- السبت ديسمبر 08, 2012 9:38 pm
#56115
مختارات إيرانية – العدد 8 مارس 2001م
شهدت علاقات التعاون الروسية – الإيرانية قدرا عاليا من قوة الدفع منذ بداية العام الحالي وذلك مع الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي الماريشال إيجور سيرجييف للعاصمة الإيرانية، حيث جرى خلال هذه الزيارة التباحث بشأن إعادة تنشيط علاقات التعاون العسكري والتسليحي في مختلف المجالات، ومن بينها التعاون النووي، كما تكتسب هذه الزيارة أهمية كبرى من كونها جاءت عقب قيام موسكو في منتصف شهر ديسمبر 2000 بإلغاء اتفاقية وقعتها روسيا مع الولايات المتحدة عام 1995، تقضي بمنع بيع موسكو لطهران أي أصلحة غير تقليدية، وهو ما كان يفتح الباب أمام التعاون بين روسيا وإيران في مجالات تطوير الصواريخ الباليستية والطاقة النووية. وقد تسبب هذا الإجراء الروسي في إثارة غضب الإدارة الأمريكية التي هددت بأن العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية يمكن أن تتأثر من جراء القرار الروسي. وقد وضعت زيارة سرجييف الخطوط العريضة لتعاون عسكري وتسليحي واسع النطاق بين روسيا وإيران، ولكن من المنتظر أن يترجم هذا التفاهم إلى اتفاقيات عسكرية أثناء زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى العاصمة الروسية في أوائل الربيع القادم. وقد استحوذ التعاون النووي بين روسيا وإيران على أهمية كبرى في وسائل الإعلام الغربية، وذلك لأن إلغاء الاتفاقية الروسية – الأمريكية المذكورة كان يعني منطقيا فتح الباب أمام استئناف التعاون النووي بين الجانبين الروسي والإيراني.
دوافع التعاون العسكري الروسي – الإيراني:
يندرج التعاون النووي بين روسيا وإيران في إطار برامج متكاملة للتعاون العسكري بين الجانبين. فمنذ نهاية الثمانينات باتت إيران تعتمد بدرجة كبيرة على روسيا من أجل إعادة بناء قواتها المسلحة التي تعرضت للدمار أثناء الحرب العراقية – الإيرانية وقد وقّع الجانبان صفقة ضخمة لتحديث القوات المسلحة الإيرانية في مختلف الأفرع البرية والجوية والبحرية في أواخر الثمانينات، ووصلت القيمة الإجمالية لمشتريات السلاح الإيرانية من روسيا الاتحادية إلى حوالي 10 مليارات دولار أمريكي، واشتملت هذه المشتريات على دبابات قتال رئيسية متطورة وطائرات قتالية وعربات مدرعة وأجهزة رادار متطورة وغواصات هجومية، كما اشتملت هذه الصفقة على التعاون بين الجانبين الروسي والإيراني في المجال النووي.
