مقال – من إفريقيا إلى العالم عبر جزيرة العرب
مرسل: الاثنين ديسمبر 10, 2012 1:02 am
تشير أدوات حجرية عتيقة عُثر عليها في موقع “جبل الفاية” الأثري في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة إلى أن الإنسان الأول قد يكون غادر إفريقيا 50 ألف عام أسبق مما كان يُعتقد في السابق، وأن منطقة الخليج العربي سبقت المناطق الأخرى في أوروبا والبحر المتوسط في استقبال المجموعات البشرية الأولى، المهاجرة من إفريقيا. وحتى تاريخ العثور على هذه الأدوات الحجرية، كان الاعتقاد السائد أن بني البشر غادروا القارة الإفريقية منذ حوالي 60 ألف إلى 70 ألف سنة خلت. أما الآن فإن دراسة جديدة نُشرت في الدورية العلمية “ساينس” حددت زمن مغادرة البشر لقارة إفريقيا منذ نحو 125 ألف عام.
ويقول سيمون أرميتاج، المشارك في تأليف الدراسة وأستاذ محاضر في شعبة الجغرافيا بكلية رويال هالاوي في جامعة لندن “إن هذه الاكتشافات ستجعلنا نعيد النظر في الوسائل التي أصبح من خلالها الإنسان الحديث جنساً منتشراً على نحو عالمي”.
ويضيف عالم الآثار، والمختص بالهجرة البشرية، الدكتور مايكل بيتراغليا من جامعة أوكسفورد “إنه اكتشاف مذهل فعلاً، من شأنه أن يقصم ظهر ما يجمع عليه العلماء في الوقت الحالي”. وتعتبر هذه الاكتشافات تتويجاً لأعمال تنقيب أثري دامت حوالي ثماني سنوات قام بها فريق من الباحثين بقيادة البروفيسور هانز بيتر أوربمان، من جامعة توبينغين في ألمانيا. وقد كشف هذا الفريق عن مجموعة من الأدوات الحجرية التي تعود غلى العصر الحجري القديم، ومن بينها فؤوس صغيرة، وأدوات أخرى مسننة تُستعمل كمقاشط أو شفرات. وتشبه هذه الأدوات، تلك التي كان يصنعها الإنسان القديم في شرق إفريقيا، لكنها مختلفة عن الأدوات التي كان يصنعها البشر في بلاد الشام وجبال إيران، وماحدا بالعلماء إلى الاعتقاد أن أسلافنا الأوائل هاجروا مباشرة نحو الجزيرة العربية، وليس عبر وادي النيل والشرق الأدنى، كما هو شائع في أغلب الدراسات.
“إن السؤال الكبير الذي يُطرح الآن هو متى هاجر الإنسان من إفريقيا؟ ولماذا؟”، يقول أرميتاج، الذي تمكن من تحديد تاريخ الأدوات الحجرية التي تم العثور عليها في جبل الفاية باستخدام تقنية تدعى “التألق الضوئي” أي تحليل النظائر المشعة الحبيسة في حبيبات الرمل الموجودة مع الأدوات الحجرية لقياس الفترة التي تعرضت لها للنور آخر مرة.
ويعتقد معظم الباحثين أن الإنسان الحديث غادر إفريقيا قبل زمن لا يزيد عن 70 ألف سنة خلت، بيد أن الدكتور أرميتاج والبروفيسور بيتير أوربمان يقولان إن هذه الاستنتاجات، المعتمدة بشكل ابتدائي على التأريخ الوراثي، “مثير للجدل إلى حد ما” في أوساط العلماء.
ومن المعروف أن الإنسان الحديث من الناحية التشريحية، نشأ وتطور في إفريقيا ما بين 200 ألف و150 ألف سنة مضت. وتعتمد نظرية “الخروج من إفريقيا” على الافتراض، بأن هؤلاء البشر هاجروا بعد ذلك عبر أنحاء العالم، ليحلوا محل الأشكال البشرية البدائية، من قبيل إنسان نياندرتال. لكن الأدوات الحجرية المكتشفة حديثاً في جبل الفاية ما بين عامي 2003 و 2010، تدعم نظرية جديدة حول هجرة بني البشر، وذلك لكونها تشبه الأدوات التي كانت تُصنع في شرق إفريقيا خلال تلك الحقبة الزمنية، وتختلف عن الأدوات التي تم اكتشافها جنوبي شبه الجزيرة العربية.
ويقول الخبراء إن هذه الهجرة المقترحة لا يمكن تصور حدوثها إلا خلال إطار زمني ضيق. فقبل حوالي 130 ألف سنة خلت كانت مستويات البحر أدني بحوالي 100 متر مما هي عليه اليوم، كما كانت هضبة نجد سالكة. ويقول البروفيسور أدريان باركير، من جامعة أوكسفور بروكس “إن الفترة التي يُعتقد أن الإنسان الحديث كان فيها قادراً على استخدام الطريق المباشرة من شرق إفريقيا إلى جبل الفاية كانت وجيزة”. ويوضح أرميتاج أن شبه الجزيرة العربية كانت أكثر رطوبة في تلك الفترة “مع وجود كميات أكبر من النباتات وشبكة من الأنهار والبحيرات التي مكنت الإنسان الحديث من السفر إلى الجزيرة العربية وعبرها إلى منطقة الهلال الخصيب”.
ويُعتقد أن جبل الفاية، وهو الآن جبل جيري من الصخور الهزيلة طوله 10 كيلومترات، كان خلال تلك الفترة سافانا تأوي تضاريس مائية وحياة نباتية. “بمجرد أن تمكن البشر من العبور إلى جنوب الجزيرة العربية، من المحتمل أنهم صاروا يواجهون مخاطر المفترسات بشكل أقل، فضلاً عن تراجع حدة المنافسة على الموارد”، يقول أوربمان في الدراسة المعنونة بـِ “الطريق الجنوبية للخروج من إفريقيا؛ دليل على توسع مبكر للإنسان الحديث داخل الجزيرة العربية”.
لكن الباحثين ليسوا متيقنين من الوجهة التي قصدها هؤلاء السكان بعد استيطانهم جبل الفاية، ويعتقد هذا الفريق أنهم ربما تابعوا انتشارهم في أرجاء الخليج العربي، عبر أراض تربط بين جنوبي شرق الجزيرة العربية وإيران، ومن ثم إلى الهند وإندونيسيا.
وفي سبتمبر 2010 وضع الدكتور بيتراغليا نظرية مفادها أن الإنسان الحديث قد يكون هاجر من إفريقيا قبل مايزيد عن 70 ألف سنة مضت، بعد أن اكتشف أدوات حجرية في المملكة العربية السعودية والهند. يقول بيتراغليا “إنها لحقيقة مدهشة أنه، إلى يومنا هذا، لم ينظر أحد إلى ما أعتقد أنه الدور الحيوي الذيي لعبته الجزيرة العربية في هجرة البشر عبر البر”.
ويعتقد جُل الخبراء أن الإنسان الحديث هاجر عبر وادي النيل قبل التوجه شمالاً نحو آسيا وأوروبا قبل حوالي 60 ألف عام. ويعود تاريخ البقايا البشرية التي تم العثور عليها في كهفي سخول وقفزة في فلسطين المحتلة إلى مابين 120 ألف و 80 ألف سنة خلت؛ غير أن العديد من الخبراء يعتقدون أن هذا الإنسان الحديث إما انه هلك أو عاد إلى إفريقيا لأن الأحافير التي تم العثور عليها بعد هذه الفترة هي في المقام الأول لإنسان نياندرتال.
وسيقوم الدكتور بيتراغليا بإجراء المزيد من البحوث في هذا الميدان في الصحراء السعودية، كما “يخطط علماء آثار أخرون لإجراء مسح لكهوف ورمال الجزيرة العربية من أجل العثور على آثار تدل على أن آسلافنا مروا من هذه الطريق”، بحسب ما جاء في “ساينس”.
المصدر: مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية – عدد أغسطس 2011 (أدهم)
رابط مختصر للموضوع http://www.arabsciences.com/?p=17111
ويقول سيمون أرميتاج، المشارك في تأليف الدراسة وأستاذ محاضر في شعبة الجغرافيا بكلية رويال هالاوي في جامعة لندن “إن هذه الاكتشافات ستجعلنا نعيد النظر في الوسائل التي أصبح من خلالها الإنسان الحديث جنساً منتشراً على نحو عالمي”.
ويضيف عالم الآثار، والمختص بالهجرة البشرية، الدكتور مايكل بيتراغليا من جامعة أوكسفورد “إنه اكتشاف مذهل فعلاً، من شأنه أن يقصم ظهر ما يجمع عليه العلماء في الوقت الحالي”. وتعتبر هذه الاكتشافات تتويجاً لأعمال تنقيب أثري دامت حوالي ثماني سنوات قام بها فريق من الباحثين بقيادة البروفيسور هانز بيتر أوربمان، من جامعة توبينغين في ألمانيا. وقد كشف هذا الفريق عن مجموعة من الأدوات الحجرية التي تعود غلى العصر الحجري القديم، ومن بينها فؤوس صغيرة، وأدوات أخرى مسننة تُستعمل كمقاشط أو شفرات. وتشبه هذه الأدوات، تلك التي كان يصنعها الإنسان القديم في شرق إفريقيا، لكنها مختلفة عن الأدوات التي كان يصنعها البشر في بلاد الشام وجبال إيران، وماحدا بالعلماء إلى الاعتقاد أن أسلافنا الأوائل هاجروا مباشرة نحو الجزيرة العربية، وليس عبر وادي النيل والشرق الأدنى، كما هو شائع في أغلب الدراسات.
“إن السؤال الكبير الذي يُطرح الآن هو متى هاجر الإنسان من إفريقيا؟ ولماذا؟”، يقول أرميتاج، الذي تمكن من تحديد تاريخ الأدوات الحجرية التي تم العثور عليها في جبل الفاية باستخدام تقنية تدعى “التألق الضوئي” أي تحليل النظائر المشعة الحبيسة في حبيبات الرمل الموجودة مع الأدوات الحجرية لقياس الفترة التي تعرضت لها للنور آخر مرة.
ويعتقد معظم الباحثين أن الإنسان الحديث غادر إفريقيا قبل زمن لا يزيد عن 70 ألف سنة خلت، بيد أن الدكتور أرميتاج والبروفيسور بيتير أوربمان يقولان إن هذه الاستنتاجات، المعتمدة بشكل ابتدائي على التأريخ الوراثي، “مثير للجدل إلى حد ما” في أوساط العلماء.
ومن المعروف أن الإنسان الحديث من الناحية التشريحية، نشأ وتطور في إفريقيا ما بين 200 ألف و150 ألف سنة مضت. وتعتمد نظرية “الخروج من إفريقيا” على الافتراض، بأن هؤلاء البشر هاجروا بعد ذلك عبر أنحاء العالم، ليحلوا محل الأشكال البشرية البدائية، من قبيل إنسان نياندرتال. لكن الأدوات الحجرية المكتشفة حديثاً في جبل الفاية ما بين عامي 2003 و 2010، تدعم نظرية جديدة حول هجرة بني البشر، وذلك لكونها تشبه الأدوات التي كانت تُصنع في شرق إفريقيا خلال تلك الحقبة الزمنية، وتختلف عن الأدوات التي تم اكتشافها جنوبي شبه الجزيرة العربية.
ويقول الخبراء إن هذه الهجرة المقترحة لا يمكن تصور حدوثها إلا خلال إطار زمني ضيق. فقبل حوالي 130 ألف سنة خلت كانت مستويات البحر أدني بحوالي 100 متر مما هي عليه اليوم، كما كانت هضبة نجد سالكة. ويقول البروفيسور أدريان باركير، من جامعة أوكسفور بروكس “إن الفترة التي يُعتقد أن الإنسان الحديث كان فيها قادراً على استخدام الطريق المباشرة من شرق إفريقيا إلى جبل الفاية كانت وجيزة”. ويوضح أرميتاج أن شبه الجزيرة العربية كانت أكثر رطوبة في تلك الفترة “مع وجود كميات أكبر من النباتات وشبكة من الأنهار والبحيرات التي مكنت الإنسان الحديث من السفر إلى الجزيرة العربية وعبرها إلى منطقة الهلال الخصيب”.
ويُعتقد أن جبل الفاية، وهو الآن جبل جيري من الصخور الهزيلة طوله 10 كيلومترات، كان خلال تلك الفترة سافانا تأوي تضاريس مائية وحياة نباتية. “بمجرد أن تمكن البشر من العبور إلى جنوب الجزيرة العربية، من المحتمل أنهم صاروا يواجهون مخاطر المفترسات بشكل أقل، فضلاً عن تراجع حدة المنافسة على الموارد”، يقول أوربمان في الدراسة المعنونة بـِ “الطريق الجنوبية للخروج من إفريقيا؛ دليل على توسع مبكر للإنسان الحديث داخل الجزيرة العربية”.
لكن الباحثين ليسوا متيقنين من الوجهة التي قصدها هؤلاء السكان بعد استيطانهم جبل الفاية، ويعتقد هذا الفريق أنهم ربما تابعوا انتشارهم في أرجاء الخليج العربي، عبر أراض تربط بين جنوبي شرق الجزيرة العربية وإيران، ومن ثم إلى الهند وإندونيسيا.
وفي سبتمبر 2010 وضع الدكتور بيتراغليا نظرية مفادها أن الإنسان الحديث قد يكون هاجر من إفريقيا قبل مايزيد عن 70 ألف سنة مضت، بعد أن اكتشف أدوات حجرية في المملكة العربية السعودية والهند. يقول بيتراغليا “إنها لحقيقة مدهشة أنه، إلى يومنا هذا، لم ينظر أحد إلى ما أعتقد أنه الدور الحيوي الذيي لعبته الجزيرة العربية في هجرة البشر عبر البر”.
ويعتقد جُل الخبراء أن الإنسان الحديث هاجر عبر وادي النيل قبل التوجه شمالاً نحو آسيا وأوروبا قبل حوالي 60 ألف عام. ويعود تاريخ البقايا البشرية التي تم العثور عليها في كهفي سخول وقفزة في فلسطين المحتلة إلى مابين 120 ألف و 80 ألف سنة خلت؛ غير أن العديد من الخبراء يعتقدون أن هذا الإنسان الحديث إما انه هلك أو عاد إلى إفريقيا لأن الأحافير التي تم العثور عليها بعد هذه الفترة هي في المقام الأول لإنسان نياندرتال.
وسيقوم الدكتور بيتراغليا بإجراء المزيد من البحوث في هذا الميدان في الصحراء السعودية، كما “يخطط علماء آثار أخرون لإجراء مسح لكهوف ورمال الجزيرة العربية من أجل العثور على آثار تدل على أن آسلافنا مروا من هذه الطريق”، بحسب ما جاء في “ساينس”.
المصدر: مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية – عدد أغسطس 2011 (أدهم)
رابط مختصر للموضوع http://www.arabsciences.com/?p=17111