حقوق الحاكم المسلم
مرسل: الجمعة ديسمبر 07, 2012 6:12 am
حقوق الحاكم المسلم
الحق والواجب وجهان لعملة واحدة ، فكل حق مشروع يقابله واجب يتعين أداؤه ، وأوامر الدين ونواهيه تتضمن فى الكثير منها واجبات على طرف من الأطراف فى طيها حقوق لطرف آخر . وهذا ما نراه واضحاً فى علاقة الحاكم المسلم بالأمة ، فللأمة حقوق على الحاكم تندرج جميعاً تحت حفظ الدين وسياسة الدنيا به ، وللحاكم حقوق على الأمة تتمثل فى وجوب طاعته ومناصحته ومناصرته وكفالته .
أولا : حقوق الحاكم المسلم :
1. الطاعة :بينا – من قبل – أن طاعة أولى الأمر مبدأ من مبادئ الحكم الإسلامى ، وأساس من أسسه : " يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " (النساء : 59 ) .
وطاعة الحاكم فرع من إمامته : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " وحق من حقوقه بنص القرآن وصحيح السنة ، فرضها ذلك الوضع القيادى الذى يشغله الحاكم ، فالأمة : لا بد لها من قائد يسوسها بشرع الله تعالى ، وإلا تعرضت للتخبط والضياع .
ولا يشترط فى الطاعة أن يكون الحاكم قد وصل إلى السلطة بالطريق المشروع ، ولا أن يستكمل الشروط المطلوبة، فطاعة المتغلب وغير مكتمل الشروط واجبة ، وطاعة الإمام الجائر واجبة ، وطاعة الإمام الجائر واجبة ، كما نص على ذلك الأئمة والفقهاء ، وذلك الأئمة والفقهاء ، وذلك حتى تُحفظ للأمة وحدتها ، وللشريعة سيادتها ، والطاعة تكون فى المعروف ، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، والمعروف الذى تجب فيه الطاعة هو : ما وافق الشرع ولم يخالفه ، وهى دائرة واسعة لا تقتصر على مجرد تنفيذ الأوامر الشرعية ، بل تمتد لتشمل الأمور التى تنبنى على الاجتهاد ، وعلى هذا : فلو أمر الحاكم بأمر لا يدرى وجه المنفعة فيه ، فالواجب على الرعية : طاعته ، ما لم يعلموا كونه معصية ، لأن اتباعه فى محل الاجتهاد واجب كالقاضى .
والمعصية التى يمتنع فيها المسلم عن الطاعة هى : المعصية التى تدل نصوص الشرع على تحريمها ، أما ما يدخل فى نطاق الاجتهاد والتأويل ، فيجب على المسلم فيها طاعة الحاكم وإن كرهها : " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " متفق عليه ، هذا وقد سبق أن فصلنا هذه المسائل فى موضع سابق فليراجع .
2. المعاونة والنصرة والتأييد: وهذا الحق بديهى ، بل هو لازم من لوازم الطاعة ، فطالما ارتضى المسلمون إماماً، فينبغى عليهم التعاون معه فى تحقيق مقاصد الإمامة وواجبات الشرع ، والطاعة صورة من صور المعاونة والتأييد ، كما أن المعاونة والنصرة والتأييد من لوزام الطاعة .
ومن مظاهر النصرة والتأييد : عدم الخروج على الإمام ، وعدم معاونة الخارجين عليه ، وعدم السكوت عليهم سواء كانوا من : البغاة أو المحاربين لقول الله تعالى : "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ " (الحجرات : 9 ) .
والنبى صلى الله عليه وسلم يوجب القيام فى وجه الخارجين على الإمام فيقول : "من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " .
"من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " رواهما مسلم .
وكذلك ينبغى على المسلمين بذل المحبة والتقدير لإمامهم وحاكمهم الذى يقودهم إلى ما فيه الخير والصلاح ، ويتحرجون من إهانته وسبه ، فهو يقوم فيهم مقام أحب الخلق إليهم – رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيجب أن يوفى حقه من المحبة والتقدير ، ومن لوازم ذلك : الدعاء له بالهداية والتوفيق والسداد ، عسى الله أن يستجيب لهم ، فيعم النفع جميع المسلمين ، وعلى هذا كان هدى السلف الصالح مع الأمراء .
قال الفضيل بن عياض : لو كانت لى دعوة مستجابة لجعلتها للإمام ، لأن به صلاح الرعية ، فإذا صلح أمنت العباد والبلاد .
3. النصيحة :وهى واجب على الإمام تجاه الرعية ، وواجب على الرعية تجاه الإمام ، لذا يعبر عنها أحياناً بصيغة المفاعلة – المناصحة – وهى مما يحبه الله ويرضاه لجماعة المسلمين ، لذا قال النبى صلى الله عليه وسلم : " إن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويكره لكم ثلاثاً : يرضى لكم : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " رواه مسلم ، وقد سبق أن فصلنا هذه المسألة فى مقال مستقل فليراجع .
4. تحديد راتب مالى من خزينة الدولة :
للإمام الحق فى قبض ما يكفيه من بيت مال المسلمين ، وذلك لأنه يعمل ويحترف للمسلمين ، فهو أجير يتفرغ لخدمة المسلمين ، ولأداء الواجبات الملقاه على عاتقه ، فوجب على المسلمين أن يوفروا له ما يسد حاجته نظير تفرغه لهذا العمل .
وقد جعل الله تعالى للعاملين على الصدقات سهماً منها نظير عملهم : "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا " ( التوبة : 60 ) الآية ، والحاكم أحد هؤلاء العاملين ، ليس على الصدقات وحدها ، وإنما على سائر الولايات فى الدولة الإسلامية ، فصار من حقه على الدولة : أن يحدد له راتب يكفيه وأهله ، ليتفرغ للمهام الموكولة إليه .
وقد فطن المسلمون الأوائل إلى هذه الحقيقة فى وقت كان الحاكم فيه يملك البلاد والعباد فى شتى بقاع الأرض ، بينما تقنع الرعية بما يجود به عليهم .
عن عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها ، فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالا له : أين تريد يا خليفة رسول الله ؟!
قال : السوق
قلا : تصنع ماذا ، وقد وليت أمر المسلمين ؟!
قال : فمن أين أطعم عيالى ؟
قالا : انطلق حتى نفرض لك شيئاً ، فانطلق معهم ، ففرضوا له .
وعن عائشة قالت : لما ولى أبو بكر قال : قد علم قومى أن حرفتى لم تكن لتعجز عن مئونة أهلى ، وقد شغلت بأمر المسلمين ، وسأحترف للمسلمين فى مالهم ، وسيأكل آل أبى بكر من هذا المال . رواه البخارى .
وهذا الراتب إما : أن يحدد سلفاً فينظمه قانون ، وهذا الذى استقر عليه الأمر فى الدول المعاصرة جمعياً ، وإما : أن يخضع للاجتهاد من أهل الحل والعقد لتحديد ما يستحقه الحاكم ، وهذا يكون قبل سن مثل هذا القانون .
ولا يجوز للحاكم أن يعمل ، أو أن يتربح من طريق آخر بأى حال من الأحوال ، وإن اكتسب شيئاً ولو بطريق الهدية ، فهو لبيت مال المسلمين .
عن حميد بن هلال قال : لما ولى أبو بكر قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه .
قالوا : نعم ، بُرداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما ، وظهره إذا سافر – يعنى وسيلة المواصلات – ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف ، قال أبو بكر : رضيت .
وعن المستورد بن شداد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة ، فإن لم يكن له خادماً فليكتسب خادماً ، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً ، فمن اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق " .
قال الخطابى : هذا يتأول على وجهين : أحدهما : إنما أباح له اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التى هى أجر مثله ، وليس له أن يرتفق بشىء سواها .
والوجه الآخر:أن للعامل السكنى والخدمة ، فإن لم يكن له مسكن وخادم ، استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله، ويكترى – يستأجر – له مسكن يسكنه مدة مقامه فى عمله .
وفى هذه الحالة يكون المسكن ملكاً للدولة تسترده فى حالة انتهاء مدة الولاية .
---------------------------
(1) رواه البخارى ( 7217 ) ، ومسلم ( 1823/11 ) من حديث ابن عمر .
(2) رواه البخارى ( 114 ) ومسلم ( 1637/22 ) عن ابن عباس .
(3) رواه البخارى ( 3668 ) .
(4) رواه البخارى( 7207 ) من حديث المِسوَر بن مخرمة .
(5) رواه الطبرى فى " تاريخه " ( 4/427 ) وذكرها ابن الأثير فى " الكامل " ( 3/98 ) .
(6) رواه البخارى ( 6830 ) من حديث ابن عباس .
(7) رواه أحمد فى " المسند " ( 1/114 ) بسند فيه جهالة .
(8) رواه البخارى ( 7219 ) من حديث أنس .
(9) المنتقى من مناهج الاعتدال ص 58 ، وهو اختصار الحافظ الذهبى لكتاب منهاج السنة لابن تيمية .
الحق والواجب وجهان لعملة واحدة ، فكل حق مشروع يقابله واجب يتعين أداؤه ، وأوامر الدين ونواهيه تتضمن فى الكثير منها واجبات على طرف من الأطراف فى طيها حقوق لطرف آخر . وهذا ما نراه واضحاً فى علاقة الحاكم المسلم بالأمة ، فللأمة حقوق على الحاكم تندرج جميعاً تحت حفظ الدين وسياسة الدنيا به ، وللحاكم حقوق على الأمة تتمثل فى وجوب طاعته ومناصحته ومناصرته وكفالته .
أولا : حقوق الحاكم المسلم :
1. الطاعة :بينا – من قبل – أن طاعة أولى الأمر مبدأ من مبادئ الحكم الإسلامى ، وأساس من أسسه : " يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " (النساء : 59 ) .
وطاعة الحاكم فرع من إمامته : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " وحق من حقوقه بنص القرآن وصحيح السنة ، فرضها ذلك الوضع القيادى الذى يشغله الحاكم ، فالأمة : لا بد لها من قائد يسوسها بشرع الله تعالى ، وإلا تعرضت للتخبط والضياع .
ولا يشترط فى الطاعة أن يكون الحاكم قد وصل إلى السلطة بالطريق المشروع ، ولا أن يستكمل الشروط المطلوبة، فطاعة المتغلب وغير مكتمل الشروط واجبة ، وطاعة الإمام الجائر واجبة ، وطاعة الإمام الجائر واجبة ، كما نص على ذلك الأئمة والفقهاء ، وذلك الأئمة والفقهاء ، وذلك حتى تُحفظ للأمة وحدتها ، وللشريعة سيادتها ، والطاعة تكون فى المعروف ، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، والمعروف الذى تجب فيه الطاعة هو : ما وافق الشرع ولم يخالفه ، وهى دائرة واسعة لا تقتصر على مجرد تنفيذ الأوامر الشرعية ، بل تمتد لتشمل الأمور التى تنبنى على الاجتهاد ، وعلى هذا : فلو أمر الحاكم بأمر لا يدرى وجه المنفعة فيه ، فالواجب على الرعية : طاعته ، ما لم يعلموا كونه معصية ، لأن اتباعه فى محل الاجتهاد واجب كالقاضى .
والمعصية التى يمتنع فيها المسلم عن الطاعة هى : المعصية التى تدل نصوص الشرع على تحريمها ، أما ما يدخل فى نطاق الاجتهاد والتأويل ، فيجب على المسلم فيها طاعة الحاكم وإن كرهها : " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " متفق عليه ، هذا وقد سبق أن فصلنا هذه المسائل فى موضع سابق فليراجع .
2. المعاونة والنصرة والتأييد: وهذا الحق بديهى ، بل هو لازم من لوازم الطاعة ، فطالما ارتضى المسلمون إماماً، فينبغى عليهم التعاون معه فى تحقيق مقاصد الإمامة وواجبات الشرع ، والطاعة صورة من صور المعاونة والتأييد ، كما أن المعاونة والنصرة والتأييد من لوزام الطاعة .
ومن مظاهر النصرة والتأييد : عدم الخروج على الإمام ، وعدم معاونة الخارجين عليه ، وعدم السكوت عليهم سواء كانوا من : البغاة أو المحاربين لقول الله تعالى : "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ " (الحجرات : 9 ) .
والنبى صلى الله عليه وسلم يوجب القيام فى وجه الخارجين على الإمام فيقول : "من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " .
"من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " رواهما مسلم .
وكذلك ينبغى على المسلمين بذل المحبة والتقدير لإمامهم وحاكمهم الذى يقودهم إلى ما فيه الخير والصلاح ، ويتحرجون من إهانته وسبه ، فهو يقوم فيهم مقام أحب الخلق إليهم – رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيجب أن يوفى حقه من المحبة والتقدير ، ومن لوازم ذلك : الدعاء له بالهداية والتوفيق والسداد ، عسى الله أن يستجيب لهم ، فيعم النفع جميع المسلمين ، وعلى هذا كان هدى السلف الصالح مع الأمراء .
قال الفضيل بن عياض : لو كانت لى دعوة مستجابة لجعلتها للإمام ، لأن به صلاح الرعية ، فإذا صلح أمنت العباد والبلاد .
