منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#56060
ن عبارة «الربيع العربي» دخلت قاموس السياسة والإعلام العالمي منذ شهر ديسمبر 2011 عندما بدأت الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي يوم 14 يناير 2011، لتنتقل بعد ذلك إلى مصر وتطيح بنظام الرئيس حسني مبارك الذي عمّر في الحكم ثلاثة عقود كاملة، ومن ثم إلى ليبيا والإطاحة بنظام القذافي الذي حكم ليبيا بالقهر أكثر من أربعين عاماً، ثم بلاد اليمن، وأخيراً وليس آخراً الثورة المباركة في بلاد الشام. لقد أصبحت عبارة «الربيع العربي» التي تتردد في مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة والمرئية؛ عبارة جميلة مليئة بالأمل وحيوية الشباب؛ وذلك لما أفرزته هذه الثورات من واقع جديد استعادت فيه الشعوب المقهورة حريتها.
هذا ومن بين أبرز القضايا التي تلقى متابعة واهتماماً بعد ثورات الربيع العربي على المستويين المحلي والعالمي، قضيَّة الوحدة الإسلاميَّة التي أصبحت هدفاً وموضع اهتمام بالغ لدى الحركات الإسلامية كافة التي تتطلع إلى استئناف الحياة الإسلامية من جديد.
الوحدة الإسلامية: هي الوحدة التي جاء بها الدين الإسلامي وعمل بها المسلمون في الصدر الأول، فكان المخالفون لهم في الدين يفضلون حكمهم على حكم المتحدين معهم في الدين واللغة والوطن، ولم توجد المساواة ولا العدالة الصحيحة إلى اليوم إلا في الإسلام[1].
الأدلة الشرعية على وجوب اجتماع كلمة المسلمين:
إن الإسلام بُني على كلمتين: «كلمة التوحيد» والشهادة على أنه لا إله إلا الله ونفي ألوهية وربوبية كل موجود سواه، و«توحيد الكلمة» والاعتصام بحبل الله المتين والنهي عن التفرق والتشتت، ولقد بات واضحاً أن فُرقة المسلمين في جماعات وأحزابٍ مُتنافرةٍ مُتناحرةٍ داءٌ ينبغي له العلاج، وأن اعتصامهم بحبل الله جميعاً، وفي جماعةٍ واحدةٍ، أمرٌ لا بد منه، وهو مطلبٌ شرعيٌّ وواقعيٌّ لا خلاف عليه، وضرورة ملحة تفرضها حالة التشرذم والضعف والهوان التي تعيشها الأمة، الأمة التي هانت على أمم الكفر والنفاق، فتكالبوا عليها من كلّ حدبٍ وصوبٍ ينتهكون حرماتها..!
ففي محكمات الكتاب الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة البليغة الآمرة بالاجتماع، والناهية عن التفرق، حتى أصبح هذا الأمر من البديهيات المستقرة عند كل مسلم. ولو ذهبنا نستقصي شواهد الشريعة التي تفيد بمجموعها وآحادها بوجوب اجتماع كلمة المسلمين؛ لطال بنا المقام، لكن حسبنا فيما يأتي من إشارات ما يكفي كل طالب حق ألقى السمع وهو شهيد.
ويمكننا أن نوجز ذلك فيما يلي:
أ - الأدلة من القرآن الكريم:
أولاً: أمر الله تعالى بالوحدة أمراً صريحاً:
قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 103 وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ 104 وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 103- 105]. هذه الآية من أصرح الآيات في الدعوة إلى الوحدة وحفظ كيان أهل الإسلام، قال القرطبي - رحمه الله -: «فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة»، ورحم الله ابن المبارك حيث قال:
إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا
منه بعروته الوثقى لمن دانا[2]
وعن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} قال: القرآن، وفي رواية قال: «حبل الله الجماعة»[3].
ويقول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، ويقول أيضاً: {وَالْعَصْرِ 1 إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ 2 إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْـحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ١ - ٣]... إلى غير ذلك من النصوص؛ ولهذا أصبحت الجماعة والاجتماع على الخير والطاعة من ضروريات الدين ومحكماته، والعبادات العامة، كالصلاة والصوم والحج والأعياد وغيرها؛ دليل عملي على ذلك.
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ»[4].
ثانياً: النهي الصريح عن الافتراق والاختلاف الذي هو ضد الوحدة والاجتماع:
قال الله عز وجل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ولا تخالفوهما في شيء، ولا تنازعوا فتفشلوا، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا وتذهب ريحكم»[5].
قال الشاعر:
وفي كثرة الأيدي عن الظلم زاجر
إذا حضرت أيدي الرجال بمشهد
أخرج الطبري عن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]، قال: في هذا ونحوه من القرآن أمرَ الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
وذكر القرآن براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المفترقين، قال الله عز وجل: {إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، يقول القرطبي - رحمه الله -: {إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} هم أهل البدع والشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة، {شِيَعًا} فرقاً وأحزاباً، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع، {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} فأوجب براءته منهم»[6].
وهدد الله تعالى في كتابه العزيز باسوداد وجوه طوائف من المفترقين يوم القيامة، كما قال الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106]، {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107].
وعن زَكَرِيَّا بْنَ سَلَّامٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ» ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَهَا إِسْحَاقُ[7]. وعن النعمان بن بشير عن رسول الله قال: «الجماعة رحمة، والفرقة عذاب»[8]. ثم إن محنة الفرقة من الأسباب الـمباشرة في هلاك هذه الأمة كما في قول الله عز وجل: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].
ولذلك جعل الله من أخص صفات المؤمنين أنهم أولياء بعض، قال الله عز وجل: {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
ب - الأدلة من السنة المطهرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»[9]، وقال: «المسلم أخو المسلم».
وحذّرت الشريعة من الشذوذ ومفارقة الجماعة، ففي سنن الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ فِينَا، ثم ذكر خطبة جاء فيها «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ»[10].
وعن أبي الدرداء قال: «ما من ثلاثة لا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية»[11].
كما نهت الشريعة عن أن يهجر المسلم أخاه المسلم، وأمرت بإفشاء السلام بين المسلمين من أجل إشاعة المحبة، وأمرت بصلاة الجماعة ولم تعذر أحداً في التخلف عنها إلا في أشد الظروف، ونهت أن يسافر الرجل وحده، وأن يبيت وحده.
ج - دلالة العقل:
إن وجوب الوحدة بين المسلمين يُستدل عليه بالعقل الصحيح مع النقل الصريح الصحيح؛ لأن الاتحاد ذو منافع عديدة، وفوائد كثيرة، فالعقلاء من كل ملة ونحلة في القديم والحديث اتفقوا على أن الوحدة سبيل العزة والنصرة؛ فهذا معن بن زائدة الذي وصفه الذهبي بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام وعين الأجواد؛ يوصي أبناءه عند وفاته بقوله:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً
وإذا افترقن تكسرت آحادا
وصدق الله عز وجل إذ يقول: {إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 120].
قال قتادة: الحسنة هي الألفة والجماعة. والسيئة: الفرقة والاختلاف.
إن الغرب النصراني يعمل جاهداً على تغذية كل سبب يغذي الفرقة بين المسلمين، ويكرس تباعدهم، ويزيد من تناحرهم.
لقد مُزِّق السودان إلى شطرين، والعراق متوعَّد بتجزئته إلى ثلاث دول، ودويلات في جنوب لبنان، ولم يغمض لأوروبا جفن إلا بعد أن انقسمت البوسنة والهرسك، وبدأت بقع من إندونيسيا بالانفصال، وهكذا.. وفي المقابل ها هي أوروبا تسعى بكل ما تستطيع لتحقيق أكبر قدر من الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لقد سارعوا بعد أن طحنتهم حروب ضروس كالحربين العالمية الأولى والثانية؛ إلى الاستعلاء على الخلافات الشخصية، وتناسي أحقاد الماضي، وتجاوز الفوارق العقدية، وصهر حدود الفرقة.
إن هذه الحقائق عن المصالح التي تؤدي إليها الوحدة، وهذه المفاسد التي تدفعها؛ من أدلة وجوب الوحدة؛ فالشريعة الإسلامية جاءت لتحصيل مصالح العباد في الدارين، وتحصيل هذه المصالح يكون بتحقيق أي أمر يجلب المصلحة ويدفع المفسدة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وعليه؛ فإن وجوب تحقيق الوحدة بين المسلمين ثابت بنصوص الكتاب والسنة المتضافرة المتآزرة، وهذا الوجوب ثابت أيضاً بالعقل والنظر الصحيح.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا الأصل العظيم، وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً وأن لا نتفرق، هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي في مواطن عامة أو خاصة، مثل قوله: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة). وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة، بل وفي غيرها، هو التفرق والاختلاف، فإنه وقع بين أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما الله به عليم، وإن كان بعض ذلك مغفوراً لصاحبه لاجتهاده الذي يغفر فيه خطؤه، أو لحسناته الماحية، أو توبته، أو غير ذلك، لكن ليعلم أن رعايته من أعظم أصول الإسلام»[12].
إنه مما يؤسَف له أن نرى العالم يتجه إلى عولمة العالم، حيث عالم واحد تذوب بينه الحدود وتتلاشى بينه الفوارق؛ ونحن ما زلنا غارقين في خلافات تافهة، وصراعات سخيفة.
فتفرق الأعداء بعد مودة
صعب فكيف تفرق القرباء
إن الوحدة التي نطالب بها ونتطلع إليها، خاصة بعد هبات نسيم الربيع العربي، هي أن يجتمع العالم الإسلامي كله تحت راية واحدة، ودستور واحد، ولا ريب أن الطريق طويل، وأولى مقدماته تنمية الشعور لدى الأمة بخطورة الفرقة، وضرورة الوحدة في البلد الواحد، وذلك من خلال اجتماع كل أهل القبلة ممن يدينون بالإسلام، ويذعنون لأحكامه في الجملة، والاتفاق فيما بينهم على القواسم الشرعية المشتركة، والوقوف صفاً واحداً أمام كل الأصوات الداعية إلى تمزيق البلد الواحد على أساس القبيلة أو الجنس أو الإقليم، ثم الانتقال إلى تعزيز الشراكة مع الدول الأخرى، خاصة المجاورة، من خلال مؤسسات المجتمع المدني؛ بعقد شراكات استراتيجية فيما بينها في المجالات الدعوية والتعليمية، ومجالات الإغاثة والصحة، وغيرها.
هذا والعبء الأكبر في هندسة هذه الوحدة والترتيب لها إنما يقع على عاتق العلماء وأهل الفكر والرأي في عالمنا العربي والإسلامي، ثم الأحزاب السياسية التي تنطلق من مبدأ التحاكم إلى الإسلام، فعلى كلا الجانبين أن يمهّدا لهذه الوحدة المأمولة، والتي ستكون عاجلاً أو آجلاً، بنا أو بغيرنا، قال الله تعالى: {وَإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].