صفحة 1 من 1

التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء..أثيوبيا دراسة حالة

مرسل: الخميس ديسمبر 06, 2012 7:32 pm
بواسطة مشعل الشعلان 80
تدرك إسرائيل أن إفريقيا تشكل إحدى ساحات الصراع العربي الإسرائيلي، وقد عملت من هذا المنطلق على التغلغل في إفريقيا وخلق علاقات مع دولها في مختلف المراحل؛ وذلك لما تمثله إفريقيا من عمق استراتيجي وأمني وثقافي وحضاري للوطن العربي. وعملت إسرائيل جادة بالتعاون مع دول الاستعمار القديم والحديث على الإحاطة بالوطن العربي وتطويقه وعزله عن إفريقيا.

من هذا المنطلق؛ تحاول هذه الدراسة تحليل أهداف ومحددات السياسة الإسرائيلية في علاقاتها بإفريقيا مع التركيز بشكل خاص على العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية وإلقاء الضوء على مرامي إسرائيل وأهدافها الأيديولوجية والتوراتية والسياسية والإستراتيجية وخاصة فيما يتعلق بأهمية ومحورية الصراع العربي الإسرائيلي في تحديد مسار هذه العلاقات وانعكاس ذلك على الأمن القومي العربي.

إشكالية الدراسة

لقد ظهرت دراسات عديدة لرصد السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إفريقيا على مدار العقود الماضية، وتنوَّعت تلك الدراسات التي تناولت علاقات إسرائيل بإفريقيا، وراح كل منها يركِّز على جانب أو أكثر من أوجه هذه العلاقات. تجتهد هذه الدراسة لتنفيذ هذا الأمر فضلا عن تحليل أسباب وضع إسرائيل لإثيوبيا في مقدمة اهتماماتها، ودراسة خطواتها لتنويع مجالات علاقاتها معها في المرحلة الراهنة من خلال التركيز على معطيات ومؤشرات السياسة الخارجية الإسرائيلية على امتداد العقد الأخير من القرن العشرين، إذ جرت متغيرات دولية وإقليمية وداخلية عديدة لعبت دوراً مهما ومؤثراً لتسهيل تنفيذ السياسة الخارجية الإسرائيلية في القارة السوداء.

ولأجل تغطية هذا الموضوع الهام والاستراتيجي، خصصت هذه الدراسة للإجابة على تساؤلات عديدة منها:

متى بدأ اهتمام إسرائيل بالقارة السوداء؟ وما هي وسائل وأدوات التحرك الإسرائيلي تجاه إفريقيا. وما هي محددات السياسة الإسرائيلية تجاه إفريقيا عموماً وإثيوبيا بشكل خاص؟ وما تأثيرات ذلك على الأمن القومي العربي؟

ادعاءات بعض شعوب إفريقيا تجاه إسرائيل

توجد هناك عدة ادعاءات ومزاعم متعلقة ببعض شعوب إفريقيا حول علاقتها مع إسرائيل، وهذه أبرزها:

تعود العلاقة بين إثيوبيا وإسرائيل كما تقول الأساطير الإفريقية منذ عهد النبي سليمان عليه السلام أي القرن الثالث قبل الميلاد، وحسب تلك الأساطير فإن للنبي سليمان ابنا من الملكة سبأ التي يسميها الأحباش "ماكدا" وهو جد الأحباش كما أنه هو مؤسس الإمبراطورية الحبشية، واسمه منليك الأول هو ابن ملكة سبأ والملك سليمان الذي هاجر من القدس إلى الهضبة الحبشية انتقل من يهوديته إلى المسيحية إلا أنه احتفظ بالكثير من الأيقونات والتمائم الثمينة، ولعل أهمها وعلى رأسها جميعاً التابوت الذي يعود إلى سيدنا موسى عليه السلام(1).

إن قومية أمهرا التي ينتمي إليها الأباطرة الذين حكموا إثيوبيا وآخرهم الإمبراطور " هيلا سيلاسى" ينتمون إلى سلالة سيدنا سليمان(2).

تشير الأساطير الحبشية إلى أن الوصايا العشر مخبأة في جبال الحبشة وهذا ما أكده الكاتب البريطاني "غيرهام غرين"، إلى احتمال وجودها في أثيوبيا وعليه تخرج جميع كنائس الحبشة التابوب المزيف ويطاف به حول المدن الرئيسية وهي طقوس تمارس حتى اليوم(3).

إن الوجود اليهودي في إفريقيا يعتبر عاملا آخر لإلصاق العلاقة بين إثيوبيا وإسرائيل، إذ توجد أقلية يهودية تدعى "يهود إثيوبيا" المروفين باسم "الفلاشا مورا" والتي تعني بالعبرية "الهائم على وجهه" أو "المهاجر"، مركزهم الرئيسي في إثيوبيا في إقليم أمهرا وتحديداً في مدينة "غوندار" في شمال شرق أثيوبيا حيث تم اكتشافهم حديثاً في القرن التاسع عشر ولكنهم لا يتكلمون العبرية، وتطلق هذه المجموعة على نفسها "أبناء ابراهيم" و "بيت إسرائيل"(4).
علما أن مجموعات يهودية من خارج إفريقيا دخلت إلى جنوب إفريقيا قبل قيام إسرائيل مع المستوطنين الأوروبيين، وشاركتهم في عملية نهب ذلك البلد بينما وصلت مجموعات أخرى إلى كينيا ضمن مخطط بريطاني إسرائيلي مشرك استهدف تحويل هذا البلد الإفريقي إلى "وطن قومي لليهود"(5).

اعتبر إمبراطور إثيوبيا "هيلا سيلاسى" نفسه بأنه "أسد يهوذا" وكان يفتخر أنه ينحدر من الملك سليمان الذي تربط الأساطير به سلالة "الفلاشا" أيضا".(6)

ادعاءات إسرائيل نحو إفريقيا

روجت إسرائيل عدة مزاعم لترسيخها للتصور العام اليهودي والإفريقي نحو العلاقة مع إفريقيا ومنها:

هناك مرتكزات عقلية وروحية تجاه بعض المناطق الإفريقية مبنية على ثلاث أساطير منها ما وردت في التوراة المحرفة وخصوصا الإصحاح الخامس عشر من الميثاق الذي يقول "في ذلك اليوم قال البر لابراهم لنسلك إحدى هذه الأرض من نهر مصر الكبير إلى نهر الفرات".

عند انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل في سويسرا لإنشاء وطن قومي يجمع شتات اليهود من جميع أنحاء العالم، فكر زعماء الصهيونية في مشروعات كثيرة لتحقيق هذا الحلم منها: استعمار أوغندا، وعندما انعقد المؤتمر الصهيوني الرابع عام 1903 في لندن قدم جوزيف شمبرلن وزير المستعمرات البريطاني مشروع تهويد أوغندا وقد أيد ذلك ثيودور هيرتسل زعيم الصيهوينة آنذاك بالقول: "يجب أن تكون قاعدتنا فلسطين أو بالقرب منها، وسنستعمر أوغندا فيما بعد". وفي مكان آخر كتب هيرتسل إلى أحد أثرياء اليهود "روتشيرلد" بالقول: " يجب أن تبدأ الدولة اليهودية بإنشاء محطات متفرقة فقد تكون المحطة الأولى لمستعمراتنا والتي ستكون نواة لوطننا في شرق إفريقيا"(7). وكان هيرتسل بعد خمس سنوات من المؤتمر الصهيوني الأول قد أصدر كتابه الموسم "Altenenland" في عام 1902 يشجع ويدعو الحركة الصهيونية لتوجيه أنظارها لإفريقيا باعتبارها أحد الأماكن التي يمكن وفق وجهة نظره إقامة فيها ما يسمى "بوطن قومي لليهود"، إذ يقول في ذلك الكتاب: "مرة واحدة في حياتي أشهد تحرير اليهود باعتبارهم شعبي، أنا ارغب كذلك للمساعدة في استرداد وتحرير اليهود الأفارقة"(8).
أولاً: محددات وأهداف سياسة إسرائيل تجاه القارة الإفريقية

تتركز أهداف السياسة الإسرائيلية في بناء علاقاتها الإفريقية من خلال عدة عناصر رئيسية تمخضت من طبيعة نشأتها في المنطقة ومحاولتها تقويض أسس ودعائم الأمن القومي العربي. وطبيعي أن هذه الأهداف تتسم بقدر من الثبات والتغير، وبالتالي فإن ترتيبها في سلم أولويات صانع القرار الإسرائيلي قد يتغير من مرحلة إلى أخرى. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحقائق الجيوسياسة والإستراتيجية والاقتصادية المميزة للقارة الإفريقية لاستطعنا تحديد أهم الأهداف الأساسية للتغلغل والوجود الإسرائيلي في إفريقيا وهي على النحو التالي:

الأمن مع كسر المقاطعة العربية التي فرضتها عليها الدول العربية ومن سار في فلكها بالإضافة إلى كسب قواعد للتأييد والمساندة وإضفاء نوع من الشرعية السياسية عليها في الساحة الدولية. وعليه كان الإدراك الإسرائيلي منذ البداية (أي خلال مرحلة الحرب الباردة) يتمثل في أي مكسب دبلوماسي لإسرائيل في إفريقيا يعني بالمقابل القضاء على (أو على الأقل تحييد) مصدر محتمل لتأييد الدول العربية . يعني ذلك أن إسرائيل كانت تنظر إلى إفريقيا باعتبارها ساحة للنزال بينها وبين العرب وفقاً لقواعد النظرية الصفرية (9) Zero – sum- game.

تأمين متطلبات الإستراتيجية البحرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وضمان الاتصال بالجاليات اليهودية مع استمرار هجرة اليهود من إفريقيا، وتلبية احتياجات الاقتصاد الإسرائيلي في مجالات التسويق والعمالة والمواد الخام وتصدير الأسلحة...الخ.

في إطار تحقيق شرعية إسرائيل بتأمين الاعتراف بها من قبل الجولة الإفريقية وتأمين أصواتها في الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية لصالح الدولة العبرية. فقد أدى حصول عدد من الدول الإفريقية على استقلالها في الستينات أدى إلى زيادة المقدرة التصويتيه لإفريقيا في الأمم المتحدة حيث كان الصراع العربي الإسرائيلي من أبرز القضايا التي تطرح للتصويت.

تحقيق السيطرة والهيمنة الإفريقية ويعتبر هذا الهدف حسب اللواء مسعد ششتاوي(10) بأنه هدف أساسي بالنسبة للسياسة الخارجية والوجود الإسرائيلي وتتركز أساساً في تأمين متطلبات النمو الاقتصادي والتنمية الإقليمية وكذلك تحقيق التفوق العسكري والتوسع الإقليمي.

العمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية خاصة بتقديم إسرائيل على أنها دولة "نموذج" لشعب الله المختار. يفسر ذلك أن إسرائيل اعتمدت دائماً تقديم المساعدات التقنية والتنموية للدول الإفريقية حتى في حالة عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية معها(11).

بناء قاعدة إستراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية لإسرائيل(12) وذلك من خلال ما يمكن تسميته مبدأ شد الأطراف حيث تعتمد إسرائيل على النيل من أطراف نظام الأمن العربي باعتباره المستهدف في الإستراتيجية الإسرائيلية، ويتضح ذلك من خلال تركيز إسرائيل على دول إفريقية معينة مثل أثيوبيا وهذا ما سنركز عليه في السطور القادمة.
وثمة مجموعة من المتغيرات الدولية والإقليمية أسهمت في تكثيف الهجمة الإسرائيلية على إفريقيا منها:

إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية في مطلع الستينيات وضع تحدياً أمام إسرائيل حيث إنها لا تتمتع بالعضوية في هذا التجمع الإفريقي.

عضوية بعض الدول العربية المزدوجة في كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية أعطتها فرصة لإقامة التحالفات مع بعض القادة الأفارقة(13).

كما تجدر الإشارة إلى أن حالة الضعف الإستراتيجي للقارة الإفريقية من حيث عدم وجود نظام قوي للأمن قد نظر إليها من جانب طرفا الصراع العربي الإسرائيلي على أن إفريقيا ساحة للاستقطاب وتحقيق المكاسب على حساب الطرف الآخر.
ثانياً: الوجود الإسرائيلي في إفريقيا وأثره على الأمن القومي العربي

تعتبر إسرائيل علاقاتها حيوية مع الدول الإفريقية، ولن تفرط فيها وهي تعمل على تقويتها بتقديم المساعدات الفنية والعسكرية وتدريب الباحثين والخبراء من هذه الدول داخل إسرائيل خاصة في مجال الزراعة، وكذلك من خلال إرسال الخبراء الإسرائيليين إلى القارة الإفريقية مع توسع نطاق عمل رجال الأعمال الإسرائيليين. وكما ذكرنا أعلاه فإن إسرائيل ترمي من التغلغل في إفريقيا إلى تحقيق ما يلي:

محاصرة الدول العربية وتأمين البحر الأحمر لصالحها وكذلك السيطرة على منابع النيل، وبهذا نفهم اهتمامها بدعم حركات التمرد في جنوب السودان واهتمامها بالقرن الإفريقي بشكل عام.

الهجرة اليهودية، وربط الجاليات اليهودية في دول إفريقيا بإسرائيل وتأمين تلبية احتياجاتها من المواد الإستراتيجية وتوفير الأسواق للعمالة والخبرة والمنتج الإسرائيلي وتحقيق عمق استراتيجي للسياسة الدفاعية على الاتجاه الجنوبي.

احتراف القيادات الإفريقية وذلك عن طريق خلق كوادر عسكرية تدين بالولاء لإسرائيل وتعمل في نفس الوقت على تحجيم النشاط العربي على هذا الاتجاه مع توفير مناخ يساهم في تشتيت الجهود العربية في مواجهة التحديات في الشرق الأوسط، مثل إثارة قضايا أمنية، ومشكلة المياه، والجزر بجنوب البحر الأحمر ..الخ.

استغلال القناعة الإفريقية بالتقدم العلمي والعسكري والتكنولوجي الإسرائيلي في تحقيق طموحاتها الخاصة في الهيمنة على المنطقة العربية.

محاولة الحصول على تسهيلات عسكرية في دول القارة الإفريقية كاستخدام القواعد الجوية والبحرية وقواعد التجسس. وإنشاء محطات الإنذار والاستطلاع لخدمة أنشطتها الاستخبارية. ومشاركة إسرائيل في بناء وتنظيم الأجهزة الأمنية لبعض الدول في إفريقيا. وعقد صفقات تسويق إنتاجها العسكري.

تطويق الدول العربية بحزام من الدول الإفريقية المناهضة مع التقليل من أي نفوذ عربي داخل القارة مستغلة في ذلك تعميق الخلافات العربية مع بعض دول إفريقيا. مثال : مصر وإثيوبيا. إذ تحاول إسرائيل أن تهدد أمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل خاصة: مصر بحيث تشغلها عن أهدافها، وذلك من خلال زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في منابع النيل والتركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فيكتوريا مستغلة العداء التاريخي بين أثيوبيا والعرب وهذا ما سنراه عند الحديث عن علاقة إسرائيل بإثيوبيا.

