صفحة 1 من 1

أكراد تركيا: بين حلم الانفصال ومطلب الحكم الذاتي

مرسل: الأحد ديسمبر 09, 2012 12:33 am
بواسطة سلطان التركي9
الحكومات المتعاقبة تعاملت معهم بالحل الأمني .. وحكومات «العدالة والتنمية» حسنت أوضاعهم لكن المشكلة باقية


ينظر كثيرون إلى الأزمة الكردية في تركيا على أنها «مشكلة مستعصية» بلا أفق للحل. فطرفا الأزمة ليسا في وارد القبول بالحل جذريا على طريقة الآخر، والحل الوسط لا يزال صعب التحقيق. الأكراد في تركيا هم ثاني أكبر مجموعة عرقية بعد العرق التركي، فهم يشكلون نحو 15 مليونا من أصل 70 مليونا هم سكان الجمهورية التركية. كما أن تركيا تحتوي على أكثر من 56 في المائة من الأكراد في العالم، مما يجعل المشكلة الكردية ذات طعم ولون خاصين بالنسبة إلى تركيا التي ليست في وارد القبول بتمييز عرقي وقومي للأكراد يمهد لاستقلالهم عنها، علما بأن حلم الاستقلال الكردي يراود جميع الأكراد في المنطقة من دون استثناء، سواء أفصحوا عن ذلك أو لم يفصحوا. فالأكراد هم القومية الوحيدة في العالم التي لم تكن لها دولة في يوم من الأيام، ويبدو أن التجربة العراقية تدغدغ مشاعر الجميع، خصوصا بعد التطورات الأخيرة في سوريا التي بدأت تسير نحو التجربة العراقية مع انفصال واقعي لأكراد سوريا عن النظام والمعارضة معا.

وعاد ملف الأزمة الكردية إلى العلن مع اشتعال الأزمة السورية، مع شعور متزايد في أوساط القيادة التركية بأن ثمة من يستعمل الأكراد لإزعاج تركيا جراء مواقفها الداعمة للشعب السوري. وقد أعلن أكثر من مسؤول تركي أن لديهم شكوكا - ومعلومات - حول تدريب وتسليح النظام السوري لأكراد تركيا، معتبرين أن خطوة انسحابه من المناطق الكردية في شمال البلاد خطوة خطيرة تهدف إلى زعزعة أمن تركيا. وكشف مصدر رسمي تركي لـ«الشرق الوسط» أن السلطات السورية بدأت تعيد استضافة كبار مسؤولي تنظيم «العمال الكردستاني» المحظور، وأن الاستخبارات التركية وضعت يدها على مراسلات بين مسؤولين سوريين وقائد «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان الموقوف في أحد السجون التركية، يعرض فيها الأخير على السوريين إرسال نحو 2000 مقاتل إلى سوريا لضبط الوضع في المناطق الكردية.

و«الكرد»، كما يطلق الأكراد على أنفسهم، يوجدون في مناطق الجنوب الشرقي، المحاذية لسوريا والعراق وإيران في محافظات هكاري وفان وآغري وبتليس وموش وديار بكر وأورفا وقارس وماردين وبينغول وايلازيغ وتونجيلي وآدي يمان وارزبخان وغازي عنتاب وملاطيا. وينتمي 70 في المائة من الأكراد في تركيا إلى الطائفة السنية لكنهم يتبعون المذهب الشافي، في حين أن معظم الأتراك يتبعون المذهب الحنفي، وفيهم نسبة 30 في المائة من العلويين مع وجود أقلية من الشيعة، ويتحدثون جميعا اللغة القرمانية.

بدأت المشكلة الكردية مع بدء تأسيس الدولة التركية الحديثة، لكنها تمتد في جذورها إلى ما قبل تكون الخلافة العثمانية والصراع الصفوي العثماني. ففي حرب التحرير التي قادها مصطفى كمال «أتاتورك» ضد القوات الأجنبية شارك الأكراد بقوة، لكن أتاتورك خذل الأكراد في دستور عام 1923 عندما لم يعترف بوجود الأقلية الكردية، على الرغم من أن اتفاقية «سيفر» التي ثار بسببها أتاتورك على الخلافة والمحتلين الأجانب كانت تتضمن في بنودها حصول كردستان على الاستقلال حسب البنود 62 و63 و64 من الفقرة الثالثة والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان استنادا إلى البند 62 ونصه «إذا حدث، خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية، أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم قائلين إن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم بأن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الاستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة».