3. النصيحة :وهى واجب على الإمام تجاه الرعية ، وواجب على الرعية تجاه الإمام ، لذا يعبر عنها أحياناً بصيغة المفاعلة – المناصحة – وهى مما يحبه الله ويرضاه لجماعة المسلمين ، لذا قال النبى صلى الله عليه وسلم : " إن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويكره لكم ثلاثاً : يرضى لكم : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " رواه مسلم ، وقد سبق أن فصلنا هذه المسألة فى مقال مستقل فليراجع .
4. تحديد راتب مالى من خزينة الدولة :
للإمام الحق فى قبض ما يكفيه من بيت مال المسلمين ، وذلك لأنه يعمل ويحترف للمسلمين ، فهو أجير يتفرغ لخدمة المسلمين ، ولأداء الواجبات الملقاه على عاتقه ، فوجب على المسلمين أن يوفروا له ما يسد حاجته نظير تفرغه لهذا العمل .
وقد جعل الله تعالى للعاملين على الصدقات سهماً منها نظير عملهم : "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا " ( التوبة : 60 ) الآية ، والحاكم أحد هؤلاء العاملين ، ليس على الصدقات وحدها ، وإنما على سائر الولايات فى الدولة الإسلامية ، فصار من حقه على الدولة : أن يحدد له راتب يكفيه وأهله ، ليتفرغ للمهام الموكولة إليه .
وقد فطن المسلمون الأوائل إلى هذه الحقيقة فى وقت كان الحاكم فيه يملك البلاد والعباد فى شتى بقاع الأرض ، بينما تقنع الرعية بما يجود به عليهم .
عن عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها ، فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالا له : أين تريد يا خليفة رسول الله ؟!
قال : السوق
قلا : تصنع ماذا ، وقد وليت أمر المسلمين ؟!
قال : فمن أين أطعم عيالى ؟
قالا : انطلق حتى نفرض لك شيئاً ، فانطلق معهم ، ففرضوا له .
وعن عائشة قالت : لما ولى أبو بكر قال : قد علم قومى أن حرفتى لم تكن لتعجز عن مئونة أهلى ، وقد شغلت بأمر المسلمين ، وسأحترف للمسلمين فى مالهم ، وسيأكل آل أبى بكر من هذا المال . رواه البخارى .
وهذا الراتب إما : أن يحدد سلفاً فينظمه قانون ، وهذا الذى استقر عليه الأمر فى الدول المعاصرة جمعياً ، وإما : أن يخضع للاجتهاد من أهل الحل والعقد لتحديد ما يستحقه الحاكم ، وهذا يكون قبل سن مثل هذا القانون .
ولا يجوز للحاكم أن يعمل ، أو أن يتربح من طريق آخر بأى حال من الأحوال ، وإن اكتسب شيئاً ولو بطريق الهدية ، فهو لبيت مال المسلمين .
عن حميد بن هلال قال : لما ولى أبو بكر قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه .
قالوا : نعم ، بُرداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما ، وظهره إذا سافر – يعنى وسيلة المواصلات – ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف ، قال أبو بكر : رضيت .
وعن المستورد بن شداد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة ، فإن لم يكن له خادماً فليكتسب خادماً ، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً ، فمن اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق " .
قال الخطابى : هذا يتأول على وجهين : أحدهما : إنما أباح له اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التى هى أجر مثله ، وليس له أن يرتفق بشىء سواها .
والوجه الآخر:أن للعامل السكنى والخدمة ، فإن لم يكن له مسكن وخادم ، استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله، ويكترى – يستأجر – له مسكن يسكنه مدة مقامه فى عمله .
وفى هذه الحالة يكون المسكن ملكاً للدولة تسترده فى حالة انتهاء مدة الولاية .
---------------------------
(1) رواه البخارى ( 7217 ) ، ومسلم ( 1823/11 ) من حديث ابن عمر .
(2) رواه البخارى ( 114 ) ومسلم ( 1637/22 ) عن ابن عباس .
(3) رواه البخارى ( 3668 ) .
(4) رواه البخارى( 7207 ) من حديث المِسوَر بن مخرمة .
(5) رواه الطبرى فى " تاريخه " ( 4/427 ) وذكرها ابن الأثير فى " الكامل " ( 3/98 ) .
(6) رواه البخارى ( 6830 ) من حديث ابن عباس .
(7) رواه أحمد فى " المسند " ( 1/114 ) بسند فيه جهالة .
(8) رواه البخارى ( 7219 ) من حديث أنس .
(9) المنتقى من مناهج الاعتدال ص 58 ، وهو اختصار الحافظ الذهبى لكتاب منهاج السنة لابن تيمية .