيئية التي تواجههم.
4- نبذ العادات السلبية التي يتمسك بها بعض الافراد والجماعات كالعصبية والقبلية والاخذ بالثأر والتعصب والعدوان وعدم احترام المرأة، وتغيير هذه العادات بقيم ايجابية مثل الشجاعة والايثار والتعاون والصدق والاخلاص في العمل من اجل دفع عجلة التنمية الاجتماعية وجعل الممارسات السلوكية اليومية لابناء المجتمع تتماشى والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يتميز به العصر الحديث.
5- تطوير العلاقة داخل المؤسسة البنيوية الواحدة وتطوير العلاقة بين المؤسسات المختلفة وذلك لغرض خلق نوع من التناغم والانسجام بما يواكب التنمية داخل المجتمع.
6- تسريع تحول الجانب المثالي والقيمي بما يواكب التحول بالجانب المادي وذلك عن طريق التنشئة السليمة والتي يتم عن طريقها زرع القيم والمثل الايجابيةالتي تتماشى مع مرحلة التحضر.
7- المشاركة السياسية المباشرة ويأتي في مقدمتها المشاركة الدمقراطية في الانتخابات ورسم سياسات التحول والتغير الاجتماعي ومشاركة افراد المجتمع في وضع الخطط المنفذه لذلك لانهم هم الذين سيتحملون تنفيذ تلك الخطط.
8- قيام مصادر التنشئة السياسية بتوجيهها الى خدمة الجانب الايجابي من أجل خلق المواطن أو مواطن المستقبل الصالح الذي يحب وطنه وأمته ويدافع عن ارضه وعن حريته ضد كل من يحاول اغتصابها وذلك عن طريق:-
أ- وضع استراتيجية واضحة للتنشئة السياسية .
ب-عدم التضارب أو التعارض بين تلك المصادر سواء كان ذلك في الاستراتيجية والهدف أو في الايديلوجية التي تتبعها لغرض التنشئة السياسية.
ج- أن يركز كل مصدر من تلك المصادر على الشريحة العمرية التي يكون تأثيره فيها اقوى.
9- وضع إطار نظري للايديلوجية السائدة في المجتمع من افكار ونظريات وأساطير ومعتقدات بما يضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي على اعتبار ان الاستقرار من الركائز الاساسية لقيام التنمية خاصة عندما يكون الوضع القائم يساعد على التغيير المطلوب لغرض التنمية.
التوصيات الموجهة للدولة:-
1- دراسة المجتمع دراسة شاملة للاطلاع على معوقات تقدمه ونموه ومشكلاته الحضارية والانسانية وطبيعة مؤسساته البنيوية وأحكامه وقوانينه والعوامل الموضوعية والذاتية المشجعة على تقدمه وتطوره.
2- وضع الخطط الغائبة التي تضمن صحة مسيرة المجتمع الحضارية وتطوير أحكامه المؤسسية وتنمية عاداته وتقاليده الجيده.
3- توفير الامكانات التي يستطيع أفراد المجتمع عن طريقها استغلال الطاقات الموجودة وتسخيرها لخدمة التنمية والتطور والتقدم.
4- الحد من التلوث الناجم عن التقدم الصناعي والتكنولوجي وذلك بتوجيه وإرشاد أفراد المجتمع، ووضع القوانية التي تضبط ذلك والتخطيط السليم لمنع تلوث الانهار والبحار وكذلك إفرازات الغازات التي تسمم الجو.
5- رفع مستوى المؤسسات البنيوية للمجتمع وتنميتها وذلك ب :-
أ- رسم سياستها التنموية وإخراجها من حالة الركود والتخلف ودفعها الى الديناميكية والتحول الهادف.
ب- جعل تسوية حقيقية بين البناءات التقليدية ومطالب التنمية بما يطور تلك البناءات.
ج- خلق جو ديمقراطي وإعطاء الحرية لتلك المؤسسات لاعادة بنائها ذاتياً بما يساير النمو والتطور.
6- وضع أيديلوجية واضحة المعالم والاهداف لسير المجتمع حتى يكون محصناً ضد الغزو الفكري الخارجي الذي يهدف إلى هدم المجتمع والسيطرة عليه.