وواقع الأمر أن هذا التعاون ينطلق من دوافع مختلفة خاصة بكل طرف من الطرفين، ولكن بالرغم من اختلاف هذه الدوافع بين كل من إيران وروسيا الاتحادية، فإن النتيجة تصب في النهاية في اتجاه تعزيز علاقات التعاون بينهما. فعلى الجانب الروسي يمثل تعزيز العلاقات العسكرية والنووية مع إيران جزءا أساسيا من توجهات السياسة الخارجية الروسية الراهنة، من أجل الحصول على العوائد المالية الضخمة من وراء تنفيذ صفقات السلاح الروسية إلى إيران، وكذلك من أجل تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات بصفة عامة، وفي المجال النفطي بصفة خاصة. أما من المنظور السياسي، فقد بات واضحا أن السياسة الخارجية الروسية تسعى في الوقت الحالي إلى استعادة العديد من مواقع النفوذ القديمة التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفيتي السابق، وبالذات في منطقة الشرق الأوسط، ويرمي هذا التوجه إلى تمكين روسيا من امتلاك مكانة أكبر على الساحة الدولية، علاوة على أن هذا التوجه الروسي يمثل في أحد أهم جوانبه تعبيرا عن الإحباط من ضآلة حجم المساعدات الاقتصادية الأمريكية والغربية المقدمة إلى روسيا طيلة السنوات الخمس الماضية. أضف إلى ذلك أن كثيرا من عناصر السياسة الخارجية الروسية تبدو انعكاسا للإحباط الروسي الشديد من الموقف الأمريكي من مسألة بناء شبكة للدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية، حيث تُظهر إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إصرارا قويا على مواصلة تنفيذ هذا البرنامج، رغم ما يمثله ذلك من انتهاك لمعاهدة حظر الصواريخ الباليستية الأمريكية – السوفيتية لعام 1972، كما أن إدارة بوش ترفض الاستماع إلى التحليلات العديدة التي تتخوف من إمكانية أن يؤدي هذا البرنامج الدفاعي الصاروخي الأمريكي إلى تقويض الاستقرار الاستراتيجي العالمي. وترفض روسيا من جانبها أي حلول وسط بشأن هذه المسألة، حيث أن بعض المسئولين الأمريكيين يدعون إلى تعديل معاهدة 1972، حتى يمكن للولايات المتحدة استكمال هذا البرنامج، في حين أن روسيا الاتحادية أكدت مرارا رفضها إدخال أي تعديلات على معاهدة حظر الصواريخ المضادة للصواريخ، وتطرح بدلا من ذلك مبادرة لإنشاء نظام عالمي للسيطرة على الانتشار الصاروخي وتكنولوجيا الصواريخ، إلا أن الإدارتين الأمريكيتين السابقة والحالية رفضتا هذا الاقتراح الروسي.
ولذلك تبدي السياسة الخارجية الروسية قدرا عاليا من الإحباط تجاه الموقف الأمريكي في هذه المسألة، وبات التخطيط العسكري الروسي يولي في الفترة الراهنة أهمية كبرى للتهديد الناجم عن إمكانية تطوير وإنتاج ونشر برنامج الدفاع الصاروخي المحدود من جانب الولايات المتحدة. وليس هناك من شك في أن قيام الحكومة الروسية بإلغاء اتفاقية كانت قد وقعتها مع الولايات المتحدة عام 1995، لمنع بيع موسكو لطهران أي أسلحة غير تقليدية، يعتبر انعكاسا للإحباط الروسي من الموقف الأمريكي من مسألة الدفاع المضاد للصواريخ.
أما على الجانب الإيراني، فإن تنشيط علاقات التعاون الشامل مع روسيا يعتبر واحدا من بدائل قليلة للغاية متاحة أمام السياسة الإيرانية. ففي الوقت الحالي، ما زالت السياسة الإيرانية تتعرض لحملة دولية شرسة تقودها الولايات المتحدة، وترمي هذه الحملة إلى عزل إيران ومنع التعامل معها من قِبل كافة القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، وفي البيئة الإقليمية المحيطة بإيران. وعلى الرغم من أن هذه الحملة الأمريكية لم تحقق نجاحا كبيرا على الصعيد الاقتصادي، إلا أنها كانت فعالة ومؤثرة على الصعيد العسكري، حيث امتنعت معظم الدول المالكة للتكنولوجيات العسكرية المتقدمة عن توقيع صفقات تسليحية مع إيران.
وبالتالي، فإن روسيا الاتحادية، بالإضافة إلى الصين وكوريا الشمالية، تمثل القوى الرئيسية التي يمكن لإيران الحصول منها على الاحتياجات التسليحية، لاسيما وأن إيران كانت في حاجة ماسة إلى الحصول على العديد من الأسلحة والمعدات في كافة أفرع القوات المسلحة من أجل تعويض الخسائر الفادحة التي كانت تلك القوات قد تكبدتها خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988). وفي هذا الإطار جرى بالفعل التوقيع على صفقة تسليحية ضخمة بين الجانبين منذ عام 1991، والواضح أيضا أن هذه الصفقة اشتملت على اتفاق للتعاون في المجال النووي، يقوم الروس بمقتضاه باستكمال محطة نووية إيرانية في منطقة (بوشهر). وفي نفس الوقت ترى إيران أن روسيا يمكن أن تمثل بالنسبة لها ضمانة استراتيجية من أجل التقليل من احتمالات التعرض لضربة عسكرية أمريكية أو أمريكية – إسرائيلية في المستقبل القريب، استنادا إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تتحسب كثيرا لاحتمالات رد الفعل الروسي قبل إقدامها على القيام بمثل هذه الضربة العسكرية.
