صفحة 1 من 1

ملامح الفكر السياسي في الاسلام

مرسل: الجمعة ديسمبر 07, 2012 9:28 pm
بواسطة فهد ابو مهيد 81
لسياسة هي الإجراءات والطرق التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات من أجل المجتمعات البشرية، بهدف تسيير أمورها وقيادتها، ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد، وهي تعني فن تحقيق الممكن في إطار الإمكانيات المتاحة، وفي إطار الواقع الموضوعي. وتعني المرونة أي الأخذ والعطاء تطبيقًا للمقولة العربية "لا تكن شديدًا فتكسر، ولا لينًا فتعصر". اشتقت من اليونانية [1] وتعني الدولة المدنية ويقصد بها "القلعة في قلب المدينة"، ومنها كانت السياسة [2] التي هي جزء من محاولة الإنسان المستمرة لفهم نفسه ومحيطه، وعلاقاته مع الآخرين الذين يتعامل معهم. وهي العلم الذي يدرس الدولة ومؤسساتها وأجهزتها والمهام التي تقوم بها هذه المؤسسات والأجهزة والغايات التي أنشئت من اجلها، وجوهر السياسة يقوم علي الفصل بين نوعين من القيم: القيم المرتبطة بالناحية الدينية، والقيم المرتبطة بالظاهرة السياسية باعتبارها ظاهرة اجتماعية وضعية. والدولة التي تقوم علي النوع الثاني من القيم يطلق عليها: الدولة القومية، الدولة القانونية، الدولة المدنية، الدولة العلمانية.

وقد عبر معاوية ابن أبي سفيان أول خلفاء بني أمية عن أهم صفات السياسي كما يراها بقوله "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت إذ أرخوها شددتها، وإذا شدوها أرخيتها" وهو تعبير بليغ موجز يعرف السياسة لدلالته على جوهر العمل الذي يقوم به رجل الدولة المنوط به تنفيذ سياستها الداخلية والخارجية.

والفكر السياسي هو محاولة للتأمل حول الكليات الكبرى التي تحكم الوجود السياسي مثل فكرة الحق ، قيمة العدالة ، قيمة المساواة ، قيمة الحرية ، قيمة التوحيد، قيمة الشورى. والنظم السياسية وفقًا لذلك متنوعة فهناك النظم البرلمانية، النظم الرئاسية، النظم المختلطة، النظم الديموقراطية الليبرالية، النظم الاستبدادية التسلطية. وعلى هذا فإن الفكر السياسي يشمل الفئات التي تشمل بنائيًا أو هيكليًا المؤسسات الدستورية الثلاث: التنفيذية، القضائية، التشريعية إلي جانب الصحافة.

ومُؤلَف الدكتور خالد حربي "ملامح الفكر السياسي في الإسلام" الذي صدر أخيرًا في مصر عن دار الوفاء للطباعة والنشر بالإسكندرية، محاولة للبحث في مبادئ السياسة في الإسلام، تلك المبادئ التي حصرها في أربعة مبادئ رئيسية هي: الحاكمية لله، الخلافة، الشورى، والعدل، وهذه الأصول هي التي تحدد شكل الدولة ونوع الحكم في العلاقة بين الحاكم والمحكومين.

ومبدأ الحاكمية لله يعني "التسليم بأوامر الله ونواهيه وإطاعتها والانقياد بها، وذلك عن طريق تطبيق المبادئ الثلاثة الأخرى". والخلافة تعني "أن الله قد استخلف الإنسان في الأرض ... وتبعًا لذلك فإن كل المؤمنين خلفاء عن الله، وكل منهم مسئول أمام ربه من حيث كونه خليفة يعمل ويحكم بما أنزل الله تعالى". أما الشورى فهي أهم المبادئ التي تقوم عليها الدولة الإسلامية لأنها تعطي الأمة الحق في إدارة شئونها العامة، وتمثل ضمانًا رئيسًا يحول دون مخالفة القانون أو الانحراف في استعمال السلطة. والعدل الذي جعل له الإسلام مكانة سامية، فجعله الركن الأساسي في أركان الحكم لأنه حكم الله في أرضه، قال تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا". وتمثل هذه المبادئ أو الأصول الأربعة موضوع الكتاب.

وقد قسم المؤلف الكتاب إلى بابين، في الباب الأول، يتناول في فصلين مبادئ السياسة في الإسلام وأركان الدولة في الإسلام، وفي الباب الثاني يقدم نماذج من الفكر السياسي في الإسلام من خلال فصلين، في الفصل الثالث يقدم الفارابي ومدينته الفاضلة كنموذج، والرابع يقدم ابن خلدون وفكره السياسي والاجتماعي كنموذج.

ومؤلف الكتاب هو الدكتور خالد حربي، دكتوراه في الفلسفة 2002 تخصص "تاريخ ومناهج وفلسفة العلوم العربية الإسلامية" بمرتبة الشرف الأولى، وخبير المخطوطات بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ومحاضرًا ومحققًا في فلسفة وعلوم الحضارة الإسلامية، عضو عدة جمعيات علمية وتراثية، ونائب رئيس رابطة خريجي كلية الآداب ورئيس لجنة الثقافة والإعلام، والمستشار العلمي للجمعية المصرية للمعرفة وتكوين الإنسان المعاصر، وعضو الجمعية الفلسفية المصرية، وعضو الجمعية المصرية العلمية للمخطوطات والتراث.

في الفصل الأول قدم لمبادئ السياسة في الإسلام وأصولها الأربعة: الحاكمية لله، والخلافة، والشورى، والعدل، بوصفها الأصول الرئيسية التي تحدد شكل الدولة، ونوع الحكم، والعلاقة بين الحاكم والمحكومين في الدولة الإسلامية. بتعريفها، وإيضاح آيات الذكر الحكيم التي حثت عليها، ليخلص في النهاية إلى أن تأسيس الدولة الإسلامية يقوم على القانون المشرع من عند الله مهما تغيرت الظروف والأحوال والحكومات، التي وجب عليها أن تحكم بما أنزل الله، وتنفذ أمره في خلقه، وأن بيعة الحاكم مرهونة برضاء الناس، وموافقة الشعب التي هي الأساس في بقائه في حكمه ودوامه، وأن الإسلام كفل حرية الفكر والتعبير عن الرأي، وحرية النقد والمعارضة، فالحريات في ظل مبدأ الشورى مكفولة للأفراد، حتى أنه من الواجب على كل فرد أن يبدي معارضته أو نقده لأخطاء غيره حتى ولو كان ذلك الغير هو الخليفة ذاته.