7- وضع القوانين التي تساعد على القضاء على الاجرام والجريمة والانحراف وتبصير أفراد المجتمع بتلك القوانين حتى يسيروا على منوالها.
8- تحرير حاجات الانسان من سيطرة الغير وتحكمه فيها، وتلبية تلك الحاجات وإشباعها ، وتوفيرها بما يناسب قدرات الافراد على الحصول عليها، ويأتي ضمنها المعاش والمسكن والمركوب.
9- وضع اسراتيجية تهدف الى رفاهية واحترام كل الافراد والشرائح للقضاء على الفوارق الطبقية أو تخفيفها وذلك بـ :-
- المساواه بين افراد المجتمع وشرائحه في الحقوق والواجبات.
- الموازنة في الدخول وذلك بعدم احتكار وسائل الانتاج وعدم استغلال جهود الاخرين.
- نشر التربية والتعليم بين افراد المجتمع.
- تحقيق درجات متقاربة في السلم الاجتماعي لا تقوم على اساس الملكية ولكنها ترتكز بصفة خاصة على الجهود والقدرات الذاتية.
ويتأتى هذا الوعي لدى كافة فئات المجتمع وتحديداً الشباب من خلال عملية التنشئة السياسية والتي تكون هذه العملية فاعلة ومؤثرة في تنمية المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والروحية وادخالها في جميع بناءات ومؤسسات المجتمع كالعائلة والمؤسسات التربوية والعسكرية والدينية، وان اعتماد تلك المؤسسات لمفردات وبرامج التنشئة السياسية فإن افرادها يكونون واعين بالطرق والاساليب والاسس التي تساهم في تنمية مؤسساتهم ومجتمعاتهم التي بدورها تنعكس على تنمية المجتمع بأكمله ليصل الى الدولة وتحقيق الاهداف المنشودة.
ولأهمية تحقيق اهداف التنشئة السياسية وللوصول الى التطور المجتمعي وتطور الفرد سياسياً فإن التساؤولات التي يجب ان تثار هي:-
* ما هو مفهوم التنشئة السياسية وما هي ادوات ومصادر التنشئة السياسية وما مدى تطبيق ذلك على الحالة في المملكة الاردنية الهاشمية.
وللاجابة على هذه التسؤلات سوف نتحدث في ثلاثة محاور:-
- المحور الاول: يُعنى بتعريفات ومفاهيم ومكونات التنشئة السياسية.
- المحور الثاني: يُعنى بأدوات ومصادر التنشئة السياسية.
- المحور الثالث: اضاءات على التنشئة السياسية في المملكة الاردنية الهاشمية.
- ومن ثم الخلاصة والتوصيات.
المحور الاول:تعريف التنشئة السياسية والمفاهيم المشابهة:-
ويجدر بنا هنا ان نحدد المفاهيم والتعريف بالتنشئة السياسية وذلك لفهم الموضوع المطروح والاحاطة به وتجنب عدم الاختلاط بين المفاهيم والتي للوهلة الاولى تبدو مرادفة لبعضها.
وبهذا الصدد نجد ان كل من التنشئة السياسية والثقافة السياسية والثقافة العامة، والتنمية السياسية تعد من المصطلحات المترابطة بقوة، إلا انه على الرغم من ذلك الترابط فإن لكل مصطلح خاصية تميزه عن غيره سواء من حيث المفهوم أو من حيث الطبيعة، فبينما ينصرف مصطلح الثقافة بمفهومها العام والمجرد والمطلق الى منظومة القيم والعادات والاعراف والتقاليد والمؤسسات التي تسود مجتمعاً ما من المجتمعات، وتعمل على توجيه وضبط مسار تفاعلاته المختلفة، ان نجد ان الثقافة السياسية تشير الى منظومة القيم والأفكار والمعتقدات المرتبطة بظاهرة السلطة السياسية في المجتمع وتعد الثقافة السياسية على هذه النحو جزءً لا يتجزأ من الثقافة العامة التي تختلف من بلد لاخر وتعتبر مجموعة من المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة.
وتعني ايضاً بأنها منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور والعلامة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة فهي تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية وتشمل تلك الثقافات الفرعية، ثقافة الشباب، ثقافة النخبة الحاكمة، ثقافة العمال، ثقافة الفلاحين، وثقافة المرأة.... الخ.