مجالات التعاون النووي بين روسيا وإيران:
بدأ التعاون النووي بين إيران والاتحاد السوفيتي السابق منذ أواخر الثمانينات، وجاءت بداية هذا التعاون خلال محادثات بين الجانبين، شارك فيها عن الجانب الإيراني هاشمي رفسنجاني الذي كان رئيس مجلس الشورى (البرلمان) وقتذاك، ووافقت موسكو على تصدير أسلحة تترواح قيمتها ما بين 2 – 4 مليارات دولار إلى إيران، بالإضافة إلى التعاون في المجال النووي. ومن ثم فإن التعاون الإيراني – الروسي كان بمثابة نقطة البداية في النقلة النوعية الأكثر أهمية للبرنامج النووي الإيراني منذ أواخر عام 1992، وهو التعاون الذي وفر لإيران احتياجاتها من المفاعلات النووية كبيرة الحجم، من دون الاقتصار على المفاعلات البحثية صغيرة الحجم.
وقد بدأ الجانبان في مفاوضات تفصيلية بعد ذلك، ووصلت هذه المفاوضات إلى نتائج إيجابية بدءا من نوفمبر 1994 عندما أعلنت إيران أن روسيا أقرت اتفاقية بمبلغ 780 مليون دولار لإكمال مفاعل بوشهر، وجرى التوقيع الفعلي على هذه الاتفاقية مع روسيا في 8 يناير، 1995 وقد بدأت روسيا في العام نفسه في تنفيذ اتفاقها مع إيران، حيث أرسلت الحكومة الروسية شحنات ضخمة من المواد اللازمة، كما أوفدت 150 فنيا إلى موضع مفاعل بوشهر، بالإضافة إلى إرسال 2000 عامل روسي، وتدريب 500 فني إيراني. وحسب الاتفاق الأصلي بين إيران وروسيا، فقد كان المفترض أن تنتهي روسيا من إنشاء وتركيب المفاعل الأول عام 2000 وتشير بعض التقديرات الأمريكية والغربية إلى أن المشروع الحالي في مفاعل بوشهر ربما يكون مجرد خطوة أولى في البرنامج النووي الإيراني، حيث أظهرت إيران اهتماما بشراء مفاعل آخر من نوع (في 213 في في اى ار 440)، ومفاعل آخر كبير الحجم للبحوث، أو ما مجموعه خمسة مفاعلات كبيرة لكل منها طاقة 1300 ميجاوات، كما سعت إيران حثيثا لشراء مواد انشطارية ومواد عالية التخصيب أو أي منها من الاتحاد السوفيتي السابق والحصول على خدمات مصممي الأسلحة النووية السوفييت.
وقد أشار بعض التقارير الصحفية الهامة إلى أن اتفاق التعاون النووي الروسي – الإيراني كان يشتمل على بنود سرية تتضمن بيع روسيا لإيران محطة للطرد المركزي، والخاصة بعملية تخصيب اليورانيوم المستنفذ، والتي تعتبر مكونا محوريا بالغ الأهمية في عملية إنتاج السلاح النووي. ومن ناحية أخرى، وقعت إيران وروسيا اتفاقا حول "سبل مراقبة روسيا للمواصفات الدولية للسلامة" في مفاعل بوشهر النووي على الخليج في أوائل شهر يولوي عام 1997 ويهدف هذا الاتفاق إلى فرض رقابة على كل مراحل إنجاز أعمال المشروع بغية ضمان احترام مواصفات السلامة المحلية والدولية في مفاعل بوشهر. وقد أشار المسئولون الإيرانيون صراحة إلى عزمهم إقامة 10 منشآت رئيسية للطاقة النووية بغرض تأمين 20% من طاقتها الكهربائية بواسطة المولدات النووية. وبالتالي، فإن التعاون النووي بين إيران وروسيا سار بقوة عالية، إلا أن نقطة الغموض الرئيسية في هذا التعاون تتمثل فيما إذا كانت إيران اهتمت بالحصول من روسيا على تكنولوجيا القوة الطاردة المركزية، وغيرها من التكنولوجيا الخاصة بالتخصيب، والتي تعتبر ضرورية جدا لإنتاج الأسلحة النووية، حيث ذكر المسئولون الإيرانيون أن بلادهم لم تبد أي اهتمام بمثل هذه التكنولوجيا، في حين أن بعض المصادر الأمريكية تذكر أن فيكتور ميخاليوف وزير الطاقة النووية الروسي السابق كان قد اقترح بيع منشأة للقوة الطاردة المركزية لإيران في أبريل 1995، إلا أن روسيا أكدت بعد ذلك أنها لم تقترح إطلاقا بيع هذه التكنولوجيا إلى إيران.
صعوبات التعاون النووي الروسي – الإيراني:
على الرغم من قوة ومتانة التعاون النووي بين روسيا وإيران بل وإمكانية تطور وتعزيز هذا التعاون النووي في المستقبل، إلا أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه هذا التعاون، والتي ترتبط في الأساس بضعف مستوى التكنولوجيا النووية والتي ترتبط في الأساس بضعف مستوى التكنولوجيا النووية والصناعية النووية في روسيا، وقد تسببت هذه المشكلة في عجز روسيا بالفعل عن الالتزام بالموعد الذي كان محددا لاستكمال العمل في مفاعل بوشهر، وهو عام 2000، حيث عجزت روسيا عن الالتزام بهذا التوقيت بسبب عدم قدرة الفنيين الروس على الاستفادة من المنشآت المتوافرة في موقع بوشهر، بالإضافة إلى عجزهم عن تعديل تصميم مفاعل طراز (في في اى ار 1000) ليلائم تلك المنشآت، حيث أن هذا المفاعل يختلف عن المفاعل الأصلي الذي كانت شركة (سيمنس) الألمانية تعتزم إقامته في محطة بوشهر. ولذلك ربما تقتصر خطط روسيا عند بناء وتركيب مفاعل (في في اى ار 1000) في الموقع المذكور، على مجرد استخدام الأبنية والمنشآت المتبقية في المحطة، دون محاولة تعديلها لتتلاءم مع المفاعل الروسي، وذلك لأن المحاولات السابقة لتصدير تصميمات مفاعلات نووية، وتركيبها في منشآت مصممة لمفاعل آخر، كانت قد أدت إلى إحداث تأخير كبير وزيادة كبيرة في التكاليف.
ومن المتوقع خلال الفترة القصيرة القادمة أن يشهد التعاون النووي بين روسيا وإيران المزيد من التطور، وذلك في إطار مشروعات واسعة النطاق للتعاون العسكري بين الجانبين، وفي إطار صفقة ضخمة تشمل بيع روسيا لإيران صواريخ متطورة للدفاع المضاد للصواريخ والمضاد للطائرات، وطائرات قتالية متطورة، ودبابات قتال رئيسية متطورة، وتصل قيمة هذه الصفقة إلى حوالي 7 مليارات دولار أمريكي خلال السنوات الخمس المقبلة، كما يندرج التعاون النووي في إطار محاولات الطرفين الروسي والإيراني تعزيز وتوسيع الروابط الاستراتيجية بينهما. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة سوف تسعى بكافة الطرق إلى إيقاف وعرقلة التعاون النووي بين روسيا وإيران، إلا أن الواضح أن الحكومة الروسية تجد في هذا التعاون مصدرا هاما للدخل القومي، كما ترى أن تعاونها العسكري والتسليحي يمثل واحدا من الأدوات القليلة التي تتيح لها الرد على ما تعتبره استفزازا من جانب الإدارة الأمريكية بشأن إصرارها على السير في تنفيذ برنامج الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ.