وثمة العديد من المراقبين يشير إلى تطلعات إسرائيل للصومال البلد الذي يعيش فوضى وحرب ومجاعة، والبحث عن دور إستراتيجي يمر من خلال تقوية العلاقة مع إثيوبيا، تمهيدا لاستغلال الحدود الطويلة التي تفصل بين البلدين، والاتجاه إلى الجزء الشمالي من الصومال، المحكوم بواسطة حكومة علمانية غير مهتمة بالبعد العربي، وباحثة عن تقارب مع إسرائيل، لتتمكن تاليا من بتر ريشة أساسية في الجناح العربي.
وتجدر الإشارة في هذا السياق أنه ومن واقع الممارسات التي تتبعها إسرائيل للتغلغل داخل دول القارة..فإن ثمة دوراً للموساد الإسرائيلي، وهو دور كبير في العديد من هذه الدول خاصة فيما يتعلق بتدعيم حركات التمرد والمحافظة على مصالحها الأمنية في جنوب البحر الأحمر، إضافة إلى تصعيد النزاع بين بعض الدول الإفريقية. وهذا ما يؤدي إلى تهديد العمق الإستراتيجي للدول الإفريقية – العربية.

ثالثاً: التوسع الإسرائيلي في القارة الإفريقية..لماذا أثيوبيا؟

إذا، لم يكن الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الإفريقية، نابعاً من العدم، بل تشكل بموجب عدة دوافع، منها إستراتيجية، اقتصادية، وسياسية وجيوستراتيجية وكذلك الاهتمام بالأقليات اليهودية في إفريقيا.

وقد حظيت أثيوبيا باهتمام خاص من إسرائيل، إذ ثمة إجماع لدى النخبة وصانع القرار الإسرائيلي على أن أثيوبيا تمتاز بميزات سياسية وجغرافية وعسكرية/أمنية فريدة في نوعها؛ إضافة إلى كونها تعتبر نفسها قلعة في محيط إسلامي لا زال يموج بالصراعات، والأزمات، ولا يزال يواجه أنماطاً عديدة من العنف والأزمات المتعددة مما يجعلها المفتاح للتغلغل في إفريقيا وتطعن فيها الأمن القومي العربي!

إذن، مياه النيل، تقوية التوازن الديمغرافي لجهة اليهود في فلسطين، الأهداف الإستراتيجية الخفية لإسرائيل في القارة الإفريقية، تطويق عدد من البلدان العربية من بينها مصر والسعودية واليمن والسودان، التلاعب بورقة النزاع الإثيوبي الاريتري وتطويعها لمصلحة إسرائيل، ضرب التحالف المسمى "نادي صنعاء"(14)، وتحقيق علاقات مميزة على الأصعدة كافة مع الأفارقة، تلك هي مرامي الساسة الإسرائيليين من تقاربهم الحثيث مع إثيوبيا، في إطار تحقيق شامل عن الأبعاد الإستراتيجية للعلاقة الإثيوبية الإسرائيلية.

كما هو معروف تتميز العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية بتشعب أطرها وتعدد موضوعاتها الشيء الذي يعكس تنوع المصالح المتبادلة بين الطرفين والذي جاء بفعل إرث تاريخي يرجع إلى خمسينيات القرن الماضي، في الوقت الذي تظل فيه مسألة يهود الفلاشا(15) والمياه والصراع العربي الإسرائيلي هي التي تتبادر إلى الأذهان عندما تثار العلاقة التي تربط إسرائيل بإثيوبيا.

وعلى الرغم من أن العلاقة الإسرائيلية الإثيوبية هي علاقة عادية طبيعية في بعض جوانبها، إلا أنها تعتبر بالنسبة لإسرائيل حيوية وإستراتيجية، وبحسب مراقبين فإن العلاقة الثنائية الإسرائيلية الإثيوبية لا زال يدور حولها جدل كبير منذ أكثر من نصف قرن بين صعود وهبوط شهدت أجواء من الهدوء والفتور مع النظام الإثيوبي الحالي إلا أن زيارات المسؤولين الإسرائيليين المتتالية إلى إثيوبيا أعطى هذه العلاقات زخماً و أبعاداً جديدة بعودة هذه العلاقات إلى عهدها الطبيعي.

ولعل أهم ما يميز إثيوبيا ويجعلها مقبولة في الفلك الإسرائيلي عدة عوامل أهمها:

الادعاءات الإسرائيلية التي تقول إن العلاقة مع إثيوبيا ترجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد وتزعم إن ابن سيدنا سليمان (منليك) من زوجته الملكة بلقيس هو مؤسس الحبشة التي كانت تسمى (ماكدا) وأن قومية (أمهرا) التي ينتمي إليها الأباطرة الأحباش وآخرهم (هيلا سيلاسى) هي من سلالة سيدنا سليمان(16).

الوضع الاستراتيجي الذي يميز إثيوبيا من غنى بالموارد الطبيعية حيث يجري في أراضيها العديد من الأنهار مثل (أباي، تكازا، باراد، أمودو، أواشو، أتشيلي) بالإضافة إلى بحيرة (تانا) العظمى التي تشكل مخزون مائي هائل لنهر النيل.

ما تمتاز به إثيوبيا من غنى بالموارد المعدنية التي تخدم الصناعات الإسرائيلية خاصة العسكرية منها، بالإضافة إلى معادن الذهب والماس والفضة.

أهم الأهداف التي تطمح لها إسرائيل في وجودها بإثيوبيا هو الرغبة في الحصول على مياه نهر النيل حيث تسيطر إثيوبيا على أكثر من 80% من مياه النيل التي تنبع من إثيوبيا.

فأطماع إسرائيل في مياه نهر النيل قديمة، وتلعب الأخيرة دوراً غير مباشر في صراع المياه بين دول حوض النيل استفادة من نفوذها الكبير في إثيوبيا. وكما هو معروف فقد توجهت الأخيرة لبناء عدد من السدود الكبيرة على نهر النيل بهدف حجز مياهه لإرواء مزيد من أراضيها وتحويلها إلى أراض صالحة للزراعة ومواجهة مشاكل الانفجار السكاني، وتوطين المهاجرين من الأماكن المنكوبة بالمجاعة خلال السنوات الأخيرة، وتوليد الطاقة الكهربائية من هذه السدود سيما أن إثيوبيا تعاني من أزمة اقتصادية لا زالت ترزح تحتها.

كما حاولت إسرائيل استخدام إثيوبيا للضغط على مصر من خلال شن الحملات المتكررة ضدها للتشكيك في حصتها من مياه النيل، والتهديد ببناء سدود إثيوبية على النيل والتي من شأنها التأكيد على كمية المياه التي تصل إلى الأراضي المصرية، لأن البحيرات الموجودة على الأراضي الإثيوبية تعتبر المنبع الرئيسي لمياه النيل، ومعظم مياه النيل تأتي من هضبة الحبشة، وحسب مراقبين فإن إسرائيل أقنعت القيادة الإثيوبية بموضوع إقامة مجموعة من السدود، ومشروعات للري على هضاب الحبشة وعشرات الكيلومترات من الأراضي الزراعية بحجة تحقيق أكبر استفادة ممكنة من مياه النيل الفيضانية، والطاقة الكهربائية لصالح إثيوبيا الشيء الذي يأتي بمثابة تهديد لرصيد مصر بمياه النيل، وبالتالي تهديد لكل مشروعات الري والكهرباء والزراعة على امتداد الوادي، ودلتا مصر.

لا شك أن التنوع العرقي واللغوي والثقافي والديني، لعب دوار أساسيا في وسائل التغلغل الإسرائيلي لدولة إثيوبيا الذي يستند على إثارة النزعات ونشر الفوضى وعدم الاستقرار تمهيدا لفتح الطريق أمام المساعدات الإسرائيلية وتجارة السلاح والسيطرة على الثروات.

تقوم إسرائيل بإرسال مبعوثين وخبراء في جميع المجالات وعلى رأسها "المجال الأمني والعسكري" من أجل الإعداد والتدريب وتنفيذ صفقات أسلحة.