وللثقافة السياسية مكونات يمكن الحديث عنها سواء تلك التي تتبناها الدولة ( ثقافة الحكام) أو الثقافة الرسمية وهي تلك السائدة لدى افراد المجتمع( المحكومين) والتي تسمى الثقافة غير الرسمية ومن هذه المكونات :-
أ- المرجعية:-
وهي تعني الاطار الفكري الفلسفي المتكامل، أو المرجع الاساسي للعمل السياسي، فهو يفسر التاريخ ويحدد الاهداف والرؤى ويبرر المواقف والممارسات، ويكسب النظام الشرعية وغالباً ما يتحقق الاستقرار بأجماع اعضاء المجتمع على الرضا عن مرجعية الدولة، ووجود قناعات باهميتها وتعبيرها عن اهدافهم وقيمهم.
وعندما يحدث الاختلاف بين عناصر النظام حول المرجعية، تحدث الانقسامات وتبدأ الازمات التي تهدد شرعية النظام وبقائه واستقراره ومن الامثلة على تلك المرجعيات:- الديمقراطية والاشتراكية والرأسمالية، والعلمانية.... الخ، واغلب الظن انه لا يوجد أثر محسوس للاختلاف بين عناصر المجتمع في الديمقراطية الغربية اذ ان هناك اتفاقاً عاماً على الصيغ المناسبة لشكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أما في الدول النامية فالمسائل المتعلقة بشكل نظام الحكم وطبيعة النظام الاقتصادي وحدود العلاقة بين الدين والدولة لم تحسم بعد ولا تزال مثار خلاف وصراع.
ب- التوجه نحو العمل العام:-
وهناك فرق بين التوجه الفردي الذي يميل الى الاعلاء من شأن الفرد وتغليب مصلحته الشخصية، وبين التوجه العام أو الجماعي الذي يعني الايمان بأهمية العمل التعاوني المشترك في المجالين الاجتماعي والسياسي والتوجه نحو العمل العام والاحساس بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه.
فالشعور بالمسؤولية يدفع المواطن الى الايجابية في التعامل مع القضايا والموضوعات في ظل ثقافة متشابهه مؤداها الاحساس بالولاء للجماعة.
ج- التوجه نحو النظام السياسي:-
الاتجاه نحو النظام السياسي والايمان بضرورة الولاء له والتعلق به من ضرورات الاحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزمات.
فكل ثقافة سياسية عليها ان تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسي والحدود المشروعة بين الحياه العامة والحياه الخاصة، ويتضمن هذا النطاق تحديد الافراد المسموح لهم بالمشاركة في العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدى.
كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة في النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلي بالاضافة الى ان بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الابنية والوظائف في الدولة.
فالثقافة السياسية هي التي تدعم النظام وتحدد اطره، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.
د- الاحساس بالهوية:-
يعتبر البعض ان الاحساس بالانتماء من اهم المعتقدات السياسية، ذلك ان شعور الافراد بالولاء للنظام السياسي يساعد على اضفاء الشرعية على النظام، كما يساعد على بقاء النظام وتخطيه الازمات والمصاعب التي تواجهه فضلاً عن الاحساس بالولاء والانتماء للوطن يساعد على بلورة وتنمية الشعور بالواجب الوطني وتقبل الالتزمات، كما يمكن من فهم الحقوق والمشاركة الفاعلة في العملية السياسية من خلال التعاون مع الجهاز الحكومي والمؤسسات السياسية، وتقبل قرارات السلطة السياسيةوالايمان بالدور الفاعل لها في كافة مجالات الحياه.
أما مفهوم التنشئة السياسية:-
فقد استخدم مصطلح التنشئة Socialization بالمعنى المتداول في العلوم الاجتماعية حالياً منذ نهاية العقد الثالث وبداية العقد الرابع من هذا القرن ففي عام 1940 استخدم كل من ( أوجبرن ونيمكوف) مصطلح التنشئة في كتابهما ( علم الاجتماع) وزاد تداول هذه المصطلح خلال بحوث ومؤلفات علماء النفس والاجتماع والساسة.
