منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By فهد ابو مهيد 81
#56049
"الملك يساس بثلاثة أمور. أحدها بالقوة في حراسته وحفاظه، والثاني بالرأي في تدبيره وانتظامه، والثالث بالمكيدة في فل أعدائه".[22]


تتغير مبادئ العمل السياسي وتدبير الملك بتغير الظروف والأحوال التي يمر بها الاجتماع البشري. فإذا شهد الاجتماع البشري السلامة والسكون فان المقصد هو الموادعة والملاطفة والترغيب وذلك بالرأي والمحافظة على القواعد المستقرة والتدبير بالسياسة العادلة. أما إذا شهد الاجتماع البشري الاضطراب والفساد وتفجر المنازعة والمحاربة فإن المقصد هو القوة في الحراسة والذب عن القواعد واستعمال المكيدة والحيلة. عندئذ "تكون القوة مختصة بالعقل والرأي مختصا بالتدبير... وأما المكيدة فمختصة بفل الأعداء فإن من ضعف كيده قوي عدوه".[23]


يفسد الملك بتغير الأعوان وبمرور الأزمان والأنسب في هذه الحالة هو قلة الاسترسال إلى الدنيا والاتكال على القدر وحسن الظن واعداد العدة وبذل الجهد وملازمة الحذر ودرء المفاسد من عوارض أفعال العباد.


هكذا يجمع العمل السياسي بين الرأي والقوة والحيلة ويؤلف بين أخلاق الذات وأفعال الارادة وبين غرائز الفطرة وفضائل مكتسبة عن طريق التربية والتنشئة وبين السياسة الشرعية الفاضلة والسياسة الواقعية النافعة. على هذا النحو "العمل هو فعل بفكر... وهو الأثر الباقي بعد انقضاء حركة الفاعل"[24]


من هذا المنطلق يجب التمييز في صناعة العمل مثل سياسة الناس بين العمل البيهيمي والعمل الصناعي الذي يحتاج إلى معطاة في تعلمه ومعاناة في تصوره والى كد وجد وآلة مهنة ويلزم الانطلاق من الصناعات المشتركة بين الفكر والعمل وبين السيف والقلم وبين صناعة يكون الفكر أغلب والعمل تبعا وصناعة أخرى يكون العمل أغلب والفكر تبعا وبين القلب والذكاء وبين الشرع والعقل.


يحسن برجل الحكم أن يفعل المعروف والبر قبل أن يأمر به وأن يترك المنكر ويستقبحه قبل أن ينهى به غيره وأن يعمل على إصلاح نفسه من أجل إصلاح غيره وألا يأنف من الزام نفسه بالحق واقامة الحجة ويجدر بمن يتقلد أمور الحكم الحذر والاشفاق والاجتهاد ويعد نفسه واحدا من العامة ويستميل قلوبهم بالإنصاف لهم "ويتعهد حال الفقير منهم بالبر والصدقة ويراعي خلة الكريم منهم بالرفد والصلة".[25]


هكذا تبنى السياسة الشرعية العادلة على الرغبة والرهبة والانصاف والانتصاف، وعلى الولاية والتقليد والاكرام والتقريب والاحتراس والتيقظ، وعلى الحذر من الحاكم ومن الناس واعطاء حقوق الطرفين.


تدعو الرغبة إلى التآلف وتبعث على الاشفاق، وتمنع الرهبة الخلاف وتحسم الميل إلى الافساد، أما الانصاف فيفصل بين الحق والباطل ويسعف المظلوم ويعاقب الظالم، في حين يستوفي الانتصاف الحقوق الواجبة ويستخرجها بالأيادي العادلة ن ويعين الحذر على التدبير والاجتهاد في النصح ودفع البلاء.


ان التدبير السياسي هو أهم فعل يقوم به العقل البشري بشرط أن يتم على أصول موضوعة ومع مراعاة لقواعد معلومة وهي العدل والحذر والرعاية وتتبع الرأي السديد والقول النافذ والحكمة العملية.


"ان الملك تطول مدته إذا كان فيه أربع خصال: أحداها أن يرضى لرعيته ما يرضاه لنفسه، والثانية أن لا يسرف عملا يخاف عاقبته، والثالثة أن يجعل ولي عهده من ترضاه رعاياه لا من تهواه نفسه، والرابعة أن يفحص عن رعيته فحص المرضعة عن منام رضيعها".[26]


بيد أن "ما يصعب من هذه السياسة الا معرفة الأسباب، فإذا عرفها وقف على الصواب، وان أشكلت عليه التبس عليه الصواب فتاه عن قصده وذهل عن رشده"،[27] فهل السياسة علم بالضروري أم فن الممكن؟ وما السبيل إلى تأسيس المجال السياسي على العلم والمعرفة ويعرف الحكام فضله ويجل أهله؟