ويأخذ النائب في البرلمان التركي ليفند توزال على الحكومات التركية المتعاقبة، ومنها حكومة حزب العدالة والتنمية، أنها تسير في طريق عدم الاعتراف بقيادات الشعب الكردي سواء في حزب العمال أو في حزب السلام والديمقراطية، ولا تريد أن تعتبرهم ممثلين للأكراد.

ويقول توزال لـ«الشرق الأوسط»: «لو نظرنا إلى الدستور الذي أنشئ في عام 1921 أثناء حرب التحرير، فقد كان هناك دستور يقول بحق الأكراد في الحكم الذاتي وتعليم لغتهم، وعلى هذا الأساس دخل الأكراد في حرب التحرير، لكن عندما صدر دستور عام 1923 أنكرت حقوق الجميع وبدأت عملية «التتريك»، وهذا السياق أدى إلى أكثر من 36 حركة عصيان كردي آخرها حركة عبد الله أوجلان.

معاهدة لوزان لم تعترف سوى بوجود أقليات على أساس ديني، أي أقليات غير مسلمة (الأرمن، اليونانيين، اليهود)، ولم تعترف بوجود أقليات عرقية. وعلى هذا الأساس، فإن الآيديولوجيا الرسمية التركية، الآيديولوجيا الكمالية، لم تعترف مطلقا بالأكراد كمجموعة عرقية مختلفة عن العرق التركي، واعتبرتهم أتراكا. وعاش الأكراد فترة من الحرمان الكبير في ظل النظام الأمني التركي، حيث منعوا من تعلم لغتهم أو الحديث بها، مما أثر على مستواهم العلمي إلى حد كبير كما يشير العديد من الناشطين الأكراد، ومنعوا أيضا من إحياء تراثهم وأعيادهم. وحتى عام 1993 كان ممنوعا حتى حيازة الأشرطة الموسيقية الكردية، وكانت حيازتها تعني مباشرة محاكمة عسكرية.

من جهته يقسم شيشك لـ«الشرق الأوسط» مراحل الأزمة إلى 4 مراحل، بدأت أولاها بين عامي 1923 (تاريخ إنشاء الجمهورية التركية) و1938 (نهاية الحرب العالمية الثانية)، حيث حصل 27 تمردا كرديا على النظام، بالإضافة إلى 13 تمردا تركيا على خلفية قيام العسكر بإلغاء الخلافة الإسلامية. أما المرحلة الثانية، فبين عامي 1938 و1960 شهدت العلاقة استقرارا كبيرا عكرته حركة وحيدة في عام 1947 كانت متأثرة بالمد الشيوعي. أما المرحلة الثالثة فقد بدأت بعد الانقلاب العسكري في عام 1960، إذ قامت الدولة التركية بترحيل 485 عائلة من جنوب شرقي تركيا، هم عائلات قياديين معروفين في كردستان ووضعتهم في مخيم أقامته في مخيم أقيم في مدينة سيداس التركية. بعد هذا التاريخ بدأت حركة بين الشباب الأكراد تمثلت في إنشاء منظمات سرية، كانت أبرزها في عام 1977 منظمة حزب العمال الكردستاني. لكن أول عملية للحزب جرت في عام 1984 تحت شعار إقامة كردستان موحدة مستقلة، وفي المقابل أقامت الدولة التركية نظام «حماة القرى» وأدخلت المنطقة في حال طوارئ مستمرة. ويشير شيشك إلى أنه من الطبيعي أن تغير حال الطوارئ من الحياة في المنطقة، فالحياة الطبيعية انتهت، والعسكر باتوا في كل مكان، وفي ظل هذا القمع بات الناس يخافون من مجرد القول بأنهم أكراد، فيما بلغ عدد القتلى حتى اليوم أكثر من 30 ألفا بالإضافة إلى 17 ألفا مجهولي المصير، وتم إخلاء 3200 قرية إجباريا نقل أهلها إلى مرسين وإسطنبول، وهؤلاء أتوا من منطقة تعيش في القرون الوسطى إلى مجتمع أوروبي منفتح، مما ضرب نسيج المدينة، وفي ظل خوف من نظام عسكري يضاف إليه القمع والخجل، فبات الناس ينظرون إليهم نظرة احتقار.