فالتنشئة بمفهومهما الواسع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع حيث انها لا يمكن ان تقوم الا من خلال التفاعل بين مجموعة من الافراد، وبذلك فقد عرفها البروفيسور( ميشيل) ) بأنها عملية تلقين الفرد بقيم ومقاييس ومفاهيم مجتمعه الذي يعيش فيه بحيث يصبح متدرباً على اشغال مجموعة ادوار تحدد نمط سلوكه اليومي.
فالتنشئة السياسية: هي تلك العملية التي يكتسب الفرد من خلالها معلوماته وحقائقه
وقيمه ومثله السياسية والتي يُكون بواسطتها مواقفه واتجاهاته الفكرية أو الايدولوجيةالتي تؤثر على سلوكه وممارسته اليومية وتحدد درجة تضحيته وفاعليته السياسية في المجتمع وتساعد على بقاء وديمومة واستقرار النظام السياسي.
اذاً فالتنشئة السياسية هي تلك العملية التعليمية التي يخضع لها الفرد من اجل بناء مركزه ودوره في المجتمع.
المحور الثاني: أدوات ومصادر التنشئة السياسية:-
بأعتبار ان التنشئة السياسية تبدأ مع الفرد منذ ولادته وتستمر معه حتى مماته حيث يستمد تنشئته من المصادر التي قد اجمع عليها كثيرٌ من الباحثين والمفكرين في هذا المجال والتي قد تختلف في اساليبها في التنشئة ولكنها في النهاية تتجه نحو هدف واحد وهو تنشئة الفرد سياسياً. ومن هذه الادوات والمصادر :-
1- الاسرة:-
تعد الاسرة احدى وسائل التنشئة السياسية عند الفرد ان لم تكن اهم العوامل على الاطلاق بحيث تلعب الاسرة أو العائلة دوراً اساسياً في تعليم الطفل الروابط الاجتماعية وقيم المجتمع وتساهم في تطوير شخصية الافراد اثناء مراحل تطورهم الاولى، كذلك ما تلعبه الاسرة في تأكيد هوية الطفل الشخصية المميزة فهي الاهم بالنسبة للطفل من الدولة فهي منشأه ومظلته الاجتماعية والمجتمع المزدهر الذي ينمو فيه الفرد في الاسرة نمواً طبيعياً، وهي من اولى المؤسسات البنيوية التي تؤثر في مواقف وافكار وسلوكية واخلاقية الفرد.
حيث تقوم الاسرة بأول مرحلة من مراحل التنشئة بتعليم الطفل لللغة وبعض انماط السلوك ومن خلال هذه العملية الاولية تأخذ التنشئة السياسية مكانها في سلوك الطفل.
وحيث ان الانسان ككائن طبيعي يولد ويحيا ويعيش في أسرة أو زمرة فيتشرب ثقافة مجتمعه ويتشبع بقيم الحياه، الامر الذي يبرز لنا الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للأسرة.
2- المدرسة أو مراحل التعليم جميعها:-
وهي المؤسسة التي يحددها المجتمع لغرض التربية والتعليم واضعاً في الاعتبار المبنى والمعلم والكتب والمناهج التعليمية ووسائل الايضاح التعليمية وجميع النشاطات الصفية واللاصفية التي تتولى المدرسة مسؤليتها.
فالمدرسة تستقبل الطفل منذ مرحلة طفولته وطفولته المتأخرة الى مرحلة المراهقة والتي تعد من اخطر مراحل تكوين الشخصية لدى الفرد، بذلك نعرف مدى خطورة الدور الذي تلعبه المدرسة في بناء الشخصية وزرع القيم والمفاهيم ونقل الخبرات المختلفة والقيام بالدور التربوي الذي يريده المجتمع.
وبما ان المدرسة تمثل عاملاً مهماً من عوامل التنشئة السياسية والاجتماعية فهي تعمل الى حدِ كبير عملاً يشبه دور الاسرة، فهي تعمق من شعور الانتماء للمجتمع وتساهم في بناء شخصية الفرد وتثقيفه عن طريق فهم العادات والتقاليد وتجعله عضواً مشاركاً في المجتمع.
وتلعب المناهج التدريسية والنشاطات الرياضية والاجتماعية دوراً هاماً في تثقيف الطالب اجتماعياً وسياسياً.
3- الاحزاب السياسية:-
وهذا المصدر يركز على شريحة عمرية معينة، ولعل الشباب يكونون خاضعين اكثر للاساليب التنشئية الناجمة عن تأثير الاحزاب السياسية والحركات الاجتماعية.
بحيث تتبنى هذه الاحزاب ايديلوجيات سياسية واضحة المعالم واستراجيات للتنمية والتخطيط لتطوير مجتمعاتها وتقييد تصوراتها أو عاداتها الفكرية، ويلعب الحزب السياسي في الدول النامية دوراً يقترب الى حد كبير من الدور الذي تلعبه الاسره في عملية التنشئة السياسية فالاحزاب السياسية هي من اهم المؤسسات الماعصرة التي تؤثر في مجرى الاحداث السياسية في المجتمع وان انتساب الافراد لتلك الاحزاب يخلق لديهم افكاراً وايديلوجيات سياسية تساعدهم على التفاعل في المجتمع.
4- وسائل الاعلام المختلفة المسموعة والمقروءة:-
وهي تؤثر على تشكيل وتكوين التوجهات السياسية عن طريق تزويد الفرد بالمعلومات اليومية عن الاحداث السياسية وتعد هذه الاداه في التنشئة السياسية لدى الفرد من اهم الادوات في وقتنا الحاضر وذلك نتيجة تطورها وسرعة تعلمها وتأثر الفرد بها ولسهوله وصولها للمجتمع والفرد، حيث ساعدت هذه الاداة في تنوير العقل لدى الفرد والكشف له عن ثقافات متعددة بكل سهولة ويسر.
المحور الثالث: إضاءة على التنشئة السياسية في المملكة الاردنية الهاشمية:-
حيث يظهر جلياً اليوم إشكاليات التنشئة السياسية والمشاركة السياسية الحقيقية مقابل الحفاظ على جوهر الدولة وعناصرها الاساسية المتمثلة في الشرعية والهوية، ويمكن ان نوعز تلك المشكلة الى المراحل التي مر بها الاردن ابتداءً من مقاومة التأسيس للدولة مروراً بالحروب التي مرت بها وما يترتب عليه من شعور لدى افراد المجتمع بجميع اصولهم ومنابتهم في الصعوبة في تحديد الهوية لكثير من افراد المجتمع والظهور الملحوظ في تغليب الولاءات الضيقة على الولاء للوطن والقيادة، فلم تلعب ادوات التنشئة السياسية آنفة الذكر دورها الحقيقي في التنشئة السياسية بالشكل الصحيح والمطلوب بحيث انه لم يتم الاندماج الاجتماعي والسياسي تحت مظلة واحدة لتوحيد الهوية.
إلا ان الحالة الديمقراطيةالاردنية أقرب ما تكون الى عملية اجتماعية تاريخية تتقدم وتتراجع وتمر في مراحل ازدهار وتواجه تحديات وتتعثر احياناً، وهي بذلك عملية اجتماعية ذات مظاهر آليات سياسية اكثر من ان تكون خياراً ايديلوجياً وهذا المسار يعكس الاستجابة للخيارات السياسية التي حددتها الدولة لنفسهامنذ بدايات تكوينها، وبذلك فالديمقراطية تعد في الحالة الاردنية خياراً سياسياً اجتماعياً من اجل الاستقرار واستمرار النظام والحفاظ على قيمه، وهي اليوم في خيار سياسي اجتماعي ايضاً يطرح نموذجاً محلياً يواجه الدور الاقليمي الآخذ بالضمور والتراجع وهذا يتطلب قبل كل شيء ادوات ومناهج وبيئة ايجابية لتنشئة سياسية جديدة.
إن المفاهيم المعنوية الخاصة بالولاء والانتماء الوطني والشعور بالهوية ووعي العلاقة بين المواطنة والدولة ومنظومات الحقوق القانونية هي مفاهيم وعمليات اجتماعية بالاساس تصب نتائجها في عملية التكامل السياسي داخل المجتمع والدولة وهي مهمة عاجلة، تُعنى بإعادة انتاج البناء المعنوي للدولة الاردنية بعيداً عن التعامل اليومي مع ا لاحداث.
الخلاصة :-
مما تقدم نستطيع ان نستخلص بأن عملية التنشئة السياسية لا يمكن ان تنطلق من فراغ، بل لابد من وجود مصادر وادوات تعمل متفرقة أو مجتمعة من اجل غرس القيم السياسية السائدة في المجتمع لدى الافراد كما أن هذه المصادر والادوات تساعد الفرد على تكوين فكره أو رأي سياسي خاص به، كما رأينا بأنه لا يمكن ان نفصل دوائر تأثير هذه المصادر عن بعضها بل انها مكملة ومتممة لبعضها البعض مما يحتم عليها حتى وان اختلفت الاساليب التي تتبعها في عملية التنشئة بأن تتكلم لغة واحدة وان تهدف الى هدف واحد مما يجعل تأثيرها أقوى وبلوغها الى الهدف ايسر اي انه لا تنشئة سياسية بدون مصادرها ولا تأثير لتلك المصادر دون اتباع استراتيجية معينة.
التوصيات المقدمة الى المجتمع :-
1- لابد للمجتمع من التخلي عن العادات والتقاليد والقيم الضارة التي تشده الى الخلف وأن يطور وينمي قيماً ومثلاً تتماشى وحركة التغيير المادي التي يشهدها.
2- إتاحة الفرصة للافراد الذين هم في سن الدراسة وتشجيعهم للاقبال عليها على مختلف تخصصاتها وومستوياتها ومراحلها، والرفع من شأن العلم والعلماء وإعطائهم المكانة الاجتماعية اللائقة بوضعهم ووضع الحوافز التي تشجع على التنافس بين افراد المجتمع في هذا المجال مما يخلق بدوره الشرائح الواعية والمستنيرة التي تواكب التقدم الحضاري والتكنولوجي والتطور المستمر الذي تشهده المجتمعات.
3- تسخير معالم البيئة الطبيعية والاجتماعية لصالح الانسان واتخاذ الاجراءات التي من شأنها ان تنمي معالم بيئته وتحدث تحويرات فيها بحيث تكون مناسبة لخلق مناخ اجتماعي وحضاري وإيجابي يمكن ان يعتمد عليه في بناء مجتمعه على نحو متقدم وهادف، ويمكن أن يكون ذلك علن طريق:-
أ- تطوير المناهج الدراسية بحيث تحتوي على التوجيه والارشاد ووضع الخطط والطرق التي تساعد على تنمية البيئة.
ب-تسخير وسائل الاعلام الجماهيرية لخدمة التحول الحضاري وتعريف الفرد بكيفية السيطرة على بيئته الاجتماعية والطبيعية من خلال البرامج الهادفه والاشرطة المرئية والمسموعة والصحف والمجلات وغيرها وبما يجعل الفرد يستغل العوامل البيئية الاستغلال الامثل والاستفادة منها وعدم هدرها والتفريط فيها، مع الاستغلال الجيد للموارد الطبيعية.
ج- خلق الظروف الايكولوجية الاجتماعية المناسبة وذلك بتكييف السكان
لظروف الاقاليم الجغرافية التي يسكنونها لضمان إنشدادهم بالارض
وتعلقهم بها وبتربة وطنهم مما يجعلهم ينسجمون مع بيئتهم ويتغلبون على
المشاكل البيئية التي تواجههم.
4- نبذ العادات السلبية التي يتمسك بها بعض الافراد والجماعات كالعصبية والقبلية والاخذ بالثأر والتعصب والعدوان وعدم احترام المرأة، وتغيير هذه العادات بقيم ايجابية مثل الشجاعة والايثار والتعاون والصدق والاخلاص في العمل من اجل دفع عجلة التنمية الاجتماعية وجعل الممارسات السلوكية اليومية لابناء المجتمع تتماشى والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يتميز به العصر الحديث.
5- تطوير العلاقة داخل المؤسسة البنيوية الواحدة وتطوير العلاقة بين المؤسسات المختلفة وذلك لغرض خلق نوع من التناغم والانسجام بما يواكب التنمية داخل المجتمع.
6- تسريع تحول الجانب المثالي والقيمي بما يواكب التحول بالجانب المادي وذلك عن طريق التنشئة السليمة والتي يتم عن طريقها زرع القيم والمثل الايجابيةالتي تتماشى مع مرحلة التحضر.
