صفحة 1 من 1

مأزق المرحلة الانتقالية في تونس

مرسل: الخميس ديسمبر 06, 2012 6:58 pm
بواسطة فهد البلوي9
ثلت تونس مهد ثورات الربيع العربي، والنموذج الذي احتذت به عدد من الأقطار العربية بعد نجاح "ثورة الياسمين" في إنهاء نظام زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد لفترة طويلة، استشرى فيها الفساد، وقُيضت الحريات، وتدهور الوضع الاقتصادي، وهو ما كان السبب الرئيسي في قيام الثورة التونسية. ولكن على الرغم من مرور ما يقرب من العامين من قيام تلك الثورة، ومرور أكثر من عام على انتخاب "المجلس التأسيسي" الذي عُهد إليه بإدارة المرحلة الانتقالية لمدة عام، فإن الشاهد أن تونس لا تزال تعاني الكثير من المشكلات، مع انتقادات كثيرة توجه إلى المجلس في إدارته لتلك المرحلة المهمة في تونس، وذلك على الصعد: السياسية، والاقتصادية، والأمنية المختلفة.

1. على الصعيد السياسي:

منذ قيام الثورة وإلى الآن، شهدت تونس تغييرات سياسية واسعة، لعل أبرزها انتخابات "المجلس التأسيسى" التى فاز فيها حزب "النهضة" الإسلامى بنحو 40% من أصوات الناخبين، ثم توافق القوى السياسية على اختيار "اليساري" المنصف المرزوقى رئيساً مؤقتاً للبلاد، والأمين العام لحزب "النهضة"، حمادى الجبالى، رئيساً للوزراء، فيما تولى اليسارى مصطفى بن جعفر رئاسة "المجلس التأسيسى"، فى مسعى لتحقيق أكبر قدر من التوافق بين القوى السياسية فى بلد عُد نموذجاً فى تحقيق ثورة أحدثت نقلة سياسية كبيرة بأقل قدر ممكن من الخسائر.

ولكن منذ انتخاب "المجلس التأسيسي"، تعرضت البلاد لعدد من المشكلات السياسية التي ارتبطت في المقام الأول بطول الفترة الانتقالية التي كان يفترض أن تنتهي في 23 أكتوبر 2012، أي بمرور عام على انتخاب المجلس الذي لم ينجح إلى الآن في وضع مسودة الدستور، الأمر الذي ترتب عليه تأخر إجراء الانتخابات التشريعية التي أعلن أنها ستُجرى مبدئياً في يونيو المقبل، أي بتأخير ثمانية أشهر كاملة عن التاريخ الذي كان يُفترض فيه إجراء الانتخابات، وقد تطول تلك المدة، في حال عدم اتفاق الأطراف السياسية في تونس على النصوص الرئيسية في مشروع الدستور الجديد، سواء لجهة نظام الحكم، أو وضع الشريعة في الدستور.

ويمثل موضوع استمرارية الشرعية الانتخابية من عدمه بعد الثالث والعشرين من أكتوبر المادة الأولى للتجاذب السياسي في تونس، فقد تمت الدعوة لانتخاب "المجلس التأسيسي" عن طريق قرار جمهوري من طرف رئاسة الجمهورية السابقة، وورد فيه -من بين ما ورد- تحديد مدة عمل المجلس بعام واحد. وتعتمد أحزاب المعارضة على ذلك لتؤكد أن الشرعية الانتخابية للمجلس قد انتهت، ولا سيما أن مختلف الأحزاب الممثلة في المجلس، بما فيها حركة "النهضة"، كانت قد اتفقت قبل انتخابات 2011 على ألا تتجاوز مدة عمل المجلس عاما، باستثناء حزب الرئيس "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي لم يوقع الاتفاق.

ومدعومة بضعف أداء الحكومة، خلال المرحلة الانتقالية، تشدد المعارضة على أهمية تجاوز الشرعية الانتخابية للمجلس التأسيسي إلى الشرعية التوافقية التي تفرضها طبيعة المرحلة الانتقالية، مطالبة بإجراء تعديل وزاري، حيث تلقى دعوتها مساندة من حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، شريك حركة "النهضة" في الائتلاف الثلاثي الحاكم، حيث دعا أخيراً الرئيس المؤقت منصف المرزوقي في الأول من ديسمبر 2012 إلى تشكيل حكومة "كفاءات مصغرة" لا تقوم على أساس المحاصصة أو الولاءات الحزبية لتعني بالتنمية.

وتصر المعارضة على تحييد وزارات السيادة، خاصة وزارات الداخلية، والعدل، والخارجية (كلهم وزراء من قيادات حركة النهضة)، قبل أشهر من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس، في حين تعارض حركة "النهضة" إجراء أي تعديل على الوزارات، وتنادي فقط بسد الشغورات الحاصلة على مستوى وزارتي المالية والإصلاح الإداري، بعد استقالة وزير المالية حسين الديماسي، والإصلاح الإداري محمد عبو، وتوافق كذلك على إمكانية تحوير بعض الوزراء الآخرين ممن لم تعرف مصالحهم الإدارية تحقيق أهداف التنمية والتشغيل.

إذ تخشى حركة "النهضة" من سيطرة المعارضة على مفاصل الدولة، وتمكنها من وزارات السيادة، بما يساعد على تحكمها في قيادة المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

2. على الصعيد الاقتصادي:

على الرغم من أن ثورة تونس لم تكن تماماً ثورة جوعى وفقراء، إذ التحقت بها طبقات عدة من المجتمع كانت تشكو من سلبيات حكم النظام السابق الذي حكم البلاد بقبضة من حديد، فإن الاستياء من الوضع المعيشي هو ما أشعل الثورة، وهي المعضلة ذاتها التي تواجهها الحكومة التونسية الآن، على الرغم من إعلانها أنها حققت بعد عام من الحكم نسبة نمو بلغت 3.5%، ولكنها في واقع الأمر قد ورثت أوضاعاً متدهورة من آثار سياسات النظام السابق.

وقد أقر البنك المركزي التونسي بتفاقم العجز التجاري للبلاد خلال عام 2012 ، وبتراجع الموجودات الصافية من النقد الأجنبي، موضحاً أن حالة عدم الاستقرار التي تعانيها البلاد أسهمت في تقلص مستوى الموجودات الصافية من النقد الأجنبي إلى حدود 9.773 مليار دينار (6.224 مليار دولار) في السادس والعشرين من أكتوبر 2012، أي ما يغطي 94 يوماً من الواردات، مقابل 113 يوماً في نهاية عام 2011، وذلك في سابقة لم تعرفها البلاد من قبل.

وتواجه الحكومة التي تقودها حركة "النهضة" انتقادات شديدة لجهة تقديم حلول عملية لمشاغل التونسيين، وارتفاع نسبة الفقر، خاصة في الجهات المحرومة وفي الأحياء الشعبية. وتقدر وزارة الشئون الاجتماعية في الحكومة التونسية عدد العاطلين بـ700 ألف عاطل، 69% منهم تقل أعمارهم عن 30 عاماً، في حين تقدر الإحصاءات غير الرسمية عدد العاطلين في تونس بنحو 850 ألفاً مقارنة بـ600 ألف قبل عام، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة الفقر في تونس إلى 24.7٪ ، وفقاً للمقاييس العالمية، والتي تحدد عتبة الفقر بدولارين للفرد الواحد يومياً، وترتفع هذه النسبة في المناطق الغربية والجنوبية للبلاد، والتي تشهد احتجاجات متواصلة، مطالبة بتحسين ظروف المعيشة، وتوفير فرص عمل، وتوفير الخدمات الأساسية المفقودة في تلك المناطق.

ومن الأسباب الرئيسية للصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة التونسية تراجع الاستثمارات الأجنبية، وتراجع نشاط قطاع السياحة الذي يمثل شرياناً رئيسياً للاقتصاد التونسى بفعل حالة عدم الاستقرار التي تحياها البلاد، ولذلك تبذل الحكومة جهوداً مضنية لتأكيد ترحيبها بالسائحين والشركات، وسط تدهور الأوضاع الأمنية التى تسببت فى انكماش الاقتصاد 1.8%.

وكذلك، فلا تزال الأموال التى استولى عليها الرئيس التونسى المخلوع وأفراد أسرته وأعوانه بعيدة المنال بالنسبة للحكومة والشعب التونسي، على الرغم من إعلان الاتحاد الأوروبي في 26 نوفمبر 2012 أنه سيعيد إلى السلطات المصرية والتونسية الأرصدة المهربة من قبل نظامي الرئيسين السابقين، المصري حسني مبارك، والتونسي زين العابدين بن علي، والتي جمدها مع اندلاع ثورات الربيع العربي.

يأتى ذلك مع انتقادات توجه إلى الحكومة بالاكتفاء بترميم السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجها نظام الرئيس بن علي، وأنها لم تنتهج سياسة تشاركية تتيح الفرصة لكل القوى السياسية والاجتماعية لتقديم مقارباتها وتصوراتها للخروج بتونس من أزمة خانقة أججت الاحتقان الاجتماعي، وكرست التفاوت الطبقي، وأسهمت في تهميش قطاعات واسعة من المجتمع، حيث تصاعدت موجة الاعتصامات والإضرابات التى أصبحت أمراً شائعاً فى أغلب مناطق البلاد، منذ سقوط النظام السابق، على خلفية مطالب تنموية واجتماعية.

وفي ضوء الوضع الاقتصادي المشار إليه، فقد توترت العلاقة بين "الاتحاد العام التونسي للشغل" -أكبر منظمة نقابية عمالية بتونس- وحركة "النهضة"، على خلفية مساندة الاتحاد للكثير من الإضرابات في البلاد، والتي أثرت فى الوضع الاقتصادي للدولة في تلك المرحلة الحرجة. وقد اتهم مسئولون حكوميون اتحاد الشغل بتسييس العمل النقابي، والتحريض على الإضرابات والاعتصامات، التي أدت إلى غلق عشرات الشركات الأجنبية، فيما اتهم الأمين العام للاتحاد الحكومة بسوء التدبير، عازياً تفاقم الاعتصامات إلى مبالغة الأحزاب الفائزة في الانتخابات بوعود الناخبين بتحقيق مطالبهم، دون إيجاد حلول.

3. على الصعيد الأمني:

في ضوء توتر العلاقة بين "الاتحاد العام التونسي للشغل" وحركة "النهضة"، فقد شلّ إضراب عام محافظة "سليانة" غربي تونس منذ 27 نوفمبر (2012)، وعلى مدى خمسة أيام بدعوة من الفرع الجهوي للاتحاد، وقد تخلل الإضراب مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومئات المتظاهرين المطالبين بالتنمية والوظائف، وطرد المحافظ المحسوب على حركة "النهضة"، وكذلك بالإفراج عن 14 شاباً اعتقلوا خلال أعمال عنف شهدتها "سليانة" في 26 أبريل 2011.

وقد أفادت مصادر طبية أن نحو 300 شخص أصيبوا خلال المواجهات التي استخدمت فيها قوات الأمن الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، و"الرش" (البارود) لتفريق المتظاهرين، مما ألحق أضراراً بأعين 22 متظاهراً، مما زاد من حدة التوتر في المحافظة، ولتضطر السلطات التونسية أخيراً إلى تكليف نائب "سليانة" بتسيير شئون المحافظة، في انتظار اتخاذ القرار المناسب بخصوص المحافظ الذي يطالب أهالي المنطقة بإقالته، ضمن اتفاق توصلت إليه الحكومة التونسية و"قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل" بهدف "تهدئة الأمور".

ولكن لم تكن تلك المواجهات هي الأولى التي تشهدها تونس، خلال فترة ما بعد الثورة، حيث كانت مدينة "قفصة" وسط غرب البلاد قد شهدت في 14 أكتوبر 2012 اشتباكات بين محتجين ضد السياسة الاجتماعية للحكومة ومجموعة من المؤيدين لحزب "النهضة" الحاكم، ومرة أخرى قُتل ناشط سياسي في صفوف حركة "نداء تونس"، مع إصابة أكثر من 20 آخرين في 18 أكتوبر 2012 في مدينة "تطاوين" في أقصى الجنوب التونسي، عندما نُظمت مسيرة مطالبة بتطهير الإدارة التونسية من رموز النظام السابق، دعت إليها "الرابطة الشعبية لحماية الثورة" المقربة من حركة "النهضة". غير أن المسيرة تحولت إلى مواجهات عنيفة، عندما اقتربت من مقر "الاتحاد الجهوي للفلاحين"، ودفعت هذه التطورات وحدات من الجيش التونسي إلى التدخّل لمساندة قوات الأمن.

وفي 30 أكتوبر 2012، وقعت مواجهات واسعة بين عناصر سلفية وقوات الأمن في منطقة "دوار هيشر" من ولاية منوبة، أسفرت عن مقتل شخصين من التيار السلفي، بعد أن شاركا بمهاجمة مركز للحرس الوطني متسلحين بالزجاجات الحارقة والأسلحة البيضاء، واستمر التوتر مع تسجيل حالات اعتداء على رجال الحرس الوطني.