شهدت علاقات التعاون الروسية – الإيرانية قدرا عاليا من قوة الدفع منذ بداية العام الحالي وذلك مع الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي الماريشال إيجور سيرجييف للعاصمة الإيرانية، حيث جرى خلال هذه الزيارة التباحث بشأن إعادة تنشيط علاقات التعاون العسكري والتسليحي في مختلف المجالات، ومن بينها التعاون النووي، كما تكتسب هذه الزيارة أهمية كبرى من كونها جاءت عقب قيام موسكو في منتصف شهر ديسمبر 2000 بإلغاء اتفاقية وقعتها روسيا مع الولايات المتحدة عام 1995، تقضي بمنع بيع موسكو لطهران أي أصلحة غير تقليدية، وهو ما كان يفتح الباب أمام التعاون بين روسيا وإيران في مجالات تطوير الصواريخ الباليستية والطاقة النووية. وقد تسبب هذا الإجراء الروسي في إثارة غضب الإدارة الأمريكية التي هددت بأن العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية يمكن أن تتأثر من جراء القرار الروسي. وقد وضعت زيارة سرجييف الخطوط العريضة لتعاون عسكري وتسليحي واسع النطاق بين روسيا وإيران، ولكن من المنتظر أن يترجم هذا التفاهم إلى اتفاقيات عسكرية أثناء زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى العاصمة الروسية في أوائل الربيع القادم. وقد استحوذ التعاون النووي بين روسيا وإيران على أهمية كبرى في وسائل الإعلام الغربية، وذلك لأن إلغاء الاتفاقية الروسية – الأمريكية المذكورة كان يعني منطقيا فتح الباب أمام استئناف التعاون النووي بين الجانبين الروسي والإيراني.
دوافع التعاون العسكري الروسي – الإيراني:
يندرج التعاون النووي بين روسيا وإيران في إطار برامج متكاملة للتعاون العسكري بين الجانبين. فمنذ نهاية الثمانينات باتت إيران تعتمد بدرجة كبيرة على روسيا من أجل إعادة بناء قواتها المسلحة التي تعرضت للدمار أثناء الحرب العراقية – الإيرانية وقد وقّع الجانبان صفقة ضخمة لتحديث القوات المسلحة الإيرانية في مختلف الأفرع البرية والجوية والبحرية في أواخر الثمانينات، ووصلت القيمة الإجمالية لمشتريات السلاح الإيرانية من روسيا الاتحادية إلى حوالي 10 مليارات دولار أمريكي، واشتملت هذه المشتريات على دبابات قتال رئيسية متطورة وطائرات قتالية وعربات مدرعة وأجهزة رادار متطورة وغواصات هجومية، كما اشتملت هذه الصفقة على التعاون بين الجانبين الروسي والإيراني في المجال النووي.
وواقع الأمر أن هذا التعاون ينطلق من دوافع مختلفة خاصة بكل طرف من الطرفين، ولكن بالرغم من اختلاف هذه الدوافع بين كل من إيران وروسيا الاتحادية، فإن النتيجة تصب في النهاية في اتجاه تعزيز علاقات التعاون بينهما. فعلى الجانب الروسي يمثل تعزيز العلاقات العسكرية والنووية مع إيران جزءا أساسيا من توجهات السياسة الخارجية الروسية الراهنة، من أجل الحصول على العوائد المالية الضخمة من وراء تنفيذ صفقات السلاح الروسية إلى إيران، وكذلك من أجل تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات بصفة عامة، وفي المجال النفطي بصفة خاصة. أما من المنظور السياسي، فقد بات واضحا أن السياسة الخارجية الروسية تسعى في الوقت الحالي إلى استعادة العديد من مواقع النفوذ القديمة التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفيتي السابق، وبالذات في منطقة الشرق الأوسط، ويرمي هذا التوجه إلى تمكين روسيا من امتلاك مكانة أكبر على الساحة الدولية، علاوة على أن هذا التوجه الروسي يمثل في أحد أهم جوانبه تعبيرا عن الإحباط من ضآلة حجم المساعدات الاقتصادية الأمريكية والغربية المقدمة إلى روسيا طيلة السنوات الخمس الماضية. أضف إلى ذلك أن كثيرا من عناصر السياسة الخارجية الروسية تبدو انعكاسا للإحباط الروسي الشديد من الموقف الأمريكي من مسألة بناء شبكة للدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية، حيث تُظهر إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إصرارا قويا على مواصلة تنفيذ هذا البرنامج، رغم ما يمثله ذلك من انتهاك لمعاهدة حظر الصواريخ الباليستية الأمريكية – السوفيتية لعام 1972، كما أن إدارة بوش ترفض الاستماع إلى التحليلات العديدة التي تتخوف من إمكانية أن يؤدي هذا البرنامج الدفاعي الصاروخي الأمريكي إلى تقويض الاستقرار الاستراتيجي العالمي. وترفض روسيا من جانبها أي حلول وسط بشأن هذه المسألة، حيث أن بعض المسئولين الأمريكيين يدعون إلى تعديل معاهدة 1972، حتى يمكن للولايات المتحدة استكمال هذا البرنامج، في حين أن روسيا الاتحادية أكدت مرارا رفضها إدخال أي تعديلات على معاهدة حظر الصواريخ المضادة للصواريخ، وتطرح بدلا من ذلك مبادرة لإنشاء نظام عالمي للسيطرة على الانتشار الصاروخي وتكنولوجيا الصواريخ، إلا أن الإدارتين الأمريكيتين السابقة والحالية رفضتا هذا الاقتراح الروسي.
ولذلك تبدي السياسة الخارجية الروسية قدرا عاليا من الإحباط تجاه الموقف الأمريكي في هذه المسألة، وبات التخطيط العسكري الروسي يولي في الفترة الراهنة أهمية كبرى للتهديد الناجم عن إمكانية تطوير وإنتاج ونشر برنامج الدفاع الصاروخي المحدود من جانب الولايات المتحدة. وليس هناك من شك في أن قيام الحكومة الروسية بإلغاء اتفاقية كانت قد وقعتها مع الولايات المتحدة عام 1995، لمنع بيع موسكو لطهران أي أسلحة غير تقليدية، يعتبر انعكاسا للإحباط الروسي من الموقف الأمريكي من مسألة الدفاع المضاد للصواريخ.
أما على الجانب الإيراني، فإن تنشيط علاقات التعاون الشامل مع روسيا يعتبر واحدا من بدائل قليلة للغاية متاحة أمام السياسة الإيرانية. ففي الوقت الحالي، ما زالت السياسة الإيرانية تتعرض لحملة دولية شرسة تقودها الولايات المتحدة، وترمي هذه الحملة إلى عزل إيران ومنع التعامل معها من قِبل كافة القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، وفي البيئة الإقليمية المحيطة بإيران. وعلى الرغم من أن هذه الحملة الأمريكية لم تحقق نجاحا كبيرا على الصعيد الاقتصادي، إلا أنها كانت فعالة ومؤثرة على الصعيد العسكري، حيث امتنعت معظم الدول المالكة للتكنولوجيات العسكرية المتقدمة عن توقيع صفقات تسليحية مع إيران.
وبالتالي، فإن روسيا الاتحادية، بالإضافة إلى الصين وكوريا الشمالية، تمثل القوى الرئيسية التي يمكن لإيران الحصول منها على الاحتياجات التسليحية، لاسيما وأن إيران كانت في حاجة ماسة إلى الحصول على العديد من الأسلحة والمعدات في كافة أفرع القوات المسلحة من أجل تعويض الخسائر الفادحة التي كانت تلك القوات قد تكبدتها خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988). وفي هذا الإطار جرى بالفعل التوقيع على صفقة تسليحية ضخمة بين الجانبين منذ عام 1991، والواضح أيضا أن هذه الصفقة اشتملت على اتفاق للتعاون في المجال النووي، يقوم الروس بمقتضاه باستكمال محطة نووية إيرانية في منطقة (بوشهر). وفي نفس الوقت ترى إيران أن روسيا يمكن أن تمثل بالنسبة لها ضمانة استراتيجية من أجل التقليل من احتمالات التعرض لضربة عسكرية أمريكية أو أمريكية – إسرائيلية في المستقبل القريب، استنادا إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تتحسب كثيرا لاحتمالات رد الفعل الروسي قبل إقدامها على القيام بمثل هذه الضربة العسكرية.
