صفحة 1 من 1

نهاية الشرق الأوسط القديم

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 04, 2012 10:30 pm
بواسطة بدر العوبثاني 101
خطاب بلا معنى. هذا هو التلخيص لخطاب نتنياهو الأخير في الكنيست، بل وصفه بعض المحللين (الإسرائيليين) بالاجترار من أفكار قديمة مبتلية لاتقدم شيئا ًجديداً.
للمراقب يبدو واضحا أن نتنياهو يهرب حتى من خطابه المشهور باسم (خطاب بار إيلان)، والذي قدم فيه رؤيته لإقامة دولتين، ولكن الدولة الثانية، فلسطين، يجب أن تتنازل عن كتل الاستيطان اليهودية، وعن حقها بالتصرف بحدود بلادها، خاصة مع الأردن، بل وإن باراك وزير الدفاع يريد ضم غور الأردن والشواطىء الشمالية للبحر الميت، وهي منطقة تطوير زراعي توفر دخلاً كبيراً لـ(إسرائيل) من صادراتها الزراعية، حيث تسيطر على مصادر المياه وتحرم الفلسطينيين من مياههم، ومن استغلال أراضيهم الزراعية بشكل لائق، وضم غور الأردن، يعني حرمان الدولة الفلسطينية من احتياط الأراضي الأكبر والأهم للدولة الفلسطينية.
وبالطبع ضم كل القدس الشرقية، التي تجري فيها سراً أو علناً حركة بناء واستيطان واسعة، وتطوير بِنى تحتية وأهمها شبكات مواصلات حديثة، بقطارات داخلية تربط بين مستوطنات القدس والقدس العربية وسائر أطراف القدس الغربية، إلى جانب هدم أحياء عربية كاملة، منع البناء العربي بشروط تعجيزية، وإحداث تغييرات ديموغرافية زاحفة ومخططة، وهناك متمولون يهود يوظفون ما لايقل عن نصف مليار دولار سنوياً، لتغيير الوجه العربي للقدس أو لجعله هامشياً تماما، ولدفع الشباب للبحث عن مستقبل آخر لهم في رحاب العالم الواسعة، خاصة بغياب ضمانات تدعم صمودهم.
إن من يظن أن القناعة الشخصية تبني مستقبلاً هو واهم أو متآمر، كما أن علاج الجمل الأجرب لايصح بدون قطران، كذلك الصمود الوطني يحتاج مخططاً وطنياً وقدرات مادية على مواجهة أموال الاستيطان، (قمة سرت العربية تعهدت بتقديم نصف مليار دولار لدعم الوجود الفلسطيني في القدس ومواجهة تهويد القدس، لم يقدَّم منها إلا مصروفات جيب هزيلة).
وأخطر من ذلك أن بعض السكان حدثوني، أن المواطن العربي الذي يغادر القدس للتعليم أو العمل في الخارج يفقد حقه بعد سنة أو أقل من سنة (وليس بعد 7 سنوات كما نشرت في مقال سابق لي) بأشكال مختلفة، تعطيها (إسرائيل) تغطية (قانونية).
ومن المهم الانتباه إلى ما لمَّح له بوضوح نتنياهو بخطابه الاجتراري البالي، بقية الضفة الغربية ليست مضمونة للدولة الفلسطينية، بل يجب التفاوض على ما تبقى من مناطق غير مستوطن فيها في الضفة الغربية. هذا عدا شروطه، برفض المصالحة بين فتح وحماس، وضرورة فضها قبل أية مفاوضات.
الاستنتاج الرئيسي من خطاب نتنياهو أن (حكومته) تحضر نفسها لمواجهات صراع جديد مع الفلسطينيين، ربما تشارك فيه الجماهير العربية أيضاً، التي كسرت حاجز الخوف للأنظمة المتساقطة، وهذا الصراع قد يكون له شكلان، الأول انتفاضة داخلية، والثاني انتفاضة مسيرات لاختراق الحواجز في الطريق إلى فلسطين. هذا إلى جانب اقتراب موعد إعلان الدولة الفلسطينية الذي سيشكل قمة الصراع والتصادم السياسي والإعلامي والدبلوماسي والقانوني مع (حكومة إسرائيل)، ومع الضامن الأمريكي لعقوقها الدولي.
