منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By فهد ابو مهيد 81
#56159
إن تطور علم السياسة ذو صلة وثيقة بالتاريخ السياسي. ومن الممكن تبعاً لذلك تقسيم الأطوار التي مر بـها هذا العلم إلى عصور موازية للحقب التاريخية التي ينقسم إليها تاريخ الإسلام السياسي. وهي العصر النبوي، وعصر الخلافة الراشدة، والعصر الأموي، والعصر العباسي، والعصور المتأخرة، ومنها العصر العثماني، ثم العصر الحديث. فالعصر النبوي وعصر الخلافة هو دور التأسيس والتأصيل ثم يأتي في العصر الأموي والعصر العباسي دور التدوين والاجتهاد. أما العصور المتأخرة فهي عصور التقليد والنقل. وفي العصر الحديث محاولات الإحياء والبعث.



ومن الممكن دراسة تطور علم السياسة خلال هذه العصور بـهذا الترتيب. ومع ما لهذه الطريقة من مزاياها في إبراز الإنجازات التي تمت في كل عصر، والإضافات التي يضيفها كل عصر إلى جهود السابقين غير أن مثل هذه الدراسة تصلح إذا كانت الدراسات السياسية علماً مستقلاً واحداً. وقد سلف القول في بيان أن هذه الدراسات مبعثرة في عدد من الكتب، وتضمها شعب مختلفة من شعب العلوم الإسلامية. ولهذا رأيت تناول كل شعبة على حدة، ودراسة تطور المباحث السياسية التي تضمها. وهذا المقال يقتصر على تطور الفقه السياسي فقط، ونمهد لذلك بأصوله في القرآن والسنة.



مبادئ القرآن السياسية :

أسس القرآن المبادئ والأصول التي تقوم عليها السياسة، وكثير من هذه الأسس قد جاء بيانـها بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وشروعه في تأسيس دولة فيها. وليس معنى هذا خلو العهد المكي من إشارات للسياسة، فقضية الألوهية وصفاتـها وخصائصها التي ما انفك القرآن يعالجها منذ نزوله هي القضية الأولى في تصور الإسلام للسياسة. ومن المعروف في تاريخ القرآن أن مبادئه لم تعلن في وثيقة واحدة في يوم واحد، بل كانت تبين في فترات متتابعة تبعاً للمشكلات التي تنشأ. ومن الصعب حقاً أن يسجل المرء تسجيلاً دقيقاً التريث الزمني لنـزول الآيات التي تحوي مبادئه السياسية. وقد تكون مثل هذه المحاولة قليلة الفائدة لأن التطور التاريخي للدولة في المدينة قد سـجل بالتفصيل في كتب السيرة.



ونورد فيما يلي طائفة من هذه المبادئ السياسية التي أوضحتها بعض آيات القرآن مع الإشارة بقدر الإمكان إلى الظروف والمرحلة التاريخية التي نزلت فيها.



1- اختصاص الألوهية بالحاكمية:

أكدت هذا المبدأ كثير من الآيات كقوله تعالى:-



أ – (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) [النساء:60">.



والنص فيما يبدو من النصوص المبكرة التي نزلت في السنوات الأولى من قيام دولة المدينة، حيث كان مجتمع المدينة يتكون من اليهود والمسلمين والمشركين. وقد نزل النص يؤكد أن الحاكمية لله تعالى وحده وذلك حين تخاصم رجل من المسلمين مع رجل من اليهود وذهبا لكاهن مشرك يقضي بينهما، وكان هذا الكاهن قاضياً في الجاهلية .



ب - ومن النصوص المشابـهة لهذا النص في دلالته وظروفه قوله تعالى:



(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .. فأولئك هم الظالمون .. فأولئك هم الفاسقون) [المائدة:44، 45، 47">.



(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن حكماً لقوم يوقنون) [المائدة 50">.