تركيا: الأزمة السورية والقضية الكردية
مرسل: الأحد ديسمبر 09, 2012 4:12 pm
ثمة حبر كثير هدر عن دور تركيا وموقفها من الأزمة السورية، ولعل سبب ذلك هو سلوك القيادة التركية التي أوحت مراراً بأنها قاب قوسين أو أدنى من التدخل العسكري في سورية ثم سرعان ما خب هذا الموقف خلف اعتبارات تتعلق معظمها بغياب قرار أمريكي – أطلسي بهذا الخصوص.
فمنذ بدء الأزمة السورية قبل قرابة نحو 18 شهراً تراوح الموقف التركي بين السعي إلى تغيير النظام السوري من خلال التحرك كلاعب إقليمي قوي والحرص من تداعيات الأزمة على الداخل التركي، وهو ما وضع تركيا في امتحان مع المصداقية، ومع هذا الامتحان تحركت أنقرة مراهنة على الزمن وعلى العاملين العربي (الخليجي – الجامعة العربية) والدولي (الأمريكي) في تحقيق هدفه المذكور، أي اسقاط النظام السوري، وعليه اتخذت سلسلة خطوات من أجل تحقيق هدفها، ولعل من أهم هذه الخطوات:
1- التنسيق التام مع الإدارة الأمريكية بخصوص الأزمة السورية، فالتواصل بين رجب طيب أردوغان والرئيس باراك أوباما قائم على قدم وساق، وحركة الزيارات العلنية والسرية المتبادلة لم تتوقف حيث تركزت المباحثات بين الجانبين على التعاون الأمني بخصوص تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وتحديداً سوريا وإيران.
2- إجراء تركيا سلسلة مناورات عسكرية بالقرب من الحدود التركية - السورية من بينها مناورات مشتركة مع الولايات المتحدة جرت في منطقة ملاطيا التي جرى فيها تركيب منظومة الدروع الصاروخية الأطلسية، وقد تركزت هذه المناورات على كيفية مواجهة أنظمة الدفاع الجوي لدول المنطقة وتعطيلها دون هجوم مباشر عليها،وكذلك كيفية خوض حرب مشتركة ضد هذه الأطراف.
3- استضافة تركيا لمؤتمر أصدقاء سورية مرتين بهدف تحقيق أمرين مهمين: الأول: جلب اعتراف دولي بالمجلس الوطني السوري المعارض كممثل وحيد للشعب السوري والذي ولد في اسطنبول. والثاني: تشكيل تحالف دولي ضد النظام السوري خارج مجلس الأمن الدولي بعد أن اصطدمت الجهود العربية والدولية في إصدار قرار في مجلس الأمن بالفيتو الروسي - الصيني.
4- احتضان تركيا للمعارضة السورية العسكرية والسياسية، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات جديدة، منها وقف حركة الشاحنات التركية إلى سورية وعبرها نهائياً على الرغم من الخسارة الكبيرة التي تلحق بالاقتصاد التركي، وزيادة وتيرة دعم الجيش السوري الحر وتدريبه وتسليحه وتأمين المأوى له داخل الأراضي التركية، والحديث عن إقامة سلسلة مخيمات إضافية جديدة للاجئين السوريين في المناطق التركية الحدودية المحاذية لسورية، في مؤشر إلى أن تركيا تعد لمرحلة جديدة من التصعيد.
5– عودة أردوغان إلى الحديث عن إقامة مناطق أمنية عازلة داخل الأراضي السورية، وهذه المرة من بوابة التهديد الكردي السوري بعد التهويل التركي من الأنباء التي تحدثت عن سيطرة أكراد سورية على عدد من البلدات الحدودية واحتمال تحول المنطقة إلى تهديد كردي للأمن التركي.
هذه المعطيات وغيرها تؤكد أن حكومة أردوغان ستواصل سعيها إلى إسقاط النظام السوري تحقيقا لأهدافها من جهة، وكي لا تفقد مصداقيتها في الداخل التركي من جهة ثانية. ولكن من الواضح أن الحسابات التركية قد لا تكون دقيقة، فالنظام السوري ورغم تجاوز عمر الأزمة 18 شهراً إلا أنه في الداخل ما زال يبسط سيطرته على الأرض وماض في نهجه الأمني دون رادع ، بل وفي الحالة التركية وصل الجيش السوري إلى النقطة الحدودية مع الأراضي التركية بعد أن كان ذلك ممنوعا عليه بموجب الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين البلدين، كما أن النظام السوري نجح في جعل الأزمة السورية الداخلية إلى أزمة دولية بامتياز بعد الاصطفاف العالمي الذي حصل، فالمعسكر العربي الخليجي التركي الأوروبي الأمريكي الساعي إلى إسقاط النظام يقابله معسكر حلفاء سورية، أي إيران، وحزب الله ، الصين، وروسيا... وكل طرف له أسبابه ومصالحه وإستراتيجيته التي تحشد لها الطاقات والجهود المختلفة، وفي لغة الحسابات والمصالح والاستراتيجيات فان مسألة شن الحرب ضد النظام السوري لإسقاطه تبدو مستبعدة نظرا للتداعيات الخطيرة المنتظرة من هكذا خيار في منطقة حساسة توجد فيها إسرائيل الابنة المدللة للغرب. وهو ما يضع السعي التركي أمام امتحان صعب خاصة وأن تركيا لا تستطيع أن تتحرك بمفردها عسكرياً تجاه النظام السوري، بما يعني أن مجمل الخيار التركي بشأن الأزمة السورية في أزمة عميقة وحقيقية.
بين السعي التركي إلى تغيير النظام السوري والحرص أو الخوف من التداعيات يكمن أزمة الدور التركي إزاء الأزمة السورية، فإذا نجح النظام السوري في قمع الاحتجاجات ووضع نهاية لها فأن الموقف التركي سيصبح صعباً ولاسيما في الداخل، فيما إذا انهار النظام فسيكون ذلك مكسباً كبيراً لسياسة حزب العدالة والتنمية وتطلعاتها تجاه العالم العربي.
كُرْد سوريا والحساسية التركية
يقدّر عدد أكراد سورية بأكثر من مليوني نسمة، يشغلون منطقة جغرافية حيوية تمتد في المناطق الشمالية الشرقية المجاورة للحدود التركية، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة منهم في المدن الكبرى ولاسيما دمشق وحلب، وتعد مناطقهم هذه من أغنى المناطق الزراعية في البلاد، فضلاً عن أنها تحتوي على معظم إنتاج سورية من الغاز والنفط . هذه الجغرافية المتداخلة مع تركيا شمالاً والعراق شرقاً تبدو مع تداعيات الأزمة السورية وكأنها أمام مرحلة جديدة من التشكل السياسي ورفع سقف المطالب القومية خصوصاً في ظل تواصل كرد سورية مع أبناء جلدتهم في كردستان العراق وتركيا.