مجالات التعاون النووي بين روسيا وإيران:
بدأ التعاون النووي بين إيران والاتحاد السوفيتي السابق منذ أواخر الثمانينات، وجاءت بداية هذا التعاون خلال محادثات بين الجانبين، شارك فيها عن الجانب الإيراني هاشمي رفسنجاني الذي كان رئيس مجلس الشورى (البرلمان) وقتذاك، ووافقت موسكو على تصدير أسلحة تترواح قيمتها ما بين 2 – 4 مليارات دولار إلى إيران، بالإضافة إلى التعاون في المجال النووي. ومن ثم فإن التعاون الإيراني – الروسي كان بمثابة نقطة البداية في النقلة النوعية الأكثر أهمية للبرنامج النووي الإيراني منذ أواخر عام 1992، وهو التعاون الذي وفر لإيران احتياجاتها من المفاعلات النووية كبيرة الحجم، من دون الاقتصار على المفاعلات البحثية صغيرة الحجم.
وقد بدأ الجانبان في مفاوضات تفصيلية بعد ذلك، ووصلت هذه المفاوضات إلى نتائج إيجابية بدءا من نوفمبر 1994 عندما أعلنت إيران أن روسيا أقرت اتفاقية بمبلغ 780 مليون دولار لإكمال مفاعل بوشهر، وجرى التوقيع الفعلي على هذه الاتفاقية مع روسيا في 8 يناير، 1995 وقد بدأت روسيا في العام نفسه في تنفيذ اتفاقها مع إيران، حيث أرسلت الحكومة الروسية شحنات ضخمة من المواد اللازمة، كما أوفدت 150 فنيا إلى موضع مفاعل بوشهر، بالإضافة إلى إرسال 2000 عامل روسي، وتدريب 500 فني إيراني. وحسب الاتفاق الأصلي بين إيران وروسيا، فقد كان المفترض أن تنتهي روسيا من إنشاء وتركيب المفاعل الأول عام 2000 وتشير بعض التقديرات الأمريكية والغربية إلى أن المشروع الحالي في مفاعل بوشهر ربما يكون مجرد خطوة أولى في البرنامج النووي الإيراني، حيث أظهرت إيران اهتماما بشراء مفاعل آخر من نوع (في 213 في في اى ار 440)، ومفاعل آخر كبير الحجم للبحوث، أو ما مجموعه خمسة مفاعلات كبيرة لكل منها طاقة 1300 ميجاوات، كما سعت إيران حثيثا لشراء مواد انشطارية ومواد عالية التخصيب أو أي منها من الاتحاد السوفيتي السابق والحصول على خدمات مصممي الأسلحة النووية السوفييت.