وبالإضافة إلى الترحيل، حولت الظروف الاقتصادية الصعبة في المناطق الكردية وغياب التنمية الأكراد إلى «مهاجرين» داخل وخارج تركيا. وتركزت هجرتهم الطوعية في الداخل نحو أنقرة واسطنبول التي باتت تعد «أكبر مدينة للأكراد»، إذ إنها تضم نحو 4 ملايين كردي.

ويشير شيشك إلى أن أكثر مرحلة حرجة كانت بين عامي 1993 و1995، فتركيا سعيا منها إلى حل المسألة الكردية دخلت الأراضي العراقية عشرات المرات، كما أن دعمها لحزبي طالباني وبارزاني جعل العلاقات تسوء بين الأكراد، وأصبح الإخوة يقتلون بعضهم. أما نقطة التحول الجوهرية فكانت في عام 1999 عندما سلم أوجلان في كينيا، فبعد هذا التاريخ أعلن الحزب وقف إطلاق نار من طرف واحد (عندما اعتقل أوجلان أعلن أنه رجل سلام وأعلن وقف النار كبادرة سلام). بعدها أتت الحكومة الائتلافية (بولاند أجاويد والحركة القومية وحزب الوطن الأم بزعامة مسعود يلماز)، وبدأت الحكومة التركية تطبيق إصلاحات للتماشي مع المعايير الأوروبية، فألغي حكم الإعدام، وجاء حزب العدالة والتنمية ليكمل المسيرة. وساد الهدوء المناطق الكردية، فأقيمت لأول مرة في ديار بكر جمعيات وأوقاف، وهي لم تكن ممنوعة لكن الأحوال الأمنية منعت ذلك، كما أن «حزب الله التركي» نظم في ديار بكر مظاهرة ضمت أكثر من 300 شخص في المدينة احتجاجا على الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، علما بأن مناصري حزب الله صوتوا للعدالة والتنمية في الانتخابات العامة. ويضيف شيشك أنه في عام 2005 وقف أردوغان ليقول إن الدول التي تحترم نفسها يجب أن تقف وتعتذر عن الأخطاء التي قامت بها، وفجأة بكبسة زر بات الجميع يتحدثون عن وجود «مشكلة كردية» ويحذر النائب توزال من مخاطر استمرار الحل الأمني، ويقول «نحن استطعنا أن نستشف من لقاءاتنا مع الناس في الشارع أن عدم الحل سوف يجعل العصيان المدني يبدأ في المناطق التي يوجد فيها الأكراد، في كل الأمكنة في تركيا، ومن ضمنها إسطنبول التي تحوي ما بين 3 و4 ملايين كردي، إلى جانب عودة الحراك في الجبال. إذا بقيت الدولة مصرة على تطبيق إقصاء الآخر ستكون هناك فوضى في أغلبية الأراضي التركية. فالمشكلة أن الدولة لا تزال تنظر إلى القضية التركية على أنها قضية تحل بالسلاح والقوة لا بالحوار. أوجلان هو القائد في نظر أغلبية الشعب الكردي، لذلك لا يمكن لقائد يحتضنه شعبه أن يبقى داخل السجن. لا بد من إيقاف الدم والدموع بين الطرفين، فالأمور تأخذ منحى خطيرا».

ويشدد توزال على أنه «قطعيا لا يوجد توجه لدى الناس للانفصال، لكن الجميع يطالبون - وعلى رأسهم (العمال الكردستاني) - بحقوقهم القومية ولا يريدون الانفصال، فطبيعة الشعب الكردي وتداخلهم مع بقية الأتراك يمنع ذلك، لكن ذلك يقتضي نموذجا خاصا. يجب أن يكون في جنوب تركيا حكم ذاتي، وأن يكون لديهم البرلمان، وأن تكون قوى الأمن الداخلي من الأكراد، وأن تكون لهم الكلمة في كل ما يتعلق بحياتهم في التعليم والصحة والحكم المحلي فيما تكون الحدود والقضايا الخارجية من اختصاص الدولة المركزية».