انطلاقاً من هذا الواقع المتطور، تغيرت الخريطة السياسية لكرد سورية سريعاً، فإلى جانب تكاثر الأحزاب والمنسقيات برزت حالة من الاستقطاب السياسي بين المجلس الوطني الكردي الذي يتخذ من قيادة إقليم كردستان العراق مرجعية له ومجلس غرب كردستان الذي يديره حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وهو عملياً الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وبين الطرفين هناك التنسيقيات الكردية التي تفتقر إلى الدعم المالي والخبرة السياسية حيث معظم كوادرها من الشباب، فيما لم ينجح المجلس الوطني السوري من بناء مكانة له بين الكرد السوريين على الرغم من وجود كتلة كردية ممثلة فيه كما أن رئيسه عبد الباسط سيدا كردي من منطقة عامودا.
مع هذه الخريطة الجديدة والمتغيرة، تطور قوس المطالب الكردية بشكل كبير، فظهرت مطالبات من نوع الدعوة إلى الفدرالية والحكم الذاتي والاعتراف الدستوري بالأكراد كقومية ثانية في البلاد وإلغاء مفردة العربية من اسم الجمهورية العربية السورية لتصبح الجمهورية السورية بعد أن كانت هذه المطالب في السابق مقتصرة على نوع من الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية في إطار تحقيق الديمقراطية في البلاد، وقد أثارت هذه المطالب جدلاً كبيراً في الشارعين الكردي والعربي معاً، بين من يرى أن هذا الطرح القومي ليس له علاقة بالدعوة إلى إسقاط النظام والانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة في البلاد، وبين رؤية الشارع الكردي الذي يغلي بالشعارات القومية ويرى أن سورية المستقبل لا يمكن أن تكون دون تحقيق المطالب الكردية المذكورة.
التطور الأبرز في سياق كل ما جرى، هو سيطرة الأكراد في نهاية شهر تموز/يوليو على عدد من المدن والبلدات الكردية وإقامة بنية إدارية وأمنية ومؤسساتية فيها، ولعل من أبرز هذه المدن: عفرين وكوباني (عين عرب) وديريك (المالكية) وترب سبي (القحطانية) وعامودا.. وغيرها من المدن التي باتت الإعلام الكردية ترفرف فوقها وسط سيطرة واضحة لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
سيطرة القوى الكردية على هذه المناطق، أثارت مخاوف تركية دفينة، دفعت برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى اتهام النظام السوري بتسليم هذه المناطق إلى حزب العمال الكردستاني والتهديد باجتياحها، ولهذه الغاية أوفد وزير خارجيته أحمد داود أوغلو إلى البارزاني لممارسة المزيد من الضغط على أكراد سورية لمنع تحول مناطقهم إلى معاقل عسكرية وسياسية لحزب العمال الكردستاني وسط تهويل إعلامي عن القدرات العسكرية للأخير.
حقيقة، يبدو أردوغان في محنة، فهو يخشى من أن يجد نفسه أمام إقليم كردستان سوريا في الشمال بعد أن كان أمام إقليم كردستان العراق، وفي العمق يخشى من تتحول عفرين أو القامشلي إلى جبال قنديل جديدة بما يعني تصاعد قدرة الحزب الكردستاني على التحرك في وجه سياسته، وربما تفجير الداخل التركي من ديار بكر الذي يقول رئيس حزب السلام والديمقراطية الكردي صلاح الدين ديمرطاش أنها باتت أشبه بطنجرة ضغط ستنفجر تحت أردوغان الجالس عليها.
دون شك، أكراد سورية يحسون بقرب تحقيق آمالهم بعد أن حلموا بذلك طويلاً، بل ربما يشعر الكرد في عموم المنطقة أنهم باتوا مع (الربيع العربي) أمام فرصة تاريخية لكسر ما فرضه سايكس بيكو عليهم من خرائط ، ولعل كل خطوة في هذا السياق كفيلة باستنفار الحساسية التركية التاريخية تجاه الكرد، والنظر إلى أية حركة حتى لو كان مجرد رفع علم فوق قرية نائية في الشمال السوري بأنه استفزاز وتهديد لتركيا وأمنها، وعليه صعد أردوغان من تهديده لسورية بحجة تسليم المناطق الكردية في الشمال إلى منظمات كردية تشكل تهديداً لأمن بلاده.
في الواقع، منذ بداية الأزمة السورية مارست الحكومة التركية سياسة مدروسة مسبقاً بشأن كيفية ترتيب المشهد السوري المستقبلي، وهي سياسة تقوم على الآتيان بقوى محددة إلى السلطة في حال تم إسقاط النظام السوري كما يخطط له في تركيا ودول الخليج والمحافل الغربية، ولا يخفى على أحد أن القوى التي تريد تركيا إيصالها إلى السلطة هي حركة الأخوان المسلمين انطلاقاً من اعتبارات أيديولوجية وسياسية تشكل أس السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية تجاه الدول العربية والإسلامية. وانطلاقاً من هذا البعد سعت حكومة أردوغان إلى أبعاد المكون الكردي عن التشكيلات السياسية التي يتم تأسيسها تحضيراً للمرحلة المقبلة. ولعل في الوقائع التالية ما يؤكد صحة هذا الأمر.
1- في نيسان العام الماضي عندما اجتمعت أحزاب كردية سورية في القامشلي لترتيب بيتها الداخلي في ظل التطورات التي تشهدها سورية سارع أردوغان إلى التحذير من خطر تعرض سورية إلى التقسيم بغية تأليب القيادة السورية على الأكراد بعد أن شرعت هذه القيادة في منح الأكراد الجنسية السورية.
2- عندما تم الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني في اسطنبول كانت أولى نشاطات هذا المجلس إصدار بيان يدين فيه عمليات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي الذي لم يوقف هجماته العسكرية ضد أكراد تركيا منذ أكثر من ثلاثة عقود!!.
3- عندما تأسست هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي المعارضة في سورية برئاسة حسن عبد العظيم اتصل السفير التركي في دمشق به هاتفيا يطلب منه أبعاد المكون الكردي والمتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي من الهيئة مقابل دعم تركيا للهيئة.
4- خلال عقد العديد من مؤتمرات المعارضة السورية في تركيا عانى المكون الكردي المشارك في هذه المؤتمرات من سياسة تقوم على الإقصاء والتهميش وإصرار على عدم ذكر حقوقه في الوثائق والعهود، وهو ما دفعت بالوفود الكردية إلى الانسحاب من هذه المؤتمرات.
5- ممارسة المزيد من الضغط على أكراد العراق وتحديداً على رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني لممارسة ضغوط سياسية على أكراد سورية بهدف تفجير حرب بين الأطراف الكردية السورية، وهذا يتطلب من الأطراف الكردية المزيد من الحكمة والوعي لعدم الانجرار إلى المخططات التركية المعروفة تجاه الأكراد وأينما كانوا.