7- المشاركة السياسية المباشرة ويأتي في مقدمتها المشاركة الدمقراطية في الانتخابات ورسم سياسات التحول والتغير الاجتماعي ومشاركة افراد المجتمع في وضع الخطط المنفذه لذلك لانهم هم الذين سيتحملون تنفيذ تلك الخطط.
8- قيام مصادر التنشئة السياسية بتوجيهها الى خدمة الجانب الايجابي من أجل خلق المواطن أو مواطن المستقبل الصالح الذي يحب وطنه وأمته ويدافع عن ارضه وعن حريته ضد كل من يحاول اغتصابها وذلك عن طريق:-
أ- وضع استراتيجية واضحة للتنشئة السياسية .
ب-عدم التضارب أو التعارض بين تلك المصادر سواء كان ذلك في الاستراتيجية والهدف أو في الايديلوجية التي تتبعها لغرض التنشئة السياسية.
ج- أن يركز كل مصدر من تلك المصادر على الشريحة العمرية التي يكون تأثيره فيها اقوى.
9- وضع إطار نظري للايديلوجية السائدة في المجتمع من افكار ونظريات وأساطير ومعتقدات بما يضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي على اعتبار ان الاستقرار من الركائز الاساسية لقيام التنمية خاصة عندما يكون الوضع القائم يساعد على التغيير المطلوب لغرض التنمية.
التوصيات الموجهة للدولة:-
1- دراسة المجتمع دراسة شاملة للاطلاع على معوقات تقدمه ونموه ومشكلاته الحضارية والانسانية وطبيعة مؤسساته البنيوية وأحكامه وقوانينه والعوامل الموضوعية والذاتية المشجعة على تقدمه وتطوره.
2- وضع الخطط الغائبة التي تضمن صحة مسيرة المجتمع الحضارية وتطوير أحكامه المؤسسية وتنمية عاداته وتقاليده الجيده.
3- توفير الامكانات التي يستطيع أفراد المجتمع عن طريقها استغلال الطاقات الموجودة وتسخيرها لخدمة التنمية والتطور والتقدم.
4- الحد من التلوث الناجم عن التقدم الصناعي والتكنولوجي وذلك بتوجيه وإرشاد أفراد المجتمع، ووضع القوانية التي تضبط ذلك والتخطيط السليم لمنع تلوث الانهار والبحار وكذلك إفرازات الغازات التي تسمم الجو.
5- رفع مستوى المؤسسات البنيوية للمجتمع وتنميتها وذلك ب :-
أ- رسم سياستها التنموية وإخراجها من حالة الركود والتخلف ودفعها الى الديناميكية والتحول الهادف.
ب- جعل تسوية حقيقية بين البناءات التقليدية ومطالب التنمية بما يطور تلك البناءات.
ج- خلق جو ديمقراطي وإعطاء الحرية لتلك المؤسسات لاعادة بنائها ذاتياً بما يساير النمو والتطور.
6- وضع أيديلوجية واضحة المعالم والاهداف لسير المجتمع حتى يكون محصناً ضد الغزو الفكري الخارجي الذي يهدف إلى هدم المجتمع والسيطرة عليه.
7- وضع القوانين التي تساعد على القضاء على الاجرام والجريمة والانحراف وتبصير أفراد المجتمع بتلك القوانين حتى يسيروا على منوالها.
8- تحرير حاجات الانسان من سيطرة الغير وتحكمه فيها، وتلبية تلك الحاجات وإشباعها ، وتوفيرها بما يناسب قدرات الافراد على الحصول عليها، ويأتي ضمنها المعاش والمسكن والمركوب.
9- وضع اسراتيجية تهدف الى رفاهية واحترام كل الافراد والشرائح للقضاء على الفوارق الطبقية أو تخفيفها وذلك بـ :-
- المساواه بين افراد المجتمع وشرائحه في الحقوق والواجبات.
- الموازنة في الدخول وذلك بعدم احتكار وسائل الانتاج وعدم استغلال جهود الاخرين.
- نشر التربية والتعليم بين افراد المجتمع.
- تحقيق درجات متقاربة في السلم الاجتماعي لا تقوم على اساس الملكية ولكنها ترتكز بصفة خاصة على الجهود والقدرات الذاتية.