وقد أشار بعض التقارير الصحفية الهامة إلى أن اتفاق التعاون النووي الروسي – الإيراني كان يشتمل على بنود سرية تتضمن بيع روسيا لإيران محطة للطرد المركزي، والخاصة بعملية تخصيب اليورانيوم المستنفذ، والتي تعتبر مكونا محوريا بالغ الأهمية في عملية إنتاج السلاح النووي. ومن ناحية أخرى، وقعت إيران وروسيا اتفاقا حول "سبل مراقبة روسيا للمواصفات الدولية للسلامة" في مفاعل بوشهر النووي على الخليج في أوائل شهر يولوي عام 1997 ويهدف هذا الاتفاق إلى فرض رقابة على كل مراحل إنجاز أعمال المشروع بغية ضمان احترام مواصفات السلامة المحلية والدولية في مفاعل بوشهر. وقد أشار المسئولون الإيرانيون صراحة إلى عزمهم إقامة 10 منشآت رئيسية للطاقة النووية بغرض تأمين 20% من طاقتها الكهربائية بواسطة المولدات النووية. وبالتالي، فإن التعاون النووي بين إيران وروسيا سار بقوة عالية، إلا أن نقطة الغموض الرئيسية في هذا التعاون تتمثل فيما إذا كانت إيران اهتمت بالحصول من روسيا على تكنولوجيا القوة الطاردة المركزية، وغيرها من التكنولوجيا الخاصة بالتخصيب، والتي تعتبر ضرورية جدا لإنتاج الأسلحة النووية، حيث ذكر المسئولون الإيرانيون أن بلادهم لم تبد أي اهتمام بمثل هذه التكنولوجيا، في حين أن بعض المصادر الأمريكية تذكر أن فيكتور ميخاليوف وزير الطاقة النووية الروسي السابق كان قد اقترح بيع منشأة للقوة الطاردة المركزية لإيران في أبريل 1995، إلا أن روسيا أكدت بعد ذلك أنها لم تقترح إطلاقا بيع هذه التكنولوجيا إلى إيران.
صعوبات التعاون النووي الروسي – الإيراني:
على الرغم من قوة ومتانة التعاون النووي بين روسيا وإيران بل وإمكانية تطور وتعزيز هذا التعاون النووي في المستقبل، إلا أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه هذا التعاون، والتي ترتبط في الأساس بضعف مستوى التكنولوجيا النووية والتي ترتبط في الأساس بضعف مستوى التكنولوجيا النووية والصناعية النووية في روسيا، وقد تسببت هذه المشكلة في عجز روسيا بالفعل عن الالتزام بالموعد الذي كان محددا لاستكمال العمل في مفاعل بوشهر، وهو عام 2000، حيث عجزت روسيا عن الالتزام بهذا التوقيت بسبب عدم قدرة الفنيين الروس على الاستفادة من المنشآت المتوافرة في موقع بوشهر، بالإضافة إلى عجزهم عن تعديل تصميم مفاعل طراز (في في اى ار 1000) ليلائم تلك المنشآت، حيث أن هذا المفاعل يختلف عن المفاعل الأصلي الذي كانت شركة (سيمنس) الألمانية تعتزم إقامته في محطة بوشهر. ولذلك ربما تقتصر خطط روسيا عند بناء وتركيب مفاعل (في في اى ار 1000) في الموقع المذكور، على مجرد استخدام الأبنية والمنشآت المتبقية في المحطة، دون محاولة تعديلها لتتلاءم مع المفاعل الروسي، وذلك لأن المحاولات السابقة لتصدير تصميمات مفاعلات نووية، وتركيبها في منشآت مصممة لمفاعل آخر، كانت قد أدت إلى إحداث تأخير كبير وزيادة كبيرة في التكاليف.
ومن المتوقع خلال الفترة القصيرة القادمة أن يشهد التعاون النووي بين روسيا وإيران المزيد من التطور، وذلك في إطار مشروعات واسعة النطاق للتعاون العسكري بين الجانبين، وفي إطار صفقة ضخمة تشمل بيع روسيا لإيران صواريخ متطورة للدفاع المضاد للصواريخ والمضاد للطائرات، وطائرات قتالية متطورة، ودبابات قتال رئيسية متطورة، وتصل قيمة هذه الصفقة إلى حوالي 7 مليارات دولار أمريكي خلال السنوات الخمس المقبلة، كما يندرج التعاون النووي في إطار محاولات الطرفين الروسي والإيراني تعزيز وتوسيع الروابط الاستراتيجية بينهما. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة سوف تسعى بكافة الطرق إلى إيقاف وعرقلة التعاون النووي بين روسيا وإيران، إلا أن الواضح أن الحكومة الروسية تجد في هذا التعاون مصدرا هاما للدخل القومي، كما ترى أن تعاونها العسكري والتسليحي يمثل واحدا من الأدوات القليلة التي تتيح لها الرد على ما تعتبره استفزازا من جانب الإدارة الأمريكية بشأن إصرارها على السير في تنفيذ برنامج الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ.