صفحة 1 من 1

مبدأ العدل في الأسلام

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 11, 2012 2:50 pm
بواسطة ماجد العتيبي381
العدل في الاسلام اصل ومبدأ ومنهاج. وغاية. فالعدل اساس من اسس الدين واصل من اصوله حين نصف به خالق الكون عز اسمه.

ويراد من عدل الله سبحانه أنه لا يهمل فعلاً تحتمه المصلحة، ولا يصدر قبيحاً تمنعه الحكمة، لا يصنع شيئأ من هذا، ولا يغفل شيئاً من ذلك، لأنهما لا يكونان الا الحاجة تضطر الفاعل الى المخالفة وقد تنزه الباري عن الحاجة لغناه. او الجهل من الفاعل بصلاح الشيء وفساده وقد تعالى الله عن ذلك لعلمه، او لعبث يريده بذلك الفعل دون جهل منه ولا حاجة، وقد تعالى الله عن ذلك لحكمته: ( ما خلفنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين . لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا أن كنا فاعلين. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإنه هو زاهق ولكم الويل مما تصفون).

وعن القول بعدل الله سبحانه ينشأ القول بعصمة أنبيائه واوصيائه، وهي إحدى عقائد الاسلام الاخرى. والعصمة اعلى درجات العدل في الانسان واقوى مراتب الاستمساك بالدين.

واذا كان النبي والوصي من بعده هو الممثل الاعلى للدين في الامة والقيم الاكبر على اقامة العدل فيها فيجب أن يكون اشد الناس تمسكاً بمبادئ الدين واقواهم انطباعاً بملكات العدل.

ومحال على الله الحكيم العدل المقتدر أن يأتمن على شريعته رجالاً لا يأمن الناس على أحاديثهم الكذب ولا على أعمالهم الفسق ولا على نصيحتهم الخيانة، محال أن يقع منه ذلك لأنه قبح تحظره الحكمة أو جهل يمنعه العلم أو اضطرار تأباه القدرة.

والعدل مبدأ ومنهاج حين نصف به دين الاسلام ذاته.

ويقصد بعدل الاسلام انه قيم ليس فيه ميل ولا اضطراب، قسط ليس به سرف ولا تقصير، وأنه عام الملاحظة لنواحي الانسان دقيق الموازنة بين اطواره وأحواله، فيفي لكل منحى من نواحيه بما يستحق، ويشرع لكل حال من احواله ما يقتضي ولا يخيف على جهة بالتشريع لأخرى، ولا يؤثر ناحية على حساب ناحية: ( ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون)

والعدل هو الغاية من تشريع الدين حين نصف به الانسان الفرد أو نصف به الانسان الأمة.

العدل هو الإستقامة، والاستقامة هي الكمال. والكمال هو الغاية.

فإيجاد الانسان العادل وإقامة المجتمع العادل هي غاية الله من الاسلام حين وضع أول حجر من هيكله ورفع أول قاعدة من قواعده. ومن أجل هذه الغاية وضع كل حجر منه وأقام كل قاعدة، ومن أجل هذه الغاية أتم البناء وثبّت الدعائم. وبهذه الغاية الشاملة يرتبط كل جذر من جذور الدين وعليها يتفرع كل غصن من أغصانه ومنها تبدو وتنضج كل ثمرة من ثمراته: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)

والعدل في الاسلام سلسلة متراصفة الاجزاء مترابطة الحلقات. فمن العدل في العقيدة الى العدل في المنهاج الى العدل الهدف، ومن الاتزان في السلوك الى الاتزان في المعاملة الى الاتزان في الخلق، ومن النَصَف بين الغرائز الى النَصَف بين الافراد الى النَصَف بين الامم، ومن القسط في القول الى القسط في الحكم الى القسط في الميزان، ومن الاستقامة في النفس الى الاستقامة مع الغير . ومن العدل في الفرد الخاص الى العدل في المجتمع العام، ومن التساوي في الحقوق الى التساوي في الطبقات. ومن العدل في ميادين العمل في الدنيا الى العدل في موازين الجزاء في الاخرة، كل هذه مجالات لنشاط الدين، وكل هذه مجالي للعدل المتكامل الذي يستهدفه دين الاسلام.

وكل هذه مظاهر لعدل الله الكامل الشامل تدل على مراشد دينه كما تدل على مناهج قوانينه.

فالمؤمن حق الإيمان من يقوم لله بالقسط، ومن يكون رقيباً لله على نفسه وعلى خاصته في ذلك قبل أن يكون شهيداً له على من سواهم، ومن لا يشذ به الهوى ولا تميل به الأغراض عن منهاج العدل في جميع ذلك. اما من يلوى او يعرض فإن الله خبير بالخائنين في عهودهم ، ونقمته مرصودة لهم جزاء وفاقاً لخيانتهم: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين، إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً)

والمؤمن حق الإيمان من يتصل عدل اللسان منه بعدل اليد والقلب، فلا ينطق لسانه إلا بصواباً ولا يحكم إلا عدلاً ولا تعمل جوارحه الا حقاً ولا يعزم قلبه الا خيراً: ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا نكلف نفساً إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا)

والمؤمن ولي المؤمن في إقامة العدل في خاصته وعامته، يرشده إذا جهل ويقوّمه اذا زاغ ويشده اذا ضعف وينهض بمعونته اذا اعيى: (والعصر أن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)

ومن أجل هذه النزعة الشديدة الى العدل وهذا الولوع الاسلامي بإقامته فكل عمل يؤدي الى الخير ويوافق الشريعة فإن القرآن الكريم يسميه عدلا، فيقول مثلاً في وصف يوم الجزاء والتحذير من شدائده: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون). ويقول أيضاً: (وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت، ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع، وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها)

والعدل فريضة محتومة تجب رعايتها والمحافظة عليها من جميع افراد المسلمين، حتى مع الكفار الذين لا يدينون دين الحق اذا لم يقاتلوا المسلمين ولم يضطهدوهم ولم يفـتنوهم في دنياهم ولم يلبسوا عليهم دينهم. حتى مع هؤلاء يجب على المسلمين القسط في المعاملة، والمساواة في حقوق الانسانية بل ويسمو الاسلام على ذلك الى البر بهم والاحسان الى ضعفائهم: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين)

والحقد والشنآن كذلك لا يسوّغان لأحد من اتباع هذا الدين أن يرتكب مع مناوئيه ما يخالف عدل الاسلام، وأن ينحدر الى شهوة الانتقام وبؤرة التشفي فإن المسلم أزكى من ذلك نفساً وأطهر قلباً: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، إعلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).

والحقد و الشنآن ذاتهما موضوعان لنظرة العدل في الاسلام، فلا يحقد المؤمن إلا في الحق ولا يبغض الا في الله. وطبيعي ان يتحدد هذا الحقد وهذا البغض بمقدار ما يقتضيه الحق وما يأمر به الله، وطبيعي أن تنحصر بوادرهما ونتائجهما في ضمن هذه الحدود. ومشأنأة أحد للمسلمين لا تعني أن الشانئ مجانب للحق في جميع احواله، وواجب المؤمن هو مراعاة الحق انّى كان وأين وجد.

واذا قعد الضعف الانساني بأحد عن هذه الغاية ومالت به الاغراض عن الله في كراهته وحقده، فلا ينتظر من دين الله إن يميل عن الحق لميل احد اتباعه، على انه لا يهتم بحقوق المناوئين قدر اهتمامه بما تتركه رعاية هذه الحقوق من زكاة في نفوس المسلمين وتهذيب لطباعهم وجلاء لايمانهم.

وحتى الحروب المقدسة التي يشنها الإسلام على اعدائه ليس معناها سقوط أحكام العدل مع هولاء المحاربين واستباحة العدوان عليهم.

إن الإسلام انما يكافح الجور في شتى مظاهره وفي شتى أسبابه، فلا يعقل إن يحييه وهو يبتغي إبادته. وان الإسلام انما يدعو الكافرين به إلى إقامة العدل فلا يعقل إن يسقط معهم أحكام العدل، والمتحتم على الفرد المسلم في هذه الحروب أن يكون صورة حيّة لعدل الإسلام ، وبرهاناً شاخصاً على صدق دعوته: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) بلى إن الله لا يحب المعتدين حتى في هذه الظروف الحرجة التي يجد فيها الناس مساغاً للاعتداء.

إن الحروب التي يشنها الإسلام حروب عادلة، لا لان الإسلام يبتغي من إثارتها اقرار العدل وتعميم مناهجه وتيسير سبله فحسب، بل لانها عادلة في جميع ملامحها، مقسطة في جميع أوضاعها.

هي طلقة المحيا بالايمان مشرقة الاسارير بالعدل حتى في أشد مواقفها محنة وامض ساعاتها بلاءاً، وهي بذاتها تهدي المستبصر بعقله إذا رام الهدى كما تقوّم المعوج بطبعه إذا آثر الزيغ.

والخروج على العدل في المجتمع الإسلامي والاستخفاف بالأمن فيه جريمة كبرى في موازين هذا الدين، ومرتكبها محارب لله ولرسوله مستوجب لامض أنواع التأديب: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)

فإذا كانت المخالفة من طائفة ذات منعة وقوة فإن الإسلام يشن عليها حرباً مؤدبة حتى يفيء الباغي ويستقيم المعوج (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا أن الله يحب المقسطين)

وإذا كان العدل هو الاستقامة والاتزان في الخلائق. والاخذ بما يصح من الامور والنبذ لما لا يصلح منها والمحافظة على ما يجب من قوانين والاحتراس عن الخلاف عليها فإن العدل دين كل شيء وشريعة كل كائن: ( وان من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم)

أما العدل في الاخرة فانه الحافز الاعظم على الاستقامة في الدنيا. والجزء المتم لمنهاج العدل في الدين: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)

على هذا السنن المستقيم العادل اسس دين الإسلام يوم اسس، وانزل كتاب الإسلام يوم انزل: (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان) وعلى هذا السنن المستقيم العادل توالت أحكام هذا الدين وتتابعت اصوله وفروعه وأنزلت تعاليمه وآدابه: (وهذا صراط ربك مستقيماً قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) وعلى هذا السنن المستقيم العادل أتم دين الله آخر نص من نصوصه، وختم وحي الله آخر آية من آياته: (وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم).