منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By بدر العوبثاني 101
#55863
عظيمة جليلة هي نعم الخالق جل وعلا علينا نحن البشر، فالبصر نعمة عظمتها ظاهرة بجلاء، ولايختلف على ذلك اثنان، فالعين هي البوابة الرئيسية التي من خلالها نرى العالم، وتتكون من خلالها الانفعالات والانطباعات وردود الأفعال وذلك بعد التكامل مع الحواس الأخرى، وقد قيل في العين ما قيل من أشعار وأفكار ولكن هناك نعمة لاتظهر لغالب الناس رغم عظمتها هي الأخرى وهي البصيرة، فالبصيرة هي عين خفية في ضمير ومكنون صاحبها، عين لايراها إلا من رُزِقها، فيرى بها الدنيا برؤية فيها الكثير من الشفافية، فصاحب البصيرة شفاف يرى بشفافية ويحكم بشفافية، فهو يرى بقلبه وتسانده في ذلك عينه وباقي حواسه، فكيف به أن يكون ذا بصيرة حين يرى الحق باطلاً ويرى الباطل حقاً؟ وإنْ زُرِع الباطل فيه زرعاً أو بقى فيه دهراً أفليس من لحظة تستيقظ فيها بصيرته؟ وتنتفض فيها فطرته، فيرى أن الله حق؟
وكيف به أن يكون ذا بصيرة من يرى بعينه ويلمس بحواسه جميل الخلق وعظيم الإبداع ودقة النظام في مناحي الكون الشاسع حوله، ثم يعزي ذلك كله وينسبه إلى غير ذي عقل وتدبير؟ إلى غير ذي حكمة وتقدير؟ أفي ذلك شيء من البصر أو البصيرة؟ وكيف يكون ذا بصيرة من يعامل الناس على مظاهرهم فيحترم من عنده مال أو جاه أو سطوة، ويحقر من شأن من ليس عنده من ماديات الحياة الزائفة، ويجل من يلبس فاخر الثياب ويحط من قدر من لايلبس فاخرها؟ وكيف يكون ذا بصيرة من يأمن عدوه جانبه ومن لايسلم أخاه شره ومكره؟
وكيف يكون ذا بصيرة من لايعرف ولايميز ولايقدر اليد الممدودة إليه بالخير؟ فيستنكرها وينكر حصيلها، بل ويعضها منصرفاً عنها، يمد بصره وكلتا يديه وكل حواسه لمن لا معروف لديه عنده، ولاينتظر منه إلا شراً وغدراً، فيشكره ويكن له العرفان والجميل حتى يغدو له عبداً، فأنَّى له البصيرة من لايعرف ولايميز بين ماس صقيل وحصى ثقيل؟ بين صديق طاهر وعدو جائر؟ أقول لمن لم يعرف ذلك ولم يميزه فهو أعمى رغم بصره، مطموس البصيرة بل لا وجود لبصيرة عنده.
إن البصيرة هي قلب ولب الإنسان، وهي بقعة طاهرة، صادقة مضيئة، هي نور في القلب، بل هي نور في قلب مؤمن، ولايمكن أن توجد إلا في قلب مؤمن يؤمن بالنور، نور السماوات والأرض فهي امتداد وانعكاس لنور الله على عبده، نور مبدؤه السماء ومنتهاه قلب المؤمن ليشع نوراً وضياءً وحقاً، فيرى ما حوله ومن حوله بجلاء وصفاء يرى بصيرته ببوصلته قبل بصره، فأي أمر لم تستدع له هذا الوعي فيك فلن يوصلك إلى سواء السبيل، بل ستشتتك السبل وتضلك بك الدروب.
فاللهم متعنا بأبصارنا وأنِر بصائرنا واجعلها الوارث منَّا بفضلك العظيم علينا، يا نورا أحييت به قلوباً وأضأت به دروباً.