في مواجهة هذا الاجترار من المواقف البالية والمتهربة من الإقرار الواضح لنهج سياسي يقود إلى حل الصراع، الذي ميَّز خطاب (رئيس حكومة إسرائيل) نتنياهو، طرح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مواقف عقلانية واضحة الأهداف، في مقال له نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) حيث أكد أن المبادرة الفلسطينية للحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 ليست مناورة، مؤكداً أن التوجه للأمم المتحدة يهدف إلى تأمين الحقوق الأساسية للفلسطينيين، بحياة حرة في دولة مستقلة في إطار حدود 4 يونيو 1967، أي إن الموقف الفلسطيني هو القبول بدولة على مساحة 22% من الأرض الفلسطينية في حدودها الانتدابية.
وحول المشكلة الأكثر حدة في النزاع وهي مشكلة اللاجئين أعاد الرئيس عباس في مقاله التأكيد على بنود مشروع السلام العربي (المشروع السعودي) الذي يقترح حلاً متفقاً عليه وعادلاً لمشكلة اللاجئين، على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 194. والمصادر المختلفة تؤكد أن جوهر الموضوع يتعلق بإعادة عدد رمزي جداً من اللاجئين، والحل الأساسي سيكون بإطار الدولة الفلسطينية.
عباس أوضح أيضا أن القرار الفلسطيني للتوجه للمجموعة الدولية، من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967، جاءت بعد سنوات من المفاوضات العاقرة مع (إسرائيل) حول التسوية الدائمة، واستمرار سيطرة (إسرائيل) على مساحات من أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية.
من الواضح لأي مراقب أن خطاب نتنياهو، في مواجهة الموقف الفلسطيني الواضح، يؤكد أن( إسرائيل) لاتريد التقدم إلى حل. نتنياهو لم يذكر في خطابة حدود 1967 مثلاً، التي من المفترض أنها القاعدة الأساسية لأي حل دائم. وحسب السفير (الإسرائيلي) في واشنطن فإن خطاب أوباما ذكر حدود 1967 مقابل تراجع الفلسطينيين عن إعلان دولة بدون اتفاق مع اسرائيل. فهل هناك تنسيق مسبق بين اوباما ونتنياهو؟
ومع ذلك، من السابق لأوانه تقييم ما سيكون عليه الموقف الأمريكي رغم الإشارة الواضحة من البيت الأبيض كرد فعل أول، التي تقول إن المفاوضات أضحت ذات أهمية أكبر الآن، دون توضيح القاعدة التي ستجري عليها هذه المفاوضات.
هل ستكون مفاوضات، كما شرط وزير خارجية (إسرائيل) ليبرمان: «لا تجميد في البناء حتى لثلاث ساعات؟» او هو تمهيد لمواجهة أمريكية تدعم إسرائيل في رفض إعلان الدولة الفلسطينية بحجة إن المفاوضات هي الحل؟
نتنياهو سيلقي خطابا أمام مجلسي الكونغرس، ومن المتوقع أن يعمل مع اللوبي اليهودي القوي على كسب التأييد لمواقف حكومته، وهو يناور كذلك على مسالة التحضير لدورة انتخابات الرئاسة الأمريكية والدور الكبير للوبي اليهودي في التأثير على نتائج هذه الانتخابات.
من الناحية الأخرى ستواجه سياسة (إسرائيل) كما عبر عنها نتنياهو في الكنيست، (تسانومي سياسياً)، حسب تحذير أطلقه وزير الدفاع باراك، وهذا يعني عزلاً سياسياً دولياً لـ(إسرائيل)، مقاطعة اقتصادية وعلمية وثقافية واسعة، وربما عقوبات اقتصادية، وسيجري تحميل (إسرائيل) مسؤولية الوضع المتوقع أن ينفجر في الشرق الأوسط في مدى غير منتظر، خاصة في المرحلة الجديدة التي تعصف بالعالم العربي. وكلما كان سقوط الأنظمة العربية الفاسدة أسرع، كلما ازدادت احتمالات أن تواجه (إسرائيل) عاصفة (تسانومي) سياسية أشد قوة واتساعاً.
من هنا، كما أرى يتبين الارتباط بين قضية العرب الأولى، فلسطين، وبين تنظيف العالم العربي من أنظمة ظنت أن الشعارات القومية ستزود شعوبها بالاكتفاء والرضا. ساعة الحقيقة تقترب ولا أرى أن الحل سيكون فلسطينياً فقط في مواجهة التعنت (الإسرائيلي) والضمانات الأمريكية لهذا التعنت، بل بتغيير النهج السياسي العربي بما يتلاءم مع المرحلة الثورية الجديدة.
والأيام القادمة تخبىء لنا الكثير من المفاجآت، قد يكون بعضها مؤلماً، ومهما تعددت أشكال التطورات، هذه ستكون نهاية الشرق الأوسط القديم!