وكان من أخطر الحوادث الأمنية التي شهدتها تونس، خلال الفترة الأخيرة، هي الهجمات التي شنّها عدد من العناصر السلفية على السفارة الأمريكية في سبتمبر 2012، والتي أضافت إلى أسباب الخلاف بين الحكومة الإسلامية وأحزاب المعارضة حول الطريقة المثلى للتعامل مع المتطرفين. ففي حين تحاول حركة "النهضة" طمأنة التونسيين بأنها ستحترم القيم الديمقراطية الليبرالية، ولن تعمد إلى فرض قانون أخلاقي إسلامي صارم، فإن هناك انتقادات توجه إليها بأنها اتخذت في إطار ذلك موقفاً متسامحاً تجاه الإسلاميين المغالين من السلفيين.

وقالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" إن السلطات بدت غير قادرة -أو غير راغبة- في حماية الأفراد من هجمات يشنها عليهم المتطرفون الدينيون، حيث تؤكد "النهضة" أن أقلية من السلفيين فحسب هي التي تتبنى العنف، وعليه يحاول قادة الحركة دمجهم في النظام الديمقراطي.

لكن مع الهجوم على السفارة الأمريكية، والذي ألحق الضرر بصورة تونس، وخلّف أربعة قتلى، فقد اضطر المعنيون من حركة "النهضة" إلى تأكيد أن المتطرفين المنخرطين في العنف سيحاكمون وفقاً للقانون. وبعد ذلك، قضت محكمة تونسية على سليم القنطري، قائد في المجموعة الإسلامية الراديكالية "أنصار الإسلام" والمعروف بـ"أبو أيوب"، بالسجن لمدة عام واحد، بعد تجريمه بالتحريض على مهاجمة السفارة الأمريكية، مع اعتقال السلطات التونسية 144 شخصاً، على خلفية أحداث الهجوم، أغلبهم من السلفيين.

وبحسب إحصاءات رسمية أعلنت عنها وزارة العدل، فإن عدد الموقوفين من أنصار التيار السلفي بلغ 178 من بين 450 متهماً، في حين تشير مصادر غير رسمية إلى أن عددهم في حدود 300 عنصر، مما كان سبباً فى مشكلة أخرى تواجهها الحكومة مع المعتقلين من التيار السلفي وعائلاتهم. حيث بدأت العناصر السلفية الموقوفة في السجون التونسية إضراباً عن الطعام أدى خلال نوفمبر 2012 إلى وفاة اثنين من الموقوفين، الأمر الذي ينذر بمواجهة محتملة بين حركة "النهضة" الإسلامية المعتدلة والتيار السلفي، مع الإشارة إلى تنظيم عائلات أعضاء التيار السلفي المعتقلين في السجون وقفة احتجاجية في السادس من نوفمبر أمام وزارة العدل، مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم، ولتفرج السلطات التونسية في 27 من الشهر ذاته عن 52 شخصاً من السلفيين، فيما يواصل آخرون إضرابهم عن الطعام، ولتضطر الرئاسة التونسية إزاء الحوادث الأمنية التي شهدتها البلاد خلال الفترة الأخيرة إلى تمديد حالة الطوارئ في 31 أكتوبر للمرة الخامسة منذ الثورة، ولمدة ثلاثة أشهر حتى نهاية يناير القادم، بدلاً من شهر واحد كما هو معتاد، في دليل واضح على حالة التدهور الأمنى التى تعيشها البلاد.

- صعود "التيار البورقيبي" كنتيجة لضعف الأداء الحكومي:

كنتيجة لضعف أداء الحكومة في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، خلال المرحلة الانتقالية، فإن ذلك كان سبباً في تشجيع تيارات كثيرة على إعادة الهيكلة، ومن بينها "التيار البورقيبي". وقد تجسدت هذه العودة في الاجتماع الجماهيري الذي عقده الدستوريون في مدينة "المنستير" يوم 24 مارس 2012 برئاسة الوزير الأول السابق الباجي قايد السبسي. وإثر الاجتماع، بدأ البعض يدق ناقوس خطر عودة رموز النظام السابق إلى الواجهة السياسية، خصوصاً مع ارتفاع شعبيتهم نسبياً مقابل شعبية الأحزاب الحاكمة.

ولمواجهة خطر إعادة تشكيل النظام القديم من جديد، فقد طرحت خمس كتل برلمانية بالمجلس الوطني التأسيسي مشروع "قانون التحصين السياسي للثورة"، والذي يقضي بالعزل السياسي لمدة 10 سنوات لـ"الفاعلين" السياسيين في نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ويهدف القانون الذي قدمه النواب للبرلمان في 23 نوفمبر 2012 إلى "إرساء التدابير الضرورية لتحصين الثورة تفادياً للالتفاف عليها من النظام السابق"، حسبما ورد في الفصل الأول من المشروع. وبادرت إلى طرح المشروع كتل أحزاب "النهضة"، و"المؤتمر" (يساري وسطي)، و"وفاء" (قومي عربي)، إضافة إلى كتلتي "الكرامة والحرية"، والمستقلين الأحرار".

ويشمل القانون كل من تقلد مسئولية وزير أول، ووزير، وكاتب الدولة، في الفترة ما بين 2 أبريل 1989، تاريخ إجراء أول انتخابات في عهد بن علي، إلى 14 يناير 2011، تاريخ الإطاحة بنظامه، كما سيشمل كل من تقلد خلال الفترة ذاتها مسئوليات في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد بن علي، وكل من ناشد الرئيس السابق البقاء في الحكم إلى ما بعد عام 2014، رغم أن الدستور التونسي لم يكن يسمح له بالترشح مرة أخرى للرئاسة.

وبموجب القانون، يُمنع هؤلاء من الترشح لرئاسة الجمهورية، ورئاسة أو عضوية مجلس الشعب والمجالس البلدية، وأي مجالس لها صفة الجماعات العمومية، ومن تولي المناصب الحكومية (رئيس حكومة، وزير، سفير، محافظ)، ومن رئاسة أو عضوية الهيئات الدستورية المعتمدة في الدستور الجديد، كما سيمنعون من شغل رئاسة أو عضوية أي من الهياكل القيادية المركزية أو الجهوية في الأحزاب السياسية، أو عضوية هيئاتها المؤسسة.

وفي حين يتوقع مراقبون تمرير القانون بسهولة، لأن الكتل الخمس تملك مجتمعة أغلبية المقاعد في المجلس الذي يضم 217 نائبًا، فقد سادت عاصفة من الغضب الأوساط السياسية التونسية احتجاجًا على مشروع القانون الذي اقترحته حركة "النهضة"، حيث اتهمت المعارضة الحركة ذاتها بـ"إيواء عدد من رموز نظام بن علي، مثل وزير الدفاع الحالي، عبد الكريم الزبيدي، ومحافظ البنك المركزي الحالي، الشادلي العياري"، ورأوا أن القانون يندرج في إطار تصفية الخصوم السياسيين بتوظيف القضاء.

يأتى ذلك في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء التونسي السابق، الباجي قائد السبسي، رئيس حزب "نداء تونس"، أن قانون العزل السياسي "يستهدفه شخصياً"، معتبراً أن الهدف الحقيقي من هذا القانون هو إفراغ الساحة السياسية في تونس من خصوم حركة "النهضة"، حيث أظهرت استطلاعات رأي أجريت أخيرًا أن السبسي، الذي سبق له العمل فى بداية التسعينيات مع نظام بن علي، أصبح يحظى مع حزبه بشعبية كبيرة في تونس، ويتوقع مراقبون انحصار المنافسة خلال الانتخابات العامة المقررة في 2013 بين حزبي "النهضة" و"نداء تونس"، في حال عدم إقرار قانون العزل. في الوقت نفسه دعا الرئيس المؤقت منصف المرزوقي إلى تشكيل "حكومة كفاءات مصغرة"، لا تقوم على أساس المحاصصة أو الولاءات الحزبية لتعتني بالتنمية، منبّهاً إلى أن تونس على "مفترق طرق"، داعياً الجميع إلى تحمل مسئولياتهم أمام هذا الظرف الدقيق. وعلى الرغم من عدم وضوح موقف حركة "النهضة" من تلك الدعوة، في إطار رفضها السابق التنازل عن الوزارات السيادية، فإن دعوة المرزوقي رأتها أطراف سياسية انتقاداً علنياً لأداء حكومة الترويكا، التي هو أحد أطرافها، ومؤشراً على بوادر تفكك محتمل داخل المنظومة الحاكمة.

تعريف الكاتب:
باحثة متخصصة في الشئون العربية
http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2 ... D8%A9.aspx