6- التهديدات التركية الأخيرة بالتدخل في المناطق الشمالية من سورية بحجة سيطرة الأكراد عليها ليست سوى حجة تعبر عن سياسة تركية مسبقة تقوم على إقامة منطقة أمنية عازلة في الشمال السوري بحجة وجود تهديد كردي، وهذه سياسة خطرة لأن من شأن ذلك تقديم المبرر لسورية للقيام بعمليات ضد الجيش الحر في الداخل التركي في إطار الرد بالمثل، خصوصاً وان سورية تمارس سياسة حاسمة تجاه تركيا عقب تورط حكومة أردوغان في الوضع الداخلي السوري.
في الوقع، لا يمكن فهم تهديدات أردوغان باجتياح شمال سورية بحجة التهديد الكردي سوى في إطار السياسة الممنهجة لبلاده ضد الأكراد وحقوقهم، ولاسيما في تركيا حيث يبلغ عدد الأكراد هناك قرابة 20 مليون نسمة، وهؤلاء يتطلعون إلى ربيع تركي ينطلق شرارته من ديار بكر التي شهد فيها حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة هزيمة سياسية كبيرة.
ما الذي تريده أنقرة من الأكراد؟
سجل وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو خلال زيارته الأخيرة إلى إقليم كردستان العراق سابقتين خطيرتين.
الأولى: تمثلت بزيارته إلى مدينة كركوك دون تنسيق مع الحكومة العراقية الاتحادية أو حتى علم نظيره العراقي هوشيار زيباري، وهو ما دفع بالحكومة العراقية إلى إدانة هذه الزيارة واعتبارها عاملاً إضافياً في توتير العلاقات بين البلدين حيث تم استدعاء السفير التركي من قبل الخارجية العراقية وإبلاغه رفض العراق لهذه الزيارة.
الثانية: الفخ الذي رتبه أوغلو بمشاركة عبد الباسط سيدا وربما جهات أخرى لعدد من السياسيين الأكراد السوريين من المجلس الوطني الكردي، عندما دخل الاثنان بشكل مفاجئ قاعة الفندق المتواجدين فيه هؤلاء، فيما كان الهدف هو الاجتماع بهم هو إيصال رسالة مشتركة، بل واحدة تتألف من طلبين:
الأول: ضرورة انضمام المجلس الوطني الكردي إلى المجلس الوطني السوري برئاسة سيدا.
الثاني: العمل معا لمحاربة نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري القريب من حزب العمال الكردستاني في المناطق الشمالية من سورية ذات الأغلبية الكردية.
في الواقع، زيارة أوغلو إلى أربيل حملت دلالات خطرة في كل الاتجاهات والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- ممارسة المزيد من الضغط على قيادة إقليم كردستان بغية نسف الطابع السلمي للعلاقة بين الكرد والنظام السوري، ودفع المجلس الوطني الكردي للانضمام إلى المجلس الوطني كما قلنا.
2- التدخل في شؤون أكراد سورية ومحاولة إحداث فتنة داخلية بينهم إذا لم ينخرطوا في الأجندة التركية، وذلك من خلال تأليب فصائل المجلس الوطني الكردي على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بحجة سيطرته على المناطق الكردية في شمال سورية وإن ذلك يشكل تهديداً لتركيا فيما أنقرة تحشد قواتها على الحدود وتهدد ليلاً ونهاراً باجتياحها!! واللافت هنا، هو أن الاجتماع الذي عقده أوغلو وسيدا مع قياديين أكراد سوريين لم يكن فيه أيّ من أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، علماً أن الجميع كان في أربيل لتشكيل هيئة قيادية عليا تجمع بين المجلس والاتحاد الديمقراطي الكرديين.
والسؤال هنا، لماذا حضر هؤلاء وغاب هؤلاء؟ وهل كان الاجتماع مجرد صدفة فعلاً أم أن الثعلب أوغلو خطط لها بدقة؟
3– محاولة تعميق الانقسام والتوتر بين إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية، لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بمحاولة السيطرة الاقتصادية على إقليم كردستان ونفطه وإضعاف العراق ككل، ومنها ما هو متعلق بالصراعات والمعادلات والاصطفافات الإقليمية الجارية على وقع الأزمة السورية.
في الواقع، من الواضح أن الأجندة التركية تجاه إقليم كردستان العراق هي عثمانية بامتياز، وأن هذه الأجندة تهدف إلى زج الأكراد في نار الأزمة السورية ليس محبة بالأكراد وحقوقهم بل ليكونوا وقوداً للمخططات المعدة المسبقة، فالثابت أن تركيا تكن العداء التاريخي للأكراد وهويتهم وحقوقهم حتى لو كانوا في المريخ على حد تعبير السياسي الكردي محمود عثمان، وغير ذلك يتطلب من تركيا وقف اعتداءاتها المتواصلة على الأكراد منذ قرن والاعتراف بحقوق الشعب الكردي خصوصاً وأن عدد أكراد تركيا يفوق عددهم في سورية والعراق وإيران معاً.
عودة التوتر إلى العلاقات التركية الإيرانية
بعد سنوات من التحسن في العلاقات التركية الإيرانية بدأت هذه العلاقات تشهد حالة من التوتر على شكل غياب كامل للثقة بعد أن تخلت الدبلوماسية التركية عن ما سمي بسياسة صفر المشكلات لصالح القيام بدور وظيفي في الإستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط. دون شك، التوتر في العلاقة التركية – الإيرانية لا يعود إلى الملف النووي الإيراني وحده بل لجملة من الأسباب تتعلق بالسياسة التركية نفسها والتي وضعت تركيا في موقع المواجهة مع العديد من دول المنطقة ولاسيما سورية وإيران والعراق وروسيا، بما تحمل هذه المواجهة من اصطفاف خطر لن يكون المستفيد منه سوى الولايات المتحدة وإسرائيل. في جردة بسيطة للسياسة التركية خلال الفترة الماضية يمكن التوقف عند أبرز مظاهر التحول أو الانقلاب في هذه السياسة، ولعل أهمها:
1- ظهور تركيا على شكل رأس حربة في الأزمة السورية ومحاولة التحرك كلاعب إقليمي خطر يتمسك بالأوراق ويلوح بالتهديد العسكري وينتهج الحرب الاقتصادية ويجلب الضغوط السياسية والعسكرية.
2- موافقة أردوغان على نشر الدرع الصاروخي الأطلسي على الأراضي التركية حتى دون موافقة البرلمان التركي، وهو قرار استراتيجي خطير نظراً لأنه موجه ضد دول المنطقة ولاسيما إيران.
3 – سياسة التدخل في الشؤون العراقية الداخلية والظهور بمظهر المدافع عن مكوّن عراقي في مواجهة مكوّن أخر وهو ما أدى إلى المزيد من الاصطفاف السياسي الطائفي ليس في العراق وحده بل في مجمل المنطقة.
4- انخراط تركيا في تنفيذ العقوبات الاقتصادية ضد إيران بعد القرار الذي صدر بأمر من أردوغان مباشرة في تخفيض استيراد النفط من إيران بنسبة 20%، وهو ما أثار الانزعاج الشديد لدى الإيرانيين خصوصاً وأن القرار التركي جاء بعد أيام قليلة من زيارة قام بها أردوغان إلى طهران وصفت بالناجحة.
دون شك، هذه المعطيات وغيرها شكلت انقلاباً على السياسة التي أعلنها قادة حزب العدالة والتنمية في وقت سابق عندما تحدثوا عن صفر المشكلات والعمق الاستراتيجي، وإذا كان من تداعيات هذا الانقلاب التحسن الكبير في العلاقة مع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة فإن العلاقات التركية مع دول الجوار العربي والإسلامي وروسيا عادت إلى التوتر ولغة التهديدات بدلاً من التعاون والتكامل.
حقيقة، وضع الانقلاب التركي المنطقة أمام نقطة تحول صعبة قد تفجر المنطقة مع الإصرار التركي على القيام بدور التفجير مقابل ازدياد التوتر في العلاقات التركية - الإيرانية، حيث بات الملف السوري يشكل الجوهر في هذا التوتر واحتمالات التصعيد، ولعل هذا ما يقف وراء وصف رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني دور تركيا في أثناء استضافة (مؤتمر أصدقاء سورية) بمؤتمر أعداء سورية وأن تركيا باستضافتها المؤتمر تخدم إسرائيل.
لقد جعل أردوغان من تركيا سفينة لا تعرف الإبحار إلى أين وكيف؟ فهو تارة يريد تركيا دولة قائدة للعالم الإسلامي، وأخرى جسراً بين الشرق والغرب، وثالثة تابعة للغرب وأداة لسياسته، ورابعة منفذة لإقامة الشرق الأوسط الأمريكي.... وفي كل هذا انهيار للمصداقية في الداخل وتوتر مع الجيران ولإسيما مع الدولة الإقليمية الكبرى إيران التي لها استراتيجية مختلفة عن تركيا.
محاولة لفهم خلفيات التصعيد التركي – السوري
من يدقق في مآل السياسة التركية في عهد حزب العدالة والتنمية والخلفيات التي اعتمدها اردوغان في سياسته تجاه الأزمة السورية سيرى أن هناك ثمة أسباباً سياسية وطائفية وراء ذلك. وعليه يمكن القول إن التصعيد التركي - السوري يستمد أسبابه من مجموعة من العوامل، لعل أهمها:
الأول- الاصطفاف السياسي: ويتعلق هذا الأمر بالانقلاب التركي على نظرية صفر المشكلات التي طرحها قادة حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم وزير الخارجية التركية احمد داود أوغلو الذي يعد المنظر الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية، وقد كان من نتائج هذا الانقلاب عودة تركيا إلى القيام بدور وظيفي في الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة الممتدة من الشرق الأوسط إلى روسيا والصين ومرورا بإيران بعد أن أوحت تركيا وفق نظرية صفر المشكلات والعمق الاستراتيجي بإقامة عمق إسلامي. وقد أدى ذلك في المقابل إلى بروز ما يشبه تحالف من الدول المستهدفة من هذه السياسة، أي إيران وروسيا والعراق وسورية والصين، على شكل العودة إلى أجواء الحرب الباردة. وقد انعكس هذا الاصطفاف المزيد من التوتر في العلاقة السورية – التركية خصوصاً في ظل الدعوة التركية الصريحة إلى تغيير النظام في سورية.
الثاني: التورط التركي في الأزمة السورية، فعلى وقع الدعم التركي للمعارضة السورية السياسية والعسكرية لتغيير النظام في دمشق، أعلنت تركيا أن علاقاتها مع النظام السوري وصلت إلى مرحلة القطيعة واللاعودة، وعليه عملت تركيا كل ما من شأنه لدفع النظام السوري إلى الانهيار وفي الوقت نفسه السعي إلى ترتيب المشهد السوري المقبل في ضوء المصالح والسياسات التركية تجاه سورية والمنطقة، واللافت في كل هذا هو أن حكومة أردوغان التي كانت على صداقة متينة مع نظام الرئيس بشار الأسد لم تقم بأي وساطة بين المعارضة السورية والنظام للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية وهي نفسها التي قامت بوساطة بين سورية وإسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام بين الجانبين.
الثالث: إظهار تركيا البعد الطائفي في سياستها تجاه المنطقة العربية، وهي هنا عملت على أكثر من مستوى وصعيد، فمن جهة دعمت حركات الإسلام السياسي ولاسيما حركات الأخوان المسلمين في البلدان التي شهدت ثورات واحتجاجات مثل مصر وتونس وليبيا وسورية. ومن جهة ثانية نسقت مع السعودية وقطر والجامعة العربية تجاه الملف السوري، والعمل معاً من أجل إحالة هذا الملف إلى مجلس الأمن ووضعه تحت الفصل السابع بما يعني خيار التدخل العسكري في الأزمة السورية. ولا يخفى على المراقب أن هذا التوجه يحمل معه الخلفيات السياسية لفرض ترتيب سياسي جديد في المشهد الإقليمي للمنطقة، فالتخلص من النظام السوري يعني تفكيك التحالف السوري – الإيراني ومعه حزب الله، وفتح المجال الجغرافي السوري كي يكون كريدورا لإقامة تحالف مختلف من تركيا ودول الخليج ومصر في عهد الإخوان المسلمين، ويكون مرتبطاً بالسياسة الأمريكية والغربية بشكل عام، ولعل هذا ما يفسر سر الحديث عن ضرورة الاقتداء بالنموذج التركي في المنطقة، بوصفه حقق تجربة ناجحة بين الإسلام والعلمانية والاقتصاد، في حين لا يخفى على المراقب أن كل ما سبق هو نوع من الحرب الذكية لمواجهة النموذج الإيراني والذي يوصف غربياً بالمتشدد، في حين أنه يشكل عقبة في وجه السياسات الأمريكية في المنطقة.
الرابع: إن مجمل الأسباب والعوامل السابقة انعكس توتراً على الحدود السورية – التركية والتي تبلغ قرابة 900 كيلومتراً، على شكل حشد للقوات واستنفار دائم ومناورات وتدريبات، تتخللها صدامات تنذر بالتحول إلى حرب بين البلدين، لولا الحسابات التركية المتعلقة بالتداعيات من جهة، وبغياب قرار أمريكي باستخدام الخيار العسكري ضد النظام السوري، في ظل الأزمة المالية والانشغال الأمريكي بالانتخابات الرئاسية. وعليه فإن التصعيد التركي ضد سورية والتهديد بإقامة مناطق أمنية عازلة وممارسة التصعيد السياسية والدبلوماسي والأمني الممنهج بدعم غربي ما هو إلا تعبير عن تطلعات إمبراطورية قديمة – جديدة تقف وراء الانقلاب السياسي التركي تجاه سورية والمنطقة.
فمنذ بدء الأزمة السورية قبل قرابة نحو 18 شهراً تراوح الموقف التركي بين السعي إلى تغيير النظام السوري من خلال التحرك كلاعب إقليمي قوي والحرص من تداعيات الأزمة على الداخل التركي، وهو ما وضع تركيا في امتحان مع المصداقية، ومع هذا الامتحان تحركت أنقرة مراهنة على الزمن وعلى العاملين العربي (الخليجي – الجامعة العربية) والدولي (الأمريكي) في تحقيق هدفه المذكور، أي اسقاط النظام السوري، وعليه اتخذت سلسلة خطوات من أجل تحقيق هدفها، ولعل من أهم هذه الخطوات:
1- التنسيق التام مع الإدارة الأمريكية بخصوص الأزمة السورية، فالتواصل بين رجب طيب أردوغان والرئيس باراك أوباما قائم على قدم وساق، وحركة الزيارات العلنية والسرية المتبادلة لم تتوقف حيث تركزت المباحثات بين الجانبين على التعاون الأمني بخصوص تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وتحديداً سوريا وإيران.
2- إجراء تركيا سلسلة مناورات عسكرية بالقرب من الحدود التركية - السورية من بينها مناورات مشتركة مع الولايات المتحدة جرت في منطقة ملاطيا التي جرى فيها تركيب منظومة الدروع الصاروخية الأطلسية، وقد تركزت هذه المناورات على كيفية مواجهة أنظمة الدفاع الجوي لدول المنطقة وتعطيلها دون هجوم مباشر عليها،وكذلك كيفية خوض حرب مشتركة ضد هذه الأطراف.
3- استضافة تركيا لمؤتمر أصدقاء سورية مرتين بهدف تحقيق أمرين مهمين: الأول: جلب اعتراف دولي بالمجلس الوطني السوري المعارض كممثل وحيد للشعب السوري والذي ولد في اسطنبول. والثاني: تشكيل تحالف دولي ضد النظام السوري خارج مجلس الأمن الدولي بعد أن اصطدمت الجهود العربية والدولية في إصدار قرار في مجلس الأمن بالفيتو الروسي - الصيني.
4- احتضان تركيا للمعارضة السورية العسكرية والسياسية، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات جديدة، منها وقف حركة الشاحنات التركية إلى سورية وعبرها نهائياً على الرغم من الخسارة الكبيرة التي تلحق بالاقتصاد التركي، وزيادة وتيرة دعم الجيش السوري الحر وتدريبه وتسليحه وتأمين المأوى له داخل الأراضي التركية، والحديث عن إقامة سلسلة مخيمات إضافية جديدة للاجئين السوريين في المناطق التركية الحدودية المحاذية لسورية، في مؤشر إلى أن تركيا تعد لمرحلة جديدة من التصعيد.
5– عودة أردوغان إلى الحديث عن إقامة مناطق أمنية عازلة داخل الأراضي السورية، وهذه المرة من بوابة التهديد الكردي السوري بعد التهويل التركي من الأنباء التي تحدثت عن سيطرة أكراد سورية على عدد من البلدات الحدودية واحتمال تحول المنطقة إلى تهديد كردي للأمن التركي.
هذه المعطيات وغيرها تؤكد أن حكومة أردوغان ستواصل سعيها إلى إسقاط النظام السوري تحقيقا لأهدافها من جهة، وكي لا تفقد مصداقيتها في الداخل التركي من جهة ثانية. ولكن من الواضح أن الحسابات التركية قد لا تكون دقيقة، فالنظام السوري ورغم تجاوز عمر الأزمة 18 شهراً إلا أنه في الداخل ما زال يبسط سيطرته على الأرض وماض في نهجه الأمني دون رادع ، بل وفي الحالة التركية وصل الجيش السوري إلى النقطة الحدودية مع الأراضي التركية بعد أن كان ذلك ممنوعا عليه بموجب الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين البلدين، كما أن النظام السوري نجح في جعل الأزمة السورية الداخلية إلى أزمة دولية بامتياز بعد الاصطفاف العالمي الذي حصل، فالمعسكر العربي الخليجي التركي الأوروبي الأمريكي الساعي إلى إسقاط النظام يقابله معسكر حلفاء سورية، أي إيران، وحزب الله ، الصين، وروسيا... وكل طرف له أسبابه ومصالحه وإستراتيجيته التي تحشد لها الطاقات والجهود المختلفة، وفي لغة الحسابات والمصالح والاستراتيجيات فان مسألة شن الحرب ضد النظام السوري لإسقاطه تبدو مستبعدة نظرا للتداعيات الخطيرة المنتظرة من هكذا خيار في منطقة حساسة توجد فيها إسرائيل الابنة المدللة للغرب. وهو ما يضع السعي التركي أمام امتحان صعب خاصة وأن تركيا لا تستطيع أن تتحرك بمفردها عسكرياً تجاه النظام السوري، بما يعني أن مجمل الخيار التركي بشأن الأزمة السورية في أزمة عميقة وحقيقية.
بين السعي التركي إلى تغيير النظام السوري والحرص أو الخوف من التداعيات يكمن أزمة الدور التركي إزاء الأزمة السورية، فإذا نجح النظام السوري في قمع الاحتجاجات ووضع نهاية لها فأن الموقف التركي سيصبح صعباً ولاسيما في الداخل، فيما إذا انهار النظام فسيكون ذلك مكسباً كبيراً لسياسة حزب العدالة والتنمية وتطلعاتها تجاه العالم العربي.
كُرْد سوريا والحساسية التركية
يقدّر عدد أكراد سورية بأكثر من مليوني نسمة، يشغلون منطقة جغرافية حيوية تمتد في المناطق الشمالية الشرقية المجاورة للحدود التركية، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة منهم في المدن الكبرى ولاسيما دمشق وحلب، وتعد مناطقهم هذه من أغنى المناطق الزراعية في البلاد، فضلاً عن أنها تحتوي على معظم إنتاج سورية من الغاز والنفط . هذه الجغرافية المتداخلة مع تركيا شمالاً والعراق شرقاً تبدو مع تداعيات الأزمة السورية وكأنها أمام مرحلة جديدة من التشكل السياسي ورفع سقف المطالب القومية خصوصاً في ظل تواصل كرد سورية مع أبناء جلدتهم في كردستان العراق وتركيا.
انطلاقاً من هذا الواقع المتطور، تغيرت الخريطة السياسية لكرد سورية سريعاً، فإلى جانب تكاثر الأحزاب والمنسقيات برزت حالة من الاستقطاب السياسي بين المجلس الوطني الكردي الذي يتخذ من قيادة إقليم كردستان العراق مرجعية له ومجلس غرب كردستان الذي يديره حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وهو عملياً الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وبين الطرفين هناك التنسيقيات الكردية التي تفتقر إلى الدعم المالي والخبرة السياسية حيث معظم كوادرها من الشباب، فيما لم ينجح المجلس الوطني السوري من بناء مكانة له بين الكرد السوريين على الرغم من وجود كتلة كردية ممثلة فيه كما أن رئيسه عبد الباسط سيدا كردي من منطقة عامودا.
مع هذه الخريطة الجديدة والمتغيرة، تطور قوس المطالب الكردية بشكل كبير، فظهرت مطالبات من نوع الدعوة إلى الفدرالية والحكم الذاتي والاعتراف الدستوري بالأكراد كقومية ثانية في البلاد وإلغاء مفردة العربية من اسم الجمهورية العربية السورية لتصبح الجمهورية السورية بعد أن كانت هذه المطالب في السابق مقتصرة على نوع من الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية في إطار تحقيق الديمقراطية في البلاد، وقد أثارت هذه المطالب جدلاً كبيراً في الشارعين الكردي والعربي معاً، بين من يرى أن هذا الطرح القومي ليس له علاقة بالدعوة إلى إسقاط النظام والانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة في البلاد، وبين رؤية الشارع الكردي الذي يغلي بالشعارات القومية ويرى أن سورية المستقبل لا يمكن أن تكون دون تحقيق المطالب الكردية المذكورة.
التطور الأبرز في سياق كل ما جرى، هو سيطرة الأكراد في نهاية شهر تموز/يوليو على عدد من المدن والبلدات الكردية وإقامة بنية إدارية وأمنية ومؤسساتية فيها، ولعل من أبرز هذه المدن: عفرين وكوباني (عين عرب) وديريك (المالكية) وترب سبي (القحطانية) وعامودا.. وغيرها من المدن التي باتت الإعلام الكردية ترفرف فوقها وسط سيطرة واضحة لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
سيطرة القوى الكردية على هذه المناطق، أثارت مخاوف تركية دفينة، دفعت برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى اتهام النظام السوري بتسليم هذه المناطق إلى حزب العمال الكردستاني والتهديد باجتياحها، ولهذه الغاية أوفد وزير خارجيته أحمد داود أوغلو إلى البارزاني لممارسة المزيد من الضغط على أكراد سورية لمنع تحول مناطقهم إلى معاقل عسكرية وسياسية لحزب العمال الكردستاني وسط تهويل إعلامي عن القدرات العسكرية للأخير.
حقيقة، يبدو أردوغان في محنة، فهو يخشى من أن يجد نفسه أمام إقليم كردستان سوريا في الشمال بعد أن كان أمام إقليم كردستان العراق، وفي العمق يخشى من تتحول عفرين أو القامشلي إلى جبال قنديل جديدة بما يعني تصاعد قدرة الحزب الكردستاني على التحرك في وجه سياسته، وربما تفجير الداخل التركي من ديار بكر الذي يقول رئيس حزب السلام والديمقراطية الكردي صلاح الدين ديمرطاش أنها باتت أشبه بطنجرة ضغط ستنفجر تحت أردوغان الجالس عليها.
دون شك، أكراد سورية يحسون بقرب تحقيق آمالهم بعد أن حلموا بذلك طويلاً، بل ربما يشعر الكرد في عموم المنطقة أنهم باتوا مع (الربيع العربي) أمام فرصة تاريخية لكسر ما فرضه سايكس بيكو عليهم من خرائط ، ولعل كل خطوة في هذا السياق كفيلة باستنفار الحساسية التركية التاريخية تجاه الكرد، والنظر إلى أية حركة حتى لو كان مجرد رفع علم فوق قرية نائية في الشمال السوري بأنه استفزاز وتهديد لتركيا وأمنها، وعليه صعد أردوغان من تهديده لسورية بحجة تسليم المناطق الكردية في الشمال إلى منظمات كردية تشكل تهديداً لأمن بلاده.
في الواقع، منذ بداية الأزمة السورية مارست الحكومة التركية سياسة مدروسة مسبقاً بشأن كيفية ترتيب المشهد السوري المستقبلي، وهي سياسة تقوم على الآتيان بقوى محددة إلى السلطة في حال تم إسقاط النظام السوري كما يخطط له في تركيا ودول الخليج والمحافل الغربية، ولا يخفى على أحد أن القوى التي تريد تركيا إيصالها إلى السلطة هي حركة الأخوان المسلمين انطلاقاً من اعتبارات أيديولوجية وسياسية تشكل أس السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية تجاه الدول العربية والإسلامية. وانطلاقاً من هذا البعد سعت حكومة أردوغان إلى أبعاد المكون الكردي عن التشكيلات السياسية التي يتم تأسيسها تحضيراً للمرحلة المقبلة. ولعل في الوقائع التالية ما يؤكد صحة هذا الأمر.
1- في نيسان العام الماضي عندما اجتمعت أحزاب كردية سورية في القامشلي لترتيب بيتها الداخلي في ظل التطورات التي تشهدها سورية سارع أردوغان إلى التحذير من خطر تعرض سورية إلى التقسيم بغية تأليب القيادة السورية على الأكراد بعد أن شرعت هذه القيادة في منح الأكراد الجنسية السورية.
2- عندما تم الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني في اسطنبول كانت أولى نشاطات هذا المجلس إصدار بيان يدين فيه عمليات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي الذي لم يوقف هجماته العسكرية ضد أكراد تركيا منذ أكثر من ثلاثة عقود!!.
3- عندما تأسست هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي المعارضة في سورية برئاسة حسن عبد العظيم اتصل السفير التركي في دمشق به هاتفيا يطلب منه أبعاد المكون الكردي والمتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي من الهيئة مقابل دعم تركيا للهيئة.
4- خلال عقد العديد من مؤتمرات المعارضة السورية في تركيا عانى المكون الكردي المشارك في هذه المؤتمرات من سياسة تقوم على الإقصاء والتهميش وإصرار على عدم ذكر حقوقه في الوثائق والعهود، وهو ما دفعت بالوفود الكردية إلى الانسحاب من هذه المؤتمرات.
5- ممارسة المزيد من الضغط على أكراد العراق وتحديداً على رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني لممارسة ضغوط سياسية على أكراد سورية بهدف تفجير حرب بين الأطراف الكردية السورية، وهذا يتطلب من الأطراف الكردية المزيد من الحكمة والوعي لعدم الانجرار إلى المخططات التركية المعروفة تجاه الأكراد وأينما كانوا.
6- التهديدات التركية الأخيرة بالتدخل في المناطق الشمالية من سورية بحجة سيطرة الأكراد عليها ليست سوى حجة تعبر عن سياسة تركية مسبقة تقوم على إقامة منطقة أمنية عازلة في الشمال السوري بحجة وجود تهديد كردي، وهذه سياسة خطرة لأن من شأن ذلك تقديم المبرر لسورية للقيام بعمليات ضد الجيش الحر في الداخل التركي في إطار الرد بالمثل، خصوصاً وان سورية تمارس سياسة حاسمة تجاه تركيا عقب تورط حكومة أردوغان في الوضع الداخلي السوري.
في الوقع، لا يمكن فهم تهديدات أردوغان باجتياح شمال سورية بحجة التهديد الكردي سوى في إطار السياسة الممنهجة لبلاده ضد الأكراد وحقوقهم، ولاسيما في تركيا حيث يبلغ عدد الأكراد هناك قرابة 20 مليون نسمة، وهؤلاء يتطلعون إلى ربيع تركي ينطلق شرارته من ديار بكر التي شهد فيها حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة هزيمة سياسية كبيرة.
ما الذي تريده أنقرة من الأكراد؟
سجل وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو خلال زيارته الأخيرة إلى إقليم كردستان العراق سابقتين خطيرتين.
الأولى: تمثلت بزيارته إلى مدينة كركوك دون تنسيق مع الحكومة العراقية الاتحادية أو حتى علم نظيره العراقي هوشيار زيباري، وهو ما دفع بالحكومة العراقية إلى إدانة هذه الزيارة واعتبارها عاملاً إضافياً في توتير العلاقات بين البلدين حيث تم استدعاء السفير التركي من قبل الخارجية العراقية وإبلاغه رفض العراق لهذه الزيارة.
الثانية: الفخ الذي رتبه أوغلو بمشاركة عبد الباسط سيدا وربما جهات أخرى لعدد من السياسيين الأكراد السوريين من المجلس الوطني الكردي، عندما دخل الاثنان بشكل مفاجئ قاعة الفندق المتواجدين فيه هؤلاء، فيما كان الهدف هو الاجتماع بهم هو إيصال رسالة مشتركة، بل واحدة تتألف من طلبين:
الأول: ضرورة انضمام المجلس الوطني الكردي إلى المجلس الوطني السوري برئاسة سيدا.
الثاني: العمل معا لمحاربة نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري القريب من حزب العمال الكردستاني في المناطق الشمالية من سورية ذات الأغلبية الكردية.
في الواقع، زيارة أوغلو إلى أربيل حملت دلالات خطرة في كل الاتجاهات والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- ممارسة المزيد من الضغط على قيادة إقليم كردستان بغية نسف الطابع السلمي للعلاقة بين الكرد والنظام السوري، ودفع المجلس الوطني الكردي للانضمام إلى المجلس الوطني كما قلنا.
2- التدخل في شؤون أكراد سورية ومحاولة إحداث فتنة داخلية بينهم إذا لم ينخرطوا في الأجندة التركية، وذلك من خلال تأليب فصائل المجلس الوطني الكردي على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بحجة سيطرته على المناطق الكردية في شمال سورية وإن ذلك يشكل تهديداً لتركيا فيما أنقرة تحشد قواتها على الحدود وتهدد ليلاً ونهاراً باجتياحها!! واللافت هنا، هو أن الاجتماع الذي عقده أوغلو وسيدا مع قياديين أكراد سوريين لم يكن فيه أيّ من أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، علماً أن الجميع كان في أربيل لتشكيل هيئة قيادية عليا تجمع بين المجلس والاتحاد الديمقراطي الكرديين.
والسؤال هنا، لماذا حضر هؤلاء وغاب هؤلاء؟ وهل كان الاجتماع مجرد صدفة فعلاً أم أن الثعلب أوغلو خطط لها بدقة؟
3– محاولة تعميق الانقسام والتوتر بين إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية، لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بمحاولة السيطرة الاقتصادية على إقليم كردستان ونفطه وإضعاف العراق ككل، ومنها ما هو متعلق بالصراعات والمعادلات والاصطفافات الإقليمية الجارية على وقع الأزمة السورية.
في الواقع، من الواضح أن الأجندة التركية تجاه إقليم كردستان العراق هي عثمانية بامتياز، وأن هذه الأجندة تهدف إلى زج الأكراد في نار الأزمة السورية ليس محبة بالأكراد وحقوقهم بل ليكونوا وقوداً للمخططات المعدة المسبقة، فالثابت أن تركيا تكن العداء التاريخي للأكراد وهويتهم وحقوقهم حتى لو كانوا في المريخ على حد تعبير السياسي الكردي محمود عثمان، وغير ذلك يتطلب من تركيا وقف اعتداءاتها المتواصلة على الأكراد منذ قرن والاعتراف بحقوق الشعب الكردي خصوصاً وأن عدد أكراد تركيا يفوق عددهم في سورية والعراق وإيران معاً.
عودة التوتر إلى العلاقات التركية الإيرانية
بعد سنوات من التحسن في العلاقات التركية الإيرانية بدأت هذه العلاقات تشهد حالة من التوتر على شكل غياب كامل للثقة بعد أن تخلت الدبلوماسية التركية عن ما سمي بسياسة صفر المشكلات لصالح القيام بدور وظيفي في الإستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط. دون شك، التوتر في العلاقة التركية – الإيرانية لا يعود إلى الملف النووي الإيراني وحده بل لجملة من الأسباب تتعلق بالسياسة التركية نفسها والتي وضعت تركيا في موقع المواجهة مع العديد من دول المنطقة ولاسيما سورية وإيران والعراق وروسيا، بما تحمل هذه المواجهة من اصطفاف خطر لن يكون المستفيد منه سوى الولايات المتحدة وإسرائيل. في جردة بسيطة للسياسة التركية خلال الفترة الماضية يمكن التوقف عند أبرز مظاهر التحول أو الانقلاب في هذه السياسة، ولعل أهمها:
1- ظهور تركيا على شكل رأس حربة في الأزمة السورية ومحاولة التحرك كلاعب إقليمي خطر يتمسك بالأوراق ويلوح بالتهديد العسكري وينتهج الحرب الاقتصادية ويجلب الضغوط السياسية والعسكرية.
2- موافقة أردوغان على نشر الدرع الصاروخي الأطلسي على الأراضي التركية حتى دون موافقة البرلمان التركي، وهو قرار استراتيجي خطير نظراً لأنه موجه ضد دول المنطقة ولاسيما إيران.
3 – سياسة التدخل في الشؤون العراقية الداخلية والظهور بمظهر المدافع عن مكوّن عراقي في مواجهة مكوّن أخر وهو ما أدى إلى المزيد من الاصطفاف السياسي الطائفي ليس في العراق وحده بل في مجمل المنطقة.
4- انخراط تركيا في تنفيذ العقوبات الاقتصادية ضد إيران بعد القرار الذي صدر بأمر من أردوغان مباشرة في تخفيض استيراد النفط من إيران بنسبة 20%، وهو ما أثار الانزعاج الشديد لدى الإيرانيين خصوصاً وأن القرار التركي جاء بعد أيام قليلة من زيارة قام بها أردوغان إلى طهران وصفت بالناجحة.
دون شك، هذه المعطيات وغيرها شكلت انقلاباً على السياسة التي أعلنها قادة حزب العدالة والتنمية في وقت سابق عندما تحدثوا عن صفر المشكلات والعمق الاستراتيجي، وإذا كان من تداعيات هذا الانقلاب التحسن الكبير في العلاقة مع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة فإن العلاقات التركية مع دول الجوار العربي والإسلامي وروسيا عادت إلى التوتر ولغة التهديدات بدلاً من التعاون والتكامل.
حقيقة، وضع الانقلاب التركي المنطقة أمام نقطة تحول صعبة قد تفجر المنطقة مع الإصرار التركي على القيام بدور التفجير مقابل ازدياد التوتر في العلاقات التركية - الإيرانية، حيث بات الملف السوري يشكل الجوهر في هذا التوتر واحتمالات التصعيد، ولعل هذا ما يقف وراء وصف رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني دور تركيا في أثناء استضافة (مؤتمر أصدقاء سورية) بمؤتمر أعداء سورية وأن تركيا باستضافتها المؤتمر تخدم إسرائيل.
لقد جعل أردوغان من تركيا سفينة لا تعرف الإبحار إلى أين وكيف؟ فهو تارة يريد تركيا دولة قائدة للعالم الإسلامي، وأخرى جسراً بين الشرق والغرب، وثالثة تابعة للغرب وأداة لسياسته، ورابعة منفذة لإقامة الشرق الأوسط الأمريكي.... وفي كل هذا انهيار للمصداقية في الداخل وتوتر مع الجيران ولإسيما مع الدولة الإقليمية الكبرى إيران التي لها استراتيجية مختلفة عن تركيا.
محاولة لفهم خلفيات التصعيد التركي – السوري
من يدقق في مآل السياسة التركية في عهد حزب العدالة والتنمية والخلفيات التي اعتمدها اردوغان في سياسته تجاه الأزمة السورية سيرى أن هناك ثمة أسباباً سياسية وطائفية وراء ذلك. وعليه يمكن القول إن التصعيد التركي - السوري يستمد أسبابه من مجموعة من العوامل، لعل أهمها:
الأول- الاصطفاف السياسي: ويتعلق هذا الأمر بالانقلاب التركي على نظرية صفر المشكلات التي طرحها قادة حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم وزير الخارجية التركية احمد داود أوغلو الذي يعد المنظر الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية، وقد كان من نتائج هذا الانقلاب عودة تركيا إلى القيام بدور وظيفي في الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة الممتدة من الشرق الأوسط إلى روسيا والصين ومرورا بإيران بعد أن أوحت تركيا وفق نظرية صفر المشكلات والعمق الاستراتيجي بإقامة عمق إسلامي. وقد أدى ذلك في المقابل إلى بروز ما يشبه تحالف من الدول المستهدفة من هذه السياسة، أي إيران وروسيا والعراق وسورية والصين، على شكل العودة إلى أجواء الحرب الباردة. وقد انعكس هذا الاصطفاف المزيد من التوتر في العلاقة السورية – التركية خصوصاً في ظل الدعوة التركية الصريحة إلى تغيير النظام في سورية.
الثاني: التورط التركي في الأزمة السورية، فعلى وقع الدعم التركي للمعارضة السورية السياسية والعسكرية لتغيير النظام في دمشق، أعلنت تركيا أن علاقاتها مع النظام السوري وصلت إلى مرحلة القطيعة واللاعودة، وعليه عملت تركيا كل ما من شأنه لدفع النظام السوري إلى الانهيار وفي الوقت نفسه السعي إلى ترتيب المشهد السوري المقبل في ضوء المصالح والسياسات التركية تجاه سورية والمنطقة، واللافت في كل هذا هو أن حكومة أردوغان التي كانت على صداقة متينة مع نظام الرئيس بشار الأسد لم تقم بأي وساطة بين المعارضة السورية والنظام للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية وهي نفسها التي قامت بوساطة بين سورية وإسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام بين الجانبين.
الثالث: إظهار تركيا البعد الطائفي في سياستها تجاه المنطقة العربية، وهي هنا عملت على أكثر من مستوى وصعيد، فمن جهة دعمت حركات الإسلام السياسي ولاسيما حركات الأخوان المسلمين في البلدان التي شهدت ثورات واحتجاجات مثل مصر وتونس وليبيا وسورية. ومن جهة ثانية نسقت مع السعودية وقطر والجامعة العربية تجاه الملف السوري، والعمل معاً من أجل إحالة هذا الملف إلى مجلس الأمن ووضعه تحت الفصل السابع بما يعني خيار التدخل العسكري في الأزمة السورية. ولا يخفى على المراقب أن هذا التوجه يحمل معه الخلفيات السياسية لفرض ترتيب سياسي جديد في المشهد الإقليمي للمنطقة، فالتخلص من النظام السوري يعني تفكيك التحالف السوري – الإيراني ومعه حزب الله، وفتح المجال الجغرافي السوري كي يكون كريدورا لإقامة تحالف مختلف من تركيا ودول الخليج ومصر في عهد الإخوان المسلمين، ويكون مرتبطاً بالسياسة الأمريكية والغربية بشكل عام، ولعل هذا ما يفسر سر الحديث عن ضرورة الاقتداء بالنموذج التركي في المنطقة، بوصفه حقق تجربة ناجحة بين الإسلام والعلمانية والاقتصاد، في حين لا يخفى على المراقب أن كل ما سبق هو نوع من الحرب الذكية لمواجهة النموذج الإيراني والذي يوصف غربياً بالمتشدد، في حين أنه يشكل عقبة في وجه السياسات الأمريكية في المنطقة.
الرابع: إن مجمل الأسباب والعوامل السابقة انعكس توتراً على الحدود السورية – التركية والتي تبلغ قرابة 900 كيلومتراً، على شكل حشد للقوات واستنفار دائم ومناورات وتدريبات، تتخللها صدامات تنذر بالتحول إلى حرب بين البلدين، لولا الحسابات التركية المتعلقة بالتداعيات من جهة، وبغياب قرار أمريكي باستخدام الخيار العسكري ضد النظام السوري، في ظل الأزمة المالية والانشغال الأمريكي بالانتخابات الرئاسية. وعليه فإن التصعيد التركي ضد سورية والتهديد بإقامة مناطق أمنية عازلة وممارسة التصعيد السياسية والدبلوماسي والأمني الممنهج بدعم غربي ما هو إلا تعبير عن تطلعات إمبراطورية قديمة – جديدة تقف وراء الانقلاب السياسي التركي تجاه سورية والمنطقة.