منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By نايف السبعان 101
#56442
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

المنظور والإطار: المستشرف الناجح يعالج الواقع ومستقبله من منظور العقل والنقل في إطار الكتاب والسنة، والمستشرف الفاشل يعالج الواقع ومستقبله من منظور الهوى والأماني في إطار رغبات البشر ومبادئهم الأرضية.
مكونات الصراع:
الصراع الواقع داخل سورية هو بين فئتين:
الأولى: الفئة الحاكمة (النظام الحاكم)
الثانية: الجماهير المحكومة (المعارضة)
ولكل من هاتين الفئتين تفاصيل في مكوناتها، وهناك أيضاً صراع بين فرقاء دوليين (إيران، الولايات المتحدة، أوروبا، روسيا، الصين، بعض دول مجلس التعاون الخليجي، ودول أخرى) لتوظيف نتائج هذا الصراع بين الفئتين لصالحهم إقليمياً واستراتيجياً.
احتمالات نتائج الصراع:
هناك عدة احتمالات لآفاق الصراع
الاحتمال الأول: أن ينتصر النظام الحاكم ويخمد حركة المعارضة.
الاحتمال الثاني: أن تنتصر المعارضة ويسقط النظام الحاكم.
الاحتمال الثالث: أن يستمر الصرع لفترة طويلة.
عوامل القوة لدى المتصارعين:
أولاً: عوامل القوة لدى النظام الحاكم:
ترتكز عوامل قوته على أمرين:
1- داخلي
2- خارجي
فأما الداخلي فيتكون من العناصر التالية:
1- القوة الأمنية وتضم الجيش والمخابرات والشبيحة وقوة أمنية داعمة كالشرطة والميليشيات العلوية.
2- القوى الحزبية وتضم المنتسبين لحزب البعث.
3- دعم أبناء الطائفة النصيرية (العلوية) للنظام.
4- الشعور النفسي أن سقوط النظام معناه اندثار الحضور النصيري من المستقبل السوري بل ربما تعرضهم للانتقام من قبل عامة الشعب السوري، إن هذا الشعور يعتبر عاملاً حاسماً ليدافع عن وجوده حتى الرمق الأخير.
5- المستفيدون مادياً ومعنوياً من وجود وبقاء واستمرار النظام الحاكم وهم من طوائف شتى من الأقليات كالنصارى والإسماعيليين وغيرهم كذلك من المنتسبين لأهل السنة.
6- استحواذه على معظم منابع الدخل الاقتصادي سواء بشكل مباشر أو بالمشاركة الإجبارية في المؤسسات الاقتصادية في القطاع الخاص، وكذا بتوطيد علاقته مع التجار خاصة في دمشق وحلب.
7- سيطرته على الإعلام المسموع والمرئي والذي يمارس من خلاله جميع أنواع الكذب لتلميع صورته وبيان سيطرته وهيمنته على الأوضاع ولتشويه صورة خصومه من المعارضة ومحاولة بث الفرقة في صفوفها.
وأما الخارجي فيتكون من العناصر التالية:
1- الدعم السياسي المعلن والمفتوح من كل من روسيا والصين ومن في فلكهما.
2- الدعم السياسي المبطن من قبل كل من الولايات المتحدة ودول حلف الناتو ودولة الكيان اليهودي الحريصة جداً على بقاء واستمرار النظام وعدم استبداله إلا إذا كان البديل أنفع لها كتقسيم سورية إلى دويلات طائفية.
3- الدعم السياسي من قبل جامعة الدول العربية.
4- الدعم السياسي من قبل إيران.
5- الدعم المادي والعسكري من قبل إيران (عتاداً ورجالاً وأموالاً) ومن قبل روسيا والصين، وأشير هنا إلى الدعم الذي يقدم من حزب الله اللبناني وخاصة بالرجال.
6- وقوف كافة شيعة العالم مع النظام الحاكم ودعمه مادياً ومعنوياً وسياسياً، حيث يعتبرون سقوطه كارثة تاريخية بالنسبة لهم، وخاصة إيران التي لو سقط النظام السوري سيتبخر الحلم الشيعي بإقامة الإمبراطورية الرافضية من أفغانستان إلى نواكشوط حيث سينقطع العقد من منتصفه، وسيؤدي لهزيمة مذلة لحزب الله اللبناني، على الأقل في التأثير السياسي والعقدي لهذا الحزب الصفوي.
7- اعتقاد السلطة الحاكمة في دمشق أن إيران مستعدة لخوض حرب إقليمية أو دولية لصالح بقاء النظام الحاكم، وذلك بناء على المعطيات التي ذكرتها في البند السابق.
8- ضعف وتشتت المعارضة في الخارج وعدم اعتراف عدد كبير من المعارضين وخاصة داخل سورية بالمجلس الوطني الذي لا علاقة حقيقية له بالثورة، إلا من خلال استغلاله لما ينشره الثوار في الإعلام الخارجي.
9- استفادة النظام من مد وتمطيط تنفيذ القرارات الدولية مما يعطيه الفرصة في محاولات الإجهاز على الثورة.
10- وجــود قاعدة عسكرية لروسيا في ميناء طرطوس، ما يؤمن الطرق اللوجستية في الدعم العسكري ويجعله مستفيداً من التنافس الروسي الأمريكي للهيمنة على البحر الأبيض المتوسط.
11- عدم قيام تركيا بدور حاسم ضد النظام السوري إذ إن سياستها محكومة بالتوجه الغربي (أوروبا وأمريكا).
12- فشل الفرقاء الدوليين في تفعيل فكرة الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية وفكرة المناطق (الملاجئ) الآمنة داخل الحدود السورية لاستقبال اللاجئين.
13- استفادة النظام الحاكم من دعم إعلام الدول المساندة له (روسيا والصين) وخاصة قناة روسيا اليوم.
عوامل الضعف في النظام الحاكم:
يمكن إجمالها بما يلي:
1- عدم سيطرته الكاملة على قواه الأمنية، حيث لا يزال المنشقون عنها يكثرون يومياً، وخاصة في صفوف قواته المسلحة، والذي يؤدي إلى تزايد أعداد الجيش السوري الحر.
2- التململ في البنية التحتية للنظام حيث إن أكثرها يريد الانفكاك عن الحزب ولكنه يخشى البطش الأمني.
3- بدء الانشقاقات الداخلية في الطائفة النصيرية، خاصة وقد بدأت تشعر بالخطر مع تزايد احتمالات سقوط النظام، وقد أصبح واضحاً ازدياد عزلة عائلة الأسد في الطائفة.
4- بدء انفكاك كثير من المستفيدين من النظام الحاكم عنه، حفاظاً على مستقبلهم بعد سقوطه.
5- انكماش الموارد الاقتصادية الداخلية بسبب التأثر بأحداث الثورة.
