منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By فهد ابو مهيد 81
#56048
"ان قواعد الملك مستقرة على أمرين، سياسة، وتأسيس"[10]


يحتاج الإنسان إلى أن يتكاثر ويتعاون مع بني جنسه وأن يتواجد مع غيره في جماعة بشرية ولكن هذا الاجتماع البشري يحتاج بدوره إلى حاكم يدبر حياته ومعاشه والى سياسة ينتظم بها أمره، ثم ان هذه السياسة المدنية لا تتم الا بدعوة دينية أو أثر عظيم من الدين على الجملة وان الرئاسة على هذه الدولة لا تكون الا في قوة عصبية وأهل شوكة ولا نحصل على حكم راشد الا بتحقيق العدل والتلاحم والازدهار.


والحق أن الحياة الاجتماعية والسياسية لا تصلح ولا تنتظم أحوالها وتستقيم أمورها الا باتباع دين يصرف النفوس عن الشهوات ويحث على العمل الصالح وبإقامة حكم راشد والاضطرار إلى وازع قاهر لكل معاند ومتبعا العدل والرعاية وفارضا الحدود على مستحقيها وحافظا الدين وحارسا الأمة ومعمرا البلدان باعتماد مصالحها وتوفير الأمن والطمأنينة وباعثا الأمل والأماني في العقول ومحررا الارادات والأفعال.


"واعلم لأن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم، وهو ما ينشا عنه من فساد العمران وخرابه. وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري وهي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال".[11]


لا يتم تثبيت الملك على قواعد وترسى مبانيه على أوائل الا بالارتكاز على ثلاثة أسس هي القوة والثروة والدين. ان تأسيس الملك عن طريق القوة الغاية منه اكتساب القدرة بعد ضعف والتعويل على الجيوش واكثار الأعداد من الجنود والعتاد واظهار الشجاعة والطمع في التوسع والاستيلاء والتغلب والتقويم بالشدة والسطوة بغية الاقلاع عن الفساد إلى السداد.


على أساس ذلك" وجب التفويض الى امرة سلطان مسترعى ينقاد الناس لطاعته ويتدبرون بسياسته ليكون بالطاعة قاهرا وبالسياسة مدبرا وكان أولى الناس بالعناية بما سيست به الممالك ودبرت به الرعايا والمصالح، لأنه زمام يقود إلى الحق، ويستقيم به أود الخلق".[12]


أما تأسيس الملك على الثروة فالغاية منه اكثار المال وجمع الكنوز من الذهب والجواهر النفيسة وصرفها في الملذات والمتع الدنيوية والبحث عن اقتناص مباهج الحياة. غير أن الدعوة الدينية هي الأساس الصلب الذي يمكن اقامة المجتمع السياسي عليه وذلك لأن "تأسيس الدين فهو أثبتها قاعدة وأدومها مدة وأخلصها طاعة".[13]


ان الدولة التي تبنى على المال والقوة قد تستهين بالدين وتهمل أحكامه وتدخل فيه شناعات وتأويلات زائغة وتصاب بالضعف والوهن وتكثر فيها المظالم والمفاسد ولا مخرج منها بتأسيس الملك على الدين.


"لا خير في ملك لا يتناصف أهله... فليوقظ عزمه تصفح المظالم وانصاف المظلوم من الظالم ليكون آمرا بالعدل كما كان به مأمورا وزاجرا عن الظلم كما كان عنه مزجورا. فإن مراعاة المظالم من قواعد السياسة في انتظام الملك ومصالح الرعايا".[14]


السياسة تتأسس أيضا على اللغة والبيان والخطابة والكلام ويمتلك السلطة من يمتلك ناصية اللغة ويحسن القول ويتبع أحسنه، والسياسة الراشدة تقوم على الكلمة الطيبة التي يكون أصلها ثابت في الأرض وفروعها مرتفعة إلى السماء بينما السياسة الفاسدة تقوم على الكلمة الخبيثة وما يرافقها من زيف وكذب.


"ان الكلمة لمن الروح القدس، انها تسهم إلى حد بعيد في خلق الظاهرة الاجتماعية، فهي ذات وقع في ضمير الفرد شديد، إذ تدخل إلى سويداء قلبه فتستقر معانيها فيه لتحوله إلى إنسان ذي مبدأ ورسالة. فالكلمة - يطلقها إنسان- تستطيع أن تكون عاملا من العوامل الاجتماعية حين تثير عواصف في النفوس تغير الأوضاع العالمية".[15]


من نافل القول أن "نهض إلى طلب الملك من يقوم بنصرة ويدفع تبديل المبتدعين ويجري فيهم على السنن المستقيم... فملك القلوب والأجساد واستخلص الأعوان والأجناد... وتوطد له من أس الملك ما لا يقاوم سلطانه ولا تفل أعوانه".[16]


غني عن البيان أن المرور من الفقه إلى السياسة أمر ممكن ومطلوب وذلك لحل العديد من الاشكاليات الحياتية العالقة ولتفهم التداخل بين المقدس والدنيوي وحاجة الاجتماعي إلى تدخل الديني من أجل تحقيق التماسك والاستمرارية وصيانة هوية الجماعة البشرية من كل تفكك أو اندثار.


"وجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم والتقاطع ويأخذ بمقتضى العدل في التناصف والتواصل، فيتدبر بعقله لا بعقل غيره، ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور الى وليه في الدين".[17]


من هذا المنطق يشرع الفقهاء إلى ضرورة نصب الإمام بالنسبة إلى الأمة لكون "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا"[18] ولكنهم اختلفوا في صفاته وشروط هذا النصب عن طريق البيعة أو العهد، زد على ذلك يعتبر وجوب الإمامة فرض كفاية ويشترط في الإمام أن يكون عادلا وعالما مجتهدا في النوازل والأحكام وسليم الحواس والأعضاء وصاحب رأي مفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح وينبغي أن يكون شجاعا مجاهدا وله حسب ونسب.


"والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل الحل والعقد، والثاني بعهد الإمام من قبل... فإذا اجتمع أهل الحل والعقد للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا البيعة منهم أكثرهم فضلا وأكملهم شروطا ومن يسرع الناس إلى طاعته".[19]


لكن هل مازال للقول بأن" العرب أبعد الناس عن الصنائع"[20] و"أبعد الأمم عن سياسة الملك"[21] معنى؟ ما هي القواعد التي يستند إليها السياسي في الإسلام؟