ويوضح شيشك أن التعامل مع القضية تغير، لكن التنظيم لا يزال يحمل السلاح، مشيرا إلى أن لديه 4 شروط هي أولا: رفع الحاجز النسبي.. وثانيا: إطلاق سراح جميع المعتقلين.. وثالثا: تحسين أوضاع اعتقال أوجلان.. ورابعا: إزالة كل العوائق أمام تعليم اللغة الكردية في جميع المدارس.

ويرى الكاتب شيشك أن أكبر عائق أمام حل القضية الكردية في تركيا هو المؤسسة العسكرية، معتبرا أن المنفذ الوحيد للحل هو في الدستور الجديد الذي يجب أن يعترف بالقوميات في تركيا، بالإضافة إلى رفع الحاجز النسبي الذي يمنع الأحزاب من دخول البرلمان إذا لم تحصل على ما نسبته 10 في المائة من أصوات الناخبين، وكذلك إيجاد تعريف ملائم في الدستور للشعب التركي وممن يتألف هذا الشعب وتغيير نظام الأحزاب.

وأشار شيشك إلى أن النواب الأكراد من حزب السلام والديمقراطية حازوا للمرة الأولى نسبة 9 في المائة من الأصوات في تركيا، وهذا رقم قياسي في تاريخ الجمهورية. ويلفت في المقابل إلى أن الأرقام تشير إلى حصول حزب العدالة والتنمية على نسبة أصوات عالية جدا في المناطق الكردية، معتبرا أنه لذلك يجب على الحزب القيام بخطوات لحل الأزمة.

ورأى أن الحل يكمن أولا في تغيير الدستور، وثانيا تصحيح الأخطاء التي قامت بها الدولة، خصوصا في قضايا المفقودين والقتلى، وتقديم اعتذار إلى الشعب الكردي عما قامت به من أخطاء، وثالثا إلغاء الحاجز النسبي، ورابعا رفع جميع الممنوعات أمام التعليم الكردي، وخامسا إعطاء صلاحيات أكبر للحكم المحلي في جميع أنحاء تركيا ومن ضمنها المناطق ذات الغالبية الكردية، وسادسا ترك مقاتلي حزب العمال السلاح وفي الوقت نفسه وقف العمليات العسكرية. ودعا إلى المصالحة باعتبارها العنصر الأهم على مستوى الناس، خصوصا أهالي الشهداء من الجيش والمقاتلين. وشدد على أن ما يطالب به «الأكراد» في جنوب تركيا هو التخلص من العقلية العسكرية من قبل الطرفين والاحتكام إلى الحوار، مشيرا في المقابل إلى أنه على حزب السلام والديمقراطية التخلي رويدا رويدا عن إرهاصات حزب العمال الكردستاني، وأن يقوم بانتهاج سياسة تليق به كحزب وليس كغطاء لحزب العمال.

ويؤكد شيشك أن مفهوم القضية الكردية بدأ يتغير لدى الأكراد، فالبعض ينادي بدولة مستقلة، والبعض الآخر يقول بالاتحاد في دولة كردية مستقلة تجمع الأكراد في كل المنطقة (سوريا وتركيا والعراق وإيران) وجزء يقول إن الحل يمكن التوصل إليه بالعمل السياسي، فيما يرى جزء بضرورة العمل العسكري، مشيرا إلى أن 6.2 في المائة فقط من الأكراد ينادون اليوم بالانفصال عن الدولة التركية.

ويوضح أن النظام الداخلي لحزب العمال كان يقول بإنشاء دولة كردية على أي جزء من الأرض يتم تحريره، وقد ألغي هذا الجزء في التسعينات، معتبرا أن الحواجز النفسية قد سقطت بين الأكراد والأتراك، فكلمة واحدة باللغة الكردية كانت تعني التوقيف في وقت سابق، أما الآن فالأتراك يتقبلون اللغة الكردية.