6- العبء الثقيل إنسانياً واقتصادياً، معنوياً ومادياً، الذي ألقته على كاهله ما اقترفته يداه من البطش والتنكيل والتعذيب وسفك الدماء والأنواع البشعة من المجازر الجماعية والتي تمثلت باستخدام جميع أنواع الأسلحة من رصاص وقنابل ودبابات ومدرعات ومدفعية وصواريخ وقصف من الجو والبر والبحر على الآمنين العزل ما أوقع القتل العنيف في صفوف الرجال والنساء والأطفال ودمر المنازل والمستشفيات والمساجد والمدارس والمصانع والمؤسسات والشوارع والحدائق العامة، وبث الرعب والخوف والهلع والفزع في صفوف الكبار والصغار والشيوخ والرضع، وأدى إلى تشريد عشرات الآلاف إلى تركيا ولبنان والأردن، ولا يزال النظام محافظاً على هذه الوتيرة القذرة من الإعدامات والقتل بالدم البارد وحفر القبور الجماعية واستخدام أنواع الغازات السامة والقنابل العنقودية والحارقة ومختلف الأسلحة المحظورة دولياً.
7- ما ذكرناه أعلاه فاقم حالة الاعتراض على النظام ووسع مساحة الانتفاضة والثورة ضده، فلكل قتيل عائلة كبيرة وعشيرة ممتدة والجميع يريد الثأر له، ولكل مشرد ولاجئ مثل ذلك، فلا تزال دائرة الثورة يزداد قطرها، وكرتها يكبر حجمها، ما يؤدي إلى دق مزيد من المسامير في نعش النظام.
8- ما تقوم به الوسائل الإعلامية بكافة أنواعها وخاصة المنظورة والإنترنت.
9- اكتشاف الشعب السوري كذب وزيف الإعلام الموالي للحكومة وخاصة القناة السورية الرسمية وقناة الدنيا والإخبارية السورية والعالم الإيرانية والمنار اللبنانية وغيرها.
10- فشل النظام الحاكم في التستر على جرائمه لدى استقبال لجان المراقبين العرب والدوليين.
11- إبقاء الجيش السوري بأكمله تحت الاستنفار لفترة طويلة فاقت العام ما أدى ويؤدي إلى إنهاكه واستنزاف روحه المعنوية واستهلاك سلاحه بأنواعه.
12- فعل وثقل الضغط النفسي والمستمر والمتزايد على رجالات الحكم بما يشتت تركيزهم ويقودهم إلى مزيد من التهور وإلى الانحدار في هاوية الانهيار.
ثانياً: المعارضة:
عوامل قوة المعارضة:
ترتكز عوامل قوة المعارضة على أمرين:
1- داخلي
2- خارجي
فأما الداخلي فيتكون من العناصر التالية:
1- الشمولية الجماهيرية حيث إن الثورة اجتاحت المدن السورية الكبرى وأريافها وقراها ابتداء من العاصمة السورية دمشق مروراً جنوباً بدرعا والسويداء وشمالاً بحمص وحماه ومعرة النعمان وجسر الشغور وحلب وجبل الزاوية وإدلب وشرقاً بالحسكة ودير الزور والبوكمال والرقة والقامشلي (شمال شرق) وغرباً باللاذقية وطرطوس وبانياس، وبتفاوت محسوس فيما بينها، وذلك بحسب عدد السكان وقوة البطش السلطوي العلوي.
2- انبعاث المعاني الإيمانية في عموم الحراك الشعبي الثائر ما أثرى مفاهيم التوكل على الله وانتظار النصر من عنده وعزز معاني الصبر والاحتساب وقوى القلوب ودفعها للتضحية والمناداة بالحرية والكرامة والاستشهاد وأفاض روح البذل والعطاء والتكافل والتعاون والإنفاق في سبيل الله وكرس اللحمة المعنوية لصالح الإقدام والتحدي، فشملت الرجال والنساء والشباب والشابات والفتيان والفتيات بل حتى الأطفال ممن هم في نحو السابعة من العمر. هذا الانبعاث الإيماني هو وقود القوة المتدفقة والاستمرارية الهادرة.
3- تهديم أسوار التعصب على مستوى القبائل والعوائل والمدن والانتماءات، فتعالت الصيحات في درعا تأييداً لحمص، وفي حلب تأييداً لحماه، وفي دير الزور تأييداً للاذقية، وهكذا إلى جميع المدن السورية، وكذلك ارتفعت أصوات تأييد العرب للأكراد والأكراد للعرب، فانصهر الجميع في بوتقة الثورة.
4- انهيار جدار الخوف من السلطة ومن أدواتها ورموزها وتحرر الهيبة من معارضتها والوقوف بوجهها، وقد شمل ذلك جميع الشرائح المجتمعية في كافة المدن السورية.
5- انبعاث إرادة التحدي للسلطة وفتح الصدور لاستقبال الرصاص والقنابل والصواريخ وعدم إظهار أي نوع من التخاذل أو التراجع، وقد بدا ذلك جلياً في جميع مواقع المواجهات وأبرزها بابا عمرو في حمص وإدلب وجبل الزاوية ودير الزور ودرعا البلد وريف دمشق وخاصة في دوما، وجميع المدن السورية بلا استثناء.
6- التكافل الاقتصادي والتعاضد المادي والمعنوي، حيث يتسابق الناس لسد حاجة بعضهم البعض وخاصة في حالات حدوث الاستشهاد أو هدم البيوت أو سرقة المحلات والمنازل، أو وقوع الجرحى، حيث تؤمن لهم الضمادات والأدوية وأكياس الدم في البيوت ويقوم الأطباء المتطوعون بدورهم الإنساني في هذا المجال.
7- عدم الانحناء أمام ما يقوم به أزلام السلطة من الشبيحة والجيش من اغتصاب للنساء، بل وللرجال والشبان والأطفال، إذ لم يزدهم ذلك إلا مضاء وإصراراً على متابعة الثورة وعلى استمرارية مسيرة النصر.
8- الانتفاض على ما يريده النظام الحاكم من قتل الروح المعنوية بواسطة التعذيب البشع باستخدام النحر بالسكاكين وقطع الأطراف والتمثيل بالجثث والإجهاز على الجرحى والتعذيب للأسرى بالكهرباء وقلع الأظافر وفقء العيون وقطع الرؤوس من الأعناق واستخدام المثاقب عبر الجماجم والعظام والأجساد الحية، وحجب الدواء والعلاج عن المحتاجين إليها وقطع جميع الروافد الإنسانية عن الوصول للجماهير الثائرة والجموع المنتفضة.
9- الانشقاقات في الجيش والحزب، والتي ترتب عليها إنشاء الجيش السوري الحر الذي أخذ على عاتقه حماية المتظاهرين والدفاع عن الجماهير التي خرجت تنادي بالحرية والكرامة.
10- اتساع رقعة المعارضة المدنية التي قررت حمل السلاح فحملته، وكذا الرقعة المدنية التي تنتظر ذلك.
وأما الخارجي فيتكون من العناصر التالية:
1- التعاطف الجماهيري الإسلامي والذي تمثل في المظاهرات والمسيرات والتجمعات المؤيدة للثورة السورية في كثير من الدول العربية والإسلامية وغيرها.
2- الموقف السياسي الظاهري لبعض الدول العربية المؤيدة للمعارضة.
3- الدعم الدولي السياسي الظاهري المؤيد للمعارضة.
4- اعتراف الدول التي اجتمعت في إسطنبول تحت شعار (أصدقاء سورية) بالمجلس الوطني السوري المعلن (ملاحظة: هذا المجلس نصب نفسه ممثلاً للمعارضة، لكن كثير من مجموعات المعارضة وخاصة التي في الداخل لا تعترف به ممثلاً لها).
5- وجود دول تستقبل اللاجئين الخارجين بعائلاتهم من جحيم الحرب الضروس التي يشنها النظام السوري الحاكم على الشعب الأعزل، وهذه الدول الحدودية هي تركيا شمالاً والأردن جنوباً ولبنان غرباً. أما العراق وهي في جهة الشرق فلم تبدِ أي استعداد لإيواء اللاجئين لأنها في الواقع مع النظام السوري، إذ يجمعهما المصير المشترك.
6- استعداد بعض الدول العربية (المملكة العربية السعودية وقطر) لدعم الجيش السوري الحر بالسلاح وكذلك الدعوة لتسليح المعارضة الجماهيرية للدفاع عن نفسها وأعراضها وممتلكاتها ضد الهمجية والوحشية التي يمارسها النظام الحاكم.
7- الحشد الجماهيري الإسلامي الشعبي لجمع التبرعات المالية والإنسانية لصالح الشعب السوري ومحاولة إيصالها له، علماً أن سلطات الحكومة السورية تقف حجر عثرة إزاء إيصال هذه المساعدات بأي شكل من الأشكال.
8- ما تقوم به بعض القنوات الفضائية (مثل وصال وشدا وصفا وبردى والعربية والجزيرة وغيرها) من تغطية إعلامية يومية وعلى مدار الساعة لما يجري من مظاهرات في جميع الأنحاء السورية وكذلك ما تقوم به السلطات السورية من قتل وتعذيب وتشريد وتدمير للرد على تلك المظاهرات.
9- انفضاح الدور الباطني الصفوي أمام العالم الإسلامي (وخاصة إيران والعراق وحزب الله) والمتمثل في وقوفهم صفاً واحداً مع النظام السوري الصفوي ضد أهل السنة. وقد أدى كشف هذا اللثام إلى رجوع كثير من المؤيدين للرافضة الصفويين وخاصة في داخل سورية وكذلك في لبنان والأردن وفلسطين ومصر وتونس والمغرب والجزائر والسودان وغيرها من الدول العربية والإسلامية، رجوعهم جميعاً إلى الحق بعد أن زالت عن أعينهم الغشاوة وعرفوا هؤلاء الباطنيين على حقيقتهم. إن مجمل هذه الصورة يصب حتماً في جوانب القوة لصالح الجماهير المعارضة في سورية.
10- اتساع دائرة التأييد للثورة السورية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإنسانية واتساع شمول ذلك لكثير من الدول وانضمامها لصالح دعم الثورة.
عوامل الضعف في المعارضة:
يمكن إجمالها بما يلي:
1- عدم اتحاد الدافع لمعارضة النظام، فالدوافع منوعة، منها عقدي، ومنها مادي، ومنها أمني، ومنها انتقامي وثأري، ومنها شخصي. وتحت كل واحد منها تفريعات عدة، ما يجعل الدوافع ربما تزيد على العشرين.
2- عدم وجود قيادة موحدة للمعارضة في الداخل رغم أن الجهود لإيجادها مستمرة.
3- عدم وجود مجلس قيادة في الخارج يعبر حقيقة عن ثوار الداخل إذ إن المجلس الوطني الحالي في واد والثوار في واد آخر، وهو يقتات على أخبارهم ويحاول قطف ثمار صمودهم وصبرهم وجهادهم.
4- ضعف التنسيق بين الحراك الجماهيري والجيش السوري الحر.
5- عدم الاتفاق على الصيغة التي سيتم بها حكم سورية بعد سقوط النظام.
6- ضعف الإمداد المادي للثوار.
7- ازدياد أعداد المهجرين واللاجئين سواء إلى داخل المدن السورية أو إلى خارج الحدود السورية.
8- عدم وجود دعم حقيقي للجيش السوري الحر سواء بالسلاح أو المال.
9- استمرار الملاحقات الأمنية من قبل السلطات لاعتقال الناشطين المدنيين والمنشقين العسكريين.
10- عدم وجود الوسائل الإعلامية بشكل كبير في داخل صفوف الثوار المعارضين.
11- عجز الثوار عن تأمين السلامة للنساء والأطفال والشيوخ في حال القصف البري والجوي الذي تقوم به قوات النظام.
12- عجز الثوار عن تأمين متطلبات سد الرمق للناس للبقاء على الحياة من المطعم والملبس والملجأ، حيث قضى كثير منهم بسبب الجوع أو البرد أو الخوف والهلع، وآخرون شقوا طريقهم إلى الجوار في ظروف إنسانية مفزعة.
13- نجاح النظام في استبقاء شريحة لا بأس بأعدادها مؤيدة له وذلك من خلال نشاطه الحزبي ودويه الإعلامي، إلا أن هذه الشريحة في طريقها للانقراض بسبب تآكلها اليومي.
14- استماتة النظام في منع وصول المساعدات الإنسانية الدولية للشعب السوري الثائر ونجاحه في ذلك.
15- عجز الثوار عن تأمين المتطلبات العلاجية والإسعافية للجرحى حيث إن جميع المستشفيات تقع تحت سيطرة النظام ما فاقم انحدار الظروف الصحية للمصابين إلى الدرجة الكارثية. يقول المصور المشهور جوناثان ألبيري بعد أن زار سورية «كانت تلك بمنزلة أقوى لحظة في حياتي المهنية، أكثر تجربة مرعبة» (القبس 1-4-2012)، علماً أنه قضى عشر سنوات في تصوير الحروب.
تحليل مكونات الصراع:
سأسلط الضوء على مكونات الصراع التي ذكرتها من خلال ثلاث نوافذ رئيسة:
الأولى: صراع الإرادات (أي ما يريد طرفا الصراع فعله)
الثانية: صراع الإمكانات.
الثالثة: صراع الحوافز لتحقيق الأهداف.
وبعد الانتهاء من ذلك سنخلص إلى نتائج مهمة بخصوص استشراف آفاق الصراع الدائر الآن في سورية.
أولاً: صراع الإرادات:
ماذا تريد سلطة النظام الحاكم؟
إنها تريد ما يلي:
1- إخماد الثورة الشعبية والعسكرية، وهذا غير مقدور عليه الآن بحسب المعطيات التي على الأرض، فالثورة الشعبية تزداد توسعاً، والثورة العسكرية المتمثلة بالجيش السوري الحر تزداد بعديدها ويتضاعف إصرارها على مواجهة النظام الحاكم. إذاً صراع الإرادات في هذا الجانب ليس في صالح النظام الحاكم.
2- جر المعارضة لوضع سياسي جديد يتمثل بالدستور الجديد وكذلك بوضع سياسي تعددي لا يكون حزب البعث فيه المسيطر. هذه الإرادة تمت تحت ضغط الثورة والمقصود منها هو جر المعارضة إلى شعارات مقبولة دولياً ومحلياً، لكن المعارضة لم تقع في هذا الفخ باعتبار أن هذه التعديلات ما هي إلا تمويهات، وهي ترمي إلى إعادة سيطرة حزب البعث ولكن بثوب دستوري جديد، وهو أشبه ما كان في مصر قبل سقوط مبارك الذي ثار عليه الشعب المصري فأسقطه. ربما تتحقق هذه الإرادة على أرض الواقع بحسب المواصفات التي يريدها النظام، لكن ذلك لن يوقف الثورة الشعبية وأداتها العسكرية. إذاً هذه الإرادة أيضا فاشلة.
3- يريد النظام الحاكم استعمال أقصى درجات القوة والتصدي باستخدام كافة مكونات آلته الحربية لإخضاع الثورة ولوضع اللبنة الأولى في نواة دولة علوية مستقلة تنفصل عن سورية الحالية وتكون حمص أو اللاذقية عاصمتها. فأما إخضاع الثورة فلم ينجح فيه، وأما ما يريده من التمهيد لقيام الدولة العلوية فإنه لم ينجح في تشريد الأهالي بشكل شامل إلا في بابا عمرو في حمص وهو يكافح ويناضل لتفريغ إدلب ليملأها بالعائلات العلوية لكنه لم ينجح إلى الآن في ذلك، ولا توجد مؤشرات ميدانية تشير إلى احتمال نجاحه في المستقبل. إذاً هذه الإرادة فشلت في تحقيق ما يريده النظام.
4- يريد النظام الحاكم تطويل أمد الصراع إلى الوقت الذي يشعر فيه أن الكفة قد مالت لصالحه بشدة فيفرض شروطه على الثورة ويجبرها على الخضوع لإملاءاته. نعم لقد نجح النظام إلى الآن في ذلك بمساعدة من الجامعة العربية ومجلس الأمن وعموم المجتمع الدولي. من وجهة نظري الخاصة أن الكيان اليهودي والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وكذا الجامعة العربية (ما عدا بعض الدول) لا يريدون إسقاط النظام السوري، بل يريدون إعطاءه الفرصة الزمنية الكافية للقضاء على الثورة، ذلك أن هذا النظام أثبت جدارته بحراسة حدود الكيان اليهودي من جهة الجولان على مدى يزيد عن الأربعين عاماً فلماذا يُسقط؟ خاصة وأن البديل له قد يكون على نقيض ذلك. إلى الآن هذه الإرادة متحققة لصالح النظام الحاكم لكن هذا التطويل له أيضاً سلبيات من جهة النظام، فهو يستهلك الاقتصاد، ويضعف الآلية العسكرية لأنها غير مجهزة لخوض حرب طويلة تجاوزت العام. إنها الآن منهكة تماماً، وكذلك يزداد عدد المنشقين من الجيش ما يقوي عديد الجيش الحر. إذاً هذه الإرادة لها وجهان، إيجابي لصالح النظام وسلبي ضده، وأرى أن السلبي أقوى بحسب ما هو حاصل على أرض الواقع.
5- يريد النظام الحاكم أن يوظف المجتمع الدولي لصالحه وأن يقف في صفه، ولقد انقسم المجتمع الدولي إلى قسمين:
روسيا والصين وكوريا الشمالية وبعض الدول العربية معه، ومعظم باقي دول العالم بقيادة الولايات المتحدة ضده.
إن الولايات المتحدة وأوروبا والكيان اليهودي لهم مصالح مهمة في الشرق الأوسط، وهم يرون أن احتمال سيطرة الإسلاميين على الحكم في سورية واردة بعد سقوط النظام وهم يخشون من ذلك أشد خشية، فإذا كانت الثورة تمتلك إمكانية الاستمرار وإسقاط النظام فإن الوضع الأمثل لهم (أي للغرب) هو التقسيم. بمعنى أن إسقاط النظام خط أحمر.
إن تقسيم سورية إلى دويلات هو بلا شك بديل مقبول لدى الكيان اليهودي، إذ لن تجرؤ أي دويلة من هذه الدويلات على تشكيل أي خطر على الكيان اليهودي، أو أن تفكر، مجرد تفكير، بتحرير الجولان. إذ إن التقسيم هو الحل وهو البديل لإسقاط النظام الحاكم في سورية. للوصول إلى هذه الغاية سيتم ترتيب قيام حرب في منطقة الشرق الأوسط يكون أحد أهدافها تقسيم سورية من خلال قيام الكيان اليهودي أو أمريكا باحتلال منطقة حوران والوصول إلى قلب دمشق مستغلاً حالة التفكك الحالية في جيش النظام. وبالتعاون مع النظام الحاكم، وتحت حجة الأمر الواقع وحقوق الأقليات ستقسم سورية إلى دويلات أو كيانات ذات طابع استقلال ذاتي أو كامل، وقد لا يتجاوز ذلك الأشهر القليلة القادمة. إذا استعرضنا جوانب القوة في النظام الحاكم وجوانب الضعف، بحسب ما ذكرته في هذه الدراسة، فإنه يتضح لنا بجلاء أن جوانب القوة أبرز من جوانب الضعف في مجال الإرادات، وبالتالي فإن الإرادة العلوية الحاكمة لسورية ستكون سعيدة جداً إذا تحقق لها ما ذكرته في البند السابق، وهو ممكن بحسب الظروف الدولية المهيأة الآن إذا سلم من المعارضة الشعبية والرفض المطلق له من قبل تركيا.
ماذا تريد المعارضة؟
إنها تريد ما يلي:
1- إيجاد دوافع نفسية وإيمانية تمكن الجماهير من الصمود في حال استمرار الصراع. إلا أنها تفتقر إلى أسباب تحقيق ذلك بحسب الأوضاع الحالية، لكنها تراهن على المخزون الإيماني لدى الجماهير الذي يجعلها على استعداد للتضحية بالنفس والمال. هذه المراهنة في ميزان الصراع تضفي شكاً على التوقعات النهائية وذلك لأن قوة تأثير تلك الدوافع غير مضمونة بالقدر الكافي إذا طال الصراع إلى أمد غير محدود. إن معدل القتلى يومياً حوالي مائة قتيل، ولا تزال آلة الحصد الحربية لدى النظام تصعد من عملياتها بشكل شديد، فهل هذا التصعيد يفاقم النقمة ويزيد الدوافع شدة أم العكس؟ إن الجواب على ذلك يرتبط بعدد من العوامل المنوعة التي هي خارج هذه الدراسة. ولذلك قلنا إن قوة تأثير تلك الدوافع غير مضمونة.
2- تريد المعارضة إسقاط النظام بكافة رموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية والمدنية والحزبية. إن هذه الإرادة مشروعة ابتداء لأن النظام الحاكم في سورية نظام أقلية طائفي باطني. وهي مشروعة ثانياً لأن هذا النظام مارس جميع أنواع الظلم على شعبه ووضع المخططات الإعلامية وأوجد المناهج التعليمية التي أراد بها إخراج هذا الشعب المسلم عن دينه وتحويله إلى شعب علماني ليبرالي. إن منبع هذه الإرادة له جذور تاريخية تمتد في أول شوطها إلى عمق زمني قدره حوالي 15 قرناً، أي (بدء البعثة النبوية)، ثم يوالي أشواطه في أعماق زمنية سحيقة تمتد إلى نوح عليه السلام ثم آدم أبي البشر. إن هذه الإرادة لا يمكن للنظام القائم اقتلاعها بحال من الأحوال، لذلك فهي قائمة ومستمرة سواء صمد النظام الحاكم أو سقط. إن إرادة إسقاط النظام ترتبط بالعمق العقدي. لذا فإن جذوتها لن تنطفئ مهما آلت إليه الظروف.
3- تريد المعارضة أن تقف الدول العربية والإسلامية معها، شعوباً وحكومات. إن تنفيذ هذه الإرادة يرتبط بعوامل ومقتضيات وأسباب لا تملك المعارضة السيطرة عليها. وإلى الآن فإن موقف الدول العربية والإسلامية إجمالاً غير جاد في قضية إسقاط النظام الحاكم في سورية. وأما الشعوب فهي متعاطفة بالجملة مع مطالب المعارضة لكنها لا تبدي حراكاً في اتجاه تأييدها والشد من أزرها بشكل فعال ومؤثر. إن ما تريده المعارضة تحت هذا البند يعتبر باهتاً جداً وهو يصب في نهايات مطافه في نهر دعم النظام السوري سواء بالفعل أو بالسكوت والتفرج على جرائمه.
4- تريد المعارضة أن تتدخل الدول الأجنبية في الصراع عسكرياً وفق أربع خطوات:
الأولى: تأمين ممرات آمنة.
الثانية: تأمين ملاجئ آمنة على الأرض السورية.
الثالثة: تأمين حظر جوي يمنع مقاتلات وحوامات النظام من قيامها بقصف الجماهير.
الرابعة: المساهمة عسكرياً بضرب قطاعات جيش النظام التي تقوم بقصف الجماهير وذلك على غرار السيناريو الليبي.
هذه الأمور كإرادة ليس مجمعاً عليها من قبل المعارضة، لكن استمرار النظام الحاكم في تأجيج عمليات القتل ومباشرته لأعمال القصف والقنص وعجز المعارضة عن تحمل ذلك سيقود بعد فترة وجيزة إلى إيجاد إجماع لدى المعارضة في هذا الاتجاه. إن تحقيق هذا السيناريو مع وجود المعارضة الروسية والصينية ليس سهلا إلاً في إطار إتمام صفقات دولية تحت الطاولة وهذا محتمل. لكن في حال حدوث ذلك فإن عيون الدول الأجنبية المتدخلة عسكرياً ستكون مفتحة في اتجاه التقسيم أو في اتجاه تسليم السلطة للعلمانيين أو للإسلاميين الذين لا يبتعدون كثيراً عن مسارات العلمنة، وسيفرضون شروطهم التي هي في الواقع ستكون لصالح استتباب الأمن للكيان اليهودي.
5- تأمل المعارضة الشعبية، وأقصد هنا الجماهير الثائرة، أن يأتيها المدد الرباني وأن يتنزل عليها النصر الإلهي وهذا معنى ما يقوله الثائرون: (ما لنا غيرك يا الله) و(لبيك يا الله)، إنهم ينتظرون الفرج من الله تعالى. إن انفتاح الباب القدري بالنصر يمر في مراحل جمعها قوله تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ} (أي الفقر) {وَالضَّرَّاءُ} (أي السقم والألم) {وَزُلْزِلُوا} (أي نزلت بهم البلايا نزولاً شديداً وعنيفاً) {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. إن المرحلة الآن هي مرحلة الزلزال الشديد مع استمرارية وجود البأساء والضراء. لا يعلم أحد إلا الله إلى متى ستستمر هذه المرحلة الزلزالية، قد تطول، وسياق الآية يدل على ذلك، وهو واضح من استبطاء الرسول والمؤمنين النصر إلى أن قالوا متى نصر الله؟
6- لقد جرت السنن الربانية في نصره لعباده أنهم إذا استنفذوا الأسباب المادية والمعنوية الإيجابية وأخلصوا الدعاء له والاستنجاد به واستغاثته وحده وانقطعت أمالهم عن أسبابهم وتعلقت بما عند الله، فعندها يأتيهم الفرج والنصر بمسارات قدرية تكون في أغلب الأحيان منفكة ومستقلة عن أسبابهم، كما فلق الله البحر لموسى فانتصر بنو إسرائيل على فرعون، وكما بعث الله الريح والملائكة لتهزم المشركين في غزوة الأحزاب، ومثل ذلك في نصر الله المؤمنين بالملائكة في بدر وحنين ومواقع أخرى. إن قذف الرعب في قلوب أزلام النظام وعصابته هو واحد من الأسلحة الربانية الفتاكة، وقد ورد ذلك في السياق القرآني في أربع معارك في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي بني النضير وبدر وأحد والأحزاب. إن سلاح اللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه وصدق نصرة دينه وإعلاء كلمته تملكه الجماهير الثائرة فقط ولا يملكه النظام الكافر. نعم تتوزع الآلام بين الطرفين ولكن تنفرد الجماهير الإسلامية الثائرة بسلاح الرجاء الرباني. قال تعالى {إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104]، فضمن هذا السياق وتحقق الشروط وانتفاء الموانع فإن إرادة المعارضة ستكون هي المنتصرة في نهاية المطاف، ليس بأسبابها، ولكن بنصر من الله لأنها استنفذت الأخذ بأسبابها. قال تعالى {وَمَا النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} [آل عمران: 126] وقال تعالى: {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧] {إنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْـمِيعَادَ} [آل عمران: ٩]. وغالباً ما يأتي النصر من حيث لا يحتسب المنتظرون له. إن تطويل فترة انتظار مجيء النصر فيها حكم ربانية كثيرة، منها الارتقاء من مرحلة الصبر إلى مرحلة المصابرة، قال تعالى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200]. ومنها التمحيص، قال تعالى {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: ١٤١]. ومنها إيقاع أشد الخسائر وأفدحها وأكثرها إيلاماً وإذلالاً في صفوف الكافرين وهم هنا النظام ومن معه. قال تعالى {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٤١]. وليزداد عدد المصطفين للشهادة والحصول على أعلى المراتب والدرجات قال تعالى {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: 140]. إن استمرار هذا الصراع يأتي في إطار سنن مداولة الأيام بين المتصارعين. قال تعالى {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]. إن الإرادة المطلوبة في هذه المرحلة يجب أن تشتد ولا تهن، وأن يحدوها الأمل النافي لليأس فلا تحزن، وأن تتمسك بحبل الإيمان، فإن حصل ذلك حازوا مرتبة العلا والانتصار العزيز قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 193]. إن من مقتضى الإيمان أن تكون المآلات حاضرة في قلوب وعقول الثوار.
لا يأتي النصر المعني بإسقاط النظام إلا إذا أكد الثوار أنهم يريدون تحكيم الإسلام بعد إسقاط النظام الحاكم، وأن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدرهم الوحيد والفريد في كافة التشريعات بلا استثناء. إن من المؤسف أننا لم نر ذلك جلياً في شعارات الثوار. ينبغي أن يتطور شعار إسقاط النظام فحسب إلى شعار (نريد إسقاط النظام ونريد تحكيم الإسلام). إن ذلك شرط ضروري لتحقيق الانتصار الذي ترنو إليه قلوب الثوار المسلمين جميعاً في أنحاء البسيطة.
الخلاصة في صراع الإرادات: إن حرب الإرادات بين الطرفين: النظام الحاكم والمعارضة ممثلة في الثوار، سجال. غير أن الإرادة المنبعثة من الإيمان بنصر الله يملكها الثائرون ولا يملكها النظام، وهذه الإرادة الإيمانية مع ما يصاحبها من إصرار على تحكيم الشريعة الإسلامية هي التي ستطيح به إن شاء الله تعالى.
ثانياً: صراع الإمكانات:
المقصود الإمكانات المادية.
إمكانات النظام الحاكم:
يمتلك النظام إمكانات دولة تساندها دول، فهو يملك:
• طائفة عديدها حوالي 10%، أي يملك رجالاً مستعدين للدفاع عن الحكم الذي يسيطرون عليه الآن.
• جيشاً جراراً صنعه على عينه، وتحت يديه آلاف الدبابات والمدفعية والمدرعات والصواريخ ومئات الطائرات الحربية والحوامات، وكذا العشرات من القطع البحرية، ولديه من الذخائر ما يمكنه من خوض حرب طويلة الأمد.
• إمدادات حربية مكونة من الرجال والعتاد موضوعة تحت تصرفه من قبل إيران وكذا تفعل روسيا، خاصة وأن لديها قاعدة بحرية في طرطوس.
• موارد مالية، حيث إن جميع المدخولات الاقتصادية تحت تصرفه (سواء من الصناعة أو الزراعة أو التجارة أو غيرها).
• جميع مكونات البنية التحتية بما فيها المستشفيات ومحطات توليد الكهرباء والمياه والوقود.
• يمتلك أيضاً قوة داعمة على المستوى العسكري كحزب الله اللبناني، وعلى المستويين العسكري والمدني كإيران وروسيا، والمدني كالصين، وبناء عليه فإنه لا يزال صامداً إزاء قرارات الحصار الاقتصادي الدولية.
• وأيضا يمتلك النظام حزباً عقائدياً منظماً منضبطاً يحرك أفراده كيفما يشاء لصالح دعم أركانه وشد بنيانه.
• ويمتلك أيضاً بنية دستورية مكونة من رئيس ودستور ومجلس شعب وحكومة وقضاء.
• ويمتلك أيضاً جهازاً أمنياً قمعياً فريداً تتشعب شرايينه لتغطي جميع أجزاء القطر السوري لجمع المعلومات وبث الرعب واعتقال المعارضين، بل حتى غير المعارضين، وتعذيب المسجونين وإعدام المناوئين بغير محاكمة والإشراف على المقابر الجماعية.
إن خلاصة استخدام هذه الإمكانات في قمع الثورة هي لحد الآن حوالي 22 ألف قتيل وأكثر من ذلك من الجرحى وفوق المائة ألف معتقل، ولا يزال النظام الحاكم يستخدم تلك الإمكانات التي ذكرتها ليمد مساحة المجازر ولنشر الدمار وليتحقق شعار (يا سفاح يا بشار يا بعثي يا جزار).
إمكانات المعارضة (الثوار):
تنقسم إمكانات المعارضة إلى قسمين:
الأول: عسكري وهو الجيش السوري الحر، وهو جيش مكون من أكثر من خمسين كتيبة موزعة في أنحاء سورية، وتفتقر إلى السلاح والذخيرة، وإمكاناتها المادية ضعيفة للغاية ولا تقوى على مجابهة الآلة العسكرية للنظام. إن شعارها المرفوع هو حماية المتظاهرين. وقد استغل النظام الحاكم وجود أفراد الجيش الحر في داخل المدن ليقوم بقصفها وهدمها على أهلها بحجة وجود الجيش السوري الحر فيها، وقد أدى ذلك إلى نزوح جماعي من كثير من الأحياء وخاصة في حمص وحماه وإدلب وجسر الشغور. وهذا النزوح هو ما يرمي إليه النظام الطائفي الحاكم، حيث إن من خطته أن يعيد إعمار هذه المناطق ويسكن فيها أفراد طائفته في إطار أمل بزوغ الدولة العلوية التي يحلم بها. إن من واجب قيادة الجيش السوري الحر أن تبادر إلى سحب أفرادها من المدن وتركيز عملياتها على خطوط حركة جيش النظامي وقطع إمداداته وإرباك تحركاته. إن الانسحاب التكتيكي الذي يقوم به الجيش الحر بعد أن يتم تدمير المدن يأتي متأخراً، وإن وجوده داخل المدن يهدي خدمة للنظام الطائفي الحاكم ليبرر قصفه للمدنيين. إن هذا الجيش الحر لن يقوى على حسم المعركة عسكرياً لصالح الثوار في هذه المرحلة، ولكنه يشكل حالة إرباك للجيش النظامي لا أكثر.
الخلاصة في خانة صراع الإمكانات العسكرية: إن الوضع العسكري الآن هو لصالح النظام وبقوة، وأما في إطار المستقبل فإننا نسأل الله تعالى أن تحدث انشقاقات جماعية في جيش النظام على مستوى الفرق وهذا وحده هو الذي سيدعم ويثقل كفة الجيش السوري الحر.
الثاني: مدني وهو الجماهير الثائرة. إن حركة تلك الجماهير تتم تحت شعار التظاهر السلمي، لكن ذلك لم يشفع لها أمام النظام السفاح. فرغم سلميتها إلا أنها تجابه بالرصاص والمدفعية والصواريخ والقصف الجوي، ومع ذلك فهي صامدة ومستمرة وقد حطمت جدار الخوف وفتحت صدورها للموت وأرخصت أرواحها لرب العباد، فما أعظمها من جماهير وما أكثرها من حشود وما أطهرها من نفوس وما أقواها من قلوب وما أصبرها من أجساد. فالله درها يوم يأتي النصر المبين ويوم تبعث يوم الدين. إن هذه المظاهرات الشاملة للمدن السورية والتي عمت كل أرجائها لا تزال تمتلئ نفوسها بالشحن المعنوي الإيماني لإسقاط النظام الطائفي الفاشي. لقد قدمت هذه الجماهير أعداداً هائلة من القتلى (نحسبهم إن شاء الله أو أكثرهم شهداء عند الله) وهي لا تزال مستعدة لتقديم المزيد. وبعد مرور حوالي سنة ونيف على بدء الثورة، فإن الوقت قد حان الآن لتكون الإمكانات الجماهيرية هي المقابلة للإمكانات العسكرية للنظام الحاكم.
الخلاصة في صراع الإمكانات المادية والعسكرية:
إن الإمكانات المادية والعسكرية والحزبية هي في صالح النظام الحاكم بما يفوق مئات المرات ما لدى المعارضة (الثوار)، ولكن يستطيع الثوار موازنة ذلك والتغلب عليه بالثقة بوعد الله الصادق وعملياً بالزحف الجماهيري الهادر على مؤسسات النظام وأركانه ودعائمه. إن الإمكانات المادية والعسكرية لدى النظام الحاكم هي الآن بين يديه يوظفها كيفما يشاء، أما الإمكانات المادية الحاسمة للصراع لدى الثوار فهي مأمولة وليست جميعها بين أيديهم حالياً.
ثالثاً: صراع الحوافز لتحقيق الأهداف:
الحوافز لدى النظام الحاكم:
يمكن تلخيص الحوافز الذاتية لدى النظام الحاكم لتحقيق أهدافه بما يلي:
1- شعور النظام أن ظهره يستند إلى الطائفة العلوية المسيطرة على الجيش ومفاصل الدولة الأمنية والمدنية بما فيها الحزب وأن سقوطه يعني سقوط الطائفة وفقدانه كل شيء.
2- الدعم المادي القوي والفاعل الذي يحصل عليه من إيران ثم روسيا والصين، وهذا حافز قوي ليواصل النظام الحاكم بطشه بغية تحقيق النصر بإيقاف حركة الثوار.
3- الدعم الخفي الذي يحصل عليه النظام من الكيان اليهودي وأوروبا وأمريكا.
4- نجاحه إلى الآن في توظيف شرائح من أهل السنة لتكون في صفه وذلك من خلال تأثيره الإعلامي.
إن هذه الحوافز الأربعة تجعل النظام الحاكم يستميت في الدفاع عن سلطته، ولن يدعها تفلت من بين يديه إلا مكرهاً ومجبراً وذليلاً.
الحوافز لدى المعارضة (الثوار):
1- الثقة بنصر الله تعالى وازدياد التعلق بحبائل الإيمان.
2- الانتقام للقتلى (نحسبهم شهداء والله حسيبهم) والأرامل والأيتام والمشردين والشيوخ والأقرباء والأصدقاء.
3- لم يبق لدى الثوار ما يخسرونه فقد خسروا إلى الآن كل شيء، ولذلك فهم على استعداد تام للتضحية والفداء واستمرار المنازلة والتظاهر بل والقتال إن فُرض عليهم ذلك.
4- ترنح النظام الحاكم وبدء تفكك مفاصله، والانشقاقات في صفوفه عسكرياً ومدنياً وحزبياً.
5- تواصل ازدياد الكتائب المسلحة في الجيش السوري الحر ووصول بعض الدعم المادي والعتادي له، وإعلان بعض الدول العربية استعدادها لتسليحه.
6- الموقف الدولي المؤيد للثورة (وإن لم يكن إجماعاً).
7- مواصلة اتساع الرقعة الجماهيرية المشاركة في الثورة.
8- الإصرار على إسقاط النظام الحاكم الكافر وإقامة النظام الإسلامي العادل.
الخلاصة في صراع الحوافز:
كلا الطرفين لديه حوافزه الفاعلة، ولكن إذا استثنينا حافز الثقة بالله لدى الثوار، فإن باقي الحوافز لدى النظام الحاكم أكثر فاعلية، غير أن الثقة بالله تعالى وبنصره هي المرجحة في نهاية المطاف.
النتيجة:
بناءً على ما سبق بيانه من مكامن القوة والضعف، وكذا ما ذكرناه في صراع الإرادات والإمكانات والحوافز للوصول للأهداف لكلا الطرفين، فإن الاحتمال الثالث يتبوأ مكانة بارزة في ساحة الواقع، ما لم تحصل أحداث في إطار المسار القدري الخارج عن الأسباب المعدة من أي من الطرفين.
الاحتمال الثالث: استمرار الصراع لفترة طويلة
إذا وصل الطرفان: النظام الحاكم والمعارضة، إلى قناعة بعدم إمكانية الحسم لأي منهما وأن تقديم التضحيات من قِبل الثوار سيستمر دون بارقة أمل وأن النظام الحاكم ثبت لديه العجز في القضاء على الثوار، فعندها فقط ستتدخل الجامعة العربية وبدعم من الأمم المتحدة وبرعاية من روسيا والصين من جهة وأمريكا وأوروبا من جهة ثانية للجلوس إلى مائدة المفاوضات، والتي ستتم في الأغلب في مقر الجامعة العربية في القاهرة أو في جنيف حيث غالباً ما يعقد فيها مثل هذا النوع من المفاوضات.
إن هذه المفاوضات ستتم في ظل استعراض كل فريق لقوته على الأرض، بما يعني استمرار القتل والتدمير من جهة النظام الحاكم، واستمرار التظاهر السلمي من قبل الجماهير واستمرار المناوشات العسكرية بين جيش النظام والجيش الحر. إن المتوقع من هذه المفاوضات قد لا يكون مختلفاً كثيراً عما أفرزته ثورة اليمن. وخلاصتها رئيس جديد للجمهورية (هو نسخة من بشار الأسد ومن طائفته)، وتقاسم للسلطة على المستويين الحكومي والبرلماني وتسوية يُتفق عليها بخصوص الأوضاع العسكرية والأمنية، غير أن ذلك لن يكون مقنعاً لكلا الطرفين، ما يعني العودة إلى المربع الأول بعد حين ربما يطول أو يقصر، وبما أن السلطة الحالية لها اليد الطولى فستكون هي الأقوى في المفاوضات، ما يفيد أن الثورة ستكون بعيدة عن تحقيق أهدافها إلا ربما إذا كان ذلك على المدى البعيد. فإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن على الثوار إعادة النظر في الاستراتيجية الحالية بشكل جذري ليتمكنوا من تحقيق الاحتمال الثاني، وهو الانتصار على النظام الحاكم، وينأوا بأنفسهم عن الاحتمال الثالث لأنه سيضيع جميع المكاسب التي تحققت إلى الآن أو أن يؤخر استثمارها.
في هذا الإطار، إذا فشل الحسم عن طريق الزحف الكبير الذي تكلمنا عنه، فلا بد من التنادي إلى اجتماعات مكثفة لقيادات الثوار لإعادة تقييم الأوضاع ولرسم استراتيجية جديدة لمجابهة النظام.
شمس البشائر السننية:
رغم كل ما جاء في هذه الدراسة من معوقات أمام احتمال انتصار الثورة السورية، إلا أنها ستنتصر بإذن الله تعالى، وذلك للأسباب السننية التالية:
1- ادّعاء منازعة الله تعالى في وحدانيته، وهذا ما ادعاه طاغوت الشام لنفسه وسار بذلك ركبان زبانيته، وصاح صائحهم لا إله إلا بشار وأسجدوا الناس لصوره وتماثيله وهم بين براثن التعذيب وتحت بساطير (البسطار هو حذاء العسكريين بلغة أهل الشام) الجنود. وقد انفرد طاغوت الشام بذلك من بين جميع الطواغيت المعاصرين. وقد جرت سنة الله تعالى أن من ادعى هذا الادعاء فإن الله تعالى يقصمه ويأخذه أخذ عزيز مقتدر ويجعله عبرة للمعتبرين وموعظة للمتعظين. وليس طاغوت الشام بأشد بأساً ولا أعظم جنداً من فرعون الذي قال: {يَا أَيُّهَا الْـمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] وقال لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]، ثم فجر قنبلة الباطل المدوية فقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]، فتناولته سنة الله في المتألهين والمتكبرين والمتجبرين، قال تعالى: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} [النازعات: 25] وذلك في مشهد كوني رهيب ومهيب. قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْـمُسْلِمِينَ 90 آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْـمُفْسِدِينَ} [يونس: 90 - 91]، فلينتظر طاغوت الشام وطائفته وأعوانه نزول بأس الله الشديد بهم جميعاً عما قريب بإذنه تعالى.
2- الظلم:
لم يستبق طاغوت الشام وزبانيته نوعاً من أنواع الظلم في أحلك سواده وأشد بأسه وأوسع تأثيره وأقسى عذابه وأفدح معاناته وأهدر شناعاته في إهدار كرامات الرجال وعفاف النساء وبراءة الأطفال إلا وفعلوه واقترفوه دون أن ترف لهم عين أو ترتجف منهم أنامل أو يندى لهم جبين، فما أقسى قلوبهم وأجف أفئدتهم وأحنق صدورهم، إن كان لهم أصلاً قلوب أو أفئدة أو حتى صدور!!
وقد جرت سنة الله تعالى في إزهاق ظلم الظالمين وجعلهم تاريخاً في أخبار الغابرين. قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45]. وقال تعالى: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَـمَّا ظَلَمُوا} [يونس: 13]. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَـمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِـمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف: 59]. وقال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِـمُونَ} [إبراهيم: 42]. وقال تعالى: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِـمِينَ} [يونس: 39]... إلى آيات كثيرة. ومع أخذه تعالى للظالمين فإنه ينصر جنده المؤمنين. قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْـمُرْسَلِينَ 171 إنَّهُمْ لَهُمُ الْـمَنصُورُونَ 172 وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ 173} [الصافات: ١٧١ - 173]، وقال تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْـمِهَادُ} [آل عمران: 12]، وقال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36]. إن طاغوت الشام وأعوانه ستتناولهم سنة إهلاك الظالمين ولن يفلتوا منها أبداً، فأبشروا يا أيها الثوار السوريون المحتسبون واصبروا، فالنصر صبر ساعة، وقد صبرتم عاماً، فالله دركم من شعبٍ أبيٍّ كريم مقدام.
3- الحكم بالطاغوت:
لقد نحى طاغوت الشام وحزبه شريعة الله تعالى من حياة الناس وحاربوها أشد محاربة واستعلنوا بالكفر والطغيان، وأنزلوا العذاب الشديد والتنكيل والوعيد بكل من دعا إلى تحكيم شريعة الرحمن ورفع راية الإسلام، ومجازرهم في ذلك تسطرت في صفحات التاريخ وسار بذكر شناعتها الركبان. لم يكونوا كافرين في ذات أنفسهم فحسب، بل نشروا كفرهم ودعوا إليه في كافة البقاع وجميع الأرجاء. فستتناولهم سنة الله في إزهاق الكافرين وجعل الغلبة والانتصار لعباده المؤمنين. قال تعالى {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [آل عمران: ٤]، وقال تعالى {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم} [آل عمران: 10]، وقال تعالى {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59]، وقال تعالى {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 91]، وقال تعالى {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [النساء: ١٤١]، وقال تعالى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٧٤].
الخلاصة:
فما ذكرناه من السنن الربانية فيمن تأله وظلم وحكم بالطاغوت جميعها منطبقة انطباقاً كاملاً على طاغوت الشام وطائفته وحزبه، فلو لم تكن ثمة ثورة ضد هذا النظام الحاكم فإنه حريٌّ أن يندثر ذليلاً مهزوماً مدحوراً تحت وطأة إحاقة سنن الله تعالى به وأخذها بتلابيبه وخنقه وتدميره وجعله عبرة للمعتبرين، فكيف وقد ثار الناس بقضهم وقضيضهم عليه بعد أن نالهم من بطشه وظلمه ما نالهم، فإنه حري إن شاء الله أن يقر الله عيونهم ويفرح قلوبهم ويسعد صدورهم، قال تعالى {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ 14 وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14 - 15].
شمس البشائر النبوية:
أبشروا يا أهل الشام بالنصر المبين والعلو والتمكين، بما بشركم به النبي الأمين عليه أفضل السلام وأتم التسليم باستحقاق ديار الشام لبركة رب العالمين. وهذه باقة مختارة من أزاهير الدوحة النبوية أسوقها بشرى للثوار في بلاد الشام من المؤمنين الأبرار.
• الحديث الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لنا في شامنا، بارك لنا في يمننا. قالوا يارسول الله: وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا... الحديث) أخرجه البخاري.
• الحديث الثاني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن في الشام) أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصححه الألباني.
• الحديث الثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُقرُ دار المؤمنين بالشام)أخرجه أحمد والنسائي والدارمي والطبراني والحاكم وابن حيان وصححه الألباني.
• الحديث الرابع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مُهاجَرَ إبراهيم (أي الشام)، وسيبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار...) أخرجه أحمد وأبو داود والطيالسي والحاكم وصححه الألباني.
• الحديث الخامس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أهل الغرب (هم أهل الشام، قاله الإمام أحمد) ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) أخرجه مسلم.
• الحديث السادس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليحلق بيمنه، وليسق من غُدُره (جمع غدير)، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله) أخرجه الطبراني وابن عساكر وصححه الألباني.
• الحديث السابع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى للشام. قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام) أخرجه أحمد والترمذي والحاكم والطبراني والبيهقي وصححه الألباني.
• الحديث الثامن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم (أي للقعود فيها أو التوجه إليها)...) أخرجه أحمد والترمذي والطبراني وابن حبان وصححه الألباني.
قلت: جميع هذه الأحاديث وتخاريجها مذكورة في (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) إعداد: جهاد جميل عايش.
قال الألوسي في روح المعاني (9/38): (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الأغبش، وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عما بورك من الشام، أين مبلغ حده؟ فقال: أول حدوده عريش مصر، والحد الآخر طرف الثنية، والحد الآخر الفرات، والحد الآخر جعل فيه قبر هود النبي عليه السلام، وليس المراد بها ما هو متعارف الناس اليوم، أعني دمشق، نعم هي داخلة).
إن هذه الطائفة من الأحاديث النبوية تزف البشرى لأهل الشام بأن منتهى ما يستقر عليه حالها هو هيمنة المؤمنين وارتفاع كلمة المجاهدين وانتصار فئة المسلمين الصادقين.
فإذا نظرنا بشكل عام إلى هذه الدراسة مع ما سقناه فيها من تفاصيل فإن الاحتمال الثالث وإن طال فإن مرده إلى الاحتمال الثاني وهو انتصار الثوار وسقوط النظام الحاكم في سورية الآن. قال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِـحُونَ} [الأنبياء: 105]، وقال تعالى {الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41]. هذه هي النية والهدف الذي ينبغي أن يكون مصاحباً لحركة الجماهير الثائرة في سورية ليتحقق لهم النصر، فعليهم ملازمة الصبر واللجوء إلى الصلاة. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
ما كان من الحق فمن الله وحده، وما كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.